الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمسلم يا من ساد كلّ خليفة
…
ويا فارس الهيجا ويا جبل الأرض
(8)
شكرتك إنّ الشكر حبل من التقى
…
وما كلّ من أوليته نعمة يقضي
ونوّهت من ذكري وما كان خاملا
…
ولكنّ بعض الذكر أنبه من بعض
فقال له أبو جعفر: من يقول هذا؟ قال: يقوله أبو نخيلة. فعضّ أبو جعفر على إصبعه وقال: أأمن هذا العبد أن تدول لبني هاشم دولة فيولغوا الكلاب دمه؟! فقال له أبو العبّاس: مه يا أخي! فإنّه كان يقال: من ظهر غضبه ضعف كيده. ثمّ أقبل أبو العبّاس على أبي سلمة فقال: هذا شعر أحمق في أحمق كيف يقول لرجل في سلطان غيره وتابع له: يا جبل الأرض وجبل الأرض هو مرسيها وممسكها فلا يصلح أن يقال هذا لمن هو في سلطان غيره وتابع له وأين يقع تعظيمه وتفخيمه من نقص اسمه؟ وانطلق أبو العبّاس فقال له أبو جعفر: هلمّ يا أخي نلعب! فقال له أبو العبّاس: هل أولغت الكلاب دم أبي نخيلة؟ قال: لا! ولكنّك أدّبتني فتأدّبت! وذهبا. فقال أبو سلمة لسليمان: بمثل هذين يطلب الملك ويدرك الثأر. وما زالا بإبراهيم الإمام حتّى عهد إلى أبي العبّاس، ويقال إنّه وعدهما أن يعهد إليه ولم يفعل حتّى قبض عليه مروان فأفضى العهد إلى أبي العبّاس.
تفسير كلمات من هذا الخبر
قوله في الشعر: «أمسلم» يريد «أمسلمة» فرخّم الاسم فحذف الهاء منه ولهذا قول أبو العبّاس إنّه نقص اسمه وهو بمعنى مسلمة بن عبد الملك، وقوله:
«حبل من التقى» أي عهد منه وسبب، فالحبل العهد؛ قال الله عز وجل:{إِلاّ}
{بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النّاسِ.} وأما قول أبي العبّاس هل أولغت الكلاب دم أبي نخيلة؟ فإنّه تعجّب من سرعة زوال غضبه على أبي نخيلة فكأنّه يقول: هل شفيت غيظك من أبي نخيلة حتّى تعود للعب؟ (9) وقول أبي جعفر: «لا ولكنّك أدّبتني» أراد: أنت أمرتني أن لا أظهر غضبي فأمسكت. وإنّما قصد أبو سلمة بإنشادهما الأبيات المذكورة ليرى همّتهما وما عندهما إذا سمعا مدح بني أميّة. وكان بنو أميّة إذ ذاك ملوكا ودعاة بني العبّاس يدعون الناس إلى خلع بني أميّة والخروج عليهم وأبو سلمة وسليمان بن كثير سيّدا دعاة بني العبّاس.
وروي أنّ أبا نخيلة الشاعر المقدّم ذكره وفد على أبي العبّاس السفّاح عندما أفضت إليه الخلافة فلمّا مثل بين يديه استأذنه في الإنشاد فقال له: من أنت؟ فقال: عبدك وشاعرك أبو نخيلة يا أمير المؤمنين! فقال أبو العبّاس: لا قرّب الله الأبعد! ألست القائل: «أمسلم يا من ساد كلّ خليفة؟!» وأنشده الأبيات المذكورة، فقال أبو نخيلة: نعم يا أمير المؤمنين وأنا الذي أقول (من الرجز):
لّما رأينا استمسكت يداكا
…
كنّا أناسا نرهب الأملاكا
ونركب الأعجاز والأوراكا
…
من كلّ شئ ما خلا الإشراكا
وكلّ ما قد قلت في سواكا
…
زور فقد كفّر هذا ذاكا
إنّا انتظرنا زمنا أباكا
…
ثم انتظرنا بعده أخاكا
ثم انتظرناك لها إيّاكا
…
فكنت أنت للرجاء ذاكا
قال: فعفى عنه أبو العبّاس ووصله.