الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من لي وقد غدر الزما
…
ن بمادّتي وحماتيه
من لي وقد غضب الإما
…
م على جميع رجاليه
يا عطفة الملك الرضى
…
عودي إلينا ثانيه
(124)
وهي طويلة وهذا ملخّصها. فلمّا وقف عليها الرشيد قال: أو بقي ليحيى عقل يقول به الشعر؟! والله لأشغلنّه عن ذلك! ثم كتب إليه بخطّه: بسم الله الرحمن الرحيم. {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ} الآية؛ وكتب تحت ذلك هذه الأبيات (من مجزوء الكامل):
يا آل برمك إنّما
…
كنتم ملوكا عاتيه
فكفرتم وعصيتم
…
وجحدتم نعمائيه
عدتم كشيئ قد مضى
…
أحلام قوم ماضيه
ذكر سنة إحدى وتسعين ومائة
النيل المبارك في هذه السنة
الماء القديم ثلاثة أذرع وأربعة وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا فقط.
ما لخّص من الحوادث
الخليفة هارون الرشيد بالله بن محمد المهدي. وعزل الخصيب عن خراج مصر، وضمّه إلى الحسين بن جميل مع الحرب. واستعفى القاضي عبد الرحمن العمري فلم يعف وهو مستمرّ على قضائه.
فيها توفّي يحيى بن خالد البرمكي بالسجن. وكان قد توفّي قبله ولده
الفضل بسبعة أيام؛ وسبب ذلك؛ روي أنّ يحيى بن خالد لمّا كتب تلك الأبيات المقدّم ذكرها وأجابه الرشيد عنها بما تقدّم من القول في ذلك أمهله قليلا؛ وكان البرد قد أقبل؛ فكتب إلى الرشيد يستعطفه ويستوهب منه ملبوسا للفضل ولده يلقى به برد السجن! فلمّا وقف عليها الرشيد طلب أربعة خدّام ودفع إليهم سياطا رديّة وأمرهم أن يتوجّهوا إلى السجن والسياط ملفوفين في بقجة (125) فيفرغوها بين يدي يحيى ويقولون له: ها قد أنفذ لولدك ما يدفئ جلده! ثم يضربون الفضل قدّام يحيى أربع مائة سوط. فلمّا قدموا السجن ودخلوا على يحيى ونظر البقجة ظنّ أنّ ذلك ملبوس، وأنّ الرشيد رقّ لهما! فلمّا فعلا ما أمروا به وضربوا الفضل وطرحوه وقد غاب عن الدنيا وتوجّهوا إلى الرشيد فأقام الفضل لا يعقل ولا يعي فطلب يحيى السجّان وسأله أن يحضره جرائحيا فرقّ لهما السجان وأمهل إلى الليل وأحضر جرائحيا كان جارا للسجّان فلمّا كشف عن ضرب الفضل هوّن الأمر عليه وقال: هذا يفيق ويبرا غير أني أريد منك أن تساعدني في قبولك الغداء وشرب الشراب! وعاد ذلك الجرائحي يصنع في بيته له المصاليق ويأتيه بالأشربة بيده. ثم إنه ذات يوم كشف عن ضربه ثم دار بوجهه إلى القبلة وسجد شكرا لله تعالى ثم قال ليحيى: أبشر يا سيّدي بسلامة ولدك فإنني لمّا كشفته أول يوم كان إلى التلف أقرب منه إلى السلامة! ولم أقل ذلك القول إلاّ لتقوى نفسه، والآن فقد زال ما كنت أحذر. وذلك أنّ الذين ضربوه كانوا جهّالا بالضرب فلمّا استقلّ الفضل من ضربه وقد بالغ الجرائحيّ في خدمته بكلّ ما اتصلت قدرته إليه اشتور يحيى والفضل وكتب الفضل قطعة
قرطاس وختمها وأعطاها للجرائحي ودلّه على شخص في مكان ببغداد يوصل تلك الرقعة إليه. فظنّ الجرائحيّ أنها ضرورة له فلمّا أحضرها لذلك الرجل وقرأها بكى حتّى أغمي عليه ثم نهض وأقبل ومعه كيس فيه ألف دينار فقال للجرائحي: خذ يا مولاي هذه الدنانير تصرّف (126) فيها! واقبل العذر في هذا الوقت! فلمّا رآها الجرائحيّ، وسمع ذلك منه شخر وقال: والله لو علمت أنّ إنفاذي لهذا لما أتيت إليك! وقفز مغضبا وأتى بيته، وانقطع عن الفضل وتحيّل ذلك الرجل حتى أعاد الجواب إلى الفضل بما كان من أمر الجرائحيّ.
فقال الفضل: لا حول ولا قوة إلاّ بالله استقلّ الرجل ما أعطي، ولم يعلم أنّه لم يبق لنا شيئ! ثم أنفذ خلفه ولا طفه وقال: والله لم يدع لنا الرشيد ما إذا قصدنا أن يبلغنا ليلة واحدة فنجده! وإنما هذا الذي أعطاك رجل كنّا أسدينا إليه خيرا فقصدناه؛ وها هو قد جعلها ألفي دينار! فأنعم أيّها الرجل عليّ بقبول ذلك- وهو يحدّثه وقد أخرج الجرائحيّ من جرمدانه موسى أمضى من القضاء وأمسك بلحية نفسه، وجعل الموسيّ على نحره وقال: وحقّ ربّ البرية إن عاودتني في شيئ من هذا الكلام ذبحت نفسي بيدي! أتظنّ يا مولاي أنّني استقللت ذلك؟! لا والله! وإنّما والله لا أخذت على خدمتي لك جزاء أبدا ولو ملو الأرض ذهبا، فلا تعاودني أتلف نفسي بين يديك! قال؛ فتعجّب الفضل ويحيى لغزارة مروءة ذلك الرجل. فلمّا خلا الفضل بأبيه يحيى قال: يا أبة! كم تظنّ أنّنا لنا من الصنائع على الناس؟ والله إن صنيعة هذا الحجّام أعظم من كلّ شيئ فعلناه! قال؛ فبلغ ذلك آل الربيع-وكانوا قد تمكّنوا من الرشيد بعد آل برمك-فوشوا بجميع ذلك للرشيد وقالوا: يا أمير المؤمنين! أليس يحيى بن خالد يزعم أنه لم يبق شيئ حتّى أنفذ يستعطي من أمير المؤمنين ملبوسا لفضل؟ ها هو قد أنعم