الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة أربعين ومائة
النيل المبارك في هذه السنة
(20)
الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وعشرون إصبعا.
ما لخّص من الحوادث
الخليفة المنصور عبد الله بن محمد بن عليّ. وفيها عزل صالح بن عون عن مصر وولّى أبا عون عبد الملك بن يزيد على الحرب، وعلى الخراج موسى بن كعب، وعزل المثنّى؛ والقاضي غوث بن سليمان قاضيا بحاله.
وفيها بنيت المصّيصة بناها صالح بن علي عمّ المنصور بأمره.
روي عن أبي الحسن أحمد بن علي بن الحسين النوري البزّاز بإسناد متّصل قال: بينا المنصور ذات يوم جالس وعنده عمومته إسماعيل بن علي وعبد الصمد بن علي وعبد الله بن علي وصالح بن علي فتذاكروا أيّام بني أميّة وما كانوا فيه فقال إسماعيل: يا أمير المؤمنين! إنّ في حبسك عبد الله بن مروان بن محمد-وكان عبد الله وليّ عهد أبيه مروان-فلو أحضرته لسمعت عجبا! فقال المنصور: يا مسيّب! عليّ به! فلمّا مثل بين يديه قال: السلام
عليك يا أمير المؤمنين! قال المنصور: يا عبد الله! إنّ ردّ السلام أمان، وليست تسخو نفسي بذلك! هات فحدّثني! قال: والله يا أمير المؤمنين ما أقدر على النفس من ثقل ما عليّ من الحديد وصدئه، وذلك أني أبول فيرشّش عليه فيصدأ. قال: يا مسيّب! أطلق عنه الحديد فأطلق عنه؛ وكانت بنو أميّة تقعد على الأسرة وتثني الوسائد لبني هاشم فأمر فثنيت له وسادة وقال: هات الآن! قال: نعم يا أمير المؤمنين، إنّه لمّا جاء عبد الله ففعل بنا ما فعل فكنت المطلوب من بين الناس فدخلت إلى خزانة لي فأخرجت عشرة آلاف دينار فدفعتها إلى عشرة غلمان لي ممن أثق بهم، وأمرتهم أن يشدّوها في أوساطهم، ثم دخلت عودا على بدء فأخرجت أسرى جوهر عندي وألف دينار فشددتها في وسطي، ثم أمرت بأسرى فرش لي فحمل على خمسة أبغل، وركبت مع غلماني أفره دوابّي، وخرجت هاربا فدفعت إلى قفر لا أنيس به فإذا قصر خراب فأمرت فكسح لي ناحية منه، وفرش لي، وأمرت أوثق غلماني فقلت: إمض إلى ملك النوبة فخذ لي منه أمانا وامتر لنا ميرة فمضى فأبطأ أياما فسؤت ظنا ثم عاد ومعه آخر وإذا هو ترجمان الملك فدخلا عليّ فقال الترجمان: أين صاحبك؟ فأومأ إليّ فأقبل فكفّر ثم قبّل يدي ووضعها على صدره وقال: الملك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: ما الذي جاء بك إلى بلدي، أراغب في ديني أم محارب لي أم مستجير بي؟ فقلت: تقرأ على الملك السلام وتقول له: أمّا الرغبة في دينه فإني لست أبغي بديني بدلا، وأمّا محارب له فمعاذ الله، وأمّا مستجير به فلعمري ذاك! قال: إنّ الملك يقول لك لا تحدث شيئا في ابتياع ميرة فإنه يوجّه إليك جميع ما تحتاجه، وصائر إليك بنفسه بعد ثلاث. فلمّا كان في اليوم الثالث أمرت ففرش لي، ونصب لي منبر وله آخر ثم صعدت فقعدت بين شرفتين من شرف القصر أرقب مجيئه فلمّا تعالى النهار إذا أنا برجل قد أقبل حافيا حاسرا عن رأسه بين يديه سبعة نفر بأيديهم الحراب، وخلفه ثلاثة؛
فقلت: من هذا؟ فقالوا: الملك! فسوّلت لي نفسي إذا هو دخل وثبت عليه فقتلته واستوليت على الأمر، ثم نظرت فإذا زهاء عن عشرة آلاف رجل في السلاح الذي لم ير مثله فكانت موافاتهم وقت دخوله القصر فأقبل يطأ البساط بظهر قدمه ثم إنه سأل عنّي (22) فأومي إليّ فكفّر لي وقبّل يدي وجلس على الأرض! فقلت له: لم لا ترتفع إلى ما مهّد لك؟ فقال، قل له يحقّ للملك أن يتواضع لعظمة الله عز وجل إذا رفعه الله. ثمّ قال: قل له ما الذي أخرجك من بلدك وأنت من أهل بيت النبوّة؟ فقلت: جاء قوم أقرب إلى نبيّنا منّا فاستولوا على الأمر فقتلونا وشرّدونا حتّى أقبلت إليك. فقال: سله ما بالكم تشربون الخمور وقد حرّمت عليكم في كتابكم؟ فقلت: عبيد وأتباع لنا دخلوا في ملكنا من غير إرادتنا! فحرّك رأسه تحريك منكر ثمّ قال: ما بالكم إذا ركبتم إلى صيدكم ولهوكم تنزلون القرى ثمّ لا يقنعكم ذلك إلاّ بالعسف والضرب، وتهوشون زروعهم في طلب درّاج يساوي نصف درهم، وعصفور لا قيمة له من غير حاجة منكم إليه؟! كلاّ والله! ولكنكم قوم استحللتم ما حرّم الله عز وجل عليكم، وأتيتم ما عنه نهاكم، وإنّ لله تعالى فيكم غاية لم تبلغ النهاية فإن كنت من القوم فلا تقيمنّ في بلادي فوق ثلاث فإنّي أتخوّف أن تنزل بك نقمة فتشملني معك! فرجعت فأخذت وها أنا بين يدي أمير المؤمنين! فو الله للموت أيسر لي مما أنا فيه. فهمّ بإطلاقه فقال له عمّه إسماعيل بن علي: إنّ له في عنقي بيعة! قال: فما ترى يا عمّ؟ قال: يسكن في دار من دورنا، يجرى عليه كما يجرى على أحدنا! فقال: خذه إليك! فلم يزل عنده حتّى مات. والله أعلم.