الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فخير منك من لا خير فيه
…
وخير من زيارتكم قعودي
ووثب زوجها عليه وقال: هممت أن أفضحك! فقال له: قد كفاك- فديتك-ما فعلت بي! ولست-والله-عائدا إليها أبدا فحسبك ما جرى! فتركه.
ذكر سنة ثمان وستين ومائة
النيل المبارك في هذه السنة
الماء القديم ذراعان فقط. ومبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وأحد عشر إصبعا.
ما لخّص من الحوادث
الخليفة المهديّ محمد بن عبد الله المنصور بالله. وموسى بن مصعب بحاله إلى أن قتل قتلته العبسيّة في شرح مطوّل، فولي مكانه صاحب شرطته عسّامة بن عمرو. ثم ولي الفضل بن صالح والقاضي غوث إلى أن توفّي في هذه السنة فولي مكانه المفضّل بن فضالة بن عبيد القتباني.
قتل المهديّ بشّارا، وسبب ذلك أنه أوّل ما تغيّر عليه حين بلغه قال (من الكامل):
قاس الهموم تنل بها نجحا
…
والليل إنّ وراءه صبحا
لا يؤيسنّك من مخبّأة قول تغلّظه وإن جرحا
…
عسر النساء إلى مياسرة
والصعب يمكن بعد ما جمحا
(83)
قال؛ فأحضره وقال له: يا عاض بظر أمّه! أتحضّ الناس على الفجور، وتقذف المحصنات المخبّآت؟! والله إن قلت بعدها بيتا واحدا في تشبيب لآتينّ على نفسك! وعن عليّ بن محمّد-وهو الصحيح-قال: خرج بشّار إلى المهديّ ويعقوب بن داود حينئذ وزيره فمدحه ومدح يعقوب فلم يحفل به يعقوب، ولم يعطه شيئا. ومرّ يعقوب ببشّار يريد منزله فصاح به بشّار:
*طال الثواء على رسوم المنزل*
فأجابه يعقوب:
*فإذا تشاء أبا معاذ فارحل*
فغضب بشّار وقال يهجوه (من البسيط):
بني أمية هبّوا طال نومكم
…
إنّ الخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا
…
خليفة الله بين الزقّ والعود
قال النوفلي: فلمّا طالت أيام بشّار على باب يعقوب دخل عليه، وكان من عادته إذا إراد أن ينشد يتفل عن يمينه وشماله ويصفّق بيديه ففعل ذلك، وأنشد (من الكامل):
يعقوب قد ورد العفاة عشيّة
…
متعرّضين لسيبك المنتاب
فسقيتهم وحسبتني كمّونة
…
نبتت لزارعها بغير شراب
مهلا فدى لك إنني ريحانة
…
فاشمم بأنفك واسقها بذناب
طال الثواء على تنظر حاجة
…
شمطت لديك فمر لها بخضاب
تعطي الغزيرة درّها فإذا أبت
…
كانت ملامتها على الحلاّب
فقيل إنه يقول ليعقوب: أنت من المهديّ بمنزلة الحالب من الناقة (84) الغريزة الدرّ التي إن لم يوصل إلى درّها فليس ذلك من قبلها إنما هو من منع الحالب منها، وكذلك الخليفة ليس المنع منه لسعة معروفه وإنما هو من قبل السبب. قال: فلم يعطف ذلك يعقوب. ثم إنه امتدح المهديّ بقصيدته المقدّم ذكرها التي أوّلها (من مجزوء الكامل):
يا منظرا حسنا رأيته
…
من وجه جارية فديته
فحرمه أيضا فلمّا يئس من جوائز الخليفة هجاه وأنشد ذلك في حلقة يونس قصيدة منها (من السريع):
خليفة يزني بعمّاته
…
يلعب بالدبوق والصولجان
أبدلنا الله به غيره
…
ودسّ موسى في حر الخيزران
فسعي به إلى يعقوب بن داود، وكان قبلها قد بلغه هجاؤه إيّاه فحمله الأمر فدخل على المهديّ فقال له: يا أمير المؤمنين! أبلغ من قدر هذا الأعمى الزنديق الملحد بشّار أن يهجو أمير المؤمنين؟! قال: بأي شيئ؟ قال: بما لا ينطق به لساني ولا يتوهّمه فكري! فقال: بحياتي أنشدني! فقال: والله لو خيّرتني بين إنشادي إيّاه وبين ضرب عنقي لاخترت ضرب عنقي! فحلف عليه المهديّ بالأيمان التي لا فسحة له فيها أن يخبره فقال: أمّا لفظا فمعاذ الله، ولكنّي أكتب ذلك! فكتبه ودفعه إليه فكاد المهديّ ينشقّ غيظا، وعمل على الانحدار إلى البصرة للنظر في أمرها وما وكده غير بشّار. فانحدر، فلمّا كان بالبطيحة سمع أذانا في وقت أضحى النهار فقال: انظروا ما هذا الأذان! فإذا بشّار سكران. فقال: يا زنديق! يا عاضّ بظر أمّه! عجبت أن يكون هذا غيرك! أتلهو بالأذان في غير وقت صلاة وأنت سكران؟! ثم دعا بابن نهيك (85)
صاحب الزنادقة فأمره بضربه ضرب التلف فضربه بين يديه على صدر الحرّاقة سبعين سوطا أتلفه فيها فكان إذا أصابه السوط يقول: حسّ، وهي كلمة تقولها العرب للشيئ الموجع المؤلم. فقال بعضهم: أنظر إلى زندقته كيف يقول حسّ ولا يقول بسم الله! فقال له: يا جاهل! أطعام هو فأسمّي عليه حتّى يبارك لي فيه؟! فقال آخر: أفلا قلت الحمد لله؟ فقال: أو نعمة هي فأحمد الله عليها؟! فلمّا تبيّن فيه الموت طرح في سفينة حتّى مات ثم رمي به في البطيحة فجاء بعض أهله فحملوه إلى البصرة ودفن فيها.
وعن محمّد بن الحجّاج قال؛ لمّا ضرب بشّار وطرح في السفينة قال:
ليت عين أبي الشمقمق رأتني حين يقول (من مجزوء الرمل):
إنّ بشّار بن برد
…
تيس أعمى في سفينه
وعن أحمد بن خلاّد عن أبيه قال، مات بشّار سنة ثمان وستين ومائة، وقد بلغ نيّفا وتسعين سنة. وعن ابن مهرويه قال، حدّثني أبي قال، لمّا ضرب المهديّ بشّارا بعث إلى منزله من يفتّشه-وكان يتّهم بالزندقة-فوجد في منزله طومارا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. أردت هجاء آل سليمان بن عليّ لبخلهم فذكرت قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسكت عنهم إجلالا له صلى الله عليه وسلم، على أنّي كنت قد قلت (من البسيط):
دينار آل سليمان ودرهمهم
…
كبابليّين حفّا بالعفاريت
لا يبصران ولا يرجى لقاؤهما
…
كما سمعت بهاروت وماروت
فلمّا قرأه المهديّ بكى وندم على قتله، وقال: لا جزى الله يعقوب خيرا فإنه لمّا هجاه لفّق عندي شهودا على أنه زنديق فقتلته ثم ندمت حين لا ينفع الندم.