الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (1). فهذه الآية احتوت على معان كثيرة لو أردنا أن نصوغها بلغتنا مع الحفاظ على ما فيها من المعاني لاحتجنا إلى أضعاف كلماتها (2).
(1) سورة القصص الآية 4
(2)
البوطي، من روائع القرآن ص 182.
السابع
الفاصلة القرآنية
اختلف العلماء في تعريف الفاصلة القرآنية.
فقال الرماني: الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع توجب حسن إفهام المعاني (1).
وقال ابن منظور (2): الفواصل أواخر الآيات في كتاب الله (3).
وكذا قال الزركشي: الفاصلة كلمة آخر الآية كقافية الشعر وقرينة السجع (4).
ويرى بعض العلماء أن رءوس الآيات والفواصل مترادفان (5) وهي نهايات الآيات كما قدمت. ويرى آخرون أن الفاصلة أعم، فهي الكلام المنفصل مما بعده. والكلام المنفصل قد يكون رأس آية وغير رأس آية وكذلك الفواصل يكن رءوس آي وغيرها. فكل رأس آية فاصلة ولا عكس (6).
ومن الفواصل ما هو آية كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ} (7)، {الْحَاقَّةُ} (8) ومنها ما هو بعض آية وهو الغالب كما سيأتي.
والفواصل بحسب حرف الروي نوعان:
الأول: المتماثلة: وهي التي تماثلت حروف رويتها سواء في الحرف الأخير كقوله تعالى:
(1) الرماني: النكت في إعجاز القرآن ص 97.
(2)
ابن منظور هو: محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل ت سنة 711 هـ. إمام لغوي، حجة صاحب لسان العرب.
(3)
ابن منظور، لسان العرب، مادة (فصل).
(4)
الزركشي، البرهان في علوم القرآن 1/ 53.
(5)
محمد الحسناوي، الفاصلة القرآنية (سوريا، دار الأصيل للطباعة والنشر) ص 161.
(6)
وممن يرى هذا الرأي أبو عمرو الداني. ذكر ذلك الزركشي في البرهان 1/ 53 - 54.
(7)
سورة الرحمن الآية 1
(8)
سورة الحاقة الآية 1
{مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} (1){إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} (2){تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا} (3){الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (4) أو في الحرفين الأخيرين كقوله تعالى:
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (5){وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} (6){الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} (7){وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (8). أو في الأحرف الثلاثة الأخيرة كقوله تعالى: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} (9){وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ} (10)، أو في الأحرف الأربعة الأخيرة كقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (11){وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} (12)، وقد استقلت الفواصل المتماثلة بإحدى عشرة من سور المفصل (13) ومعظمها مكي (14).
ويسمي البعض الفواصل المتماثلة بالمتجانسة (15) أو ذات المناسبة التامة.
والأصوب عندي أن تسمى المتماثلة لأن التجانس كما هو معلوم عند علماء التجويد يكون بين حرفين اتحدا مخرجا واختلفا صفة. وكذا التماثل أولى من ذات المناسبة التامة لأن المصطلح يفضل أن يكون أقصر بشرط الدلالة على المعنى بتمامه وقد تحقق هنا بقولنا (التماثل).
الثاني: الفواصل المقاربة:
كالميم مع النون في قوله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (16){مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (17) والدال مع الباء في قوله تعالى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} (18){بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} (19)
(1) سورة طه الآية 2
(2)
سورة طه الآية 3
(3)
سورة طه الآية 4
(4)
سورة طه الآية 5
(5)
سورة الشرح الآية 1
(6)
سورة الشرح الآية 2
(7)
سورة الشرح الآية 3
(8)
سورة الشرح الآية 4
(9)
سورة القلم الآية 2
(10)
سورة القلم الآية 3
(11)
سورة الأعراف الآية 201
(12)
سورة الأعراف الآية 202
(13)
أي السور القصار.
(14)
محمد الحسناوي، الفاصلة القرآنية ص 172.
