الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ب)
وظيفة الاحتساب وأثره في البناء الاجتماعي:
وظيفة الاحتساب في المجتمع وظيفة بالغة الخطورة إذ حولها مدار البناء أو الهدم. فهي إذا نهضت بها الأمة فقد رفعت من بنائها ومن شأن "البنائين"، وإذا قصرت عنها فقد أتاحت الفرصة للهدم و"الهدامين". وما المجتمع إلا بناء لا يتم إلا بمنع الهدم فيه. يقول الشاعر:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه
…
إذ كنت تبنيه وغيرك يهدم
ووظيفة الاحتساب هذه قد وضحها المصطفى صلى الله عليه وسلم أوضح بيان في صورة تمثيلية أخرى هي صورة السفينة التي يركب فيها جمع من الناس، يقول في مثل ضربه لهذا صلى الله عليه وسلم.
«مثل القائم في حدود الله (2)» .
في هذا الحديث أوضح دليل على أن المحتسبين هم صمام الأمان لسفينة المجتمع، مثلما هم البناءون للحضارات؛ أو هم كالخلايا الحية في جسد الأمة فإذا تعطلت وظائفها تعرضت الحياة كلها للهلاك والضياع وأصبحت الأمة في عداد الأحياء وما هي كذلك.
قيل لابن مسعود رضي الله عنه: من ميت الأحياء؟
(1) رواه البخاري.
(2)
(1) والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا. فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا
فقال: الذي لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا.
وهذا هو المفتون الموصوف في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، كما أشار إلى ذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى (1).
وبتفريط أهل الاحتساب من الدعاة يسود الفاسقون والمترفون وبهم تهلك القرى والأوطان. وتحذيرا من هذا المصير ومن أمثال هؤلاء يقول تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (2).
ولا شك أن تجنب هذا المصير يوجب على الجميع بحسب مراتبهم وقدراتهم أن يعملوا لإشاعة الخير وإبطال الشر، وأن يؤدوا وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ أن مدارها أن يكون الدين كله لله، وأن يعيش المجتمع في ظل نظام الإسلام، لأن ترك ذلك من أعظم الفتن التي أمر الله تعالى بالقتال لمنع حدوثها- قال جل شأنه:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (3).
وكان علماء الأمة وأمراؤها يدركون خطورة الغفلة عن الاحتساب وترك الأمر فوضى للجهال والعصاة. كان الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز يحذر جلساءه من مصير الغافلين، التاركين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يقرأ لهم رحمه الله تعالى:{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} (4).
كما كان غيره من السلف يتلو دائما في مواعظه قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (5).
(1) الحسبة في الإسلام أو وظيفة الحكومة الإسلامية، دار الكتاب العربي، ص 63.
(2)
سورة الإسراء الآية 16
(3)
سورة الأنفال الآية 39
(4)
سورة الذاريات الآية 50
(5)
سورة النور الآية 63