الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها توفي أحمد بن طولون رحمه الله تعالى. وذلك أنه توجّه في أوّل هذه السنة إلى الشام وفي عوده إلى الفسطاط اعتراه مرض وقوي عليه فلمّا دخل مصر توفّي في شهر ذي القعدة من هذه السنة من علة أصابته في ذكره ودبره.
وتوفي ابنه العباس بعده باثنتي عشرة ليلة. ويقال إنّه أحصي من قتله ابن طولون ومات في أيامه في حبسه فكان ثمانية وعشرون ألفا. وأطلق من سجنه بعد موته ثمانية عشر ألف إنسان.
<
ذكر سيرة أحمد بن طولون ومولده ووفاته
قال صاحب التاريخ المظفّري: طولون غلام تركيّ بعثه نوح بن أسد عامل بخارى إلى المأمون سنة مائتين وتوفي في سنة أربعين ومائتين. وولد له أحمد سنة عشرين ومائتين ببغداد. وتوفي ذي القعدة سنة سبعين ومائتين. وذكر الكنز وصحته ووافق على لقياه إياه. وقال القاضي ابن خلكان في تاريخه إنّ طولون مملوك أهداه نوح بن أسد الساماني إلى المأمون. وكانت ولادة أحمد بسامراء في ثالث عشرين من شهر رمضان سنة عشرين ومائتين. ويقال إنّ طولون تبناه ولم يكن ابنه. ودخل مصر يوم الأربعاء لتسع بقين من شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين. وتوفي في ليلة الأحد لعشر بقين من ذي القعدة
سنة سبعين ومائتين. ودفن في مقبرة عتيقة بالقرافة. وقال القاضي ابن عبد الظاهر مما وجدته بخطّه يقول: أحمد بن طولون من أولاد الأتراك وأبوه طولون تركيّ>. <قال؛ ورأيت سيرة للإخشيد قديمة عليها خطّ الفرغانيّ يقول: أحمد بن التج. بعض آحاد الأتراك ربّاه طولون يتيما لأنه كان صديقا لأبيه المذكور ومن طبقته. ولمّا صار في سنّ الحداثة مشى مع الحشوية وأصحاب الحديث، وقرأ القرآن، وغزا، وتنقّلت به الأحوال إلى أن صار في الثقات فأنفذه بايكباك التركيّ خليفة له على مصر واستقرّ حاله بها. قلت: ولم أر أحدا من المؤرّخين ذكر ذلك عنه. والله أعلم>.
وولي بعده ولده أبو الجيش خمارويه. فأحضر أخاه العباس لمبايعته فأبى فدخل به منزل في الميدان فكانت وفاته-حسبما تقدّم في تاريخه. وعقد خمارويه لأبي عبد الله أحمد بن الواسطيّ على جيش الشام. ثم عقد لسعد الأعسر على المراكب وجعلها مقيمة بالشام. ونزل أحمد بن محمد فلسطين وهو خائف أن يوقع به أبو الجيش فكتب إليه الواسطيّ يصغّر له أمر خمارويه ويحرّضه على المسير، وضمّن ذلك (235) أبياتا شعرية (من البسيط):
يا أيها الملك المرهوب جانبه
…
شمّر ذيول السرى فالأمر قد قربا
كم ذا القعود ولم يقعد عدوّكم
…
عن القتال لقد أصبحتم عجبا
ليس المريد لما أصبحت تطلبه
…
إلاّ المشمّر عن ساق وإن لغبا
أصاب مروان في بيت أصاب به
…
عين الصواب فما أخطا ولا كذبا
<إني أرى فتنا تغلي مراجلها
…
والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا>
وفيها أقبل أبو العبّاس أحمد بن الموفّق من بغداد، وانضمّ إليه إسحاق بن كنداج وابن أبي الساج حتّى أتوا الرقّة فتسلّم قنّسرين والعواصم إلى شيزر فلقيه بها أصحاب خمارويه فقاتلوه قتالا شديدا فكسرهم أبو العبّاس ثم أتى حتى دخل دمشق في تاريخ ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
وفيها توفي الداعي صاحب طبرستان يوم الإثنين لثلاث خلون من رجب فكانت مدة مملكته تسع عشرة سنة وثمانية أشهر واثني عشر يوما؛ أولها على أيام المستعين وآخرها على أيام المعتمد على الله. زاحمه فيها محمد بن طاهر مدّة وكذلك مفلح وكذاك يعقوب الصفّار. وكان أبو الغمر الطبري أهدى إلى الداعي سهمين في بعض الأعياد وعليهما مكتوب (من السريع):
أهديت إلى الداعي إلى الحقّ
…
سهمي فتوح الغرب والشرق
زجّاهما النصر وريشاهما
…
ريشا جناحي طائر السبق
أيّد هذا الفأل بالصدق
…
هما بشيرا دعوة الحقّ
قال؛ فسرّه الفأل وأعطاه عشرة آلاف درهم. وسمع بجرجان لمّا دخلها
صياحا لديلمي من أصحابه في دور بعض أهلها فقال: {أَنّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} .ولحمدان الطبري (236) وقد تأذّى بديلم الجيش فقال (من المنسرح):
أنا إلى الله ما لقيت
…
من حبّ قوم بهم شقيت
لا قلت في الأولين شرا
…
ولا ترفّضت ما حييت
وكان كاتبه سعيد بن محمد الطبري. وقام بالأمر بعده محمد بن زيد الداعي الثاني من العلويين.
لمّا مات الحسن كان أخوه محمد بجرجان فرسم لصهره محمد بن إبراهيم العلوي أن يكتب إليه ليسارع بالمجيء فينتصب بالمملكة فتباطأ. فلمّا توفّي الحسن انتصب محمد بن إبراهيم مكانه وتلقّب القائم بالحق. فبلغ الخبر محمد بن زيد فسار من جرجان فلمّا قرب هرب محمد بن إبراهيم إلى جالوس فأنفذ خلفه سرية فأدرك وقتل. ولبس محمد بن زيد القلنسوة وتلقّب الداعي، واستقامت له طبرستان. وغلبه عمرو بن الليث الصفّار على جرجان ثم أخرجه عن طبرستان على يد أخيه رافع بن الليث. وأقام رافع بها ثلاث سنين ثم عاد الداعي فهزمه عن طبرستان دون جرجان. واستقرّ الحال حتّى غلب على الأمر إسماعيل بن أحمد الساماني حسبما يأتي من ذكره في تاريخه إن شاء الله.
<فيها قتل صاحب الزنج على يد الموفّق لمّا ندب لحربه لؤلؤ غلام ابن طولون حسبما ذكرناه فيما نقل من خبره ملخّصا دون إطناب. وذلك أنّ تواريخ جميع من عني بجمع أخبار الناس وقد ذكروه مفصّلا. وتاريخنا هذا من شرطه الاختصار ومخض الزبد والاستقصار على النبذ من فن غريب، وحديث عجيب>.