المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأدلة والنقول على أن (القناع) يأتي بمعني ستر الوجه: - كشف الأسرار عن القول التليد فيما لحق مسألة الحجاب من تحريف وتبديل وتصحيف

[تركي بلحمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌(المبحث الأول)سورة الأحزاب وأول ما نزل من الآيات في مسألة الحجاب وما لحق تفسيرها من تحريف وتصحيف وتبديل

- ‌تاريخ نزول أول الآيات في مسألة الحجاب:

- ‌كيف مهد الإسلام لتشريع فريضة الحجاب

- ‌أول ما نزل في شأن الحجاب:

- ‌آية الحجاب وإجماع المفسرين عليها

- ‌التحريف والتبديل والتصحيف المعاصر لما لحق كلام شيخ المفسرين الإمام الطبري في تفسيره لآية الإدناء:

- ‌اختلاف ألفاظ السلف في التفسير غالباً ما يكون اختلاف تنوع:

- ‌الأدلة والنقول على أن (القناع) يأتي بمعني ستر الوجه:

- ‌مخالفة الشيخ الألباني لإجماع المسلمين في تفسيره لقوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن}

- ‌آيات الحجاب لم تنزل مرة واحدةولها تسلسل ووقائع

- ‌(المبحث الثاني)سورة النور وما فيها من أدلة أخرى على أن الحجاب قد فرض قبلها وقبل ما فيها من قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

- ‌تناقض أهل السفور في مسألة غض البصر:

- ‌التبرج انفلات لا يقف عند حد:

- ‌سورة النور والرخصة بجواز أن تبدي المرأة من زينتها ما تدعو الحاجة والضرورة إليه

- ‌سورة النور فصلت ما أُجمل في سورة الأحزاب:

- ‌مصطلح أمن الشهوة ونحوه عند الفقهاء المتقدمين وما أصابه من التحريف والتبديل والتصحيف:

- ‌بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم جواز نظر الخاطب لمخطوبته نوع من تفسيره للآية:

- ‌(المبحث الثالث)أقوال الصحابة في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْها} [النور: 31]

- ‌أقوال الصحابة واختلافهم في تفسير آية: {إلا ما ظهر منها} كان من اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد

- ‌الجمع بين أقوال الصحابة في الآية:

- ‌ومن تلكم الحالات:

- ‌حالة المرأة الساترة لوجهها واحتاجت لكشف العينين فقط أو الكفين:

- ‌حالة احتياج المرأة لكشف زينة وجهها أو كفيها:

- ‌مقصد الإمام الطبري عند تفسيره للآية:

- ‌حالة احتياج المرأة لتكشف أكثر من الوجه أو الكفين:

- ‌حالة احتياج المرأة لظهور زينتها المكتسبة كالثياب ونحوها:

- ‌فرض لبس الجلباب عند خروج المسلمات الصالحات:

- ‌حالة ظهور زينة المرأة رغما عنها وبغير قصد منها:

- ‌منهج السلف في التفسير:

- ‌منهج الصحابة والتابعين عند تفسيرهم لآية الرخصة {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منه}

- ‌منهج أئمة التفسير والفقه عند تفسيرهم لآية الرخصة:

- ‌(المبحث الرابع)التحريف والتبديل فيما لحق كلام أئمة المذاهب الأربعة في فريضة الحجاب

- ‌اختلاف المذاهب الأربعة في مسألة الحجاب كان من اختلاف التنوع

- ‌المناهج الفقهية للمذاهب الأربعة:

- ‌فريضة الحجاب عند المذاهب الأربعة:

- ‌(محاورة)حجة القائلين أن الوجه والكفين ليسا من العورة وأن ذلك لم يمنع من قولهم بوجوب ستره لعلة الفتنة والشهوة

- ‌أدلة ونقول أئمة الفقهاء من الأحناف والمالكية وغيرهم وتفسيرهم لقوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} بأنها رخصة وتحديدهم القدر المرخص للمرأة أن تبديه بأمور منها بما يظهر في صلاتها

- ‌(باب شروط الصلاة):

- ‌اعتراض الألباني على الأئمة في طريقة استدلالهم لتحديد قدر الرخصة لأنه يظن أنهم يستدلون به للسفور

- ‌قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

- ‌بقية أدلة الأحناف والمالكية وغيرهم في تفسير الآية بأنها رخصة وتحديدهم القدر المرخص لها أن تبديه في الغالب وأن قولهم ليس بعورة لا يعني عدم وجوب ستره

- ‌(محاورة)حجة القائلين أن علة الأمر بستر الوجه والكفين لكونهما من العورة

- ‌قول أتباع كل مذهب بقول المذهب الآخر وتعدد الروايات في المذهب الواحد دليل على أن اختلاف المتقدمين في فريضة الحجاب كان من قبيل اختلاف التنوع

- ‌خطأ الشيخ الألباني رحمه الله في نسبته مذهب السفور للقائلين أن الوجه والكفين ليسا بعورة:

- ‌وبالعكس فمع ذلك قد تجد بعض أئمة الأحناف والمالكية وبعض الشافعية يقول أن المرأة عورة وذلك لأن الأمر واسع كما قلنا ومثاله:

- ‌وهناك قسم آخر من بعض الأئمة أخذوا يفصلون بنوع آخر وهو أن الوجه والكفين من المرأة عورة، ولكنه في حق من جاز نظره إليها لا يكون بالنسبة لهم من العورة لورود الدليل المبيح في ذلك، وهذا يدلك أن الأمر فيه سعة ولا يترتب عليه في أصل المسألة شيء ومثاله:

- ‌خلاصةأقوال أئمة المذاهب الأربعة في مسألة هل الوجه والكفين عورة أم لا

- ‌سبب ذكرنا لتأصيل المذاهب لمسألة الحجاب:

- ‌(المبحث الخامس)إكمال نقل إجماع المفسرين على أن الآية رخصة وليست تشريعاً لفريضة الحجاب

- ‌فائدة في حكمة التكرار في قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}:

- ‌حكمة عدم التحديد في قوله تعالى: {إلا ما ظهر منها}:

- ‌لو لم تنزل آية الرخصة

- ‌مخالفة الألباني للإجماع في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

- ‌تفسير قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} وقول الألباني أن الخمار لا يأتي لستر الوجه

- ‌تصحيف الشيخ الألباني لكلام الحافظ ابن حجر

- ‌تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بأرجلهن لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور 31]

- ‌(المبحث السادس)خصوصية أمهات المؤمنين في فرض الحجاب عليهن وما لحقها من التحريف والتصحيف والتبديل

- ‌التمهيد لنزول فريضة الحجاب:

- ‌موقف الصحابة من آيات الحجاب وأمهات المؤمنين:

- ‌طريقة حجاب النساء داخل البيوت والإجماع في ذلك:

- ‌لماذا ذكرت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم بالذات

- ‌طريقة حجاب النساء خارج البيوت والإجماع في ذلك:

- ‌معنى الخصوصية في حجاب أمهات المؤمنين عند المتقدمين وما لحقها من التحريف والتبديل والتصحيف

- ‌الخصوصية الأولىالأدلة على أن معنى الخصوصية التي قصدها بعض المتقدمين لأمهات المؤمنين هي في تغليظ حجابهن بعدم جواز ظهور أشخاصهن أو الرخصة لهن في كشف الوجه والكفين كغيرهن

- ‌وممن قال بهذه الخصوصية من نوع التغليظ:

- ‌وممن قال أيضاً بالخصوصية من نوع تغليظ الحجاب على أمهات المؤمنين

- ‌الخصوصية الثانيةالأدلة على أن معنى الخصوصية الثانية والتي عناها المتقدمون لأمهات المؤمنين هي أنهن حجبن عن أبنائهن فكن بذلك مخصوصات عن بقية الأمهات وكن كالأجنبيات

