الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انتقل إلى ناصر الدولة ابن حمدان-فلمّا استدعاه أبو علي حضر وتلقّاه بهمذان وبايعه وتولّى تدبير جيشه، وقدم إلى الريّ ثم إلى خراسان، وسلّم الريّ لركن الدولة وصالحه، وسار إلى نيسابور فاضطرب حبل خراسان على نوح الحميد، وسار عمّه في جيوشه يتقدّمه أبو علي ابن محتاج المذكور إلى بخارى فانهزم الحميد إلى سمرقند ودخل ابن محتاج وإبراهيم بخارى، وجلس مجلس الملك بها وذلك في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة حسبما يأتي بقيّة الكلام في تاريخه.
ذكر سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة
النيل المبارك في هذه السنة
الماء القديم أربعة أذرع وإصبع واحد. مبلغ الزيادة ستّة عشر ذراعا وتسعة أصابع (313)
ما لخّص من الحوادث
الخليفة المتّقي لله أمير المؤمنين إلى أن خلع في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة حسبما يأتي من ذكر ذلك في تاريخه إن شاء الله تعالى.
فيها غلب على الأمر بتدبير ملك الخلافة توزون وخلع عليه المتّقي اضطرارا. وهرب ناصر الدولة ابن حمدان. وفيهما خاف المتّقي على نفسه من توزون فخرج بنفسه وحرمه إلى الموصل في شهر ربيع الأوّل من هذه السنة، وعاد توزون إلى بغداد وراسله المتّقي في الصلح وجرى ما يأتي ذكره في سنة ثلاث وثلاثين. وفيها ملك سيف الدولة ابن حمدان حلب.
ذكر سيف الدولة ابن حمدان ونبذ من خبره
هو أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن حمدان، وباقي نسبه قد تقدّم. كان ملكا جوادا شجاعا فاضلا أديبا شاعرا، يحبّ أهل العلم والفضل والأدب. وهو
الذي انتهى «كتاب الأغاني» الكبير الذي ألّفه أبو الفرج الإصفهاني في أيّامه وقدّمه إليه فأعطاه ألف دينار؛ واتّفق الناس أنه لم ينصفه فيه. وقيل إنه لما وقف على هذا الكتاب الوزير الفاضل والملك العادل ابن عبّاد، ورأى جميع ما فيه من محاسن الآداب الصحيحة والنوادر العجيبة المليحة قال: والله إنّ سيف الدولة يوصف بسماحة وليس هو كما يقال عنه كونه لم يجز مؤلّف هذا الكتاب إلاّ بألف دينار! وكان يحقّ له أن يجيزه عن كلّ جزء ألف دينار! وكان قد وصل إليه في خمسين جزءا!؛وإنّ خزانة كتبي تشتمل على مائة ألف وسبعة عشر ألف سفر! منذ وقع لي هذا الكتاب أغناني عن جميعهم!.وكان سيف الدولة شاعرا بليغا فمن محاسن شعره في وصف قوس قزح قال فأبدع (314)(من الطويل):
وساق صبيح للصبوح دعوته
…
فقام وفي أجفانه سنة الغمض
يطوف بكاسات العقار كأنجم
…
فمن بين منفضّ علينا ومنقضّ
وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفا
…
على الجوّد كناء الحواشي على الأرض
يطرّزها قوس السحاب بأصفر
…
على أحمر في أخضر تحت مبيضّ
كأذيال خود أقبلت في غلائل
…
مصبّغة والبعض أقصر من بعض
وهذا من التشبيهات الملوكيّة التي لا تكاد تحضر مثلها السوقة. والبيت الأخير أخذ معناه أبو علي بن محمد المعروف بابن الإخوة المؤدّب البغدادي
فقال في فرس أدهم محجّل (من الخفيف):
لبس الصبح والدجنّة بردي
…
ن فأرخى بردا وقلّص بردا
وروي أنه كانت له جارية من بنات ملوك الروم بديعة الجمال في نهاية الحسن فحسدها بقيّة الحظايا لقربها منه! وتبيّن له أنهن يقصدن قتلها بسمّ أو ما أشبه ذلك فخاف عليها ونقلها إلى بعض الحصون وقال (من الخفيف):
راقبتني العيون فيك فأشفق
…
ت ولم أخل قطّ من إشفاق
ورأيت العدوّ يحسدني في
…
ك مجدّا يأ أنفس الأعلاق
فتمنّيت أن تكوني بعيدا
…
والذي بيننا من الودّ باقي
ربّ هجر يكون من خوف هجر
…
وفراق يكون خوف فراق
وهذه الأبيات رأيتها في ديوان عبد المحسن الصوري، والله أعلم لمن هي!
ومن شعر سيف الدولة (من الهزج):
أقبّله على جزع
…
كشرب الطائر الفزع
رأى ماء فأطمعه
…
وخاف عواقب الطمع
وصادف خلسة فدنا
…
ولم يلتذّ بالجرع
(315)
ويحكى أنّ ابن عمّه أبا فراس كان يوما بين يديه في نفر من ندمائه فقال لهم سيف الدولة: أيّكم يجيز قولي وليس لها إلاّ سيّدي؟! يعني أبا فراس (من مجزوء الرمل):
لك جسمي تعلّه
…
فدمي لم تحلّه؟ 1
فارتجل أبو فراس وقال (من مجزوء الخفيف):
قال إن كنت مالكا
…
فلي الأمر كلّه
فاستحسنه وأعطاه ضيعة بأعمال منبج تغلّ ألفي دينار في كلّ سنة.
ومن شعره أيضا (من الطويل):
يجنّي عليّ الذنب والذنب ذنبه
…
وعاتبني ظلما وفي شقّه العتب
إذا برم المولى بخدمة عبده
…
تجنّى له ذنبا وإن لم يكن ذنب
وأعرض لمّا صار قلبي بملكه
…
فهلاّ جفاني حين كان لي القلب
ويحكى أنّ سيف الدولة كان يوما جالسا والشعراء ينشدونه فتقدّم أعرابيّ رثّ الهيئة وأنشد يقول (من مجزوء الكامل):
أنت عليّ وهذه حلب
…
قد نفد الزاد وانتهى الطلب
بهذه تفخر البلاد وبال
…
أمير تزهى على الورى العرب
وعبدك الدهر قد أضرّ بنا
…
إليك من جور عبدك الهرب
فقال سيف الدولة: أحسنت والله! وأمر له بمائتي دينار وراحلة.
كانت ولادته سابع عشر ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثمائة. وقيل سنة إحدى وثلاثمائة. وتوفّي لخمس بقين من صفر سنة ستّ وخمسين وثلاثمائة بمدينة حلب. وكان قد جمع من نفض الغبار الذي تجمّع عليه في غزواته شيئا وعمله لبنة بقدر الكفّ وأوصى أن يوضع خدّه عليها في لحده فنفّذت وصيته في ذلك. وملك حلب في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة. وقيل: سنة اثنتين وثلاثين؛ انتزعها من أحمد بن سعيد الكلابي صاحب الإخشيد. وطالعت في بعض المجاميع أنّ أوّل (316) من ملك حلب من بني حمدن الحسين بن سعيد وهو أخو أبي فراس. فكان سيف الدولة قبل ذلك مالك واسط وتلك النواحي، وتقلّبت به الأحوال وانتقل إلى الشام وملك دمشق أيضا وكثيرا من بلاد الشام وبلاد الجزيرة. وغزواته مع الروم مشهورة، وللمتنبّي فيه وفي أكثر وقائعه قصائد مستفاضة على ألسنة الناس، وديوانه أشهر من أن يذكر. وسيأتي