الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على رجل جرائحيّ ألفي دينار! وإنما أموالهم مودعة عند الناس! (127) قال؛ ففحص الرشيد عن ذلك فلمّا حقّقه أمر بصلب ذلك الرجل والجرائحيّ والسجّان، وأنفذ إلى الفضل فضرب ضرب التلف فأقام يوما أو بعض يوم، وتوفّي إلى رحمة الله تعالى. فبقي بعده يحيى سبعة أيام وتوفّي! رحمهما الله تعالى. ووجد تحت وسادته قطعة كاغد فيها مكتوب: قد تقدّم الخصم إلى بين يدي الحاكم العدل، والغريم على الأثر، والموعد المحشر {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} .قال فلمّا قرأها الرشيد بكى حتّى تحدّرت دموعه على لحيته. والله أعلم.
قلت: وجدت هذه الحكاية في بعض المجاميع فاستنسختها على ما هي عليه، والعهدة في ذلك على ناقلها من الأصل.
ذكر سنة اثنتين وتسعين ومائة
النيل المبارك في هذه السنة
الماء القديم أربعة أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا.
ما لخّص من الحوادث
الخليفة هارون الرشيد بن محمد المهدي. وعزل الحسين بن جميل، وولي مالك بن دلهم حرب مصر وخراجها. والقاضي العمري بحاله.
روى <محمد بن ظفر في كتابه المسمّى بنجباء الأبناء. ومحمد هذا
صاحب كتاب سلوان المطاع أيضا رحمه الله تعالى> عن محمد بن عبد الرحمن الهاشمي قال: كانت عتابة أمّ جعفر بن يحيى بن خالد تزور أمّي بعد نكبة البرامكة بمدة طويلة، وكانت لبيبة من النساء حازمة برزة فصيحة.
فكان يعجبني أن أجدها عندها فأستكثر من حديثها فقلت لها يوما: يا أمّ! إنّ بعض الناس يفضّل جعفرا على الفضل، وبعضهم يفضّل الفضل على جعفر! فقالت:
ما زلنا نعرف الفضل للفضل! فقلت: أكثر الناس على خلاف (128) هذا! قالت: أنا أخبرك عنهما واقض أنت! قال؛ فقلت: هات! وذلك الذي أردت منها. فقالت: كان الفضل وجعفر يلعبان في داري فدخل أبوهما فدعا بالغداء وأحضرهما فطعما معه وأقبل عليهما يؤنسهما بحديثه فقال: أتلعبان بالشطرنج؟ فقال جعفر-وكان أجرأهما-:نعم! فقال له: هل لاعبت أخاك بها؟ فقال جعفر: لا! قال: فإذا فرغنا من غدائنا فالعبا بين يديّ حتّى أرى اللعب لمن منكما؟ فقال جعفر: نعم! فلمّا رفع الطعام جيء بالشطرنج وصفّت بينهما فأقبل عليها جعفر وأعرض عنها الفضل فقال له أبوه: ما لك يا بنيّ لا تلاعب أخاك؟ فقال: لا أحبّ ذلك! فقال جعفر: إنه يرى أنه ألعب مني، وأنا ألاعبه مخاطرة! فقال الفضل: لا أفعل! فقال أبوه: لاعبه وأنا معك! فقال جعفر: نعم! فقال الفضل: لا! واستعفى أباه فأعفاه. ثم قالت لي عتابة: قد حدّثتك عنهما فاقض! فقلت: قد قضيت لجعفر! فقالت: يا بنيّ! لو عرفت أنك لا تحسن القضاء ما حكّمتك! فقلت لها: وما الذي أنكرت من قضائي؟ فقالت: ألم تر أنّ جعفرا قد سقط فيما حكيت لك أربع سقطات تنزّه الفضل عنهنّ؟! فقلت لها: في ماذا سقط؟ فقالت: سقط أولا حين قال إنه يلعب بالشطرنج-فاعترف عند أبيه بالهزل وكان أبوه صاحب جدّ. قلت: هذه واحدة. قالت: وسقط في التزام ملاعبة أخيه، وفي ذلك إظهار الشهوة لغلبه والتعرّض لغضبه. فقلت:
وهذه ثانية. فقالت: وسقط في قوله ألاعبه مخاطرة؛ وأخبر عن نفسه بالمقامرة،
وأظهر الحرص على انتزاع مال أخيه. (129) قلت: وهذه ثالثة. قالت:
والسقطة العظمى وهي قاصمة الظهر حيث قال أبوه لأخيه: لاعبه وأنا معك فقال أخوه لا فقال هو نعم فناصب أباه وأخاه وغالبهما! قال؛ فقلت لها: والله لقد أصبت وأحسنت يا أمّاه وإنك لأقضى من الشعبيّ! ثم قلت: عزمت عليك هل خفي هذا على مثل جعفر؟ وقد ظهر ذلك لأخيه الفضل؟! فقالت: يا بني! لولا العزمة لما أخبرتك! إنّ أباهما لمّا خرج خلوت بالفضل فقلت له: ما منعك من إدخال السرور على أبيك بملاعبة أخيك؟ قال: منعني منه أمران أحدهما أني لو لاعبته لغلبته ولو غلبته لأخجلته، والثاني قول أبي: لاعبه وأنا معك، وما يعجبني أن يكون أبي معي على أخي. قالت: ثم إني خلوت بجعفر فقلت له:
يا بني! أيقول أبوك أتلعب بالشطرنج فتقول نعم وقد امتنع منها أخوك؟ فتسم نفسك بالهزل عند أبيك وهو صاحب جدّ؟! فقال: إني سمعت أبي يقول في الشطرنج إنها نعم لهو البال المكدود، وإنه ليعلم ما نلقى من كدّ التعلّم فظننت أنه لا يعيب ذلك علينا. ثم إني لم أكن آمن أن يكون قد نمي إليه أنّا نلعب بها، وخفت أن ينكر أخي فيكون الكذب أقبح فبادرت إشفاقا وقلت إن كان من أبي نكثر لقيته دون أخي! قالت فقلت له: فعلام قلت ألاعبه مخاطرة كأنك تقامر أخاك وتستكثر ماله؟! قال: كلاّ ولكنه استحسن الدواة التي وهب لي أمير المؤمنين المهدي فعرضتها عليه فأبى قبولها ورجوت أن يلاعبني عليها فتطيب نفسه بأخذها! فقلت: يا أمّاه! وما كانت (130) الدواة؟ فقالت: إنه دخل على المهدي وبين يديه دواة من العقيق الأحمر محلاة بالياقوت الأصفر فرآه ينظر إليها فوهبها له. قال: فقلت لها ثم ماذا؟ فقالت: فقلت له ما عذرك إذ قال له أبوه لاعبه وأنا معه، فقلت نعم! قال: عرفت أنّه يغلبني وله في ذلك شرف وسرور بتحيّز أبيه إليه دوني. قال محمّد بن عبد الرحمن: فقلت بخ بخ هذه والله اللبابة والسيادة. ثم قلت لها: هل كان معهما من بلغ الحلم؟ فقالت: يا بنيّ! أين يذهب بك! أنا أحدّثك عن صبيّين يلعبان وتقول هذا! لقد كنا ننهى الصبيّ إذا