الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بأرجلهن لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور 31]
فدل بنص القرآن أن الزينة في أصلها مخفية، حتى أنها لا تُعلم إلا بشد الانتباه ولفت الأنظار والضرب على أرجلهن ولهذا من يقول بجواز كشف المرأة لوجهها مستدلا بقوله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يكون قد تفاجأ بعدها بآيات نهت عن الضرب بالأرجل حتى لا يسمع الرجال صوت خلخالها أو ما تخفيه من الزينة كما أجمع عليه المفسرون! كيف وهي كاشفة لوجهها أصلا وهو أعظم الزينة فيها، فماذا بقي بعد هذا ليتصوروه، أيريدون كشف الشعر والنحر والصدر؟ والوجه أعظم من ضربها برجلها وسماع خلخالها والنظر لزينتها المخفية بل وأعظم من خضوعها بصوتها أو أمرها بالقرار في بيتها (1) أو لبسها للقفازين وأعظم من قوله صلى الله عليه وسلم:(أيما امرأة خرجت متعطرة فهي زانية)(2)، والنهي عن اختلاطها بالرجال أو أمرها بأن تستأخر وتبتعد
(1) قرارها في بيتها بحيث يكون هو الغالب من حالها، وليس معناه عدم الخروج لحاجتها لقوله صلى الله عليه وسلم لسودة رضي الله عنها في الصحيح:(قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن).
(2)
صححه الألباني في غاية المرام على تخريج أحاديث الحلال والحرام برقم (199)(المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا يعني: زانية) رواه أبوداود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. ورواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان ولفظهما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية) رواه الحاكم أيضا وقال: صحيح الإسناد.
عنهم وغير ذلك مما منعت منه الشريعة أو حثت عليه وهو أهون بكثير من كشفها لوجهها، ولا يرضى بهذا الفهم السقيم إلا من يأتي بالعجائب والغرائب وتسفيه الأئمة بنسبة مذهب السفور لهم بمثل هذه التناقضات الغير منطقية، ولهذا تجد أهل السفور اليوم يعرضون ولا يتحدثون عن التحذير أو الترغيب على مثل هذه الأمور التي هي أهون من كشفها لوجهها، لأنه لا يجتمع القول بجواز كشفه مع القول بمثل تلك النصوص الشرعية مما دونه، ولهذا يأتون بما هو أسوأ كمثل جواز أكل الأجنبي مع الأجنبية ويستدلون بالمتشابهات والاحتمالات، فكم أماتوا من سنة وأحيوا من بدعة وشبهة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد (خرج النبي ذات يوم من المسجد وقد اختلط النساء مع الرجال في الطريق، فقال النبي: صلى الله عليه وسلم استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق، فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق به من لصوقها)(1).
ولو أردنا أن نتكلم عن أقوال أهل العلم في الضرب بأرجلهن أو في صوت المرأة، أو في غير ذلك لرأينا العجب العجاب والفرق الشاسع بين أقوال أولئك الأئمة، وهؤلاء المنتسبين لهم اسماً والمخالفين لهم قولاً وعملاً.
وأما بالسياق المنقول عن السلف وأهل العلم فلا يكون هناك أي تعارض ولا تشويش بل تكون كل الأدلة مما جاء به الكتاب والسنة
(1) رواه أبو داود من حديث أسيد الأنصاري رضي الله عنه بسند جيد، وقد حسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع برقم (929).
وأقوال سلف الأمة ومفسريها وفقهائها مناسبة للسياق العام السابق منه واللاحق، والله الهادي لا رب سواه.
قال العلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (وإني لأعجب من قوم يقولون: أنه يجب على المرأة أن تستر قدمها، ويجوز أن تكشف كفيها! فأيهما أولى بالستر؟ ! أليس الكفان؛ لأن نعمة الكف وحسن أصابع المرأة وأناملها في اليدين أشد جاذبية من ذلك في الرجلين.
وأعجب أيضا من قوم يقولون: أنه يجب على المرأة أن تستر قدميها ويجوز أن تكشف وجهها! فأيهما أولى بالستر؟ ! هل من المعقول أن نقول أن الشريعة الإسلامية الكاملة التي جاءت من لدن حكيم خبير توجب على المرأة أن تستر القدم، وتبيح لها أن تكشف الوجه؟ ! .
الجواب: أبدا هذا تناقض؛ لأن تعلق الرجال بالوجوه أكثر بكثير من تعلقهم بالأقدام
…
.
إلى أن قال رحمه الله: (أنا أعتقد أن أي إنسان يعرف مواضع الفتن ورغبات الرجال لا يمكنه إطلاقاً أن يبيح كشف الوجه مع وجوب ستر القدمين وينسب ذلك إلى شريعة هي أكمل الشرائع وأحكمها)(1)
…
انتهى كلامه.
قال الشيخ محمد الألباني غفر الله لنا وله: (ثم إن قوله تعالى: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} [النور: 31] يدل على أن النساء يجب عليهن أن يسترن أرجلهن أيضاً. وإلا لاستطاعت إحداهن أن
(1) فتاوى المرأة المسلمة للعثيمين (1/ 404).
تبدي ما تخفي من الزينة (وهي الخلاخيل) ولاستغنت بذلك عن الضرب بالرجل ولكنها كانت لا تستطيع ذلك لأنه مخالفة للشرع مكشوفة ومثل هذه المخالفة لم تكن معهودة في عصر الرسالة ولذلك كانت إحداهن تحتال (1) بالضرب بالرجل لتُعلم الرجال ما تخفي من الزينة فنهاهن الله تعالى عن ذلك) (2) إلى آخر كلامه يرحمه الله.
فهل يعقل أن في الآية ما (يدل على أن النساء يجب عليهن أن يسترن أرجلهن) حتى لا (تبدي ما تخفي من الزينة وهي الخلاخيل) مع القول بجواز أن يكون وجهها مكشوفاً؟ .
وإذا لم تكن هذه المخالفة من كشفهن للخلاخل التي في أرجلهن (معهودة في عصر الرسالة)، فهل كان (معهوداً) قوله رحمه الله بعده:(ويجوز لهن الكشف عن الوجه والكفين فقط، لجريان العمل بذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مع إقراره إياهن على ذلك)(3)؟ .
(1) قوله (كانت إحداهن تحتال .. لتُعلم الرجال) مع ما في هذه اللفظة ما فيها في حق الصحابيات رضوان الله عليهن أجمعين، والله أعلم.
(2)
جلباب المرأة (صـ 80).
(3)
جلباب المرأة (صـ 95).
(المبحث السادس)
خصوصية أمهات المؤمنين في فرض الحجاب عليهن وما لحقها من التحريف والتصحيف والتبديل قال تعالى: {النَّبِيُّ أولَى بِالمؤمنين مِنْ أنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أمهاتهم} [الأحزاب: 6]