الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة المثارة من أهل السفور عن مالك في جواز مؤاكلة المرأة للرجل
قال الشيخ الألباني في الرد المفحم: (سئل مالك: هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم منها أو مع غلامها؟ فقال مالك: ليس بذلك بأس إذا كان ذلك على وجه ما يُعرف للمرأة أن تأكل معه من الرجال قال: وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن يؤاكله) انتهى كلامه.
وطبقه على ما يقوله الشيخ محمد الألباني غفر الله لنا وله كما في كتابه الآخر جلباب المرأة) جزء 1 صفحة 78) فقال: (ويؤيد ذلك قوله تعالى في صدر الآية المتقدمة: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم
…
وقل للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ
…
} [النور: 31 - 32]. فإنها تشعر بأن في المرأة شيئاً مكشوفاً يمكن النظر إليه فلذلك أمر تعالى بغض النظر عنهن وما ذلك غير الوجه والكفين (إلخ كلام الشيخ الألباني.
وسبحان الله أتؤخذ أحكام الله وكشف عورات المسلمات بمثل هذه الأدلة من الاستشعارات؟ وترد وتُأوَّل الآيات والأحاديث المحكمات وأقوال الأئمة العظماء والمفسرين الكبار حتى لا نعلم أحدا من أهل العلم - أي أحد - قال بقولهم في السفور.
فكيف ينقل مثل هذا الكلام بهذا الفهم الخطير ثم يقول بغض البصر هذه مصيبة، هذا والله هو نفس ما يدعو له أهل الفساد، فكيف يفهم من كلام
الإمام مالك أنه يأكل مع المرأة الأجنبية والتي يجب عليه أن يغض بصره عنها هذا فهم خاطيء وخطير لكلام الأئمة ومتناقض مع بقية أقوالهم جميعا، فهل معناه أن يأكل من قفاه ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: (إذا ثبتت قاعدة عامة أو مطلقة فلا تؤثر فيها معارضة قضايا الأعيان ولا حكايات الأحوال، والدليل على ذلك أمور
…
- ثم ذكرها - إلى أن قال: وهذا الموضع كثير الفائدة عظيم النفع بالنسبة إلى المتمسك بالكليات إذا عارضتها الجزئيات وقضايا الأعيان، فإنه إذا تمسك بالكلّي كان له الخيرة في الجزئي في حمله على وجوه كثيرة، فإن تمسك بالجزئي لم يمكنه مع التمسك الخيرة في الكلي فثبت في حقه المعارضة ورمت به أيدي الإشكالات في مهأو بعيدة، وهذا هو أصل الزيغ والضلال في الدين؛ لأنه اتباع للمتشابهات وتشكك في القواطع المحكمات) (1).
هذا والله قول لا سلف له بل هو الشذوذ والغرابة وزلة منه رحمه الله، كقوله في تحريم الذهب المحلق (2)، وكقوله في أن المحرم لو تحلل يوم العاشر وخلع إحرامه ولم يطف بالبيت في نفس يومه ذلك، رجع عليه
(1) الموافقات (3/ 260). للإمام أبي إسحاق الشاطبي رحمه الله المتوفى سنة 790 هـ.
(2)
قال الإمام المفتي محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: (بعض الناس ذهب إلى المنع من تحلي النساء بالذهب وكتب في ذلك وهذا خلاف ما في الأحاديث المصرحة بذلك، والذي كتب في ذلك ناصر الدين الألباني وهو صاحب السنة ونصرة للحق ومصادمة لأهل الباطل، ولكن له بعض المسائل الشاذة، من ذلك هذه المسألة وهو عدم إباحته ـ ذكر وجمع آثارًا ولكنها لا تصلح أن تعارض الأحاديث) انتهى من فتاوى الشيخ (ج 4/ ص 92) رقم الفتوى [1027]. وممن رد على هذا القول أيضا سماحة الشيخ ابن باز وغيرهم رحم الله الجميع.
إحرامه مرة أخرى ووجب عليه لبسه كما كان محرما، وهذا بناء على حديث ليس عليه العمل عند أهل العلم كما قال ذلك ابن حزم الظاهري في كتابه المُحَلى "من كتاب الحج" - مع ظاهريته - ولم يأخذ به ولا بمذهب السفور لمخالفته للإجماع.
