الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر خلافة المعتضد بالله أحمد بن طلحة الموفّق
وما لخّص من سيرته
هو أبو العباس أحمد بن طلحة الموفّق بن جعفر المتوكّل بن محمد المعتصم. وباقي نسبه معلوم. ويلقّب السيّار لخفّة ركابه وكثرة أسفاره في الحروب قبل الخلافة وفيها. ويلقّب الأغرّ لشامة بيضاء كانت في مقدّم رأسه.
وهو أحد من ولي الخلافة ولم يكن أبوه خليفة. أمّه أمّ ولد يقال لها ضرار ويقال خفير. توفيت قبل خلافته في سنة ثمان وسبعين. بويع له لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين؛ وذلك بما كان له من ولاية العهد من المعتمد؛ وله ست وثلاثون سنة وشهر. مولده في جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين. بينه وبين مولد أبيه الموفّق أربع عشرة سنة وأربعة أشهر ويومان. كان حسن الميل إلى آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لرؤيا رآها. وضبط الأمور بتجربة وحنكة، ووضع عن الناس البقايا وأسقط المكوس التي كانت تؤخذ بالحرمين. وأظهر حسن السيرة، وقرّب العلماء والفضلاء.
وفي أيامه كان أبو جعفر محمد بن سنان بن جابر الحرّاني المعروف
بالبتّاني أحد المهرة برصد الكواكب، والمتقدمين في علم الهندسة وهيئة الأفلاك وحساب النجوم وصناعة (242) الأحكام. وله زيج جليل ضمنه أرصاد النيّرين وإصلاحه لحركاته المبيّنة في كتاب بطليموس المعروف بكتاب المجسطي، وذكر فيه حركات الخمسة المتحيّرة على حساب ما أمكنه من إصلاحها، وسائر ما يحتاج إليه من حساب الفلك. وكان بعض أرصاده في زمن الخليفة المعتضد بالله. قال القاضي صاعد في كتابه المعروف بطبقات الأمم:
لا أعلم أحدا في الإسلام بلغ في تصحيح أرصاد الكواكب وامتحان حركاتها ما بلغ هذا الفاضل. وله من تواليفه كتاب في شرح المقالات الأربع لبطلميوس.
وكان في أيامه محمد بن إسماعيل التنوخي المنجّم الذي دخل الهند وصدر عنها بغرائب علم النجوم منها حركة الإقبال والإدبار.
وكان في أيامه الفاضل الكبير والسيد النبيل أبو معشر جعفر بن محمد بن عمر البلخي عالم أهل الإسلام بأحكام النجوم. وهو صاحب التواليف الشريفة والمصنّفات المفيدة في صناعة الأحكام وعلم التعديل. وكان مع ذلك أعلم الناس بسير الفرس وأخبار ملوك العجم. فمن كتبه في صناعة الأحكام كتاب الطبائع، وكتاب الألوف، وكتاب المدخل الكبير، وكتاب القرانات، وكتاب الدول والملل، وكتاب الملاحم، وكتاب الأقاليم، وكتاب الهيلاج والكدخداه، وكتاب المقالات في المواليد، وكتاب النكت، وكتاب تحاويل سنيّ المواليد- وغير ذلك من كتبه في حركات النجوم وزيجه الكبير. قال القاضي صاعد:
لم أعلم كتابا أنفع ولا أكثر فائدة في هذا العلم من زيج أبي معشر لأنه جامع لأكثر علم الفلك بالقول المجرّد المطلق من البرهان. وكتاب الزيج الصغير وهو المعروف بزيج القرانات يتضمن معرفة (243) أوساط الكواكب لأوقات اقتران زحل والمشتري مذ عهد الطوفان. وكان أبو معشر مع هذا مدمنا لشرب الخمر مستهترا بمعاقرتها. وكان يعتريه صرع عند أوقات الامتلاآت القمريّة. وكان في أيام المعتضد معاصرا لأبي جعفر بن سنان. هكذا ذكر القاضي صاعد قاضي الأندلس صاحب كتاب طبقات الأمم من العرب والعجم، وصاحب كتاب الملل والنحل. والله أعلم.
قال صاحب كتاب الدول: لمّا أفضت الخلافة إلى الإمام المعتضد بالله قدم رسول عمرو بن الليث الصفّار عليه يسأله اصطناعه لنفسه وتوليته خراسان من قبله، وأحضر معه هدايا جليلة. فعقد له لواء وبعثه مع عيسى النوشريّ إليه ومعه خلع وعهد بما سأل. فوصل إليه عيسى في شهر رمضان من هذه السنة.
وكان السبب الذي بعث المعتضد على تولية عمرو وإجابة سؤاله أنه بعث إلى رافع بن هرثمة يأمره برفع يده عن ضياع سلطانية بالريّ فأبى ذلك. قال صاحب الدول، قال أبو القاسم داود بن سليمان، قلت لرافع بن هرثمة: لا تعصه فليس هو كمن تقدّمه من الخلفاء وهو بكتاب واحد يفسد عليك أمرك! فاغترّ ولم يقبل. وصادف ذلك تضرّع عمرو في طلب الولاية فولاّه. ثم كتب المعتضد بعد ذاك إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف يأمره بالمضيّ إلى الريّ ودفع رافع عنها فامتثل أمره وسار فلقي رافعا في يوم الخميس لسبع بقين من ذي القعدة من هذه السنة فانهزم رافع ودخل أحمد الريّ.