الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو جُمعت أقوال الصحابة والتابعين في المسألة وحللت لتبين لنا أنها لمعنى واحد ومقصد متحد، ولما احتجنا لترجيح أو طرح قول على قول، ولما تطرق لدينا الاضطراب والتناقض والاختلاف الذي وقع فيه البعض فنسبوه للصحابة، ليبرروا اختيارهم من بين أقوالهم.
والآن نشرع في توضيح مقصد السلف لها وبيان المعنى العام المتوافق مع كل الأقوال المأثورة عنهم في الآية الكريمة.
الجمع بين أقوال الصحابة في الآية:
وهذا ما عنيه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان خلافهم وأقوالهم في تفسيرهم الآية من قبيل خلاف التنوع، حيث مثلوا بمثال ونوع من أنواع الزينة التي يُرخص للمرأة أن تظهرها عند الحاجة والضرورة، فابن عباس مثلا عند تفسيره لمعنى:{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال: (الوجه وكحل العين وخضاب الكف والخاتم) ومرة قال: (الكحل والخاتم) ومرة قال: (الخاتم والمسكة) ومرة قال: (الكحل والخدان).
لأن الزينة زينتان:
الأولى: زينة خَلقية من أصل خِلقة المرأة، كالوجه والكفين والرجلين والشعر ونحو ذلك.
الثانية: زينة مكتسبة مما تتزين به المرأة وهو ليس من أصل خلقتها، وإنما تكتسبه لتتزين به وهو خارج عن زينتها الأصلية الخَلقية، كالكحل والخضاب والخاتم والأساور والثياب ونحو ذلك، فهذه من الزينة، وإن
لم تكن من أصل زينة المرء، كقوله تعالى:{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} [القصص: 79]، وكقوله تعالى:{قل من حرم زينه الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} [الأعراف: 32]، وكقوله تعالى:{والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينه ويخلق ما لاتعلمون} [النحل: 8]، وكقوله تعالى:{وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا} [يونس: 88]، وكقوله تعالى:{إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا} [الكهف: 7]، وغير ذلك كثير من الآيات الدالة على أن الزينة تطلق أيضا على ما يتزين به الشئ وهو ليس من أصله بل خارج عنه.
وكِلا الزينتين حق وصواب حيث وردت في أقوال السلف عند تفسيرهم للآية الكريمة وتلقتها الأمة بالقبول، فكأنهم في كل مرة يُسألون أو يفتون أو يفسرون كانوا يقصدون أن يلفتوا الأنظار لمعنى الآية الواسع في جواز أن تبدي المرأة من زينتها ما تدعو الحاجة إليه ومما لابد من ظهوره منها في كثير من الأحوال، فكانوا في كل مرة يمثلون بزينة كالوجه والخاتم والكحل وغير ذلك من زينتها الخلقية أو المكتسبة، وهم حينما مثلوا بالوجه أو الكفين لم يقصدوا تحديد الزينة بتلكم الأقوال بقدر ما قصدوا المثال والنوع الذي يكثر ويغلب حاجة المرأة والناس إليه في أحوالهم الحياتية كما في أحوالها العديدة التي تحتاج وتضطر المرأة لكشف وجهها وكفيها فيها، وأما سبب تمثيلهم بالزينة دون تمثيلهم للأحوال والحاجات والضروريات؛ لأن الزينة سواء كانت الخَلقية أو