الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عروة بن الورد! قال: فارتدع. ثم قال: ما لك ويلك! لست أشكّ أنّك سمعت ما كان من أمّي! قال: نعم! فاذهب أنت وأمّك وهذه الإبل ودع الرجل لحاله فإنه ليس لك بشيء! قال: الذي بقي من عمر الشيخ قليل وأنا مقيم معه ما بقي فإنّ له حقا وذماما فإذا هلك فما أسرعني إليك. وخذ من هذه الإبل بعيرا! قال: لا يكفيني إنّ معي أصحابا قد خلّفتهم ذا جهد. قال: فاثنان. قال:
لا! قال: فثالث-والله لازدتك على ذلك! فأخذها ومضى إلى أصحابه. ثم إنّ الغلام لحق بعروة بعد هلاك الشيخ.
فقال ثمامة: والله يا أمير المؤمنين لقد زيّنته عندنا وعظّمته في قلوبنا.
قال: فهل أعقب عندكم؟ قال ثمامة فقلت: لا والله! ولقد كنا نتشاءم بأبيه لأنّه هو الذي أوقع الحرب بين عبس وفزارة بمراهنته حذيفة بن بدر. ولقد كان له ابن أسنّ من عروة فكان يؤثره على عروة فيما يعطيه، ويقوّيه دونه. فقيل له:
أتؤثره على عروة فيما تعطيه مع غنائه عنك وهو الأكبر على الأصغر مع ضعفه؟! قال: أترون هذا الأصغر مع ضعفه! لئن بقي مع ما أرى من شدّة نفسه ليصيرن الأكبر عيالا عليه.
ذكر سنة خمس وأربعين ومائة
النيل المبارك في هذه السنة
الماء القديم ذراعان وثمانية أصابع. مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وأربعة أصابع (29).
الخليفة المنصور عبد الله بن محمّد بن علي. ويزيد بن حاتم المهلّبي على مصر حربها وخراجها. والقاضي خزيمة بحاله؛ وكان محمودا لا يأخذ ليوم الجمعة رزقا، ولا يوم يتشاغل فيه عن أمور الناس.
روي أنّه دخل على المنصور خالد بن كلثوم فقال له المنصور: يا خالد!
حدّثني عن هلال بن الأسعر، ومن هو، وما كان منه. فقال: نعم وكرامة يا أمير المؤمنين! هو هلال بن الأسعر بن خالد بن أرقم بن قسيم بن ناشرة بن سيّار بن رزام بن مازن بن مالك بن غمر بن تميم. شاعر فحل من شعراء الدولة الأموية مولّدا. كان رجلا شديدا عظيم الخلق أكولا معدودا من الأكلة. عمّر زمانا طويلا، ومات بعد بلايا عظام مرّت على رأسه. وكان يرد مع الإبل فيأكل ما وجد عند أهله ثم يرجع إلى الإبل ولا يتزوّد طعاما ولا شرابا حتّى يرجع يوم وردها لا يذوق فيما بين ذلك شيئا! وكان عاديّ الخلق لا توصف صفته.
قال خالد بن كلثوم؛ فحدّثنا عنه من أدركه أنّه كان يوما في إبل له وذلك عند الظهيرة في يوم شديد وقع الشمس، محتدم الهاجرة. فعمد إلى عصاه فطرح عليها كساءه ثم أدخل رأسه تحته من حرّ الشمس. فبينا هو كذك إذ مرّ به رجلان أحدهما من بني نهشل والآخر من تميم-وكانا أشدّ تميميّين في ذلك الوقت بطشا يقال لأحدهما الهيّاج؛ وقد أقبلا من البحرين ومعهما أنواط من تمر هجر، وهلال بناحية الصعاب. فلمّا انتهيا إلى الإبل ولا يعرفان هلالا بوجهه ولا الإبل فناديا: يا راعي الإبل! أعندك شراب تسقينا؟ وهما يظنّان أنّه عبد لبعضهم! فناداهما هلال ورأسه تحت كسائه: عليكما بالناقة التي صفتها كذا في موضع كذا فانتحياها فإنّ عليها وطبين من لبن فاشربا منهما ما بدا لكما فقال أحدهما: ويحك يا غلام انهض فأتنا بذلك اللبن! فقال: إن يك لكما حاجة فستأتيانها. قال؛ فقال أحدهما: إنّك يا ابن اللخناء لغليظ الكلام قم فاسقنا! ثم
دنا منه وهو على تلك الحال فأهوى له ضربا بالسوط على عجزه وهو مضطجع فتناول هلال يده فاجتذبه ورماه تحته ثم ضغطه ونادى صاحبه: ويحك أغثني قد قتلني! فدنا منه صاحبه فتناول هلال أيضا الآخر فاجتذبه فرمى به تحت فخذه الآخر ثم أخذ برقابهما فجعل يصكّ رؤوسهما بعضا ببعض لا يستطيعان أن يمتنعا منه، قال أحدهما: كن هلالا ولا نبالي ما صنعت! فقال لهما: أنا والله هلال، ولا والله تفلتان من يدي حتّى تعطياني عهدا وميثاقا لا تخيسان به لتأتيانّ المربد إذا قدمتما البصرة لتناديانّ بأعلى أصواتكما بما كان مني ومنكما فعاهداه وأعطياه نوطا من التمر وقدما البصرة فناديا بذلك.
