الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صيّادين فقد نصبا حبائلهما فلم تشعر تلك الظبية إلاّ وقد وقعت في حبائلهما! فهبطا إليها وأرادا ذبحها فصاحت: واعمراه! فبهتا لزيّها وصياحها، وإذا بعمرو وقد ظهر يرمح بجواده فلمّا وصل قال لها: يا شمشاطة! أتطلقينني إلى بلادي وأهلي أو أمرتهما بذبحك؟ فقالت: لا تفعل يا عمرو فإنني حاملة منك، وأنا أطلقك إلى أهلك! فأخذ عليها العهود والمواثيق وأطلقها. ثم عرّف الصيّادين أنه ابن أخت الملك جذيمة فأتياه به فمنّاهما فتمنّيا منادمته وهما اللذان عناهما متمّم بن نويرة في هذين البيتين. ثم إنّ الشمشاطة حملت سبع سنين ووضعت غلاما إنسيا طوله سبعة أذرع فحين صار على وجه الأرض نهض وكرد على قدميه فسمّي كردا كونه كرد من ساعته التي ولد فيها، ووضعوه في طرف بلاد الإنس بجبل جكار. وقيل إنّما سمّي جبل جكار كونه أول مكان جكر على وجه الأرض. فكرد هذا ابن الشمشاطة بنت دلهم السحابي العفريت الطيّار؛ فهو جدّ الأكراد بأسرهم، ومنه تشعّبوا وتفرّقوا. وكذلك إنّ أبا مسلم الخراساني كان له حظّ منهم وهم أصوله قال؛ فقالوا: والله يا أمير المؤمنين لم نسمع بحكاية هي اطرف من هذه. والله أعلم. (38)
ذكر سنة خمسين ومائة
النيل المبارك في هذه السنة
الماء القديم ثلاثة أذرع فقط، مبلغ الزيادة خمسة ذراعا وعشرون إصبعا.
ما لخّص من الحوادث
الخليفة المنصور عبد الله بن محمّد بن علي. ويزيد بن حاتم بحاله، وكذلك القاضي خزيمة.
روي أنه أجري بحضرة المنصور ذكر الحلم والإغضاء على المكروه؛ فقالوا: قد كان معاوية بن أبي سفيان له حظّ من ذلك، فقال المنصور: أتدرون ممن أخذ معاوية ما ذكرتم؟ قالوا: لا والله يا أمير المؤمنين! قال: إنّ أبا عمرو ابن أحيحة بن الجلاح الأوسي نكح سلمى بنت عمرو بن زيد العدويّة، وكانت قبله عند هاشم بن عبد مناف فولدت لهاشم عبد المطّلب بن هاشم، وولدت لأحيحة عمرو بن أحيحة فنشأ عمرو أريبا مهيبا حليما جوادا فكان أترابه من قومه-وهم الذين ولدوا معه في وقت واحد-يحسدونه لعجزهم عن شأوه فيغضّون منه ويقصّرون به ويؤذونه ويسمعونه المكروه فلا يزيده ذلك إلاّ إغضاء وعلى غلوائه إلاّ مضيّا. فقال له قائل منهم: علام تقرّ ما تسمع منه الأذى وأبوك أعزّ من بين لا بتي يثرب؟! فقال له: لو أني أهشّ لكلّ شرارة إذ تبلغني لحسرت على ذلك ولم أبلغ منه ما أريد، ولشغلني ذلك عن أكثر أمري، ونال من يبلغني ذلك عنه ما طلب، والصبر على ما أكره أخفّ عليّ من التسميع به. وإذا تكلّم المتكلّم في الأمر ثم نزع عنه قبل أن يبلغ أقصى بالذي تكلّم به عجزه ذو البصيرة والفضل. ومن عارض الناس في كلّ ما يكون منهم اشتدّ ذلك من فعله عليهم، ونقّبوا عليه، وانكشف لهم من أمره ما لا يحبّ كشفه. ومن (39) خاصم من الناس من ليس له خطر صغر قدره، وهان على من كان يكرمه، واجترأ عليه من كان يهابه، وصغر <على> من كان يجلّه. وإذا استشرى الشرّ
شرى. وصون المرء نفسه بالعلم خير من ابتذالها بالجهل. والفراغ من أذاة أمر لا يعنيك ولا ينفعك خير من الوقوف عليه. ولا خير فيما شغلك عن إكرام عرض أو صون حسب. ومن ماظّ الناس ماظّوه. ومن قال لهم ما فيهم قالوا له ما ليس فيه، واستمع بأذنه ما كان الناس يقولونه في أنفسهم. فلا تجعل للناس عليك مقالا فيما بينهم، واحرس نفسك من غيرك، ووقّرها بالحلم يوقّرك من سواك، فإنّ الحلم رأس الحكمة، ومن كان حليما كان حكيما؛ وقد قال الهذلي (من الوافر):
أذاة لو أشاء لقلت فيها
…
وإنّي بمثلها طبّ عروف
تركت لها الفضاء فأمكنتها
…
سهول الأرض والحزن الجروف
ولم تنطق رواة السوء فيها
…
وحنت على مكارههم أزيف
ولو عارضتها اشتعلت وشاعت
…
ولا ستعلت كما استعلى الغريف
هذا كلام يتألّق منه شعاع الشرف، ويترقرق عليه صفاء العقل، وينبت فيه فرند الحكمة. ومن تدبّر فيه صفت له العيشة ناعمة، وانقادت له السعادة راغمة. وفي مطاويه كلمات من الغريب لعلّها تعجم على غير الأديب الأريب ها نحن نشرحها. قوله: لحسرت دون ذلك، أي لا نقطعت؛ والحسر القطع.
وقوله: إذا استشرى شرى يقال شرى الغضب والشرّ والبرق، أي لجّ وتتابع، واستشرى استفعل. وقوله: من ماظّ الناس ماظّوه؛ المماظّة المشارّة، واستماع المكروه في الخصام وهي المماظّة والمشارّة-هذا الفصيح. وقوله: نقّبوا عنه، أي بحثوا وفتّشوا واستخرجوا. (40) وقول الشاعر أذاة: الأذاة والأذى سواء، وكأنّ الأذاة أنثى للأذى أو واحدته. وقوله: طبّ؛ الطبّ بالشيء الحاذق البصير به النافذ فيه المتأنّي له. وقوله: تركت له الفضاء، هذا مثل ضربه للتغافل