الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة تسع وسبعين ومائة
النيل المبارك في هذه السنة
الماء القديم ذراعان وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وعشرون إصبعا.
ما لخّص من الحوادث
الخليفة الرشيد بالله هارون بن محمد المهدي بن المنصور عبد الله.
وخرج عبد الله بن المسيّب إلى العراق عن ولاية مصر، وعاد إليها موسى بن عيسى، وتقدّمه إلى مصر يحيى بن موسى ثم قدم موسى بعده. والقاضي محمد بن مسروق.
فيها توفي الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، وله تسعون سنة، وقيل:
تسع وثمانون سنة. وصلّى عليه ابن أبي ذئب.
ومن نوادر الأصمعي (101) عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال، بينا نحن بحضرة الشيخ بمجلسه إذ وقف بنا أعرابيّ رثّ الهيئة، حسن الشمائل فسلّم ثم قال: أيّكم الأصمعي؟ فأشرنا إليه، فقال: أنت أبا سعيد عبد الملك بن قريب الذي تروي عن الأعراب، وتأخذ جوائز الخلفاء بأشعارك المبتدعة، وأخبارك المخترعة؟ فقال له: وما حاجتك يا أخا العرب؟ قال:
أتنشدني شيئا مما تمتدحون به ملوككم؟ فابتدره بعض الجماعة وأنشده في مسلمة بن عبد الملك (من الطويل):
أمسلم أنت البحر إن جاء وارد
…
وليث إذا ما الحرب طار عقابها
وأنت كسيف الهندوانيّ إن غدت
…
حوادث من دهر تعبّ عبابها
وما خلقت أكرومة في امرئ
…
ولا عابة إلاّ إليك مآبها
إليك رحلنا العيس ما لم نجد لها
…
أخي ثقة يرجى لديه ثوابها
قال؛ فحرّك الأعرابيّ رأسه فظننّا أنّ ذلك إعجابا بما سمع. ثم قال: إنّ هذا الشعر خلق مهلهل خطاؤه أكثر من صوابه، كيف يجوز أن تمتدحوا ملوككم بمثل هذا وتشبّهونهم بالبحر وهو ملح غضامض لا يأمن راكبه، ويسفّه صاحبه، وتشبّهونه بالأسد وهو شثن المنظر أخشم أبخر يتلاعب به صبيان الحيّ، وتطرده الرعاة عن الموارد، وبالسيف ولربما نبا عن الضريبة، وخان في وقت الحقيقة، وبالجبل وهو حجر أصمّ لا يسمع ولا يعقل، ولم لا قلتم كما قال صبيّ من حيّنا؟! فقلنا له: وكيف قال صبيّ حيّكم؟ فقال (من البسيط):
إذا سألت الورى عن كلّ مكرمة
…
لم يعز أعظمها إلاّ إلى الهول
فتى جوادا أذاب المال نائله
…
فالنيل يشكر منه كثرة النيل
لو ناظر الشمس ألفى الشمس كاسفة
…
أو زاحم الصمّ ألجاها إلى الميل
(102)
أمضى من النجم إن نابته نائبة
…
وعند أعدائه أجرى من السيل
لا يستريح إلى الدنيا وزينتها
…
ولا تراه إليها ساحب الذيل
يقصّر المجد عنه كلّ مكرمة
…
كما يقصّر عن أفعاله قولي
قال؛ فبهتنا جميعا لما سمعنا. ثم إنه قال: لعلّ أن تنشدوني شعرا ترتاح إليه الروح، وتسكن إليه النفس؛ فابتدر بعض الجماعة وأنشد (من الطويل):
وناعمة تجلو بعود أراكة
…
موشّرة يسبي المعانق طيبها
كأنّ بها خمرا بماء غمامة
…
إذا ارتشفت بعد الرقاد غروبها
أراك إلى نجد تحنّ وإنما
…
هوى كلّ نفس حيث حلّ حبيبها