الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نص على أنه مرسل منقطع، وظاهر كلامه هو:(في بيان ما أباح الله من الزينة الظاهرة فصار القول بذلك قويا) ومعناه فصار تحديد الوجه والكفين وظهورهما دون غيرهما في الصلاة وعند الحاجة بذلك قويا وليس الحديث المرسل هو القوي كما فهمه الألباني رحمه الله.
تضعيف البيهقي لحديث أسماء بنت عميس الثاني من طريق ابن لهيعة من"كتاب النكاح
":
ولهذا عندما أخرج البيهقي في سننه عند "كتاب النكاح" ما يدل على جواز نظر الخاطب لمخطوبته كما في (باب نظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها) ذكر في الباب الذي بعده نفس حديث عائشة السابق وكذلك حديث أسماء بنت عميس المشابه له ولكن من طريق ابن لهيعة وكان ذلك منه لبيان القدر الجائز نظره من الخاطب لمخطوبته.
ولكنه كذلك ضعفه ولم يقوِّ مرسلاً بضعيف ولا ضعيفاً بمرسل لأنهم يعلمون أن الضعيف لا ينتهض بمثله فكيف بأضعف منه.
فقال: (باب تخصيص الوجه والكفين بجواز النظر إليها عند الحاجة)
(قال الله تبارك وتعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال الشافعي رحمه الله: إلا وجهها وكفيها، قال الشيخ رحمه الله: وقد روينا هذا التفسير في "كتاب الصلاة" عن ابن عباس وابن عمر وعائشة ثم عن عطاء وسعيد بن جبير وفي رواية أخرى عن ابن عباس وعطاء، باطن الكف
…
أخبرنا - وساق بسنده - قالت: سألت عائشة رضي الله عنها عن الزينة الظاهرة فقالت: القلب والفتخة وضمت طرف كمها.
وأخبرنا - وساق بسنده - نفس حديث عائشة السابق في "كتاب الصلاة" عن عائشة أم المؤمنين: أن أسماء بنت أبي بكر
…
وأشار إلى كفه ووجهه).
- ثم ساقه من طريق ابن لهيعة من حديث أسماء بنت عميس -
فقال: (أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد ثنا أبو عمران الجوني ثنا محمد بن رمح ثنا ابن لهيعة عن عياض بن عبد الله أنه سمع إبراهيم بن عبيد بن رفاعة الأنصاري يخبر عن أبيه أظنه عن أسماء بنت عميس أنها قالت: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة بنت أبي بكر وعندها أختها أسماء بنت أبي بكر وعليها ثياب شامية واسعة الأكمام فلما نظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فخرج فقالت: لها عائشة رضي الله عنها تنحي فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا كرهه فتنحت فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عائشة رضي الله عنها لِمَ قام؟ قال: أولم تري إلى هيئتها أنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هذا وهذا وأخذ بكفيه فغطى بهما ظهر كفيه حتى لم يبد من كفه إلا أصابعه ثم نصب كفيه على صدغيه حتى لم يبد إلا وجهه. إسناده ضعيف)(1) انتهى كلام البيهقي.
وهنا أيضا كما ترى ضعفه ولم يقوِّ في كلا الموضعين هذا بذاك أو ذاك بهذا.
(1) سنن البيهقي "كتاب النكاح"(7/ 86).
ثم قال بعد أن انتهى من (باب تخصيص الوجه والكفين بجواز النظر إليها عند الحاجة).
قال بعده في نفس المكان: (باب من بعث بامرأة لتنظر إليها).
ثم قال بعده: (باب تحريم النظر إلى الأجنبيات من غير سبب مبيح قال الله عز وجل: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} انتهى.
وممن تنبه لذلك صاحب كتاب "حجاب المسلمة بين انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين" فقال: (واستنتاج الألباني تقوية الحديث من عبارة البيهقي السابقة غير دقيق ذلك أن الحافظ البيهقي رحمه الله تعالى لم يتعرض لذات الحديث بالتقوية أصلا وإنما تعرض لأصل المسألة فقط كما أن البيهقي لم يقو حديث أسماء الذي روته عنها عائشة ولا الشاهد الذي ساقه من طريق ابن لهيعة بل صرح بإرسال الأول (1) وضعف الثاني (2) انتهى (3).
