الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن على ظهر الأرض أحد (1)» قال: وممن قال إن الخضر مات إبراهيم بن إسحاق الحربي، وأبو الحسين المنادي وهما إمامان وكان ابن المنادي يقبح من يقول إنه حي.
وحكى القاضي أبو يعلى موته عن بعض أصحاب أحمد وذكر عن بعض أهل العلم: أنه احتج بأنه لو كان حيا لوجب عليه أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال: حدثنا أحمد حدثنا شريح بن النعمان حدثنا هشيم أخبرنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني (2)» رواه الإمام أحمد في المسند.
فكيف يكون حيا ولا يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة والجماعة ويجاهد معه؟ ألا ترى أن عيسى عليه السلام إذا نزل إلى الأرض يصلي خلف إمام هذه الأمة ولا يتقدم، لئلا يكون ذلك خدشا في نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم في المنار المنيف ص 73 قال أبو الفرج: وما أبعد فهم من يثبت وجود الخضر وينسى ما في طي إثباته من الإعراض عن هذه الشريعة.
(1) صحيح البخاري العلم (116)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2537)، سنن الترمذي الفتن (2251)، سنن أبو داود الملاحم (4348)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 88).
(2)
مسند أحمد بن حنبل (3/ 387)، سنن الدارمي المقدمة (435).
(4)
أما
الدليل من المعقول
فمن عشرة أوجه:
أحدها: أن الذي أثبت حياته يقول إنه ولد آدم لصلبه وهذا فاسد لوجهين: أحدهما: أن يكون عمره الآن ستة آلاف سنة فيما ذكر في كتاب يوحنا المؤرخ. ومثل هذا بعيد في العادات أن يقع في حق البشر.
الثاني: أنه لو كان ولده لصلبه أو الرابع من ولد ولده كما زعموا وأنه
كان وزير ذي القرنين فإن تلك الخلقة ليست على خلقتنا بل مفرط في الطول والعرض.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خلق الله آدم طوله ستون ذراعا فلم يزل الخلق ينقص بعد (1)» ، وما ذكر أحد ممن رأى الخضر أنه رآه على خلقة عظيمة وهو من أقدم الناس.
الوجه الثالث (2): أنه لو كان الخضر قبل نوح لركب معه في السفينة ولم ينقل هذا أحد.
الوجه الرابع: أنه قد اتفق العلماء أن نوحا لما نزل من السفينة مات من كان معه ثم مات نسلهم ولم يبق غير نسل نوح. والدليل على هذا قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} (3) وهذا يبطل قول من قال: إنه كان قبل نوح.
الوجه الخامس: أن هذا لو كان صحيحا أن بشرا من بني آدم يعيش من حين يولد إلى آخر الدهر ومولده قبل نوح: لكان هذا من أعظم الآيات والعجائب، وكان خبره في القرآن مذكورا في غير موضع لأنه من أعظم آيات الربوبية. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى من أحياه ألف سنه إلا خمسين عاما، وجعله آية فكيف بمن أحياه إلى آخر الدهر؟ ولهذا قال بعض أهل العلم ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان.
(وقد تقدم من قول الإمام إبراهيم الحربي).
الوجه السادس: أن القول بحياة الخضر قول على الله بلا علم وذلك حرام بنص القرآن أما المقدمة الثانية: فظاهرة. وأما الأولى: فإن حياته لو كانت ثابتة لدل عليها القرآن
(1) صحيح البخاري الاستئذان (6227)، صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2841)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 315).
(2)
جاء في هامش المنار المنيف ص74 سقط من الأصل الوجه الثاني.
(3)
سورة الصافات الآية 77
أو السنة أو إجماع الأمة فهذا كتاب الله تعالى فأين حياة الخضر فيه؟ وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين فيها ما يدل على ذلك بوجه؟ وهؤلاء علماء الأمة هل أجمعوا على حياته؟.
الوجه السابع: أن غاية ما يتمسك به من ذهب إلى حياته حكايات منقولة يخبر الرجل بها أنه رأى الخضر، فيالله العجب. هل للخضر علامة يعرفها بها من رآه؟ وكثير من هؤلاء يغتر بقوله: أنا الخضر. ومعلوم أنه لا يجوز تصديق قائل ذلك بلا برهان من الله. فأين للرائي أن المخبر له صادق لا يكذب؟.
الوجه الثامن: أن الخضر فارق موسى بن عمران كليم الرحمن ولم يصاحبه وقال له: " {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} (1) فكيف يرضى لنفسه بمفارقته لمثل موسى ثم يجتمع بجهلة العباد الخارجين عن الشريعة الذين لا يحضرون جمعة ولا جماعة ولا مجلس علم ولا يعرفون من الشريعة شيئا؟ وكل منهم يقول: قال الخضر وجاءني الخضر وأوصاني الخضر.
فيا عجبا له: يفارق كليم الله تعالى ويدور على صحبة الجهال ومن لا يعرف كيف يتوضأ ولا كيف يصلي؟.
الوجه التاسع: أن الأمة مجمعة على أن الذي يقول: أنا الخضر لو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كذا وكذا لم يلتفت إلى قوله ولم يحتج به في الدين. إلا أن يقال: إنه لم يأت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بايعه، أو يقول هذا الجاهل: إنه لم يرسل إليه وفي هذا من الكفر ما فيه.
الوجه العاشر: أنه لو كان حيا لكان جهاده الكفار ورباطه في سبيل الله ومقامه في الصف ساعة، وحضوره الجمعة والجماعة وتعليمه العلم
(1) سورة الكهف الآية 78