- ‌خلاصة الكلام في خصوصية أمهات المؤمنين

- ‌الأول: أنهن مخصوصات بعدم ظهور شخوصهن فضلا عن عدم جواز ظهور الوجه والكفين منهن ولو عند الحاجة كما هو جائز لغيرهن

- ‌والثاني: أنهن مخصوصات بالحجاب من أبنائهن ومن يحرم النكاح بهم فكن بذلك دون بقية الأمهات ومن يحرم النكاح بهن اللاتي لم يفرض عليهن ذلك

- ‌تناقض أهل السفور واختلافهم في معنى الخصوصية المحدثةوما أوردوه من شبهات بخصوصها

- ‌رد شبهةعن الإمام القاضي عياض

- ‌كشف المُحْرِمَة وجهها في طريقها عند عدم وجود الرجال الناظرين لها وتناقص أهل السفور فيه:

- ‌مذهب القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها لمجرد خروجها:

- ‌الشبهة المثارة من أهل السفور عن مالك في جواز مؤاكلة المرأة للرجل

- ‌قول أهل السفور نتيجة حتمية لما هو الحاصل اليوم:

- ‌منهج الإمام ابن حزم الظاهري في مسالة الحجاب وما لحقه من تحريف وتبديل وتصحيف

- ‌نَقلُ أهل السفور هجوم ابن حزم على من فرق بين الأَمة والحرة في لبسهن للجلابيب في الصلاة وخارجها:

- ‌وقال ابن القيم: - فصل: الفرق بين النظر إلى الحرة والأمة

- ‌معنى الجلابيب عند الإمام ابن حزم موافق لإجماع أهل العلم:

- ‌(المبحث السابع)استدلالات أهل السفور بالسنة على شبهاتهم

- ‌أولاً: حديث الفضل بن عباس ومخالفتهم لفهم السلف له:

- ‌الوجه الأول: في رد هذه الشبهة وهي عدم وجود ما ادعوه أصلا من كشف الوجه في الحديث:

- ‌الوجه الثاني: وهو على فرض كونها كانت كاشفة عن وجهها:

- ‌ثانيا: استدلالهم بحديث سفْعَاء الخدين

- ‌ثالثا: شبهة استدلالهم بحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق ومخالفتهم لفهم السلف له

- ‌خطأ الألباني في فهم مراد الإمام البيهقي

- ‌تضعيف البيهقي لحديث أسماء بنت عميس الثاني من طريق ابن لهيعة من"كتاب النكاح

- ‌رابعا: استدلالهم بحديث الواهبة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشبهة أهل السفور فيه

- ‌خامسا: ومن أمثلة شبهاتهم الواهية التي ينقلونها:

- ‌ومن أمثلة غرائب استدلالات أهل السفور وشبههم:

- ‌سادساً: استدلالهم لمثل هذا بما جاء في جلباب المرأة للألباني:

- ‌خلاصة شبهات أهل السفور اليوم وبدعة القول أن في تغطية المرأة لوجهها أمام الرجال سنة ومستحب

- ‌مذهب السلف في مسائل الشبهات:

- ‌(المبحث الثامن)الرخصة الثانية في سورة النور وإجماع أهل العلمقال تعالى: {وَالقواعد مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ متبرجات بِزِينَةٍ وَأن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّ

- ‌(المبحث التاسع)الأدلة من السنة والآثار على فريضة ستر المرأة وجهها عن الرجال

- ‌وختاماً:

الفصل: ‌الأدلة والنقول على أن (القناع) يأتي بمعني ستر الوجه:

‌الأدلة والنقول على أن (القناع) يأتي بمعني ستر الوجه:

1 -

أول دليل على أن لفظ التقنع يشمل ستر الوجه موجود في نفس المكان الذي أشكل عليهم مما نقله الطبري نفسه، فلو تدبروا كلامه لوجدوه ذكر لفظة التقنع في الصفة الأولى التي صرحت بتغطية الوجه وهذا يكفي ليعلموا أن ما جاء في الصفة الثانية بلفظ التقنع هو بمثل هذا المقصد والمعنى وأن التقنع يكون لستر الوجه أيضا.

2 -

جاء في عمدة القاري: الحديث المخرج عند البخاري وغيره، في هجرته صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر من مكة للمدينة حين خرج متخفيا (قالت عائشة: فبينا نحن يوما جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة فقال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها قال أبوبكر: فدى له بأبي وأمي والله أن جاء به في هذه الساعة لأمر فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال حين دخل لأبي بكر: أخرج من عندك) (1) انتهى.

3 -

وقال أيضاً: (باب التقنع: أي هذا باب في بيان التقنع بفتح التاء المثناة من فوق والقاف وضم النون المشددة وبالعين المهملة، وهو تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره) انتهى من عمدة القاري.

(1) عمدة القاري جاء بعد الحديث رقم (5806).

ص: 45

4 -

وقال في مرقاة المفاتيح: (متقنعاً بكسر النون المشددة أي مغطياً رأسه بالقناع أي بطرف ردائه على ما هو عادة العرب لحر الظهيرة، ويمكن أنه أراد به التستر لكيلا يعرفه كل أحد)(1) انتهى.

5 -

وجاء عند أحمد وغيره: عن كعب بن عجرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تهيج على الأرض فتن كصياصي البقر، فمر رجل متقنع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا وأصحابه يومئذ على الحق، فقمت إليه فكشفت قناعه وأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، هو هذا؟ قال: هو هذا، قال: فإذا بعثمان بن عفان)(2)

6 -

وجاء في كتاب الفائق في غريب الحديث: (الكاف مع الميم (كَمْكَمَ) رأى عمر رضي الله تعالى عنه جارية متكمكمة فسأل عنها فقالوا: أمة لفلان فضربها بالدرة ضربات وقال: يا لكعاء; أتشبهين بالحرائر؟ يقال: كمكمتُ الشيء، إذا أخفيته وتكمكم في ثوبه: تلفف فيه وهو من معنى الكم وهو الستر والمراد أنها كانت متقنعة أو متلففة في لباسها لا يبدو منها شيء، وذلك من شأن الحرائر) (3) انتهى.

(1) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف: الملا على القاري (13/ 61).

(2)

قال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند (4/ 236): إسناده صحيح. وقال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح) والغريب أن الشيخ الألباني رحمه الله مر على لفظة (التقنع) في قصة عثمان رضي الله عنه في صحيح الترمذي له (2922) (عن أبي الأشعث الصنعاني أن خطباء قامت بالشام وفيهم رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام آخرهم رجل يقال له مرة بن كعب

) وساق نحو حديث كعب بن عجرة مع عثمان بن عفان، ومر عليها ثانية في (صحيح سنن ابن ماجة 111) له أيضا، فسبحانه من لا يسهو ولا يغفل.

(3)

الفائق في غريب الحديث للزمخشري (3/ 279).

ص: 46

7 -

وقال الحافظ بن حجر في الفتح: عند باب {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} عن عائشة رضي الله عنها قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله:{وليضربن بخمرهن على جيوبهن} شققن مروطهن فاختمرن بها) قال الحافظ: (فاختمرن أي غطين وجوههن وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر وهو التقنع) انتهى كلامه.

8 -

قال في المعجم الوسيط (القناع): هو ما تنقبت به المرأة فتجعله على مارن أنفها لكي تستر به وجهها) انتهى.

وقال أيضاً في المعجم الوسيط: (القناع): ما تغطي به المرأة رأسها وغشاء القلب والشيب وما يستر به الوجه).

وقال (المقنع): المغطى بالسلاح والذي على رأسه بيضة الحديد والمستور وجهه).

وقال عند (البرقع): قناع النساء.

وقال عند (تنقبت): المرأة شدت النقاب على وجهها.

