الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاتم بن هرثمة حربا وخراجا. والقاضي البكري بحاله.
وفيها ولد أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رضي الله عنه صاحب <الجامع في> الحديث النبوي الصحيح.
قلت: والأمين هو ممدوح الحسن بن هانئ المعروف بأبي نواس الشاعر المشهور. ولنذكر هاهنا نسبه وطرفا (134) من أخباره، ونتفا من شعره كونه شيخ الشعراء المحدثين، المتمسّك من سائر فنون الشعر بكلّ حبل متين.
ذكر أبي نواس ولمعة من أخباره ونبذة من أشعاره
أما نسبه فهو الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصبّاح الحكميّ. كان جدّه مولى الجرّاح الحكميّ فنسب إليه؛ على ما ذكر ابن خلّكان. وذكر محمد بن داود بن الجرّاح في كتاب الورقة أنّ أبا نواس ولد بالبصرة ونشأ بها ثم خرج إلى الكوفة مع والبة بن الحباب ثم صار إلى بغداد. وقال غيره إنه ولد بالأهواز ونقل منها وعمره سنتان، وأمّه أهوازية اسمها جلبان. وكان أبوه من جند مروان بن محمد آخر ملوك بني أميّة؛ وكان من أهل دمشق، وانتقل إلى
الأهواز، وتزوّج أمّه جلبان فاستولدها عدة أولاد منهم أبو نواس وأبو معاذ.
وأسلمت أبا نواس أمّه لبعض العطّارين فرآه أبو أسامة والبة بن الحباب الشاعر فاستملحه فقال له: اصحبني أخرّجك فإنك ستقول الشعر! فصار معه وخرّجه.
وأول ما قال من الشعر (من المقتضب):
حامل الهوى تعب
…
يستخفّه الطرب
وروي أن الخصيب <صاحب ديوان الخراج بمصر> سأل أبا نواس عن نسبه فقال: أغناني أدبي عن نسبي! فأمسك عنه!.ولد في سنة خمس-وقيل:
ستّ-وأربعين ومائة. وتوفّي سنة ثمان وتسعين ومائة ببغداد. ودفن في مقابر الشونيزي. ويكنى أبو علي. وإنما قيل له أبو نواس لذؤابتين كانتا تنوسان على عاتقيه. ومن حسن ظنّه بربّه قوله (من الوافر):
تكثّر ما استطعت من الخطايا
…
فإنك بالغ <ربا> غفورا
ستبصر إن وردت عليه يوما
…
وتلقى سيدا ملكا كبيرا
تعضّ ندامة كفيك مما
…
تركت مخافة النار الشرورا
وهذا من أحسن المعاني وأغربها. وأخباره كثيرة جدّا وكذلك أشعاره فلخّصنا من ذلك ما ذكرناه في هذا الجزء المبارك.
ومن جملة ما أظهر المأمون للناس من عيوب أخيه الأمين أنّه قال: وعنده شاعر ماجن يحلّل في شعره ما حرّم الله، ويحضّ الناس على التهتّك في المحارم؛ وهو قوله (من الطويل):
ألا سقّني خمرا وقل لي هي الخمر
…
ولا تسقني سرا متى أمكن الجهر
وبح باسم من تهوى ودعني من الكنى
…
فلا خير في اللذات من دونها ستر
فما الغبن إلاّ أن تراني صاحيا
…
وما الغنم إلاّ أن يتعتعني السكر
وخمّارة نبّهتها بعد هجعة
…
وقد لاحت الجوزاء وانحدر النسر
فقالت من الطرّاق قلت عصابة
…
خفاف الأذى تبتغى لهم الخمر
ولا بدّ أن يزنوا فقالت أو الفدا
…
بأبلج كالدينار في طرفه سحر
وجاءت به كالبدر ليلة تمّه
…
تخال به سكرا وليس به سكر
فقمنا إليه واحدا بعد واحد
…
فكان به من طول عرمتنا فطر
قال حمزة في شرحه: قوله: إلا سقّني خمرا وقل لي هي الخمر! ما الفائدة في ذلك أليس أنه علم أنها الخمر فما فائدة قوله: وقل لي هي الخمر! وذلك أنّ الإنسان له حواسّ خمس: حاسّة النظر والشم والذوق والسمع واللمس فلمّا تناول كأسها بيده استلذّ تلمسه إيّاها ثم استلذّ بنظرها ثم بشمّها ثم بذوقها فبقي السمع فقال: قل لي هي الخمر! كي يستلذّ سمعه بذكرها (135) فحينئذ تستكمل اللذّة الحواسّ الخمس. قلت: لعمري لقد تغالى فيما حرّم الله تعالى! عفا الله عنه!
وقوله (من البسيط):
دع عنك لومي فإنّ اللوم إغراء
…
وداوني بالتي كانت هي الداء
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها
…
لو مسّها حجر مسّته سرّاء
من كفّ ذات هن في زيّ ذي ذكر
…
لها محبّان لوطيّ وزنّاء
قامت بإبريقها والليل معتكر
…
فلاح من وجهها في البيت لألاء
وأرسلت من فم الإبريق صافية
…
كأنما أخذها بالعقل إغفاء
رقّت عن الماء حتّى ما يلائمها
…
لطافة وجفا عن سلكها الماء
فلو مزجت بها صبحا لمازجها
…
حتّى تولّد أنوار وأضواء
دارت على فتية ذلّ الزمان لهم
…
فما يصيبهم إلاّ بما شاءوا
قوم إذا شربوا طابت حلومهم
…
لم تبد منهم على الصهباء عوراء
لتلك أبكي ولا أبكي على دمن
…
كانت تحلّ بها هند وأسماء
فقل لمن يدّعي في العلم فلسفة
…
علمت شيئا وغابت عنك أشياء
قال حمزة: والمخاطب بهذا البيت رئيس المتكلمين إبراهيم النظّام لأنه كان ينهاه عن الكبائر ويقول إنها تخلّد في النار. وأبو نواس ففي خمرياته لا يجاريه أحد؛ فمن ذلك قوله (من الطويل):
ألا دارها بالماء حتّى تلينها
…
فلن تكرم الصهباء حتّى تهينها
أغالي بها حتّى إذا <ما> ملكتها
…
بذلت لإكرام الخليل مصونها
وقوله (من مجزوء الكامل):