قال خالد بن كلثوم عن خالد بن كنيف بن عبد الله المازني، قال، كنت يوما مع هلال ونحن نبغي إبلا لنا فدفعنا إلى قوم من بكر بن وائل وقد لغبنا وعطشنا وإذا نحن بفتية شباب عند ركيّة لهم وقد وردت إبلهم فلمّا رأوا هلالا استهولوا خلقه وقامته فقام رجلان منهم إليه فقال له أحدهما: يا عبد الله! هل لك في الصراع؟ فقال له هلال: أنا إلى غير ذلك أحوج! قال: وما هو؟ قال:
إلى لبن وماء فإنّي لغب ظمآن. قالا: ما أنت بذائق من ذاك شيئا حتّى تعطينا عهد الله لتجيبنّنا إلى الصراع إذا رويت وأراحت! قال هلال: إني لكما ضيف والضيف (31) لا يصارع ربّ منزله، وأنتم مكتفون من ذلك بما أقول لكم:
إعمدوا إلى أشدّ فحل في إبلكم وأهيبه صولة، وإلى أشدّ رجل منكم ذراعا فإن لم أقبض على هامة البعير وعلى يد صاحبكم فلا يمتنع الرجل ولا البعير حتّى أدخل يد الرجل في في البعير كرها منهما؛ فإن لم أفعل ذلك فقد صرعتموني، وإن فعلته علمتم أنّ صراع أحدكم أيسر من ذلك! قال؛ فعجبوا من مقالته تلك، وأومي إلى فحل في إبلهم هائج صائل قطم فأتاه هلال ومعه
أولئك النفر وشيخ لهم فأخذ بهامة الفحل مما فوق مشفره فضغطها ضغطة جرجر <منها> الفحل فاستخذى ورغا! وقال: ليعطني من أحبّ يده حتّى أولجها فم هذا الفحل! قال؛ يقول الشيخ: يا قوم! تنكبّوا عن هذا الشيطان فو الله ما سمعت هذا الفحل جرجر منذ بزل قبل اليوم فلا تعرضوا له. وجعلوا يتبعونه وينظرون إلى خطوه، ويعجبون منه.
ولهلال أحاديث عجيبة في قوّته وشجاعته ذكرها صاحب الأغاني مما يطول شرحها فأضربت عنها. وله أشعار كثيرة جيّدة تدلّ على فحولة قائلها؛ فمن ذلك (من البسيط):
دعاني قمير دعوة فأجبته
…
فأيّ امرئ في الحرب حين دعاني
معي مخذم قد أخلص القين حدّه
…
يخفّض عند الروع روع جناني
وما زلت مذ شدّت عيني حجزتي
…
أحارب أو في ظلّ حرب تراني
وعن زفر بن هبيرة قال، تقاوم هلال بن الأسعر المازني وهو أحد بني رزام بن مازن، ونهيس الجلاّني من عنزة وهما يسقيان إبلهما فحذف هلال نهيسا بمحور في يده فأصابه فمات فاستعدى ولده بلال بن أبي بردة، وهو يوم ذاك أمير العراق، على هلال (32) فحبسه وأسلمه قومه، وعمل في أمره ديسم أحد بني كنانة بن حرقوس فافتكّه بثلاث ديات فقال هلال يمدحه من قصيدة (من الوافر):
تدارك ديسم حسبا ومجدا
…
رزاما بعدما اشتقّت عصاها