(15)
ممن سماها بذلك الرماني في رسالته: النكت في إعجاز القرآن ص 97.
(16)
سورة الفاتحة الآية 3
(17)
سورة الفاتحة الآية 4
(18)
سورة ق الآية 1
(19)
سورة ق الآية 2
والتقارب في الحروف يكون بين حرفين تقاربا مخرجا وصفة كالذال والسين أو تقاربا صفة لا مخرجا كالذال والجيم (1).
ويلاحظ أن الفاصلة القرآنية تأتي مكملة للمعنى الذي قبلها ومناسبة له بحيث لو تغيرت اختل المعنى. . . يدرك هذا كل من عنده ذوق أدبي.
حكى الأصمعي قال: كنت أقرأ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} (2) والله غفور رحيم " وبجنبي أعرابي فقال: كلام من هذا؟ فقلت: كلام الله. قال أعد فأعدت. فقال ليس هذا كلام الله. فانتبهت فقرأت {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (3) فقال: أصبت هذا كلام الله. فقلت أتقرأ القرآن. قال: لا. فقلت: من أين علمت؟ فقال: يا هذا عز فحكم فقطع، ولو غفر فرحم لما قطع ".
وقد يسأل سائل ما الحكمة في أن بعض الفواصل غريبة اللفظ مثل كلمة "ضيزى" في قوله تعالى: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} (4)، فكلمة ضيزى بمعنى جائرة أو ظالمة، فلماذا عدل عن الكلمات المألوفة إلى الكلمة غير المألوفة.
والجواب على هذا السؤال من وجهين:
الأول: من جهة حسن النظم والتناسق فإن سورة النجم تنتهي فواصلها بالألف المقصورة فناسب أن تكون الفاصلة كلمة ضيزى لا كلمة جائرة أو ظالمة.
الثاني: إن نسبة البنات إلى الله ونسبة الأولاد إليهم أمر في أشد الغرابة فناسب أن يعبر عنه بلفظ غريب تنبيها على غرابة القسمة (5).
(1) محمد معبد، الملخص المفيد في علم التجويد ص 103.
(2)
سورة المائدة الآية 38
(3)
سورة المائدة الآية 38
(4)
سورة النجم الآية 22
(5)
أحمد بدوي، من بلاغة القرآن (القاهرة، مكتبة نهضة مصر، ط 3) ص 87.
وقد تختلف الفاصلتان في موضعين والمحدث عنه واحد وذلك لنكتة لطيفة. ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (1)، وقوله تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (2).
ففي الآية الأولى يقول الحق جل وعلا للإنسان إذا حصلت النعم الكثيرة فأنت آخذها وأنا معطيها فحصل لك عند أخذها وصفان: كونك ظلوما وكونك كفارا. وفي الآية الثانية يقول الحق سبحانه للإنسان ولي عند إعطاء النعمة لك وصفان وهما أني: غفور رحيم، أقابل ظلمك بغفراني وكفرك برحمتي.
ثم سؤال آخر يطرحه المرء هنا: ما الحكمة في تخصيص آية النحل بوصف المنعم، وآية إبراهيم بوصف المنعم عليه؟ والجواب أن سياق الآية في سورة إبراهيم في وصف الإنسان وما جبل عليه. فناسب ذكر ذلك عقيب أوصافه. وأما آية النحل فسيقت في وصف الله تعالى وإثبات ألوهيته وتحقيق صفاته، فناسب ذكر وصفه سبحانه.
وختاما، وبعد بيان مظاهر الإعجاز البياني للقرآن الكريم يظهر بطلان القول بالصرفة.
وأول من قال بهذا الرأي النظام المعتزلي، ومراده بالصرفة أن الله سبحانه صرف همم العرب في زمن الرسالة عن معارضة القرآن، والإتيان بمثله. أي أن القرآن ليس معجزا لفصاحة ألفاظه وبلاغته وحسن نظمه وإنما لصرف الله العرب عن الإتيان بمثله. ولولا صرف الله العرب عن الإتيان بمثل القرآن لأتوا بمثله، وهم أهل الفصاحة والبيان.