9 -

وقال في لسان العرب: (والنقاب القناع على مارن الأنف، والجمع نقب وقد تنقبت المرأة وانتقبت وأنها لحسنة النقبة بالكسر والنقاب نقاب المرأة التهذيب والنقاب على وجوه:

قال الفرّاء: إذا أدنت المرأة نقابها إلى عينها فتلك الوصوصة فإن أنزلته دون ذلك إلى المحجر فهو النقاب فإن كان على طرف الأنف فهو اللفام وقال أبو زيد النقاب على مارن الأنف وفي حديث ابن سيرين

ص: 47

النقاب محدث، أراد أن النساء ما كنّ ينتقبن أي يختمرن، قال أبو عبيد ليس هذا وجه الحديث ولكن النقاب عند العرب هو الذي يبدو منه محجر العين ومعناه أن إبداءهن المحاجر محدث، إنما كان النقاب لاحقاً بالعين وكانت تبدو إحدى العينين والأخرى مستورة والنقاب لا يبدو منه إلا العينان وكان اسمه عندهم الوصوصة والبرقع وكان من لباس النساء ثم أحدثن النقاب بعد) انتهى من لسان العرب.

وقال عند (وصوص): وصوصت الجارية إذا لم ير من قناعها إلا عيناها) انتهى.

وقال عند (سدل): وفي حديث عائشة أنها سدلت طرف قناعها على وجهها وهي محرمة أي أسبلته) انتهى.

10 -

وقال صاحب تاج العروس: (أن الأصل في النقاب عند العرب هو القناع الذي تضعه المرأة على مارن أنفها بحيث يظهر عينيها ومحاجرهما وهو ما يسمى باللثام فإذا كان لا يظهر منه إلا عيناها سمي برقعاً) انتهى.

11 -

وقال في (ذ ي ل) الذيل: آخر كل شيء كما في المحكم قال شيخنا: هذا هو الحقيقي وما بعده مجاز. والذيل من الإزار والثوب: ما جر منه إذا أسبل زاد الصاغاني: فأصاب الأرض من ثوبها من نواحيها كلها قال: ولا ندعو للرجل ذيلا فإن كان طويل الثوب فذلك الإرفال في القميص والجبة والذيل في درع المرأة أو قناعها إذا أرخت شيئا منهما) انتهى.

ص: 48

12 -

وقال في المغرب في ترتيب المعرب: (سفر): وسفرت المرأة قناعها عن وجهها كشفته سفورا فهي سافر) انتهى.

13 -

وقال في تهذيب اللغة للأزهري: (سدل): وفي حديث عائشة أنها سدلت طرف قناعها على وجهها وهي محرمة. أي أسبلته) انتهى.

14 -

وقال في معجم لغة الفقهاء: (القناع): بكسر القاف (ج) أقناع وأقنعة وقنع، ما يستر به الوجه).

15 -

وفي بعض روايات الحديث عند البخاري: (تقنع الصحابي عبد الله بن عتيك بثوبه حتى لا يفطن له، عندما بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع؛ ليقتلوه)(1).

16 -

وذكر صاحب سمط اللآلئ لمؤلفه الميمني عنوان بقوله:

(ذكر خبر الحاطبي مع عمر ابن أبي ربيعة قول القائل:

ولما تفاوضنا الحديث وأسفرت

وجوه زهاها الحسن أن تتقنعا

يريد وأسفرت وجوه نسوة زها هذه المرأة حسنها أن تتقنع، أي استخفها الحسن عن التقنع فهن سافرات) (2) انتهى.

17 -

ومنه ما جاء في "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة": وفيه ما حكاه الفرزدق عن نفسه وجرير (فلم يَرُعْني إلا انقضاض فارس قد اعتقل قناة خطية وظاهر بين درعين، وتقنع بالحديد، فلم يظهر إلا عينه، وجاء حتى ركز قناته إلى جنبي).

(1) أطرافه في: كتاب الجهاد والسير وكتاب المغازي.

(2)

سمط اللآلئ للميمني (1/ 198).

ص: 49

18 -

وقال في "محاضرات الأدباء" للراغب الأصفهاني: "مدح التقنع وذمه": (كان فرسان العرب يتقنعون إلا أبا تميم بن طريف لم يتقنع قط ولم يبال أن يُعرف. وقيل: التقنع بالليل ريبة وبالنهار مذلة. وكان التقنع من شيم الأشراف يقصدون بذلك مباينة العامة ويقولون: عدم القناع يفضي إلى ملال وابتذال فمن وطئته الأعين وطئته الأرجل).

19 -

وقال في "غريب الحديث" لأبي عبيد القاسم بن سلام: (وقال أبو عبيد: في حديث النبي عليه السلام حين قيل له: هذا عليّ وفاطمة قائمين بالسُّدة، فأذن لهما فدخلا فأغدف عليهما خميصة سوداء. قوله: أغدف عليهما- يعني أرسل عليهما، ومنه قيل: أغدفت المرأة قناعها إذا أرسلته على وجهها لتستره) انتهى.

20 -

وفي الصحاح في اللغة للجوهري: (غدف): وأغدفت المرأة قناعها أي أرسلته على وجهها) انتهى.

ووالله لولا التطويل والملل لنقلت أكثر من هذا، فكيف يقال أن الخمار (1) أو التقنع كما هو حديثنا هنا لا يأتي بمعنى ستر الوجه وإنما ما جاوره وإلا لما استطاع المقاتل أن يسير فضلا عن أن يقاتل.

خامساً: جاء عند الطبري وغيره اختلاف المفسرين لمعنى الجلابيب فمنهم من قال الأردية ومنهم من قال الملاحف وغير ذلك من خلاف التنوع لا اختلاف التضاد، ولكن لم يفهم أحد من الناس أن المراد منه

(1) سيأتي الكلام عن (الخمار) عند تفسير قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} [النور: 31] وقول الشيخ الألباني أن الخمار لا يأتي لستر الوجه (صـ 317).

ص: 50

لباس غير الذي تلبسه المرأة فوق ملابسها المعتادة ليسترها عند خروجها، فلماذا عند ذكر صفة الإدناء قالوا يوجد اختلاف تضاد في المعنيين وأتوا بما لم يقله قدماء المفسرين وأهل اللغة، ولا يدل عليه سياق كلام الطبري بتاتاً.

سادساً- عندما قال الطبري عن الصفة الأولى (فقال بعضهم: هو أن يغطين وجوههن ورؤوسهن فلا يبدين منهن إلا عينا واحدة) ثم قال عن الصفة الثانية: (وقال آخرون: بل أمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن). وهم عندما لم يجدوا ذكراً للوجه في الصفة الثانية طاروا بها سريعا، واعتقدوا أنها ضالتهم التي يبحثون عنها من أن الطبري أراد أن يبين وجود خلاف بين السلف على تغطية المرأة لوجهها، فكان في تسرعهم وعدم تدبرهم لكلام الطبري ما أنساهم أن فيه كذلك ما يبطل فهمهم وهو أن الرؤوس لم تذكر أيضا في كلام الطبري، فهل يقول قائل أن الخلاف في الصفة الثانية هو فقط بالشد على الجبين ولو كانت رؤوس النساء مكشوفة؟ وبخاصة لو صح قولهم أن التقنع لا يعنى ستر الوجه، مما تعلم معه أن الإمام الطبري لم يرد من ذكره للصفة الثانية أن يذكر خلافا واقعا في الرؤوس والوجوه، بل أراد ذكر الخلاف في صفة الإدناء وطريقة ستره لتلك الرؤوس والوجوه، ولهذا أعرض عن تكرار عبارة تغطية الرؤوس والوجوه لأنه مفروغ منها أصلا وقد ذكرها مرتين قبل ذلك فأغنى عن إعادتها، وأراد أن يتفرغ لبيان طريقتي سترهما.

