الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تناقض أهل السفور واختلافهم في معنى الخصوصية المحدثة
وما أوردوه من شبهات بخصوصها
حيث ذهب فريق منهم أن فرض تغطية المرأة لوجهها خاص بأمهات المؤمنين ولا يجب على من سواهن ذلك فهذا والله فوق أنه سوء أدب وسوء ظن في حق بيت النبوة فإنه يدلك على مدى الأفهام المعكوسة والمتسرعة، والتي لا ترجع لأهل العلم السابقين، ومدى التحريف والتبديل والتصحيف الذي وقع في فريضة الحجاب، فلو قالوا أن أمهات المؤمنين لا يحتجبن ويجوز النظر إليهن، فهذا يمكن قوله لكونهن أمهات ويحرم النكاح بهن بنص القرآن، وقد قيل، أما غيره مما فهمه فريق من دعاة السفور اليوم فلا يدخل في عقل أحد حتى ينسب لإمام من أئمة الشرع أنه عناه بقوله، فعلم أنهم لم يفهموا قولهم وغلطوا وعكسوا مرادهم والله بصير بعباده.
ولهذا لم يوافقهم فريق آخر من دعاة السفور، ولكن العجيب أنهم رفضوا قول الأولين بوجود خصوصية ووجوب التغطية على أمهات المؤمنين، وقالوا لا دليل على ذلك، وصدقوا، ولكنهم قالوا هو سنة ومستحب على أمهات المؤمنين وعلى غيرهن من نساء المسلمين كافه، كما قاله الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، ولكن ليس العجب هنا بل العجب حين استشهد رحمه الله، بأدلة وأقوال الفريق الأول فنقل أدلتهم المفهومة عندهم على فرض ستر الوجه على أمهات المؤمنين فقط والمعكوسة والمبتورة من كلام ومراد المتقدمين، كابن بطال، والقاضي
عياض، والطحاوي، وغيرهم وأي شئ آخر يؤيد سفور المرأة لوجهها ولو على فهم أولئك المحرف والمبدل والمصحف، ودون أن يعترض عليهم فيما يخالفهم فيه، فهو أصلاً لا يوافقهم على معنى الخصوصية التي ابتدعوها من أن ستر الوجه فرض مخصوص بأمهات المؤمنين دون غيرهم، لأن مذهبه أنه سنه ومستحب للجميع.
فيذكرني بقول الألباني رحمه الله عندما فهم كلام الإمام الطبري وغيره من أهل العلم بعكس ما أرادوه من تحديد القدر الظاهر من المرأة عند الرخصة بما يظهر في صلاتها وهو الوجه والكفان بقوله: (لإجماع الجميع على أن على كل مصل أن يستر عورته في صلاته وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها
…
) إلخ. فظنه الألباني أنه يستدل بذلك لسفور الوجه، ولهذا اعترض على هذا الاستدلال فقال رحمه الله: (وهذا الترجيح غير قوي عندي
…
لأن للمخالف (1) أن يقول: جواز كشف المرأة عن وجهها في الصلاة أمر خاص بالصلاة فلا يجوز أن يقاس عليه الكشف خارج الصلاة لوضوح الفرق بين الحالتين، هذا مع عدم مخالفتنا له في جواز كشفها وجهها وكفيها في الصلاة وخارجها لدليل بل لأدلة أخرى غير هذه كما يأتي بيانه وإنما المناقشة هنا في صحة هذا الدليل بخصوصه لا في صحة الدعوى) إلى آخر كلام الألباني رحمه الله. ومع ذلك أخذ من كلامه ما استشهد به على سفور الوجه والكفين، وهم إنما كانوا يقصدون بالقياس تحديد قدر الرخصة.
(1) يقصد بالمخالف القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها.
وهنا نقل كلام القاضي عياض والطحاوي وابن بطال وغيرهم على فهم ومراد من قال أن ستر الوجه فرض على أمهات المؤمنين فقط، بالمعنى الذي فهمه أولئك المبتدعة - هدانا الله وإياهم - مع أن الشيخ الألباني لا يقول بذلك، بل يقول هو سنة ومستحب لهن ولجميع النساء، ولا شك أن هذا القول بدعة أيضاً، فأين هذا من قول جمهرة من العلماء ممن قال بعدم ظهور حتى أشخاصهن أصلاً، وما قالوه من نوع خصوصية التشديد والتغليظ عليهن في امر الحجاب، فضلا عمن قال - على أقل الأحوال - إنهن في باب النظر ونحو ذلك كالأجنبيات، فأين السلف الذي له ويدعي رحمه الله متابعتهم؟ فتركهم جميعاً وترك الإجماع من فحول أهل العلم والفضل ممن ألفوا وصنفوا ونقلوا وحققوا طوال أربعة عشر قرناً، وفي أكثر من موضع، وأستشهد بنقولات حديثي الأفهام المتعارضة مع كلامه، حيث تبعهم بفهمهم المعكوس والمحرف والمبدل والمصحف عن معناه ومقصده عند أصحابة من أهل العلم الأجلاء، فكيف رفض الاستدلال بنصفه وقبل نصفه الآخر؟ .
ولا شك أنها زلة منه رحمه الله تعالى، لا يقصد إلا الخير وبيان السنة، وهكذا هي الأمور فمن بدأ الطريق خطأ وخرج عن دائرة الحق في مسألة من المسائل، فلا يزيده السير فيها إلا زيادة في الأخطاء، حتى ظن أن من قال أن الوجه ليس بعورة، فهو يعنى كشف المرأة لوجهها، فكان في كتابه الأخير، "الرد المفحم" من
…
كثرة الأخطاء والنسب المغلوطة، وغير ذلك مالا يحصى ولا يعد،
…
وليس الغرض عندي تتبع أخطاء الشيخ بقدر الحرص على الإلمام
بقواعد مسألة فريضة الحجاب، فما مر معنا مما يحتاج لبيانه اقتصرت عليه، غفر الله لنا وله ولجميع المسلمين، وجمعنا به في مستقر رحمته.
وإني والله لأعلم أنهم يريدون الحق، ولكن ليس كل مريد للحق يصيبه، ولهذا فليلتمسوا لي العذر، وإنما هي لبيان شناعة هذا القول وما يترتب عليه من آثارٍ وفتنٍ وبدعٍ بدأت تطل برأسها، حمى الله بلاد الإسلام والمسلمين، ووفق ولاة أمرهم لكل خير.