تنبيه: بالإضافة لهذا فإن في كلام الألباني ما يشعر القارئ بأن الإمام البيهقي على مذهب السفور، وذلك عندما نسب له تقويته للحديث وهذا إيهام غير صحيح، ولا نعلم أحداً من المتقدمين من قال بمذهب السفور والبيهقي الحافظ من المتقدمين جداً وتبويباته وأقواله كما في كتبه دالة
(1) سنن البيهقي (2/ 226).
(2)
سنن البيهقي (7/ 86).
(3)
"حجاب المسلمة بين انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين" للشيخ د. محمد فؤاد البرازي.
على وجوب تحجب النساء عن الرجال فقد مر معنا قوله: (باب تخصيص الوجه والكفين بجواز النظر إليها عند الحاجة).
وفي معرفة السنن والآثار للبيهقي قال رحمه الله: (وروينا عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل قال: فخطبت جارية من بني سلمة فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها» قال الشافعي: ينظر إلى وجهها وكفيها ولا ينظر إلى ما وراء ذلك، قال أحمد: وهذا لأن الله جل ثناؤه يقول: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قيل عن ابن عباس وغيره: وهو الوجه والكفان، وقد مضى ذكره في كتاب الصلاة، وذكرنا فيه ما يشيده، وأما النظر بغير سبب مبيح لغير محرم فالمنع منه ثابت بآية الحجاب، ولا يجوز لهن أن يبدين زينتهن إلا للمذكورين في الآية من ذوي المحارم، وقد ذكر الله تعالى معهم ما ملكت أيمانهن)(1) انتهى كلام البيهقي رحمه الله.
فالمتقدمون من العلماء درجوا على أن يستدلوا بحديث أسماء بنت
…
أبي بكر: (أنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هذا وهذا) وقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} في بابي عورة المرأة في الصلاة وما يجوز أن يظهر منها عند الحاجة والضرورة كما في أبواب النكاح من الخطبة والشهادة والتقاضي ونحوها، وعلى هذا حملوا معناه والمراد منه، أو هو منهم على قاعدة الاستئناس بالحديث الضعيف إذا
(1) معرفة السنن والآثار للبيهقي "كتاب النكاح"(باب الترغيب في النكاح).
لم يوجد في الباب غيره أو كنوع من أنواع القياس لتحديد القدر في الحالتين، ولم يصححوه لا سندا ولا بالمعنى الذي فهمه اليوم دعاة السفور أبدا، لأنه لا يعقل من كل وجه أن يصادم المحكمات الواضحات فكيف وسنده واهٍ، ولهذا ضعفه الألباني قديما، ثم رجع وصححه بالمعنى الذي عنده، ولعل الذي جعله يرجع عن تضعيفه ما رآه من كثرة ذكر المتقدمين من أهل العلم له في أبواب عورة المرأة في الصلاة وعند تفسيرهم لآية الرخصة من قوله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ونحو ذلك كما في أبواب الفقه كالشهادة والبيوع وغير ذلك فظنهم بذلك يحتجون به سنداً، وإلا فالشيخ الألباني كما هو ظاهر في كلامه الذي نقلناه عنه في بداية هذا الموضوع كان مترددا في ثبوت صحته، فظن أن البيهقي قد قواه، ولهذا نقل في الرد المفحم صفحات حتى خرج عن موضوع رجال السند وطرق الحديث ليبرهن بكل الوسائل صحته، فوقع رحمه الله في إشكاليات وتناقضات في الصناعة الحديثية مما قرره هو نفسه أكبر وأعمق من هذا لا مجال هنا لسردها.
ت- كما أن الحديث ضعيف من جهة أنه مضطرب وفيه نكارة وركاكة في ألفاظه ما يبعد معه أن يصدر ممن لا ينطق عن الهوى، فمن النكارة مثلا استحالة أن تدخل بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها، على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق تشف عن جسدها، ولو تجاوزنا
عن هذه النكارة فيمكن أن نحمله على أنه كان قبل نزول فرض الحجاب كما قاله ابن قدامة رحمه الله (1).