ص: 51

فكلامهم من كل وجه ظاهر البطلان والخطأ، ولم يكن في بال الطبري أن سيأتي من يتحجج في الفرائض والمسلمات الواضحات، بمثل هذه الطرق الغريبة في الاستدلال، ومن يترك الكتاب والسنة ليستنتج من قوله أو قول غيره أدلة على ما فرضه الله، وأعظم من ذلك حين يستشهدون بعبارات بعض الفقهاء من أن وجه المرأة ليس بعورة، وهم غير فاهمين لمعناها ومقصدها عند أولئك، فيذكرونها ليبرهنوا على وجود خلاف بين السلف وبالتالي ليبدلوا كل ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وحياة السلف الصالح وأقوالهم في ستر النساء لوجوههن بأنه صارف عن الفرض والوجوب وإنما هو سنة ومستحب بدليل قول الطبري كذا وكذا، وقول الإمام الفلاني كذا وكذا، وبمثل هذه الاستدلالات المبتورة، ضاعت فرائض الله وأبيح ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بأدنى التحريفات والتبديلات والتصحيفات حتى غدا الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدا فطوبى للغرباء.

سابعاً- ما سننقله عن بقية المفسرين ونحن نمر على أقوالهم في آية الإدناء من أن التقنع الوارد في الآثار بمعنى تغطية المرأة لوجهها، وما قالوه صراحة عند ذكر الصفتين بأنهما بمعنى واحد وهو تغطية المرأة لوجهها بطريقة الإرخاء والإلقاء على الوجه أو بطريقة الشد والعطف على الجبين كما يُلبس البرقع والنقاب والقناع واللثام وما نقلوه عن الطبري وابن عباس، فمع وضوحه ولكن ليتأكد الجميع من كلام الطبري كما فهمه جهابذة العلماء وحراس الشريعة، وصناديد اللغة، حتى قال بعضهم أن الصفتين تحصيل حاصل. فهذا التحريف

ص: 52

والتصحيف والتبديل لكلام شيخ المفسرين، من القائلين بجواز سفور وجه المرأة لهو والله عين تتبع الظنون والمتشابهات، وهكذا يكون التبديل والتحريف والتصحيف عندما لا يتمسكون بالثوابت المحكمات فلا دليل لهم إلا بمثل هذا، يتعلقون به كما يتعلق الغريق بقشة، أتراهم وجدوا في تفسير غيره صريح ما يقولون، فأحجموا عن نقله ليستنبطوا من كلام الطبري ما يتوهمون؟

يريدون أن يبطلوا قطعية آية الإدناء وما جاء فيها من إجماع على ما تناقله المفسرون جيلا بعد جيل عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة على فرض ستر نساء المؤمنين لوجوههن، وهيهات لهم ذلك.

بقية أقوال المفسرين في آية الإدناء:

2 -

تفسير "الجواهر الحسان" للإمام الثعالبي (ت: 875 هـ):

قال: (وقولُه سبحانه: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} واختلف في صورة إدنائه:

- فقالَ ابن عباسٍ وغيره: ذلك أن تَلْوِيَه المرأة حَتَّى لا يظهر منهَا إلا عينٌ واحدة تبصر بها.

- وقال ابن عباس أيضا وقتادةُ: ذلك أن تلويه الجبينِ وتشدُّهُ، ثم تَعْطِفَهُ على الأنف، وإن ظهرتُ عَيْنَاها؛ لكنَّه يستر الصدر ومعظمَ الوجهِ) انتهى كلامه.

ص: 53

3 -

تفسير الإمام القرطبي رحمه الله: (الثانية: لما كانت عادة العربيات التبذل، وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن وتشعب الفكرة فيهن أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن).

- إلى أن قال -: (الثالثة: قوله تعالى: {من جلابيبهن} الجلابيب جمع جلباب وهو ثوب أكبر من الخمار. وروى عن ابن عباس وابن مسعود أنه الرداء. وقد قيل: أنه القناع. والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن.

الرابعة: واختلف الناس في صورة إرخائه:

- فقال ابن عباس وعبيدة السلماني: ذلك أن تلويه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها.

- وقال ابن عباس أيضا وقتادة: ذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده، ثم تعطفه على الأنف، وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه. وقال الحسن: تغطي نصف وجهها) انتهى كلامه.

وهذا فيه كذلك أن اختلافهم في صور إرخائه كلها مؤداها واحد لتفهم كيف فهم أهل العلم كلام السلف وكلام الطبري وهو أنه لستر الوجه سواء بالسدل والإرخاء كما تفعله المحرمة عند وجود الرجال أو عن طريق ستره بالتبرقع والقناع واللثام وذلك لا يكون إلا بعد تثبيته بالشد على الجبين وعطفه على الأنف والوجه حتى يثبت.

ص: 54

4 -

وقال أبو حيان الأندلسي (ت: 745 هـ) في تفسيره البحر المحيط:

(كان دأب الجاهلية أن تخرج الحرة والأمة مكشوفتي الوجه في درع وخمار، وكان الزناة يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن في النخيل والغيطان للإماء، وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة، يقولون: حسبناها أمة، فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء، بلبس الأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجوه ليحتشمن ويهبن، فلا يطمع فيهن. وروي أنه كان في المدينة قوم يجلسون على الصعدات لرؤية النساء ومعارضتهن ومراودتهن، فنزلت. قيل: والجلابيب: الأردية التي تستر من فوق إلى أسفل، وقال ابن جبير: المقانع، وقيل: الملاحف، وقيل: الجلباب: كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها، وقيل: كل ما تستتر به من كساء أو غيره. قال أبو زيد: تجلببت من سواد الليل جلبابا

وقيل: الجلباب أكبر من الخمار. وقال عكرمة: تلقي جانب الجلباب على غيرها ولا يرى. وقال أبو عبيدة السلماني، حين سئل عن ذلك فقال: أن تضع رداءها فوق الحاجب، ثم تديره حتى تضعه على أنفها. وقال السدي: تغطي إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين. انتهى. وكذا عادة بلاد الأندلس، لا يظهر من المرأة إلا عينها الواحدة عن الكسائي أنه قال: أي يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهن أراد بالانضمام معنى الإدناء.

وقال ابن عباس وقتادة: وذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف، وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه.

ص: 55

والظاهر أن قوله: {ونساء المؤمنين} يشمل الحرائر والإماء، والفتنة بالإماء أكثر، لكثرة تصرفهن بخلاف الحرائر، فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح. و (من) في:{من جلابيبهن} للتبعيض، و {عليهن}: شامل لجميع أجسادهن، أو {عليهن}: على وجوههن، لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه. {ذلك أدنى أن يعرفن}: لتسترهن بالعفة، فلا يتعرض لهن، ولا يلقين بما يكرهن؛ لأن المرأة إذا كانت في غاية التستر والانضمام لم يقدم عليها، بخلاف المتبرجة، فإنها مطموع فيها) انتهى كلامه.

وأنت تلاحظ أن الإمام أبو حيان يريد من الإماء أيضا التستر بلبس الجلابيب وتغطية وجوههن كالحرائر، وقد سبقه في المطالبة بذلك الإمام الظاهري ابن حزم رحمه الله تعالى فأوجبه على الإماء ورد في كتابه "المُحَلى" على جماهير الأئمة والفقهاء ممن فرق بينهن وبين الحرائر سواء في عورة الصلاة أو لبسهن للجلابيب وسترهن لوجوههن أمام الأجانب وهذا من حرصهم رحمهم الله تعالى على عدم إشاعة الفواحش وكل ما يثير الشهوات.

وسنأتي بمشية الله لنقل كلام الإمام ابن حزم في وجوب تغطية الإماء لوجوههن كالحرائر، وكيف نقل أهل السفور تشنيعه على من فرق بين الإماء والحرائر في لبسهن للجلابيب للصلاة وخارجها، وكأنه يقول بمذهب السفور مثلهم.

ص: 56

5 -

قال ابن عطية (ت: 542 هـ) في تفسيره المحرر الوجيز:

«الجلباب» ثوب أكبر من الخمار، وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنه الرداء. واختلف الناس في صورة إدنائه:

- وقال ابن عباس أيضا وقتادة وعبيدة السلماني ذلك أن تلويه المرأة

حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها.

