الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تناقض أهل السفور في مسألة غض البصر:
وهذا ظاهر من أن النظر بريد الزنا والمرغب فيه كما هو معلوم لكل ذي عقل لا ينازع فيه أحد من العالمين، فإذا سلمنا بهذا فإن أعظم مطمع في المرأة هو النظر لوجهها، ولو أراد الله منها كشفه ما أمرها ونهاها عما دونه من محركات الشهوات.
وقد استدل القائلون بجواز سفور وجه المرأة بقوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أبصارهم} فقال: إذا كانت المرأة مغطية وجهها فممَ يغض الرجال أبصارهم؟ .
وممن استشهد بذلك الشيخ محمد الألباني غفر الله لنا وله كما في كتابه جلباب المرأة المسلمة صفحة (78) فقال: (ويؤيد ذلك قوله تعالى في صدر الآية المتقدمة: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم
…
وقل للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ
…
} الآية [النور: 30] فإنها تشعر بأن في المرأة شيئا مكشوفا يمكن النظر إليه فلذلك أمر تعالى بغض النظر عنهن وما ذلك غير الوجه والكفين. ومثلها قوله صلى الله عليه وسلم: (صحيح) (إياكم والجلوس بالطرقات
…
فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). وقوله): الحديث حسن) (يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة) وعن جرير بن عبد الله قال: (صحيح)(سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة؟ فأمرني صلى الله عليه وسلم أن أصرف بصري) انتهى إلخ كلامه رحمه الله.
ومع أنه بإمكان أي شخص أن يرد على مثل هذا، إلا أنه لا يصح عند المنصف مثل هذه الاستدلالات على مسألة مهمة وفريضة عظيمة كفريضة الحجاب، إلا إذا لم يكونوا مقتنعين بما لديهم من أدلة.
وقبل الجواب عليها نبين أنهم كفونا بجزئية مهمة في الجواب بما قرروه من أن الوجه مطلب للنفس فيستدعي العينين للنظر إليه، وبالتالي في حالة الإعجاب به قد يحرك الحواس للنيل من صاحبه بأي الوسائل الممكنة لذلك:
نظرة فابتسامة فسلام
…
فكلام فموعدٌ فلقاءُ
ولهذا حرم العلماء النظر إلى وجه الأمرد الحسن.
وكذلك يجاب عليهم بأن خير القرون قرن سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، ومع ذلك فقد حصلت فيه أكثر من حادثة في حد الزنا والقذف كما هو معلوم، فإن كان ذلك بسبب أن وجوه النساء مكشوفة كما يدعي البعض فالواجب تغطيته لأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وإن كان ذلك مع كون وجوه نسائهم مستورة كما دل عليه الإجماع والنصوص العديدة، فهذا يدل على براءة التشريع حيث طالب ببذل الغاية والواجب لمنع الأسباب الموصلة للفواحش، فمن وقع بعد ذلك في شيء منها كان ولا بد لاتباعه خطوات الشيطان وتركه شيئا مما أمر الله به أو لفعله شيئا مما نهى عنه من الحجاب أو مقدماته فكان هو المتسبب المستحق للعقوبة والجزاء.
وكذلك يجاب عليهم بأن النظر للمحرمات ليس مقتصراً على المرأة الساترة لوجهها، فمعلوم أن هناك من العاصيات من يظهرن
زينتهن، أفلا تعنى هذه الآية من مروا بهن لكي يغضوا من أبصارهم؟ كما أن المسلم قد يصادف من نساء غير الإسلام أو يجدهن أمامه أفلا تعني أمثال هؤلاء هذه الآية؟ كما قد تمر على المسلم في وسائل الإعلام المرئية أو المقروءة نساء كاشفات وعلى درجات متفاوتة من التبرج، أفلا تعنى هذه الآية الناظرين لتلك الوسائل؟ وقد يختلي المرء بنفسه فيطلع على عورة مسلم أو مسلمة في ساعة غفلة منهم، أفلا تعني الآية أمثال هؤلاء؟ وهكذا لا يسلم زمان ولا مكان من أمثال هذه الأحوال أو غيرها، وليس الأمر متوقفاً حتى نكشف وجوه النساء الصالحات لكي يعمل الرجال بالآية.
وكذلك عندما أمر الله عز وجل النساء بغض البصر كما في نفس الآية، هل معناه أن نقول للرجال تعروا واكشفوا عن عوراتكم التي لا يجوز للنساء النظر إليها لكي يعملن بالآية الكريمة؟ أم أن النساء قد يجري عليهن مثل ما قد يجري للرجال من الأحوال التي ذكرناها وغيرها وحينئذ عليهن غض البصر؟ .
وأما على طريقتهم في فهم النصوص فمثله أن نقول لأهل الفساد اخرجوا في الطرقات وجاهروا بالمعاصي أمام الناس، لكي نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونعمل بحديث الأمر بإعطاء الطريق حقه، ونطالب من لا يريد الخروج بالخروج للطرقات لرد السلام وغض البصر وكف الأذى، هل هذا ما فهمه السلف وأئمة الإسلام من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! .
كذلك ما جاء في نظرة الفجأة عندما سُئل عنها صلى الله عليه وسلم، فقال: اصرف بصرك، فلو أراد أن وجوه النساء مكشوفة وعلى الرجال أن يغضوا أبصارهم كما يقوله أهل السفور لما سماها نظر الفجأة بل لسماها نظر المعتاد! .
ولم نرَ أو نسمع أن أحداً أخذ برأيهم في جواز كشف المرأة لوجهها، ثم لما قابلها قام بتحويل بصره عنها كما طالبوا، بل تجد بينهم أحوال الأزواج والمحارم من الاختلاط والمجالسة والتبسط والخروج، ولا يصرف أحدهم نظره عن الآخر بل قد يبادلة الابتسامة والضحكة والمواعدة وغير ذلك وهذا مما لا بد منه ولازم مع كل من كشفت وجهها غالباً.
ولهذا تناقض القائلون بالسفور فذهب فريق منهم لجواز أن ينظر الرجل لوجه المرأة ويتأملها، ولا أدري ماذا بقي في عقولهم ليتصوروا تحريم النظر إليه؟ والذي بقي هو مما يُعلم قبل الإسلام وبعده قبح وشناعة الناظرين له، فوقعوا في تناقضات أكبر وفتحوا الباب للعلمانيين والتحرُّريين ليعتقدوا في دين الله ما هو أكبر وأشنع من قولهم، وإلا فمما لوى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنق ابن عمه الفضل بن عباس حينما نظر للخثعمية؟ .
والحق كما قرره أهل العلم رحمهم الله هو تحريم النظر للمرأة ولو كانت منقبة وبخاصة متى ما كان فيها دلائل الجمال والشباب.