وكأن الشيخ الألباني كلما قرأ شيئا من خلاف المتقدمين حمله على فهمه ولو كان يعارضه من وجه آخر، فهو يقول بغض البصر عن وجه المرأة الكاشفة ثم يستدل بجواز مؤاكلتها ويفهم من سؤال مالك أنها كاشفة عن وجهها أو تؤاكل من لا يحل له النظر إليها! .
وبالتالي فكلام الألباني في الحجاب نظري متناقض من وجوه عديدة لا يمكن تطبيقه أبداً وفيه من النقولات والنسب الغير صحيحة الكثير جداً ولا داعي هنا لذكرها إلا إذا طمسنا كلام أهل العلم مجاملة لخطأ الشيخ رحمه الله.
وطبقه على أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل العلم عند شرحهم لحديث نظر الفجأة السابق والمعروف وغيره حيث قالوا: (أي البغتة)(وفاجأه إذا جاء بغتة من غير تقدم سبب)(اصرف بصرك والصرف أن يفتله إلى الشق الآخر والناحية الأخرى)(أي النظرة الأولى إذا كانت من غير قصد)(1) وطبقه على أقوال مالك الذي اشتهرت عنه من منع الخاطب من النظر لمن أراد خطبتها وغيره ممن مروا معنا هل هذا ما قصده أولئك الأئمة الأعلام ممن ألَّفوا وكتبوا وشرحوا وحققوا طوال أربعة
(1) راجع في ذلك شروح الحديث، وأيضاً كلامنا في (المبحث الثاني) صفحة (102) عند (تناقض أهل السفور في مسألة غض البصر).
عشر قرناً هل جاء عنهم أن غض البصر في الآية والأحاديث لأن وجه النساء مكشوف وعلى الرجال غض البصر منه؟ لو كان كذلك لظهر لنا أناس رقابهم معكوسة وأعينهم محولَّة، لأنه إن كان الصحابي الفضل بن عباس ينظر للنساء وهو برفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحملوه إلا على أن وجوه النساء مكشوفة، ونحن نرى اليوم أننا ما سلمنا والنساء مغطيات وجوههن من الرجال ووقعت من العجائب والغرائب القبيحة من غازل في طريقه العجائز بل وذوي أرحامه وهو لا يدري، وأما لو طبقناه اليوم على قول الألباني من جواز كشف النساء لوجوههن وأنه ألزم الرجال بغض البصر عنهن فكم من حوادث المركبات والطرقات وجرائم الاغتصاب والفواحش التي ما سلمت منها بلاد الغرب مع كامل الحرية والإباحية التي عندهم ومع ذلك فإلاحصائيات مفجعة ومرعبة!
كما أن في سؤال مالك ذكر (غلامها) وقوله: (وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن يؤاكله) فيمكن أن يكون أيضا غلام زوجها أو غلامها أو غيره من العبيد العاملين معه أو ابن زوجها ونحو ذلك، كما يدل عليه نص السوال الموجه لمالك، أو يكون من الرجال غير ذوي الإربة بدليل قوله:(على وجه ما يُعرف للمرأة أن تأكل معه من الرجال)، فعن عائشة رضي الله عنها قالت:(كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث، قالت: وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة، قال: إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرى هذا يعرف ما ههنا لا يدخُلَنَّ عليكم هذا فحجبوه) رواه أحمد ومسلم.
وهذا من دقة وعلم الأئمة في الإفتاء واستحضارهم للنصوص الشرعية العديدة، حتى أنه ذكر (زوجها)! ! فكيف بغيره ممن ذكرهم الله في قوله تعالى:{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا لِبُعُولَتِهِنَّ أو آبَائِهِنَّ أو آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أو أبنائهن أو أبناء بُعُولَتِهِنَّ أو إخوانهن أو بَنِي إخوانهن أو بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أو نِسَائِهِنَّ أو مَا مَلَكَتْ أيمَانهُنَّ أو التَّابِعِينَ غَيْرِ أولِي الإربة مِنَ الرِّجَالِ أو الطِّفْلِ الذين لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عورات النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بأرجلهن لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أيها المؤمنون لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].
