الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن نكت المعتصم ما رواه الطبريّ رحمه الله أنّ المعتصم كان ذات يوم في بستان له راكبا حمارا مصرّيا-وكان هذا عوائد الخلفاء في البساتين-فدخل عليه الحاجب يعرّفه بحضور خارجيّ قد مسك فأمر بإحضاره. فلمّا صار بالقرب من المعتصم قبض على مقبض سيف من بعض الموكّلين به ووثب على المعتصم، وانهزم الموكّلون به. فلمّا أراد أن يضرب المعتصم وهو راكب لم يتغيّر؛ فقال المعتصم: يا غلام! إضرب عنقه! فالتفت الخارجي ينظر لمن القول فوثب المعتصم عليه ولكمه أرماه كالحجر ثم تناول السيف منه وذبحه به ورجع إلى مركوبه ولم يتغيّر عليه شيئ، وأمر به فسحب ولا (181) تعرّض لأحد من موكّليه؛ وإنما منذ ذلك اليوم جعل مملوكا يحمل السلاح حيث كان فاستمرّ الحال على ذلك.
ذكر سنة ثلاث وعشرين ومائتين
النيل المبارك في هذه السنة
الماء القديم ذراعان وأربعة وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ستّة عشر ذراعا وأحد وعشرون إصبعا.
ما لخّص من الحوادث
الخليفة محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد. وموسى بن أبي العبّاس بحاله. وولي سعيد بن البختكان مع المنذر بن الجارود الخراج جميعا.
والقاضي هارون الزهري بحاله مستمرّ على قضائه.
قال الصولي، قال لي محمد بن يزيد المهلّبي، قال، قال لي محمد بن عمر الرومي الشاعر: لله درّ المعتصم ما كان أعقله من رجل! كان له غلام يقال له عجيب، وكان عند اسمه من حسنه، وكان مشغوفا به. فحارب بين يديه يوما فحسن بلاؤه؛ فدعاني المعتصم فقال: يا محمد! جليس الرجل صديقه وذو نصحه وموضع أنسه، ولي عليك حقّ الرئاسة والإحسان والإمامة؛ فاصدقني عمّا أسألك عنه! فقلت: لعن الله من يقيم نفسه إلاّ مقام العبد الناصح الذي يرى فرضا عليه أن يضيف كلّ حسن إليك. وينفي كلّ عيب عنك وإن كان لا عيب بحمد الله! قال: قد علمت أنّي دون إخواني في الأدب لحبّ الرشيد لي وميلي إلى اللعب وأنا حدث فما نلت ما نالوا. وقد قاتل عجيب بين يديّ فأحسن، وأنت تعلم وجدي به. وقد جاش طبعي بشيئ قلته فإن كان مثله يجوز فاصدقني وإلاّ طويته! قلت: والله لا جزت (182) ما أمرت به! فأنشدني (من المجتث):
لقد رأيت عجيبا
…
يحكي الغزال الربيبا
الوجه منه كبدر
…
والقدّ يحكي القضيبا
وإن تناول سيفا
…
رأيت ليثا حريبا
وإن رمى بسهام
…
كان المجيد المصيبا
طبيب ما بي من الحبّ (م)
…
فلا عدمت الطبيبا
إنّي هويت عجيبا
…
هوى أراه عجيبا
قال؛ فحلفت له أيمان البيعة أنّه شعر مليح من أشعار الخلفاء الذين ليسوا بشعراء! فطابت نفسه. فقلت له: يحتاج إلى لحن فيه. فقال: لا أحبّ ذلك
لذكر عجيب! قلت: فلا يذكر البيتان اللذان فيهما ذكر عجيب! قال: أمّا إذا فنعم! فغنّى به مخارق، ووصلني بخمسين ألف درهم.
كان محمد بن عمر الرومي من الشعراء المفحمين، فائقا على أهل عصره. وله ديوان مشهور في أيدي الناس. وكان هجوه أقطع من مدحه. وهو الذي هجا الورد بمعنى لم يسبق إليه؛ وهو قوله (من البسيط):
يا مادح الورد ما تنفكّ من غلط
…
أمّا تأملته في كفّ ملتقطه
كأنه سرم بغل حين أبرزه
…
إلى الخراء وباقي الروث في وسطه
وكان يفضّل النرجس على الورد؛ وفي ذلك يقول (من الكامل):
خجلت خدود الورد من تفضيله
…
خجلا تورّدها عليها شاهد
لم يخجل الورد المضاعف لونه
…
إلاّ وناحله الفضيلة عائد
للنرجس الفضل المبين وإن أبى
…
آب وحاد عن الفضيلة حائد
أين الخدود من العيون نفاسة
…
ورياسة لولا القياس الفاسد
(183)
هذي النجوم وهي التي ربّتهما
…
بحيا السماء كما يربّى الوالد
فانظر إلى الولدين من أدناهما
…
شبها بوالده فذاك الماجد
فقال أبو الحسن بن يونس المصري يجيبه (من الكامل):
يا من يشبّه نرجسا بنواظر
…
دعج تنبّه إنّ ذهنك فاسد
إنّ القياس لمن يصحّ قياسه
…
بين العيون وبينه متباعد
أو قلت إنّ كواكبا ربّتهما
…
بحيا السماء كما يربّي الوالد
فانظر إلى المصفرّ لونا منهما
…
وافطن فما يصفرّ إلاّ الجاحد
وقال أبو الحسن أيضا متعقّبا للورد على النرجس (من مجزوء الرمل):
أصبح الورد أميرا
…
وله النرجس عبد