- وقال ابن عباس أيضا وقتادة وذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه) انتهى.

6 -

تفسير الكشاف للإمام الزمخشري- الحنفي - (ت: 538 هـ):

(ومعنى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَاابِيبِهِنَّ} يرخينها عليهنّ، ويغطين بها وجوههنّ وأعطافهنّ. يقال: إذا زل الثوب عن وجه المرأة: أدني ثوبك على وجهك، وذلك أن النساء كنّ في أول الإسلام على هجيرهنّ في الجاهلية متبذّلات، تبرز المرأة في درع وخمار فصل بين الحرّة والأمة، وكان الفتيان وأهل الشطارة يتعرّضون إذا خرجن بالليل إلى مقاضي حوائجهنّ من النخيل والغيطان للإماء، وربما تعرّضوا للحرّة بعلة الأمَة، يقولون: حسبناها أمَة، فأمرن أن يخالفن بزيهنّ عن زي الإماء بلبس الأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجوه، ليحتشمن ويهبن فلا يطمع فيهن طامع، وذلك قوله:{ذلِكَ أَدْنَى أن يُعْرَفْنَ} أي أولى وأجدر بأن يعرفن فلا يتعرّض لهن ولا يلقين ما يكرهن. فإن قلت: ما معنى {مِن} في {مِن جَلَاابِيبِهِنَّ} ؟ قلت: هو للتبعيض. إلا: أن يكون

ص: 57

معنى التبعيض محتمل وجهين، أحدهما: أن يتجلببن ببعض ما لهنّ من الجلابيب، والمراد أن لا تكون الحرة متبذلة في درع وخمار، كالأمة والماهنة الخادمة ولها جلبابان فصاعدا في بيتها. والثاني: أن ترخي المرأة بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة. وعن ابن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن ذلك فقال: أن تضع رداءها فوق الحاجب ثم تديره حتى تضعه على أنفها. وعن السديّ: تغطي إحدى عينيها وجبهتها، والشقّ الآخر إلا العين، وعن الكسائي: يتقنعن بملاحفهنّ منضمة عليهنّ، أراد بالانضمام معنى الإدناء) انتهى.

7 -

قال القمي النيسابوري (ت: (850 في تفسيره:

(ومعنى {يدنين عليهن} يرخين عليهن يقال للمرأة إذا زل الثوب عن وجهها أدني ثوبك على وجهك. ومعنى التبعيض في {من جلابيبهن} أن يكون للمرأة جلابيب فتقتصر على واحد منها، أو أريد طرف من الجلباب الذي لها. وكانت النساء في أول الإسلام على عادتهن في الجاهلية متبذلات يبرزن في درع وخمار من غير فصل بين الحرة والأمة، فأمرن بلبس الأردية والملاحف وستر الرأس والوجوه) انتهى.

8 -

قال الإمام ابن كثير (ت: 774 هـ) في تفسيره:

(يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يأمر النساء المؤمنات خاصة أزواجه وبناته لشرفهن بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء. والجلباب هو: الرداء فوق الخمار. قاله

ص: 58

ابن مسعود، وعبيدة، وقتادة، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وعطاء الخرساني، وغير واحد. وهو بمنزلة الإزار اليوم. قاله الجوهري: الجلباب: الملحفة.

قالت امرأة من هذيل ترثي قتيلا لها:

تمشي النسور إليه وهي لاهية

مشي العذارى عليهن الجلابيب

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة.

وقال محمد بن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن قول الله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن} فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى. وقال عكرمة: تغطي ثغرة نحرها بجلبابها تدنيه عليها.

وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو عبد الله الظهراني فيما كتب إليّ، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن خثيم، عن صفية بنت شيبة، عن أم سلمة قالت: لما نزلت هذه الآية: {يدنين عليهن من جلابيبهن} خرج نساء الأنصار كان على رؤوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها) انتهى.

وقال ابن كثير رحمه الله أيضاً عند قوله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب} (لما أمر تعالى النساء بالحجاب من الأجانب، بيّن أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب منهم) انتهى.

ص: 59

9 -

روح المعاني لشهاب الدين الألوسي (ت: 1270 هـ):

قال: (والإدناء التقريب يقال أدناني أي قربني وضمن معنى الإرخاء أو السدل ولذا عُدّيَ بعلى، على ما يظهر لي، ولعل نكتة التضمين الإشارة إلى أن المطلوب تستر يتأتى معه رؤية الطريق إذا مشين فتأمل.

ونقل أبو حيان عن الكسائي أنه قال: أي يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهن ثم قال: أراد بالانضمام معنى الإدناء، وفي الكشاف معنى {يدنين عليهن} يرخين عليهن يقال إذا زل الثوب عن وجه المرأة أدني ثوبك على وجهك. وفسر ذلك سعيد بن جبير بيسدلن عليهن.

وعندي أن كل ذلك بيان لحاصل المعنى (1)، والظاهر أن المراد بعليهن على جميع أجسادهن، وقيل: على رؤوسهن أو على وجوههن لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه.

واختلف في كيفية هذا التستر:

- فأخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن هذه الآية {يدنين عليهن من جلابيبهن} فرفع ملحفة كانت عليه فتقنع بها وغطى رأسه كله حتى بلغ الحاجبين وغطى

(1) والحقيقة أنه ليس تحصيل حاصل على كل وجه، فإن كان ذلك في أن الجميع بمعنى تغطيته الوجه فنعم، وإن أريد بذلك عدم الفائدة من ذكر اختلاف الطريقتين في ستر النساء لوجوههن وأنه لا حاصل من ذلك فلا، حيث مر معنا ما هو معلوم من تحريم الطريقة الثانية والتي فيها الشد والعطف والضرب على الوجه مما يشبه النقاب كالبرقع والتقنع والتلثم لمن كانت متلبسة بالإحرام.

ص: 60

وجهه وأخرج عينه اليسرى من شق وجهه الأيسر، وقال السدي: تغطي إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين.

- وقال ابن عباس. وقتادة: تلوى الجلباب فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها لكن تستر الصدر ومعظم الوجه.

وفي رواية أخرى عن الحبر رواها ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، تغطى وجهها من فوق رأسها بالجلباب وتبدي عينا واحدة) انتهى من روح المعاني.

10 -

وقال ابن العربي في تفسيره:

عند تفسيره لقوله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب} حيث قال فيها ما يفسر قوله في آية الإدناء بصريح العبارة:

(هذا يدل على أن الله أذن في مساءلتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض، أو مسألة يستفتى فيها، والمرأة كلها عورة، بدنها وصوتها، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة، أو لحاجة، كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يعن ويعرض عندها)(1).

11 -

قال أبو محمد البغوي (ت: 510 هـ) في تفسيره:

(جمع الجلباب وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار. وقال ابن عباس وأبو عبيدة: أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عينا واحدة ليعلم أنهن حرائر) انتهى.

(1) أحكام القرآن، عند تفسيره للآية.

ص: 61

12 -

قال الجصَّاص في أحكام القرآن (ت: 370) إمام الحنفية في بغداد: (في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين وإظهار العفاف عند الخروج، لئلا يطمع أهل الرِّيَبِ فيهن). وإليك قوله بتمامه:

فقال: (قوله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ قُلْ لأزواجك وبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} رُوي عن عبدالله قال: "الجلباب الرداء". وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: "يتجلببن ليُعلم أنهن حرائر ولا يعرض لهنّ فاسق". وروى محمد بن سيرين عن عبيدة: {يدنين عليهن من جلابيبهن} قال: تقنّع عبيدة وأخرج إحدى عينية. وحدثنا عبدالله بن محمد قال: حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال: أخبرنا عبدالرزاق قال: أخبرنا معمر عن الحسن قال: "كنَّ إماءً بالمدينة يقال لهن كذا وكذا يخرجن فيتعرض لهن السفهاء فيؤذونهن، وكانت المرأة الحرة تخرج فيحسبون أنها أمةٌ فيتعرضون لها فيؤذونها، فأمر الله المؤمنات أن يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن أنهن حرائر فلا يُؤْذَيْن". وقال ابن عباس ومجاهد: "تغطّي الحرة إذا خرجت جبينها ورأسها خلاف حال الإماء".