كما أن المرأة في بعض الأوقات تكون مع زوجها ومع ضيق البيوت أو سفرهم للحج أو نحو ذلك فتجمعهم الحاجة في مكان مزدحم مع إخوانه أو قرابته أو خارج البيت ويصعب تفرقهم في الأكل فيأكلون جميعا لضيق البيوت أو الأماكن أو الوقت فما المانع وهي مستترة مغطية وجهها، هذا يحصل في أحيان كثيرة في بيوتنا وبين أسرنا وفي حلنا وترحالنا فتأكل المرأة من تحت نقابها مرة من المرات وحينا من الأحيان بسبب بعض الظروف، فمن قال أن مالكا لم يقصد ممن جاز له أن يرى وجهها بدليل قوله مع زوجها وغلامها أو غيرهم من العبيد أو الرجال الجائز أن تكشف المرأة وجهها لهم كابن زوجها أو نحوه، أو قصد أنها وهي مستترة الوجه كما تضطر المرأة لذلك في بعض الأحيان، فكل ذلك جائز وممكن أفلا يكون إلا ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وما يناقض أقوال مالك نفسه وما نقلت عنه بكثرة؟ .
أ- كما قال في مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل - المالكي- "كتاب النكاح"(فصل: نُدب لمحتاج ذي أهبة نكاح بكر):
(فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَجُوزُ النَّظَرُ لِلشَّابَّةِ الأجنبية الْحُرَّةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: لِلشَّاهِدِ وَلِلطَّبِيبِ وَنَحْوِهِ وَلِلْخَاطِبِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ عَدَمُ جَوَازِهِ لِلْخَاطِبِ) انتهى. وقد سبق معنا بتمامه.
ب- وقال صاحب مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - حنفي-
في (جواز النظر إلى المرأة التي يريد أن يتزوجها فجوزه الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق رحمهم الله مطلقاً أذنت المرأة أم لم تأذن لحديثي جابر والمغيرة المذكورين في أول الحسان وجوزه مالك بإذنها وروى عنه المنع مطلقاً) انتهى.
ونحن نعلم أن مالكا لا يصل به القول بالمنع مطلقاً ولكن حرص رحمه الله على عدم تساهل الناس بالرخص وكشفهم لحرمات الله لكل عابث ولَاهٍ ونحو ذلك من مقاصد العلماء الأجلاء، فكيف يقال عنه جواز مؤاكلة المرأة الأجنبية بلا سبب مبيح؟ .
أفيقال أن مالكاً عالم المدينة وتلميذ الصحابة يقول بمخالطة الأجنبيات ومؤاكلتهن بالمعنى الفاسد والمريب الذي يقوله أهل السفور اليوم وينقلون أن الباجي قال: "يقتضي أن نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفيها مباح لأن ذلك يبدو منها عند مؤاكلتها"، وهذا غلط على الباجي
…
فقد أشار العبدري أنها عبارة ابن القطان وأبقاها الباجي على ظاهرها وبكل الأحوال نقول سبحان الله أتترك الشريعة وكلام المئات من الأئمة
بمثل هذه الشبه أو لمثل كلام قاله الباجي رحمه الله أو غيره، غير واضح الدلالة، لا ندري ما قصد صاحبه وما مراده، وهل هو يقصد في حالة الحاجة والضرورة أو يقصد الرجال ممن جاز نظرهم لها كغلامها وابن زوجها ونحوهم كما قاله مالك بنفسه وهل نقله النساخ عنهم بتمامه، يا سبحان الله؟ ! والحق ان نحمل كلامهم على من ذكرهم الله في الآية الكريمة السابقة أو عند الحاجة والضرورة أو بما عناه صاحب الكلام الأصلي الإمام مالك شيخ المذهب بنص العبارة (زوجها) و (من يؤاكله) و (غلامها) ونحوهم ممن (يُعرفُ للمرأة أن تأكل معه من الرجال)، ولو فهم مالك من السائل الأجانب لما قال (زوجها) و (من يؤاكله) و (غلامها) وسكت فلم يزد وهو يريد بيان جواز مؤكلة الأجنبي كما يدعيه أهل السفور، فأين ورد قوله الأجانب؟ .
فمقصدهم على ظاهره من جاء في سؤال مالك وجوابه وهم (غلامها) و (زوجها) ونحوهم (على وجه ما يُعرفُ للمرأة أن تأكل معه من الرجال) ولو سمحوا اليوم للأجنبي بمؤكلة المرأة فمن الذي أبقوه لا (يُعرفُ للمرأة أن تأكل معه من الرجال)، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولهذا فإنه لا يسلم ولا يستقيم لهم ما أرادوه، إلا بتحريف وتبديل كلام أهل العلم ليبدو متناقضاً من وجوه، فردوا المحكمات بمثل هذه من قضايا الأعيان وحكايات الأحوال فرمت بهم أيدي الإشكالات في مهاو بعيدة، وقد مر معنا مثل هذه الشبهات، وبينا بحمد الله تهافتها.