الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر بشّار بن برد وطرف من خبره ونسبه
هو-فيما ذكر صاحب كتاب الأغاني عن الحسن بن علي عن محمد بن القاسم بن مهرويه عن غيلان الشعوبيّ-:بشّار بن برد بن يرجوخ بن أزدكرد بن شروستان بن بهمن بن دارا بن فيروز بن كرديه بن ماهفيدان بن دادان بن بهمن بن أزدكرد بن حسيس بن مهران بن خسروان بن أخشين بن شهراداد بن نبوذ بن ماخرشيدا نماذ بن شهريار بن بنداد سيحان بن مكرر بن ادريوش بن يستاسب بن لهراسف.
قال: وكان يرجوخ جدّ بشّار من طخارستان من سبي المهلّب بن أبي صفرة. ويكنى بشّار أبا معاذ. ومحلّه في الشعر وتقدّمه طبقات المحدّثين بإجماع الرواة ورياسته عليهم من غير اختلاف في ذلك يغني عن وصفه. وهو من شعراء الدولتين الأمويّة والعبّاسية. وقد شهر فيهما، ومدح (53) وهجا وأخذ سنيّ الجوائز.
وعن جرير بن حازم عن أبيه قال: كان بشار بن برد بن يرجوخ وأبوه برد من قنّ خيرة القشيريّة امرأة المهلّب بن أبي صفرة؛ وكان مقيما لها في ضيعتها بالبصرة المعروفة بخيرتان مع عبيد لها وإماء، فوهبت بردا بعد أن زوّجته لامرأة من بني عقيل متّصلة بها، فولدت امرأة برد وهو في ملك العقيلية بشّارا. ثم إنّ العقيليّة أعتقته من رقّ العبوديّة.
وعن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: كان برد أبو بشّار مولى أمّ الظباء
السّدوسيّة فادّعى بشّار أنّ ولاءه لبني عقيل لنزوله فيهم. وفي نسبه أقوال كثيرة أضربت عنها.
وعن يحيى بن الجون العبديّ-راوية بشّار-قال؛ لمّا دخلت على المهدي قال لي: فيمن تعتدّ يا بشّار؟ فقلت: أمّا اللسان والرأي فعربي، وأمّا الأصل فعجميّ، كما قلت في شعري يا أمير المؤمنين (من المتقارب):
ونبّئت قوما بهم جنّة
…
يقولون من ذا وكنت العلم
ألا أيها السائلي جاهلا
…
ليعرفني أنا أنف الكرم
نمت في الكرام بني عامر
…
فروعي وأصلي قريش العجم
وإني لأغني مقام الفتى
…
وأصبي الفتاة فما تعتصم
قال؛ وكان أبو دلامة حاضرا فقال: كلاّ لوجهك أقبح من ذلك، ووجهي مع وجهك! فقلت: كلاّ والله ما رأيت رجلا أصدق على نفسه، وأكذب على جليسه منك! والله إني لطويل القامة، عظيم الهامة، تامّ الألواح، أسجح الخدّين! ولربّ مسترخي المذزوين للعين فيه مراد قد جلس من الفتاة حجرة وجلست منها حيث أريد-فأنت مثلي يا مرضعان؟ قال؛ فأمسك عنّي! ثم قال لي المهدي: فمن أيّ العجم أصلك؟ فقلت: (54) من أكبرها في الفرسان، وأشدّها على الأقران، أهل طخارستان! فقال بعض القوم: أولئك الصغد! فقلت: الصّغد تجّار. فلم يردد عليّ المهدي.
وكان بشّار كثير التلوّن في ولائه، شديد التعصّب للعجم، مرّة يفتخر بولائه في قيس فيقول (من الوافر):
أمنت مضرّة الفحشاء إني
…
أرى قيسا تسبّ ولا تضار
كأنّ الناس حين تغيب عنهم
…
نبات الأرض أخطأه القطار
وقد كانت بتدمر خيل قيس
…
وكان لتدمر فيها دمار
بحيّ من بني عيلان شوس
…
يسير الموت حيث يقال ساروا
وما نلقاهم إلاّ صدرنا
…
بريّ منهم وهم حرار
ومرّة يتبّرأ من ولاء العرب فيقول (من الكامل):
أصبحت مولى ذي الجلال وبعضهم
…
مولى العريب فخذ بفضلك وافخر
مولاك أكرم من تميم كلّها
…
أهل الفعال، ومن قريش المعشر
فارجع إلى مولاك غير مدافع
…
سبحان مولاك الأجلّ الأكبر
وقال يفتخر بولاء بني عقيل (من الخفيف):
إنّني من بني عقيل بن كعب
…
موضع السيف من طلى الأعناق
ويلقّب المرعّث، وقيل: إنّما سمّي المرعّث لقوله (من مجزوء الخفيف):
قال ريم مرعّث
…
ساحر الطرف والنظر
لست والله نائلي
…
قلت أو يغلب القدر
أنت إن رمت وصلنا
…
فانج، هل يدرك القمر
وعن ابن سلاّم: إنّما سمّي المرعّث لأنّه كان له قميص وله جيبان جيب عن يمينه، وجيب عن شماله فإذا أراد نزعه حلّ أزراره منه فشبّهت (55) تلك الجيوب بالرعاث لاسترسالها وتدلّيها؛ وسمّي من أجلها المرعّث. وقيل لأنّه كانت في أذنه وهو صغير رعاث والرعاث القرطة واحدتها رعثة وجمعها رعاث
ورعثات. ورعثات الديك <اللحم> المتدلّي تحت حنكه؛ قال الشاعر (من الوافر):
سقيت أبا المطرّح إذ أتاني
…
وذو الرعثات منتصب يصيح
شرابا يهرب الذبّان منه
…
ويلثغ حين يشربه الفصيح
قال؛ والرعث الاسترسال والتساقط. فكأنّ اسم القرطة اشتقّ منه.