ومما يقوي القول أن ذلك قبل الحجاب أو أن الحديث منكر وشاذ لا يصح من أصله، أن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما كان عمرها حين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سبعاً وعشرين سنة كما قيل، ولهذا فيبعد كل البعد أن تدخل في ثياب رقاق تشف جسدها، اللهم إلا إذا كان ذلك في مكة قبل الهجرة أو قبل أن يُفرض الحجاب بالمدينة، ونسأل الله العفو أن نفترض في دين الله ما لا يصح أصلا لا في الجاهلية ولا في الإسلام، وما لا يقبله أحد أن يقال في أهل بيته فكيف ببيت النبوة وأخت أم المؤمنين عائشة وبنت الصديق رضي الله عنهم أجمعين، ولكن ماذا نفعل؟ فما افترضنا ذلك إلا لنبين بطلان حجتهم من كل وجه وعلى أوسع الاحتمالات.
وأما كون الحديث مضطرب فظاهر لمن تأمله فمرة يروى وكأن صاحبة القصة عائشة ومرة يروى وكأنها أسماء بنت عميس ومرة أنها أم سلمة بدل عائشة، وبألفاظ سياقها مختلف ومتعارض جداً، فكانت كثرة طرقه دليلاً ظاهراً على ضعفه لا كما قال الشيخ الألباني:(إلا أنه من الممكن أن يقال: أنه يقوى بكثرة طرقه).
(1) انظر المغني لابن قدامة (6/ 559).
ث- عدم عمل عائشة وأسماء رضي الله عنهما بكشف الوجه ولو لمرة واحدة، ولو في أشد الظروف كما حصل لعائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك حين سارت القافلة وتركتها وحيدة بعد حرب مع الأعداء ومع ذلك لما رأت أحد أبنائها ممن كانت تعرفه وتثق به ويراها قبل الحجاب لم تبادره بكشف وجهها ليعرفها أو تكلمه بأنها أمه عائشة زوج نبيه صلى الله عليه وسلم بل قالت:(وكان صفوان من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان فأتاني فعرفني حين رآني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي ووالله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه)(1)، أهذا لأنها لم تكن تعلم أن الحجاب لم يكن فريضة مفروضه، وأنه كان سنة ومستحب؟ وكذلك ما جاء عن أختها أسماء وهي محرمة حيث ذكر بعض أهل العلم الإجماع على وجوب كشفهن حال الإحرام ولكن إذا حاذاهن الرجال وجب الستر عليهن كما قالت:«كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام» (2) وقول حفيدتها التابعية الجليلة فاطمة بنت المنذر: (كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر الصديق)(3)، أهذا كله كان بسبب أن مجتمع
(1) متفق عليه
(2)
أخرجه الترمذي وابن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في جلباب المرأة والإرواء.
(3)
أخرجه مالك في "الموطأ" بسند جمع شروط الصحة عند الشيخين. قال الألباني: (قلت: وهذا إسناد صحيح) الإرواء برقم (1023) وصححه في جلباب المرأة، والرد المفحم.
رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام كان معروفاً فيه أن النساء يخرجن مكشوفات الوجوه أمام الرجال؟ .
مع ما كان معروفاً عندهم من قول عائشة رضي الله عنها: (إن كان رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم) متفق عليه.
ومع ذلك لم يشتهر عنها ولا عن أختها أسماء ولا عن واحدة من نساء الصحابة والتابعين أنها خرجت سافرة عن وجهها.
فهذه علل تدل على عدم صحة الحديث فضلاً عن دلالته على المعنى المحدث عند أهل السفور اليوم، ولهذا فيكفي في رد شبهتهم أنه لم يأت عن أحد قبلهم أنه فهم من الحديث ما فهموه.
ولو افترضنا جدلاً وأخذنا بقاعدة الترجيح بين الحديثين الصحيحين المتعارضين لأغلقنا الباب سريعاً على هذه الشبهة، لأنه لا مقارنة بين ما هو مخرج عند الشيخين أو على شرطهما، وبين ما قال عنه مخرجوه من الحفاظ: ضعيف ومنقطع.
فمن كل وجه لا حجة لهم فيه ولهذا فلا يجوز العمل به أو نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبخاصة بهذا الفهم المحدث المبتدع، الذي لم يكن عليه العمل من قبل، وإنما نحمله على أقل الأحوال على طريقة وفهم ومنهج بعض أهل العلم رحمهم الله في تحديد القدر الظاهر من المرأة في الصلاة وعند الحاجة.