الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قول أتباع كل مذهب بقول المذهب الآخر وتعدد الروايات في المذهب الواحد دليل على أن اختلاف المتقدمين في فريضة الحجاب كان من قبيل اختلاف التنوع
ولهذا لما كان الأمر واسعاً وهو في ماهية العلة التي من أجلها حرم الشارع كشف المرأة لوجهها أمام الرجال الأجانب فمن قائل: لأنه عورة ومن قائل بل خشية من الفتنة والشهوة، واتفاقهم على أصل المسألة وأساسها وهي وجوب ستر المرأة لوجهها كما دلت عليه نصوصهم السابقة.
ولهذا نجد أن في بعض المذاهب روايتان، بل ونجد بعض أتباع المذاهب يقول بقول المذهب الآخر، وبعضهم أخذ يفصل فيقول الوجه والكفين عورة، ولكن في حق من جاز نظره لها ليس بعورة، وبعضهم قال ليس بعورة في الصلاة ولكن خارجها عورة.
فمثلا تجد عند بعض علماء الحنابلة والشافعية من يقول بقول أبي حنيفة ومالك وهو إن الوجه والكفين ليسا من العورة على أساس وجود قول ثانٍ في المذهب أو راي لبعض الأتباع ومثاله ما قاله في:
1 -
الإنصاف -حنبلي-: (قوله: (والحرة كلها عورة، حتى ظفرها وشعرها، إلا الوجه) الصحيح من المذهب أن الوجه ليس بعورة، وعليه الأصحاب وحكاه القاضي إجماعا، وعنه الوجه عورة أيضا، قال الزركشي: أطلق الإمام أحمد القول بأن جميعها عورة، وهو محمول
على ما عدا الوجه، أو على غير الصلاة، انتهى. وقال بعضهم: الوجه عورة وإنما كشف في الصلاة للحاجة، قال الشيخ تقي الدين: والتحقيق أنه ليس بعورة في الصلاة، وهو عورة في باب النظر، إذا لم يجز النظر إليه) (1)، انتهى من الأنصاف.
2 -
وقال في المغني لابن قدامة - حنبلي - " كتاب النكاح":
"من أراد أن يتزوج امرأة فله أن ينظر إليها"
(فَصْلٌ: وَلا خِلَافَ بَيْنَ أهل الْعِلْمِ فِي إباحة النَّظَرِ إلى وَجْهِهَا، وَذَلِكَ لأنهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَهُوَ مَجْمَعُ المحاسن، وَمَوْضِعُ النَّظَرِ وَلا يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إلى مَا لا يَظْهَرُ عَادَةً وَحُكِيَ عَنْ الأوزاعي أنهُ يَنْظُرُ إلى مَوَاضِعِ اللَّحْمِ وَعَنْ داود أنهُ يَنْظُرُ إلى جَمِيعِهَا، لِظَاهِرِ قَوْلِهِ عليه السلام (انظر إليها) وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} وَرُوِيَ عَنْ ابن عَبَّاسٍ أنهُ قَالَ: الْوَجْهُ، وَباطن الْكَفِّ. وَلأن النَّظَرَ مُحَرَّمٌ أبيحَ لِلْحَاجَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إليه، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا. وَالْحَدِيثُ مُطْلَقٌ، وَمَنْ نَظَرَ إلى وَجْهِ إنسان سُمِّيَ نَاظِرًا إليه، وَمَنْ رَآهُ وَعَلَيْهِ أَثْوَابُهُ سُمِّيَ رَائِيًا لَهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى:{وَإذا رَأيتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجسامهم} {وَإذا رَآك الذين كَفَرُوا} فَأما مَا يَظْهَرُ غَالِبًا سِوَى الْوَجْهِ، كَالْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تُظْهِرُهُ المرأة فِي مَنْزِلِهَا فَفِيهِ رِوَايتَان؛ إحداهما: لا يُبَاحُ النَّظَرُ إليه لأنهُ عَوْرَةٌ فَلَمْ يُبَحْ النَّظَرُ إليه، كَاَلَّذِي لا يَظْهَرُ، فإن عَبْد اللَّه رَوَى أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«المرأة عَوْرَةٌ» حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلأن الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِالنَّظَرِ
(1) الأنصاف (1/ 252).
إلى الْوَجْهِ. فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالثانية: لَهُ النَّظَرُ إلى ذَلِكَ. قَالَ أحمد فِي رواية حَنْبَلٍ: لا بَأْسَ أن يَنْظُرَ إليها، وَإلى مَا يَدْعُوهُ إلى نِكَاحِهَا مِنْ يَدٍ أو جِسْمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ) انتهى.
وابن قدامة مع أنه مع من يقولون أن الوجه ليس بعورة فإنه يوجب ستره كما ترى وسترى قريبا أيضا، وهو هنا يتكلم في جواز القدر مما يظهر للخاطب وغيره.
3 -
وقال في المغني لابن قدامة "كتاب النكاح" من أراد أن يتزوج امرأة فله أن ينظر إليها.
"فصل نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب"
(فصل: فأما نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب، فإنه محرم إلى جميعها في ظاهر كلام أحمد. قال أحمد: لا يأكل مع مطلقته، هو أجنبي لا يحل له أن ينظر إليها، كيف يأكل معها ينظر إلى كفها؟ لا يحل له ذلك
…
ولنا قول الله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان لإحداكن مكاتب، فملك ما يؤدي، فلتحتجب منه» وعن أم سلمة قالت: «كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه وسلم أنا وحفصة فاستأذن ابن أم مكتوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم احتجبن منه» رواه أبو داود «وكان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته الخثعمية تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه عنها» وعن جرير بن عبد الله قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري» حديث صحيح وعن علي
رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة» رواهما أبو داود.
