الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بتلمسان ووهران، وخرج جمهورهم بتونس، فتسلط عليهم الأعراب، ومن لا يخشى الله تعالى في الطرقات، ونهبوا أموالهم (1).
ويعلل الناصري في تاريخه الاستقصاء: أسباب جلاء المسلمين من الأندلس بأنه بعد استيلاء صاحب قشتالة على غرناطة سنة 897 هـ وقد التزم أهلها طاعته، والبقاء تحت حكمه على شروط اشترطوها عليه، وأن عدو الله قد نقض تلك الشروط عروة عروة، وكان أهل الأندلس من أجل ذلك كثيرا ما يهاجرون من بلاد الكفر إلى بلاد الشام أثناء هذه المدة السالفة (2).
فعندما نستعرض التاريخ وأحداثه في ديار المسلمين؛ الشام والأندلس في الحروب الصليبية، وحتى بعد سقوط آخر معقل للمسلمين بالأندلس، حيث أنشئوا ديوان التحقيق لمتابعة المسلمين والبطش بهم، ثم في أوروبا بعد تحالف دولها للقضاء على الدولة العثمانية؛ لأنها رمز لاجتماع المسلمين تحت مظلة واحدة، تلم شملهم، وتوحد صفوفهم، بالعقيدة الإسلامية.
(1) نفح الطيب 2: 617.
(2)
الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى 6: 11.
ثم أخيرا بعد غرسهم
دولة اليهود في قلب العالم الإسلامي بوعد بلفور في فلسطين
، ومساعدتهم بتأسيسها منذ عام 1948م 1367هـ، بهذا وبغيره فإننا نلمس صدق الدلالة القرآنية في غضب اليهود والنصارى من دين الإسلام، وجهودهم لتحويل الناس عنه بطرق مختلفة، تتباين في كل عصر بحسب ما يراه المخططون كفيلا، بنفرة الناس من الإسلام وإبعادهم عن تعاليمه، والدعوة إلى أن دياناتهم هي الحق.
يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله [1307 - 1376 هـ] في تفسيره عند مروره بالآية الكريمة: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (1)
(1) سورة البقرة الآية 120
الآية: يخبر تعالى رسوله أنه لا يرضى منه اليهود ولا النصارى إلا باتباعه دينهم؛ لأنهم دعاة إلى الدين الذي هم عليه، ويزعمون أنه هو الهدى، فقل لهم:{إِنَّ هُدَى اللَّهِ} (1) الذي أرسلت به: {هُوَ الْهُدَى} (2) وأما ما أنتم عليه فهو الهوى بدليل قوله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (3)
فهذا فيه النهي العظيم عن اتباع اليهود والنصارى والتشبه بهم فيما يختص به دينهم، والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أمته داخلة في ذلك؛ لأن الاعتبار بعموم المعنى لا بخصوص المخاطب، كما أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (4)، فاليهود والنصارى سيظلون يحاربون دين الإسلام وأهله، ويكيدون لهم بغايات متعددة، وطرق متشعبة، ولن يرضوا عنهم إلا أن يحيدوا عن طريقه السليم، ولا يشرفهم كما قال أحد المبشرين أن يدخلوا النصرانية، بل يهمهم أن يكون المسلمون لهم تبعا، وأن يشككوهم في دينهم؛ لأن النصارى واليهود غير ملتزمين بعقائدهم الأصلية، وفي هذا اتباع للهوى الذي يريده هؤلاء القوم بصرف المسلمين عن عقيدتهم التي أرادها الله لهم حسدا من عند أنفسهم، حتى يتساووا في الظلم؛ لما في هذا المنهج من محاربة لله، ولشرعه.
فاليهود من سماتهم دائما الفساد والإفساد، ونفوسهم مجبولة على هذا وتبعهم النصارى في ذلك المعتقد، متفقين في التصدي لمحمد صلى الله عليه وسلم ودعوته التي جاء بها من عند الله، مع اختلاف الأكاذيب، وتعمد التشويه فيما قاموا به من دراسة للدين الإسلامي وكتبه وتاريخه، والدس بأساليب متنوعة.
ومع هذا فيجب ألا يغرب عن البال اختلافهم فيما بينهم، وتباين
(1) سورة البقرة الآية 120
(2)
سورة البقرة الآية 120
(3)
سورة البقرة الآية 120
(4)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 1: 133 - 134.
طرقهم العقدية كما قال جل وعلا عنهم في محكم التنزيل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} (1).
ولم يعرف لهم في التاريخ القديم أو الحديث اتفاق إلا في معاداة الإسلام؛ لأن الصراع في العقيدة التي بموجبها العلاقة بالله جل وعلا هي المحك والذي بموجبه تتجلى بواطن النفس ودخائل أعمالها.
يقول سيد قطب في الظلال: تلك هي العلة الأصيلة، ليس الذي ينفعهم هو البرهان، وليس الذي ينقصهم هو الاقتناع بأنك يا محمد على الحق، وأن الذي جاءك من ربك الحق، ولو قدمت إليهم ما قدمت، ولو توددت إليهم ما توددت لن يرضيهم من هذا كله شيء إلا أن تتبع ملتهم، وتترك ما معك من الحق، إنها العقدة الدائمة التي نرى مصداقها في كل زمان ومكان، إنها هي العقيدة، هذه هي حقيقة المعركة التي يشنها اليهود والنصارى في كل أرض، وفي كل وقت ضد الجماعة المسلمة، إنها معركة العقيدة هي المشبوبة بين المعسكر الإسلامي، وهذين المعسكرين اللذين قد يتخاصمان فيما بينهما، وقد تتخاصم شيع الملة الواحدة فيما بينها، ولكنها تلتقي دائما في المعركة ضد الإسلام والمسلمين.
إنها معركة العقيدة في صميمها وحقيقتها، ولكن المعسكرين العريقين في العداوة للإسلام والمسلمين يلونانها بألوان شتى، ويرفعان عليها أعلاما شتى، في خبث ومكر وتورية، إنهم قد جربوا حماسة المسلمين لدينهم وعقيدتهم حين واجهوهم تحت راية العقيدة، ومن ثم استدار الأعداء العريقون فغيروا أعلامهم (2).
فاليهود وإن قفرت منهم معابدهم، والنصارى وإن تساهلوا في ارتياد
(1) سورة البقرة الآية 113
(2)
في ظلال القرآن 1: 142.