وحدثنا عبدالله بن محمد قال: حدثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن أبي خيثم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة قالت: لما نزلت هذه الآية: {يدنين عليهن من جلابيبهن} خرج نساء من الأنصار كان على رؤوسهن الغربان من أكسية سُودٍ يلبسنها.

ص: 62

قال أبو بكر: في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بسَتْرِ وجهها عن الأجنبيين وإظهار الستر والعفاف عند الخروج لئلا يطمع أهل الريب فيهن. وفيها دلالة على أن الأمة ليس عليها سَتْرُ وجهها وشعرها؛ لأن قوله تعالى: {وَنِسَاءِ المؤمنين} ظاهره أنه أراد الحرائر، وكذا رُوي في التفسير، لئلا يكنَّ مثل الإماء اللاتي هنّ غير مأمورات بستر الرأس والوجه، فجعل الستر فرقاً يعرف به الحرائر من الإماء. وقد رُوي عن عمر أنه كان يضرب الإماء ويقول: اكشفن رؤوسكنّ ولا تَشَبَّهْنَ بالحرائر) انتهى.

وقال قبلها عند قوله تعالى: {وَإذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وراء حِجَابٍ} قد تضمن حَظْرَ رؤية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبيَّن به أن ذلك أطهر لقلوبهم وقلوبهن؛ لأن نَظَرَ بعضهم إلى بعض ربما حدث عنه الميل والشهوة، فقطع الله بالحجاب الذي أوجبه هذا السبب.

قوله تعالى: {وَمَا كان لَكُمْ أن تُؤْذُوا رَسُولَ الله} يعني ما بيَّن في هذه الآية من أيجاب الاستئذان وتَرْكِ الإطالة للحديث عنده والحجاب بينهم وبين نسائه. وهذا الحكم وإن نزل خاصّاً في النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه فالمعنى عام فيه وفي غيره، إذ كنّا مأمورين باتباعه والاقتداء به إلا ما خصه الله به دون أمته) انتهى.

ص: 63

13 -

وقال في فتح القدير للشوكاني (ت: 1250 هـ):

{يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} من للتبعيض والجلابيب جمع جلباب وهو ثوب أكبر من الخمار قال الجوهري الجلباب الملحفة وقيل القناع وقيل هو ثوب يستر جميع بدن المرأة كما ثبت في الصحيح من حديث أم عطية [أنها قالت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب فقال: لتلبسها أختها من جلبابها] قال الواحدي: قال المفسرون يغطين وجوههن ورؤوسهن إلا عينا واحدة فيعلم أهن حرائر فلا يعرض لهن بأذى وقال الحسن: تغطي نصف وجهها وقال قتادة: تلويه فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وأن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه) انتهى.

وقال الإمام الشوكاني أيضا عند قوله تعالى: {لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن .. } فهؤلاء لا يجب على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غيرهن من النساء الاحتجاب منهم) انتهى.

14 -

وقال في لباب التأويل للإمام الخازن (ت: 741 هـ):

{من جلابيبهن} جمع جلباب وهو الملاءة التي تشمل بها المرأة فوق الدرع والخمار، وقيل الملحفة وكل ما يستتر به من كساء وغيره. قال ابن عباس: أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عيناً واحدة ليعلم أنهن حرائر) انتهى.

ص: 64

15 -

مفاتيح الغيب لفخر الدين الرازي (ت: 606 هـ):

(وكان في الجاهلية تخرج الحرة والأمة مكشوفات يتبعهن الزناة وتقع التهم، فأمر الله الحرائر بالتجلبب وقوله: ? ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين? قيل يعرفن أنهن حرائر فلا يتبعن ويمكن أن يقال المراد يعرفن أنهن لا يزنين لأن من تستر وجهها مع أنه ليس بعورة لا يطمع فيها أنها تكشف عورتها فيعرفن أنهن مستورات لا يمكن طلب الزنا منهن) انتهى كلامه.

وأما قول الإمام الرازي (مع أنه ليس بعورة) فليس كما توهمه البعض وفهموه فهماً سطحياً متسرعاً، من أن الفقهاء القائلين إن الوجه ليس بعورة يقولون بجواز سفور وجه المرأة لمجرد قولهم أن الوجه ليس بعورة، فهُم مع أنهم لم يعدوا الوجه والكفين عورة، فإنهم مع ذلك يوجبون تغطيته كما ترى هنا ويحرمون كشفه بتاتا إلا بسبب مبيح، لأن علة التحريم والأمر بالإدناء عندهم وإن لم تكن العورة فهي علة أخرى يسمونها الفتنة والشهوة، وهذا ظاهر هنا من كلام الرازي: (فأمر الله الحرائر بالتجلبب

لأن من تستر وجهها مع أنه ليس بعورة) فهو يقول (فأمر الله) ولكن من لم يفهم مقصدهم من المتأخرين نسب إليهم ذلك، وهم عندما قالوا أنه ليس بعورة إنما اعترضوا على علة الفريق الآخر لأنه يستلزم منها لوازم عندهم، ولم يعترضوا على أصل الفريضة وستر المرأة لوجهها؛ لأن المرأة كما يعبرون تكشف الوجه والكفين في صلاتها إجماعاً، ولو قيل أنهما من العورة لقيل وكيف لم تبطل صلاتها؟ وكذلك اعترضوا على كونهما من العورة لأن الشرع

ص: 65

أباح كشفهما في أحوال عدة والمرأة تبتلى وتمتحن بكثرة احتياجها واضطرارها للكشف عن وجهها وكفيها في كثير من الأحوال والظروف الضرورية، فتحاشي البعض منهم من أن يؤدي القول بكونهما من العورة أن يلزم منه بطلان صلاتها عند كشفه، وكذلك عدم جواز ظهورهما في حالات الضرورة، والشريعة أباحت كشفهما فيما دون الضرورة القصوى من الحاجات الملحة كالتوثيق في حال البيوع والشراء والشهادة وغير ذلك للرجوع لها أو عليها في أي خلاف أو ضرر، وكذلك في حال الخِطبة، وفي النواحي الأمنية لمعرفة شخصها ونحو ذلك كثير، وبهذا يتضح أنهم لم يقصدوا من عدم كونهما عورة أنه يجوز كشفهما على أي حال وبدون سبب مبيح من حاجة أو ضرورة، كما ادعاه البعض، بالعكس فهم لم يقولوا بكونهما من العورة إلا لإقرارهم بوجوب ستره من الأساس وإنما قالوا ذلك ليدللوا على جواز كشفه في الصلاة وللأجنبي عند الحاجة والضرورة المؤقتة، وبخاصة أن من يقرأ كلامهم الصريح في أبواب الفقه المختلفة يعلم ذلك علماً يقينياً ويفهم مثل عباراتهم تلك ومقاصدهم، فليس بينهم وبين من يقول أنهما عورة أي خلاف حقيقي، وإنما هو خلاف صوري لا يؤثر في حقيقة أنهم مجمعون على وجوب ستر المرأة لوجهها، كما مر معنا كلام أئمة أهل التفسير على آية الإدناء، مع أن منهم من يقول أن الوجه ليس بعورة.

وسيأتي مزيد بيان وتفصيل لذلك عند ذكر التحريف والتبديل والتصحيف الذي لحق مسألة الحجاب من سوء فهم مقصد أقوال المتقدمين من الفقهاء وتقعيداتهم، إن شاء الله تعالى.

ص: 66

16 -

الكشف والبيان للثعلبي (ت: 428 هـ):

{يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} أي يرخين أرديتهن وملاحفهن فيتقنعن بها، ويغطين وجوههن ورؤوسهن ليعلم أنهن حرائر فلا يُتعرض لهن ولا يُؤذين.