وفي إباحة النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها دليل على التحريم عند عدم ذلك، إذ لو كان مباحا على الإطلاق، فما وجه التخصيص لهذه؟ وأما حديث أسماء إن صح فيحتمل أنه كان قبل نزول الحجاب فنحمله عليه) انتهى كلام ابن قدامه.
4 -
وقال في المغني أيضا (كتاب النكاح):
فصل: - في من يُباح له النظر من الأجانب -
(ويباح للطبيب النظر إلى ما تدعو إليه الحاجة من بدنها، من العورة وغيرها، فإنه موضع حاجة، وقد روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكم سعدا في بني قريظة كان يكشف عن مؤتزرهم» وعن عثمان أنه أتي بغلام قد سرق، فقال: انظروا إلى مؤتزره فلم يجدوه أنبت الشعر، فلم يقطعه وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها لتكون الشهادة واقعة على عينها قال أحمد: لا يشهد على امرأة إلا أن يكون قد عرفها بعينها وإن عامل امرأة في بيع أو إجارة فله النظر إلى وجهها ليعلمها بعينها فيرجع عليها بالدرك، وقد روي عن أحمد كراهة ذلك في حق الشابة دون العجوز. ولعله كرهه لمن يخاف الفتنة أو يستغني عن المعاملة فأما مع الحاجة وعدم الشهوة، فلا بأس) انتهى.
ولاحظ قوله: (في من يباح له النظر من الأجانب) فليست مسألة النظر لوجهها عندهم لكل أحد أو بدون سبب مبيح كما يقوله أهل السفور اليوم، فابن قدامة ممن لم يعدوا الوجه عورة ومع ذلك يوجب ستره.
وقوله: (روي عن أحمد كراهة ذلك في حق الشابة دون العجوز ولعله كرهه لمن يخاف الفتنة، أو يستغني عن المعاملة). كأن توكل في أمور البيع والشراء ونحوها، أو يشهد غيرها، (فأما مع الحاجة وعدم الشهوة، فلا بأس) كأن لم يكن بد من فعل ذلك إلا بنفسها (فلا بأس)(مع الحاجة وعدم الشهوة) لتعرف حقيقة معنى قولهم إذا أمنت الشهوة ولم يخشى فتنة، أنه لناظر مخصوص ممن جاز نظره.
ولتعلم أنهم متفقون مع بقية المذاهب في أن المسألة رخصة وفي الحرص والتشديد عند تعاطيها وذلك بتحديد القدر الذي يظهر منها غالباً بالوجه والكفين، (ومَنْعُ الشابة من كشفه - أي الوجه - لخوف الفتنة لا لأنه عورة) (1) وقولهم كذلك:(تمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال في زماننا للفتنة)(2) فلم يرخصوا لهن ما رخصه الشرع وما رخصوه لغيرهن، لغلبة الفساد وقلة الورعين ولغلبة الفتنة بهن وقد مر معنا أن هذا من حق الأئمة وهو رد الناس لضابط الشرع في الضرورات وحتى لا يتساهل الناس عند الرخص بتكشف الشابات اليافعات إلا فيما لا بد منه، ومثل ذلك كثير كقول الإمام أحمد فيما سيأتي معنا:(في الأمة إذا كانت جميلة: تنتقب) رحم الله الجميع.
فسبحان الله! كيف يستشهد القائلون بسفور المرأة من نقلهم لبعض كلام ابن قدامة في المغني فينسبون له ذلك لمجرد قوله: (وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أهل
(1) حاشية الطحطاوي الحنفي على مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح (صـ 161).
(2)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق (1/ 284) من كتب الأحناف.
الْعِلْمِ فِي إباحة النَّظَرِ إلى وَجْهِهَا، وَذَلِكَ لأنهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ) أو نحوه؟ ويهملون بقية أقواله، فلو أنهم أكملوا عبارات أهل العلم لفهموا مرادهم ومقصدهم من قولهم ليس بعورة ولهذا تجد عندهم - ومن غير قصد -كثرة النسب الباطلة والأقوال المحرفة والمصحفة والمبدلة عن كثير من الأئمة وذلك بسبب قراءتهم السطحية والسريعة لأقوالهم.
5 -
قال ابن قدامة رحمه الله: (فصل: والأمة يباح النظر منها إلى ما يظهر غالباً، كالوجه والرأس واليدين والساقين؛ لأن عمر رضي الله عنه رأى أمة متلثمة فضربها بالدرة وقال: يا لُكاع، تتشبهين بالحرائر. وروى أبو حفص بإسناده، أن عمر كان لا يدع أمة تقنع في خلافته، وقال: إنما القناع للحرائر. ولو كان نظر ذلك منها محرماً لم يمنع من ستره، بل أمر به وقد روى أنس:«أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ صفية قال الناس: لا ندري، أجعلها أم المؤمنين، أَم أُم ولد؟ فقالوا: إن حجبها فهي أم المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي أم ولد، فلما ركب وطأ لها خلفه ومد الحجاب بينه وبين الناس» متفق عليه، وهذا دليل على أن عدم حجب الإماء كان مستفيضاً بينهم مشهوراً وأن الحجب لغيرهن كان معلوماً
…
وسوى بعض أصحابنا بين الحرة والأمة لقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الآية ولأن العلة في تحريم النظر الخوف من الفتنة والفتنة المخوفة تستوى فيها الحرة والأمة ، فإن الحرية حكم لا يؤثر في الأمر الطبيعى، وقد ذكرنا ما يدل على التخصيص ويوجب الفرق