ويرى النظام أن وجه إعجاز القرآن يكمن في إخباره عن الغيوب (3) ولم يرتض المعتزلة قول النظام وأكثرهم على تكفيره (4).
(1) سورة إبراهيم الآية 34
(2)
سورة النحل الآية 18
(3)
الأشعري، مقالات الإسلاميين 1/ 271.
(4)
البغدادي، الفرق بين الفرق (بيروت، دار الآفاق الجديدة) ص 114 - 115.
وقول النظام بالصرفة يرجع إلى قاعدة الحسن والقبح العقليين عند المعتزلة، وملخصها: أن كل ما رآه العقل حسنا، فهو عند الله حسن ومطلوب الفعل، وكل ما رآه العقل قبيحا فهو عند الله قبيح ومطلوب الترك. ومن وجهة نظر النظام العقل لا يحيل على العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة والبيان، أن يأتوا بمثل القرآن لولا أن الله صرف هممهم. فجعل النظام ما رآه العقل حكما في هذه المسألة وهو الفصل فيها، مع أن مقولته منقوضة بعدة أدلة نقلية وعقلية منها::
فهذه الآية تدل على بطلان القول بالصرفة لأنه لو كان إعجاز القرآن يكمن في صرف العرب عن الإتيان بمثله لما كان في اجتماع الإنس والجن فائدة.
يلزم القول بالصرفة أن يكون العرب قد تراجعت حالها في البلاغة والبيان وحسن النظم، وأن يكون ما قالوه من شعر زمن الجاهلية أبلغ وأقوى من الشعر الذي قالوه بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وحصول التحدي لهم، وليس الأمر كذلك.
لو حصل نقص في فصاحة العرب وبلاغتهم وحسن نظمهم للكلم، لكان هذا عذرا لهم ولقالوا لمحمد عليه الصلاة والسلام، لقد كان بإمكاننا أن نأتي بمثل القرآن في السابق، لكنك سحرتنا فحلت بيننا وبين الإتيان بمثل القرآن. لكن ذلك لم يحصل، مع حرصهم الشديد على وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأوصاف لا تليق. بل وصفوه بأنه ساحر في كثير من الأمور، لكنهم لم يصفوه بأنه سحرهم في المقدرة على النظم والفصاحة والبيان.
(1) سورة الإسراء الآية 88
- يلزم القول بالصرفة أن يكون العرب بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم قد سلبوا الحكمة وضعفت أذهانهم وتفكيرهم، وليس الأمر كذلك.
- لو كان كلام العرب قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من شعر أو نثر مثل نظم القرآن لما انبهروا بالقرآن الذي سمعوه من محمد صلى الله عليه وسلم، ولما كان له مزية على كلامهم. لكن واقعهم يشهد بخلاف ذلك، فهذا الوليد بن المغيرة يقول:" والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق وإن فرعه لجنات"(1) وكذا عتبة بن ربيعة قال: ". . . . والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة". وكذا يروى في قصة إسلام عمر، قوله عن القرآن:" ما أحسن هذا الكلام وأكرمه"(2) وقوله: " فلما سمعت القرآن رق له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام"، (3)، إلى غير ذلك من القصص الكثيرة التي تدل دلالة قاطعة على أن أسلوب القرآن كان معجزا ولم يكن العرب قد تعودوه أو سمعوا مثله. وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حسين مطاوع الترتروي
(1) ابن هشام، السيرة النبوية 1/ 289، أبو نعيم الأصفهاني، دلائل النبوة 1/ 302 - 303.
(2)
ابن هشام، السيرة النبوية 1/ 370.
(3)
ابن هشام، السيرة النبوية 1/ 372.
صفحة فارغة
صفحة فارغة
صفحة فارغة
صفحة فارغة
صفحة فارغة
صفحة فارغة
صفحة فارغة