الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يفوز به ويجني ثمرته أو خطإ يشارك فيه وفي مكروهه! فقلت له: أنت والله في قولك هذا أشعر منك في شعرك.
ذكر سنة أربع وستين ومائة
النيل المبارك في هذه السنة
الماء القديم ذراع واحد وستة عشر إصبعا. مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وخمسة عشر إصبعا.
ما لخّص من الحوادث
الخليفة المهدي محمد بن عبد الله المنصور بالله. وعزل يحيى الخرسيّ عن مصر، وولي الحرب نصر بن سالم بن سوادة، وولي الخراج أبو قطنة إسماعيل بن إبراهيم. وعزل ابن لهيعة عن القضاء وولي مكانه إسماعيل بن اليسع الكندي؛ وكان يقول بقول أبي حنيفة رضي الله عنه وكان محمود الأثر.
ومن أخبار بشّار عن قدامة بن نوح قال؛ كان بشّار يحشو شعره إذا أعوزته القافية والمعنى بالأشياء التي لا حقيفة لها؛ فمن ذلك (65) أنه أنشد يوما شعرا له فيه قوله:
*غنّي للغريض يا ابن قيان*
فقيل له: من ابن قيان هذا؟ لسنا نعرفه من مغنّي البصرة ولا الحجاز! قال: وما عليكم منه؟ ألكم قبله دين فتطالبوني به أو ثارّ تريدون تدركوه؟ قالوا:
ليس شيء مما ذكرت، وإنما أردنا أن نعرفه! فقال: هو رجل يغنّي لي ولا يخرج من بيتي! فقالوا: إلى متى؟ قال: منذ يوم ولد إلى يوم يموت!.
وعن أحمد بن خلاّد قال، حدّثني أبي، قال، قلت لبشّار: إنك لتجيء بالشيء المهجّن المتقارب! قال: وما ذاك؟ قال؛ قلت: بينما تقول شعرا تثير به النقع وتخلع به القلوب مثلك حيث تقول (من الطويل):
إذا ما غضبنا غضبة مضريّة
…
هتكنا حجاب الشمس أو تقطر الدما
إذا ما أعرنا سيّدا من قبيلة
…
ذرى منبر صلّى علينا وسلّما
إلى أن تقول (من الهزج):
ربابة ربّة البيت
…
تصبّ الخلّ في الزيت
لها عشر دجاجات
…
وديك حسن الصوت
فقال: لكلّ شيء وجه وموضع. فالقول الأوّل جدّ وهذا قلته في ربابة جاريتي وأنا لا آكل البيض من السوق، وربابة هذه لها عشر دجاجات وديك فهي تجمع لي البيض وتحفظه فهذا عندها من قولي أحسن من:
*قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل*
عندك أنت!.
وعن يحيى بن الجون العبديّ قال؛ كنّا عند بشّار فأنشدنا قصيدته التي يقول فيها (من المتقارب):
وجارية خلقت وحدها
…
كأنّ النساء لديها خدم
فلمّا رأيت الهوى قاتلي
…
ولست بجار ولا بابن عم
(66)
دسست إليها أبا مجلز
…
وأيّ فتى إن أصاب اعتزم
فما زال حتّى أنابت له
…
فراح وحلّ لنا ما حرم
فقال له رجل من أصحابه: ومن أبو مجلز هذا يا أبا معاذ؟ قال: وما حاجتك إليه؟ ألك عنده دين تطالبه؟ هو رجل يتردّد بيني وبين معارفي في رسائلي. قال: وكان كثيرا ما يحشو شعره بمثل هذه الأشباه.
وعن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: كانت بالبصرة قينة لبعض ولد سليمان بن عليّ، وكانت محسنة بارعة الظرف، وكان بشّار صديقا لسيّدها ومدّاحا له، فحضر مجلسه يوما والجارية تغنّي فسرّ بحضوره فشرب حتّى سكر ونام ونهض الناس ونهض بشّار فقالت له الجارية: يا أبا معاذ! أحبّ أن تذكر يومنا هذا في قصيدة ولا تذكر فيها اسمي ولا اسم سيّدي، وتكتب بها إليه.
فانصرف وكتب إليه (من البسيط):
وذات دلّ كأنّ البدر صورتها
…
باتت تغنّى عميد القلب سكرانا:
«إنّ العيون التي في طرفها حور
…
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللبّ حتّى لا حراك به
…
وهنّ أضعف خلق الله أركانا»
فقلت أحسنت يا سؤلي ويا أملي
…
فأسمعيني جزاك الله إحسانا:
«يا حبّذا جبل الرّيان من جبل
…
وحبّذا ساكن الرّيان من كانا»
قالت: فهلاّ فدتك النفس أحسن من
…
هذا لمن كان صبّ القلب حيرانا:
يا قوم أذني لبعض الحيّ عاشقة
…
والأذن تعشق قبل العين أحيانا
فقلت: أحسنت أنت الشمس طالعة
…
أضرمت في القلب والأحشاء نيرانا
فأسمعيني صوتا مطربا هزجا
…
يزيد صبّا محبّا منك أشجانا
يا ليتني كنت تفّاحا مفلّجة
…
أو كنت من قضب الريحان ريحانا
(67)
حتّى إذا وجدت ريحي فأعجبها
…
ونحن في خلوة مثّلت إنسانا
فحرّكت عودها ثم انثنت طربا
…
تشدو به ثم لا تخفيه كتمانا:
أصبحت أطوع خلق الله كلّهم
…
لأكثر الخلق لي في الحبّ عصيانا
فقلت أطربتنا يا زين مجلسنا
…
فهات إنك بالإحسان أولانا
لو كنت أعلم أنّ الحبّ يقتلني
…
أعددت لي قبل أن ألقاك أكفانا
فغنّت الشرب صوتا مؤنقا رملا
…
يذكي السرور ويبكي القلب ألوانا:
لا يقتل الله من دامت مودّته
…
والله يقتل أهل الغدر أحيانا
ووجّه بالأبيات إليها فبعث إليه سيّدها بألفي درهم وطيب.
قلت: البيتان التاليان في هذه القصيدة يرويان لجرير <ابن عطيّة> بن الخطفى؛ وقد ساقهما صاحب الأغاني في هذه القصيدة لبشّار، وصاحب «الأغاني» فليس ممّن يطعن في فضله ومعرفته ونقده؛ وهما:
*إنّ العيون التي في طرفها حور*
والذي بعده. وأجمعت الرواة أنّ البيت الأوّل أرقّ بيت قالته العرب، ونسبوه لجرير. والله أعلم.
وعن الرياشيّ قال: حضر بشّار باب محمد بن سليمان فقال له الحاجب:
إصبر! فقال بشّار: إنّ الصبر لا يكون إلاّ على بليّة! فقال الحاجب: إنّ وراء