قوله: {ذلِكَ أَدْنَى أن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكان اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} لما سلف منهن من ترك السنن {رّحِيماً} بهنّ إذ سترهنّ وصانهن. قال ابن عبّاس وعبيدة: أمر الله النساء المؤمنات أن يغطّين رؤوسهنّ ووجوههنّ بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة. قال أنس: مرّت جارية بعمر بن الخطاب متقنّعة فعلاها بالدرّة وقال: يا لُكاع أتشبهين بالحرائر؟ ألقي القناع).

17 -

تفسير بحر العلوم للإمام السمرقندي (ت: 375 هـ):

{يدنين عليهن من جلابيبهن} وقال القتبي: يلبسن الأردية. ويقال: يعني يرخين الجلابيب على وجوههن) انتهى.

18 -

تفسير النكت والعيون للماوردي- شافعي - (ت: 450 هـ):

{فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وراء حِجَابٍ} أمرن وسائر النساء بالحجاب عن أبصار الرجال وأمر الرجال بغض أبصارهم عن النساء) انتهى.

19 -

قال الإمام برهان الدين البقاعي (ت: 885 هـ):

({ونساء المؤمنين يدنين} أي يقربن {عليهن} أي على وجوهن وجميع أبدانهن فلا يدعن شيئاً منها مكشوفاً) انتهى.

ص: 67

20 -

تفسير زاد المسير للإمام ابن الجوزي (ت: 597 هـ):

(قوله تعالى: {يا أيها النبيُّ قل لأزواجك

} الآية، سبب نزولها أن الفُسَّاق كانوا يؤذون النساء إذا خرجن بالليل، فإذا رأوا المرأة عليها قناع تركوها وقالوا: هذه حُرَّة، وإذا رأوها بغير قناع قالوا: أمة فآذوها، فنزلت هذه الآية، قاله السدي.

قوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن} قال ابن قتيبة: يَلْبَسْنَ الأردية. وقال غيره: يغطِّين رؤوسهنّ ووجوهن ليُعلَم أنهنَّ حرائر {ذلك أدنى} أي: أحرى وأقرب {أن يُعْرَفْنَ} أنهنَّ حرائر {فلا يؤذَين} ) انتهى.

21 -

وقال صاحب معاني القرآن أبو جعفر النحاس (ت: 338 هـ):

{يدنين عليهن من جلابيبهن} قال أبو مالك والحسن كان النساء يخرجن بالليل في حاجاتهن فيؤذيهن المنافقون ويتوهمون أنهن أماء فأنزل الله جل وعز ياأيها النبي قل لأزواجك إلى آخر الآية قال الحسن ذلك أدني أن يعرف أنهن حرائر فلا يؤذين، قال الحسن تغطي نصف وجهها، وكان عمر إذا رأى أمة قد تقنعت علاها بالدرة قال محمد بن سيرين سألت عبيدة عن قوله تعالى يدنين عليهن من جلابيبهن فقال تغطي حاجبها بالرداء ثم ترده على أنفها حتى تغطي رأسها ووجهها وإحدى عينيها) انتهى.

ص: 68

22 -

وقال ناصر الدين البيضاوي في تفسيره) ت: 685 هـ):

{يدنين عليهن من جلابيبهن} يغطين وجوههن وأبدانهن بملاحفهن إذا برزن لحاجة) انتهى.

23 -

وقال أبو البركات النسفي في تفسيره (ت: 710 هـ):

({ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} الجلباب ما يستر الكل مثل الملحفة عن المبرد ومعنى يدنين عليهن من جلابيبهن يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن يقال إذا زال الثوب عن وجه المرأة أدني ثوبك على وجهك ومن للتبعيض أى ترخى بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة أو المراد أن يتجلببن ببعض ما لهن من الجلابيب) انتهى.

وانظر لقوله (تتقنع) وأنها تعني ستر الوجه فكيف مروا على هذه النقول مرور الكرام وماذا سيقول من سيأتي بعدنا من الأجيال لو رضينا بهذا؟ .

24 -

وقال أبو السعود (ت: 982 هـ) في تفسيره:

(أي يغطين بها وجوههن وأبدانهن إذا برزن) انتهى.

25 -

معاني القرآن للفراء (ت: 207 هـ):

(عن ابن سيرين في قوله: {يدنين عليهن من جلابيبهن .. } هكذا: قال تغطى إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين) انتهى.

ولم يزد لا هو ولا غيره في تفسير هذه الآية شيئاً خلاف ذلك بتاتاً.

ص: 69

26 -

وقال الواحدي (ت: 468 هـ) في تفسيره:

{وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} إذا أردتم أن تخاطبوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أمر فخاطبوهن من وراء حجاب وكانت النساء قبل نزول هذه الآية يبرزن للرجال فلما نزلت هذه الآية ضرب عليهن الحجاب فكانت هذه آية الحجاب بينهن وبين الرجال {ذلكم} أي: الحجاب {أطهر لقلوبكم وقلوبهن} فإن كل واحد من الرجل والمرأة إذا لم يرَ الآخر لم يقع في قبله) انتهى.

27 -

قال السراج المنير للإمام الفقيه محمد الشربيني الخطيب

- الشافعي - في تفسيره:

({ونساء المؤمنين يدنين} أي: يقربن {عليهن} أي: على وجوههن وجميع أبدانهن فلا يدعن شيئاً منها مكشوفاً {من جلابيبهن} ولا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا خرجن لحاجتهن بكشف الشعور ونحوها ظنا أن ذلك أخفى لهن وأستر، والجلباب القميص، وثوب واسع دون الملحفة تلبسه المرأة، والملحفة: ما ستر اللباس، والخمار: وهو كل ما غطى الرأس وقال البغوي: الجلباب الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار، وقال حمزة الكرماني، قال الخليل: كل ما يستر به من دثار وشعار وكساء فهو جلباب والكل تصح إرادته هنا، فإن كان المراد القميص فإدناؤه إسباغه حتى يغطي بدنها ورجليها، وإن كان يغطي الرأس فإدناؤه ستر وجهها وعنقها، وإن كان المراد ما يغطي الثياب

ص: 70

فإدناؤه تطويله وتوسيعه بحيث يستر جميع بدنها وثيابها، وإن كان المراد ما دون الملحفة فالمراد ستر الوجه واليدين وقال ابن عباس وعبيدة: أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عينا واحدة ليعلم أنهن حرائر. ولما أمر تعالى بذلك علله بقوله تعالى: {ذلك} أي: الستر {أدنى} أي: أقرب من تركه في {أن يعرفن} أنهن حرائر بما يميزهن عن الإماء {فلا} أي: فتسبب عن معرفتهن أن لا {يؤذين} ممن يتعرض للإماء فلا يشتغل قلبك عن تلقي ما يرد عليك من الأنباء الإلهية قال ابن عادل: ويمكن أن يقال: المراد يعرفن أنهن لا يزنين لأن من تستر وجهها مع أنه ليس بعورة أي: في الصلاة لا يطمع فيها أنها تكشف عورتها، فبفرض أنهن مستورات لا يمكن طلب الزنا منهن. ا. هـ.

ولما رقاهن تعالى لهذا الأمر خفف عاقبة ما كن فيه من التشبه بالإماء فأخبرهن تعالى بوسع كرمه وجوده بقوله تعالى: {وكان الله} أي: الذي له الكمال المطلق أزلا وأبدا {غفورا} أي: لما سلف منهن من ترك الستر فهو محاء للذنوب عينا وأثرا {رحيما} بهن إذ سترهن وبمن يمتثل أوامره ويجتنب نواهيه) انتهى كلامه.