وعن الأصمعي، قال؛ كان بشّار ضخما عظيم الخلق والوجه مجدورا طويلا جاحظ الحدقتين قد تغشّاهما لحم أحمر؛ فكان أقبح الناس عمى، وأفظعه منظرا. وكان إذا أراد أن ينشد صفّق بيديه وتنحنح وبصق عن يمينه وشماله ثم ينشد فيأتي بالعجب العجيب. وولد أعمى وهو الأكمه. وقال أبو هشام الباهليّ يهجوه (من الطويل):
وعبدي فقا عينيك في الرحم أيره
…
فجئت ولم تعلم لعينيك فاقيا
أأمّك يا بشّار كانت عفيفة
…
عليّ إذن مشيي إلى البيت حافيا
قال؛ فلم يزل بشّار منذ قال فيه هذين البيتين منكرا.
وعن الأصمعي قال: ولد بشّار أعمى فما نظر الدنيا قطّ، وكان يشبّه الأشياء في شعره بعضها ببعض فكان يقدر على ما لا يقدر البصراء أن يأتوا بمثله؛ فقيل له يوما وقد أنشد قوله (من الطويل):
كأنّ مثار النقع فوق رؤوسنا
…
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
ما قال أحد أحسن من هذا التشبيه، فمن أين لك هذا ولم تر الدنيا قطّ ولا شيئا منها؟! فقال: إنّ عدم النظر يقوّي ذكاء القلب، ويقطع (56) عنه الشغل بما ينظر إليه من الأشياء فيتوفّر حسه، وتذكو قريحته. ثم أنشد قوله (من الطويل):
عميت جنينا والذكاء من العمى
…
فجئت عجيب الظنّ للعلم موئلا
وغاض ضياء العين للعلم رافدا
…
لقلب إذا ما ضيّع الفاس حصّلا
وشعر كنور الأرض لاءمت بينه
…
بقول إذا ما أحزن الشعر أسهلا
وعن أبي زيد قال، سمعت أبا محمّد التوّزيّ يقول، قال بشّار: أزرى بشعري الأذان، يعني كونه إسلاميا. وعن أبي عبيدة قال، سمعت بشّارا وقد أنشد في شعر الأعشى هذا البيت (من البسيط):
وأنكرتني وما كان الذي نكرت
…
من الحوادث إلاّ الشيب والصلعا
قال؛ فعجب لذلك وأنكره بشّار وقال: هذا بيت مصنوع ما يشبه كلام الأعشى! فعجبت لذلك. فلمّا كان بعد هذا بعشر سنين كنت جالسا في حلقة يونس فقال حدّثني أبو عمرو بن العلاء أنه صنع هذا البيت فأدخله في شعر الأعشى وذكره! فجعلت حينئذ أزداد عجبا من فطنة بشّار وصحّة قريحته، وجودة نقده للشعر.
وعن أبي عبيدة قال، قال بشّار: لي إثنا عشر ألف بيت عين! فقيل له:
هذا ما لم يدّعه أحد قطّ سواك! فقال: لي اثنتا عشر ألف قصيدة لعنها الله ولعن قائلها إن لم يكن في كلّ واحدة منها بيت عين! فقلنا: صدقت!
وقال الجاحظ في كتاب «البيان والتبيّن» -وقد ذكر بشّارا؛ فقال: كان بشّار شاعرا خطيبا صاحب منثور ومزدوج وسجع ورسائل وهو من المطبوعين أصحاب الإبداع والاختراع المفتنين في الشعر القائلين أكثر أجناسه وضروبه.
قال الشعر في حياة جرير وتعرّض له، وحكي عنه أنه قال: هجوت جريرا فأعرض عني ولو هاجاني (57) لكنت أشعر <الناس>.
قال: وكان يدين بالرجعة، ويكفّر جميع الأمم، ويصوّب رأي إبليس في تقديم النار على الطين، وذكر مثل ذلك في شعره فقال (من البسيط):
الأرض مظلمة والنار مشرقة
…
والنار معبودة مذ كانت النار
قال؛ وبلغه عن أبي حذيفة واصل بن عطاء إنكار لقوله وهتف به فقال يهجوه (من البسيط):
ما لي أشايع غزّالا له عنق
…
كنقنق الدوّ إن ولّى وإن مثلا
عنق الزرافة ما بالي وبالكم
…
أتكفرون رجالا كفّروا رجلا
فلمّا تتابع على واصل منه ما يشهد على إلحاده خطب به. وكان واصل ألثغ بالراء فأسقطها من سائر كلامه؛ فقال: أما لهذا الأعمى الملحد، أما لهذا المشنّف المكتني بأبي معاذ من يبعج بطنه في جوف منزله وفي يوم حفله. والله لولا <أنّ> الغيلة من شيمة الغالية لأبعثنّ إليه من يفعل ذلك ولا يكون إلاّ سدوسيا أو عقيليا. فانظر إلى توريته في هذا الكلام، وإسقاطه الراء من جميعه؛ قال: الأعمى ولم يقل الضرير. وقال: المشنّف ولم يقل المرعّث.
وقال: أبو معاذ ولم يقل بشّار. وقال: من شيمة الغالية أو قال سجايا الغالية ولم يقل الرافضة. وقال: يبعج ولم يقل يبقر. وقال: منزله ولم يقل داره.
وعن سعيد بن سالم قال: كان أصحاب الكلام بالبصرة ستة نفر وهم:
عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وبشّار بن برد، وصالح بن عبد القدّوس،