الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلمّا كان المنصور اتّخذ له أبو أيّوب المورياني ثيابا كثيفة تبلّ وتوضع على الآلة التي يقال لها بالفارسية «سبايه» فاستطابها. ثمّ اقترح بعد ذلك الخيش فكان ينصب على قبّة فجرت العادة عليه. وأبو أيّوب هذا الذي جرى المثل بدهنه فقيل: أتاك بدهن أبي أيّوب! وذاك أنه كان له دهن طيّب يستعمله لمّا يريد أن يركب إلى المنصور؛ وكان قد غلب على أمر المنصور فقيل إنّ ذلك الدهن (26) كان له نبأ فضرب به المثل.
ذكر سنة أربع وأربعين ومائة
النيل المبارك في هذه السنة
الماء القديم ذراعان وواحد وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا واثنا عشر إصبعا.
ما لخّص من الحوادث
الخليفة المنصور عبد الله بن محمّد بن علي. وعزل حميد وولي يزيد بن حاتم المهلّبي، وعزل غوث القاضي، وولي خزيمة بن إبراهيم بن يزيد القضاء.
قال أبو الفرج الأصفهاني رحمه الله في كتاب الأغاني، نسخت من كتاب أحمد بن القاسم بن يوسف قال، حدّثني خرّ بن قطن أنّ ثمامة بن الوليد دخل على أبي جعفر المنصور فقال: يا ثمامة! أتحفظ حديث ابن عمّك عروة بن الورد العبسي؟ قال: أيّ حديثه يا أمير المؤمنين فقد كان كثير الحديث؟ قال:
حديثه مع الهذلي الذي أخذ فرسه! قال: ما يحضرني ذلك يا أمير المؤمنين! قال؛ فابتدأ المنصور وحدّثه حديثه الذي أثبتّه في الجزء الأول من هذا التاريخ عند ذكري لعروة بن الورد ونسبه وبعض أخباره مما يغني <عن> إعادته هاهنا.
وأخّرت هذه الحكاية الأخرى عن عروة لأوردها في هذا المكان في جملة أخبار المنصور وطول سنيّه؛ قال؛ فلمّا أتمّ المنصور حكاية عروة مع الهذلي قال ثمامة: إنّ له عندنا أحاديث كثيرة ما سمعنا بأظرف من هذا يا أمير المؤمنين! فقال المنصور: أفلا أحدّثك بحديث عنه هو أظرف من هذا؟ فقال ثمامة: بلى يا أمير المؤمنين فإنّ الحديث إذا جاء منك كان له فضل على غيره! قال: خرج عروة بن الورد وأصحابه حتّى نزل ماوان فنزّل أصحابه، وكنف لهم (27) من الشجر وهم الذين قال فيهم (من الطويل):
ألا إنّ أصحاب الكنيف وجدتهم
…
كما الناس لمّا أمرعوا وتموّلوا
وهذه القصيدة أثبتّها بجملتها في الجزء الأول. وفي هذه الغزاة يقول (من الطويل):
أقول لأصحاب الكنيف تروّحوا
…
عشية قلنا حول ماوان رزّح
ليبلغ عذرا أو يصيب غنيمة
…
ومبلغ نفس عذرها مثل منجح
ومضى يبتغي لهم شيئا وقد جهدوا فإذا هو بأبيات شعر وبامرأة وشيخ كبير كالخباء الملقى فكمن عروة في كسر البيت وقد أجدب الناس، وإذا في البيت سحور ثلاثة شعرية-والسحور الحلقوم بما فيه-والبيت خال فأكلها عروة وكان له يومان قبلها لم يأكل شيئا فأشبعته وقوي فقال: لا أبالي من لقيت بعد هذا! ونظرت المرأة فظنّت أنّ الكلب أكلها فقالت للكلب: أفعلتها يا خبيث؟! وطردته. فإنه لكذلك إذا هو عند المساء بإبل قد ملأت المكان وإذا هي تتلفّت فرقا فعلمت أنّ راعيها جلد شديد الساعد، فلمّا أتت المناخ بركت ومكث الراعي قليلا ثم أتى ناقة منها فمرى أخلافها ثمّ وضع العلبة على ركبتيه وحلب حتّى ملأها ثم أتى الشيخ فسقاه. ثم أتى ناقة أخرى ففعل بها ذلك وسقى العجوز. ثم أتى أخرى ففعل بها ذلك فشرب ثم التفع بكساء واضطجع ناحية فقال الشيخ للمرأة وقد أعجبه ذلك منه: كيف ترين ابني؟ فقالت: ليس والله بابنك! قال: فابن من ويلك؟! قالت: ابن عروة بن الورد العبسي! قال: ومن أين لك؟ قالت: أتذكر يوما مرّ بنا ونحن نريد سوق ذي المجاز فقلت لي هذا عروة بن الورد، ووصفته لي شجاعة وجلدا فإنّي استظرفته واشتهيت منه الولد! فسكت الشيخ وسكن عروة (28) حتّى نوّم الراعي وثب عروة وصاح بالإبل فاقتطع منها نحوا من النصف ومضى ورجا ألاّ يتبعه الغلام-والغلام حين بدا شاربه، فاتّبعه. قال: فاتخذا وعالجه فضرب به الأرض فيقع قائما! فتخوّفه عروة على نفسه. فقال عروة-وهو يريد <أن> يعجزه عن نفسه-:أنا