ص: 71

28 -

وقال في التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي (ت: 741 هـ):

{قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} كان نساء العرب يكشفن وجوههن كما تفعل الإماء وكان ذلك داعيا إلى نظر الرجال لهن فأمرهن الله بإدناء الجلابيب ليسترن بذلك وجوههن ويفهم الفرق بين الحرائر والإماء والجلابيب جمع جلباب وهو ثوب أكبر من الخمار وقيل هو الرداء.

وصورة إدنائه:

- عند ابن عباس أن تلويه على وجهها حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها.

- وقيل أن تلويه حتى لا يظهرإلا عيناها. وقيل أن تغطي نصف وجهها.

ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين أي ذلك أقرب إلى أن يعرف الحرائر من الإماء فإذا عرف أن المرأة حرة لم تعارض بما تعارض به الأمة وليس المعنى أن تعرف المرأة حتى يعلم من هي إنما المراد أن يفرق بينها وبين الأمة) انتهى.

29 -

قال المفسرالإمام يحيى بن سلام البصري القيرواني (ت: 200 هـ): قول الله تعالى: {ياأيها النَّبِيُّ قُلْ لأزواجك وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} قال: (والجلباب: الرداء تقنع به وتغطي به شق وجهها الأيمن، تغطي عينها اليمنى وأنفها) انتهى.

ص: 72

30 -

وقال المفسر الإمام أبو المظفر السمعاني رحمه الله (ت: 489 هـ):

(وقوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن} أي: يشتملن بالجلابيب والجلباب: هو الرداء، وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار. قال عبيدة السلماني: تتغطى المرأة بجلبابها فتستر رأسها ووجهها وجميع بدنها إلا إحدى عينيها) انتهى.

31 -

وقال المفسر الفقيه عماد الدين الطبري الشهير بإلكيا الهراس الشافعي (ت: 504 هـ):

{يا أيها النَّبِيُّ قُلْ لأزواجك وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} الجلباب: هو الرداء، فأمرهن بتغطية وجوههن ورؤوسهن ولم يوجب على الإماء ذلك) انتهى.

32 -

وقال ابن حزم الظاهري (ت: 456 هـ):

عند تعريفه للجلابيب: (وَالْجِلْبَابُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ التي خَاطَبَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ مَا غَطَّى جَمِيعَ الْجِسْمِ، لَا بَعْضَهُ)(1) انتهى.

33 -

وقال الإمام السيوطي رحمه الله (ت: 911 هـ):

وقال السيوطي في استنباط التنزيل: (هذه آية الحجاب في حق سائر النساء، ففيها وجوب ستر الرأس والوجه عليهن)(2) انتهى.

(1) المُحَلى، كتاب الصلاة.

(2)

استنباط التنزيل للسيوطي (3/ 118)، وذكره عنه صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود (12/ 158) اللباس، باب قول الله تعالى:{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ .. } .

ص: 73

34 -

قال المفسر العلامة جمال الدين القاسمي (ت: 1332 هـ):

في محاسن التأويل عند تفسيره لقول الله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ قُلْ لأزواجك وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} نقل كلام الزمخشري المتقدم ثم قال: (ومن الآثار في الآية ما رواه الطبري عن ابن عباس قال: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة، أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة، وأخرج ابن أبي حاتم عن أم سلمة قالت لما نزلت هذه الآية {يدنين عليهن من جلابيبهن} خرج نساء الأنصار كان على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها) انتهى.

35 ـ وقال مفتي الديار المصرية الشيخ حسنين محمد مخلوف رحمه الله (ت: 1355 هـ):

عند تفسيره لقول الله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن} : (يسدلن الجلابيب عليهن حتى يسترن أجسامهن من رؤوسهن إلى أقدامهن. والإدناء التقريب، ولتضمنه معنى السدل أو الإرخاء عُدِّي بعلى. والجلابيب جمع جلباب وهو ثوب يستر جميع البدن يعرف بالملاءة أو الملحفة)(1).

(1) صفوة البيان لمعاني القرآن (ص 537).

ص: 74

36 -

المفسر الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر محمد سيد طنطاوي:

قال في تفسيره لقول الله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ قُلْ لأزواجك وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذَلِكَ أَدْنَى أن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكان اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} والجلابيب جمع جلباب، وهو ثوب يستر جميع البدن، تلبسه المرأة فوق ثيابها، والمعنى: يا أيها النبي قل لأزواجك اللائي في عصمتك، وقل لبناتك اللائي هن من نَسْلك، وقل لنساء المؤمنين كافة، قل لهن: إذا ما خرجن لقضاء حاجتهن، فعليهن أن يَسدلن الجلالبيب عليهن حتى يسترن أجسامهن ستراً تاماً من رؤوسهن إلى أقدامهن؛ زيادة في التستر والاحتشام، وبعداً عن مكان التهمة والريبة. قالت أم سلمة رضي الله عنها: لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كان على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سُود يلبسنها) (1).

37 -

وقال المفسر العلامة الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمه الله:

عند تفسيره لقول الله {يدنين عليهن من جلابيبهن} قال: (وبعض المترجمين والمفسرين في هذه الأيام غلبهم الذوق الغربي، فترجموا هذا اللفظ بمعنى الالتفاف لكي يتلافوا حكم ستر الوجه

.

ومن ثم تعني الآية صراحة أن يتغطى النساء بالإضافة ويلففن أنفسهن بجلابيبهن ثم يسدلن عليهن من فوق، بعضاً منها، أو طرفها، وهو ما يعرف عامة باسم النقاب؛ هذا ما قاله أكابر المفسرين في أقرب عهد بزمن الرسالة وصاحبها

وقد فسرها ابن عباس رضي

(1) التفسير الوسيط (11/ 245).

ص: 75

الله عنهما أيضا بما يقارب هذا إلى حد كبير وما نقله عنه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه يقول فيه: " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة " وهذا ما قاله قتادة والسدي أيضا في تفسير هذه الآية ويتفق أكابر المفسرين الذين ظهروا في تاريخ الإسلام بعد عصر الصحابة والتابعين على تفسير الآية بهذا المعنى) (1).

ولا أريد أن أزيد في النقل أكثر من ذلك وقد حصل المقصود في بيان إجماع المفسرين والصحابة والتابعين ومن بعدهم على مر عصورهم دون أي خلاف يذكرعلى قوله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ قُلْ لأزواجك وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} وأن هذه الآية دليل قطعي في الأمر بتغطية النساء لوجوههن عن الرجال.

39 -

قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، وبعد أن سرد جملة كبيرة من أقوال جماهير العلماء المعتبرين:(هذه هي أقوال أعلام هذه الأمة من لدن أفضل القرون إلى القرن الرابع عشر الذي نعيش فيه يعرف منها أن من تصدى لتفسير إدناء الجلباب فقد فسره بتغطية الوجه)(2).

(1) تفسير سورة الأحزاب ـ ص 161. وراجع أيضاً كتابه: (الحجاب).

(2)

(إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب صـ 43).

ص: 76

ما معنى هذه النقول؟ :

وغير ذلك معناه أن نقذف بهذه النصوص المدونة على مر العصور لنأخذ بتفسير بعض المتأخرين اليوم القائلين بسفور المرأة لوجهها، وللقارئ الكريم أن يراجع بقية التفاسير على اختلاف مذاهبها ومشاربها ومناهجها، ليجد النقل المتتابع الموروث جيلا بعد جيل في ذلك، وقد أعرضنا عن كثير من التفاسير لشهرة أقوال أصحابها في وجوب ستر النساء لوجوههن عن الرجال، خشية من الإطالة.

وهذه كتب أئمة التفسير فليخرجوا لنا كلمة واحدة أو قولاً واحداً أو اسماً واحداً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أوالتابعين أو تابعيهم بإحسان قال أحد منهم أن في آية الإدناء قولا - أي قول - غير أنها الأمر للنساء بستر وجوههن عن الرجال، فضلا أن يكون فيمن بعدهم متجرئٌ يقول أن فيها معنى كشف النساء لوجوههن.

ص: 77