الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النووي وغيره بأنها مسكرة وجزم آخرون بأنها مخدرة، وهو مكابرة؛ لأنها تحدث بالمشاهدة ما يحدث الخمر من الطرب والنشوة والمداومة في الجملة عليها والانهماك فيها، وعلى تقدير تسليم أنها ليست مسكرة، فقد ثبت في سنن أبي داود النهي عن كل مسكر ومفتر.
ثالثا: الفقه المالكي
يتجه الفقه المالكي إلى تحريم الكثير المسكر من المخدرات ويتردد القرافي الفقيه المالكي في الحشيشة أهي مسكرة أو لا يعتقد أنها مسكرة إلا أنه يقول: وتبني على إسكارها - إن ثبت - تحريم القليل منها ونجاسته والحد على تناولها (1)، وإليك عبارات من بعض كتب المذهب تصور ما كتب الإمام محمد الحطاب الفقيه المالكي المتوفى (954) في كتاب مواهب الجليل الشهير بشرح الحطاب على متن خليل، يقول تعليقا على قول خليل في بيان المحرم من الأشربة (وعصير وفقاع وسوبيا وعصيران أسكره) قال صاحب الإرشاد: وأما ما يغطي العقل فلا خلاف في تحريم القدر المغطي من كل شيء وما لا يغطي من المسكر، فمثل المغطي في التحريم للحديث:«وما أسكر كثيره فقليله حرام (2)» .
وهي متعددة: الخمر وهو ما فيه طرب وشدة ونشوة وتغييب، والبنج وهي الحشيشة، وقد اختلف هل هي مسكرة أو مفسدة، والمفسد ما يصور خيالات دون تغييب حواس ولا طرب، ولا نشوة ولا شدة، ولا خلاف في تحريم قدر المفسدة، والأفيون وهو لبن الخشخاش يغيب الحواس ولا يفسد العقل، والجوزة من المخدرات، وأفتى بعض مشايخنا الفاسيين بطرحها في الوادي، ثم قال - وفي الشرح حكى خليل عن بعض شيوخنا خلافا في الحشيشة هل هي مسكرة أو لا. قال القرافي: ينبني عليه تحريم القليل وتنجيس العين ولزوم الحد. وقال المغربي إنما ذلك (الإسكار بعد التجفيف
(1) هذا مظهر كريم من مظاهر الأمانة الفقهية وتحري الصواب في الحكم بما ليس فيه نص.
(2)
سنن الترمذي الأشربة (1865)، سنن أبو داود الأشربة (3681)، سنن ابن ماجه الأشربة (3393)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 343).
والقلي لا قبل ذلك، وخلاصة هذا الكلام أن المغيب للعقل (في اعتباره) أربعة: الخمر والبنج والأفيون والجوزة وإن الخمر حرام قليلها وكثيرها، والباقي لا يحرم منه إلا ما يغيب العقل عدا الحشيشة إذا كانت مسكرة فإنها مثل الخمر في تحريم قليلها وكثيرها، وفي هذا الكلام ما يفيد أنه يعتبر البنج هو الحشيشة، ويتضح ذلك أكثر بالرجوع إلى ما في أول الكتاب وإلى كتاب الفروق للقرافي، أما أول الكتاب (مواهب الجليل على متن خليل) في بيان النجاسات (منها المسكر) قال الحطاب نقلا عن التوضيح: فائدة يعرف بها الفرق بين المسكر والمفسد والمرقد (يريد المنوم).
فالمسكر: ما غيب العقل دون الحواس مع نشوة وفرح.
والمفسد: ما غيب العقل دون الحواس لا مع نشوة كعسل البلاذر.
والمرقد: ما غيب العقل والحواس كالشيكران وينبني على الإسكار ثلاثة أحكام: الحد والنجاسة وتحريم القليل، إذا تقرر هذا فللمتأخرين في الحشيشة قولان: هل هي من المسكرات أو من المفسدات؟ مع اتفاقهم على المنع من أكلها، فاختيار القرافي أنها من المخدرات، قال: لأني لم أرهم يريد (الحشاشين) يميلون إلى القتال والنصرة بل عليهم الذلة والمسكنة، وربما عرض لهم البكاء، قال صاحب (التوضيح): وكان شيخنا المشهور بـ عبد الله المنوفي يختار أنها من المسكرات؛ لأنا رأينا من يتعاطاها يبيع أمواله لأجلها، وأطال في ذلك ثم قال الحطاب: ولفظ القرافي في الحشيشة ثلاثة أقوال، ثالثها الفرق بين أن تحمص فتكون نجسة وفيها الحد، واختار القرافي في الفرق الموفي أربعين (يعني في كتابه الفروق) أنه لا حد فيها، وإنما فيها التعزير الزاجر عن الملابسة، ولا تبطل الصلاة بحملها، ثم قال: إن الأفيون والبنج من المفسدات، وقال: من صلى بواحد منهما لم تفسد صلاته إجماعا، وكذا غيره من المفسدات كأن يتناول من البنج والأفيون والشيكران ما لا يصل إلى التأثير في العقل والحواس. انتهى.
وهذا الفرق الأربعون في كتاب (أنوار البروق) للقرافي
وفيه يقول: (جـ 1، ص 217):
إن الفرق بين المسكرات والمفسدات والمرقدات مما يلتبس على كثير من الفقهاء. ثم ذكر الفرق بينهما كالذي أوردناه، وهو منقول عنه: ولا فرق بين كل من المراقدات والمفسدات وبين المسكرات إلا في الحكم، ثم قال في (ص 218 ج 1): تنبيه: تنفرد المسكرات عن المرقدات والمفسدات بثلاثة أحكام؛ الحد والتنجيس وتحريم اليسير.
والمرقدات والمفسدات لا حد فيها ولا نجاسة، وقد تناول موضع الحشيشة وحدها فيما قبل هذا الفرق، وهو الفرق التاسع والثلاثون فقال إلحاقا له:(فرع) النبات المعروف بالحشيشة التي يتعاطاها أهل الفسوق، اتفق فقهاء أهل العصر على المنع منها أعني كثيرها المغيب للعقل، واختلفوا بعد ذلك هل الواجب فيها التعزير أو الحد على أنها مسكرة أو مفسدة للعقل من غير سكر ونصوص المتحدثين عن النبات تقتضي أنها مسكرة؛ فإنهم يصفونها بذلك في كتبهم، قال القرافي: والذي يظهر لي أنها مفسدة، ثم أورد فتوى بأن من صلى بها قبل أن تحمص أو تصلق صحت صلاته، وإلا بطلت) أهـ.
ولكنه يقول: إنه سأل من يتعاطونها فمنهم من قال: إنها لا تؤثر إلا بعد القلي. وعلى ذلك تصح الفتوى. ومنهم من قال: إنها تؤثر مطلقا وإنما تحمص لإصلاح طعمها. وعلى هذا تبطل الصلاة مطلقا، وقد عرفت أنه انتهى إلى أن القليل منها لا يحرم، وأنها غير نجسة، وهو نظير ما صرح به جمهور الشافعية في كتبهم، والحق عندنا أنها مسكرة موجبة للحد كما تقدم نقله عن ابن تيمية وغيره.