الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: حكم شرب الدخان وإمامة من يتجاهر به
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سألني بعض الإخوان عن حكم شرب الدخان وإمامة من يتجاهر بشربه، وذكر أن البلوى قد عمت بهذا الصنف من الناس.
والجواب: قد دلت الأدلة الشرعية على أن شرب الدخان من الأمور المحرمة شرعا، وذلك لما اشتمل عليه من الخبث والأضرار الكثيرة، والله سبحانه لم يبح لعباده من المطاعم والمشارب إلا ما كان طيبا نافعا، أما ما كان ضارا لهم في دينهم أو دنياهم أو مغيرا لعقولهم، فإن الله سبحانه قد حرمه عليهم، وهو عز وجل أرحم بهم من أنفسهم، وهو الحكيم العليم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، فلا يحرم شيئا عبثا، ولا يخلق شيئا باطلا، ولا يأمر بشيء ليس للعباد فيه فائدة؛ لأنه سبحانه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، وهو العالم بما يصلح العباد وينفعهم في العاجل والآجل كما قال سبحانه:{إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (1) وقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (2)، والآيات في هذا المعنى كثيرة، ومن الدلائل القرآنية على تحريم شرب الدخان قوله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في سورة المائدة:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (3)، وقال في سورة الأعراف في وصف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (4) الآية. فأوضح سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين أنه سبحانه لم يحل لعباده إلا الطيبات
(1) سورة الأنعام الآية 83
(2)
سورة الأحزاب الآية 1
(3)
سورة المائدة الآية 4
(4)
سورة الأعراف الآية 157
وهي الأطعمة والأشربة النافعة، أما الأطعمة والأشربة الضارة كالمكسرات والمخدرات وسائر الأطعمة والأشربة الضارة في الدين أو البدن أو العقل، فهي من الخبائث المحرمة، وقد أجمع الأطباء وغيرهم من العارفين بالدخان وأضراره أن الدخان من المشارب الضارة ضررا كبيرا، وذكروا أنه سبب لكثير من الأمراض كالسرطان وموت السكتة وغير ذلك، فما كان بهذه المثابة فلا شك في تحريمه ووجوب الحذر منه، فلا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يشربه، فقد قال الله تعالى في كتابه المبين:{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} (1).
وقال عز وجل: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (2) أما إمامة شارب الدخان وغيره من العصاة في الصلاة فلا ينبغي أن يتخذ مثله إماما، بل المشروع أن يختار للإمامة الأخيار من المسلمين المعروفين بالدين والاستقامة؛ لأن الإمامة شأنها عظيم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلما (3)» ، الحديث رواه مسلم في صحيحه. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه قال لمالك بن الحويرث وأصحابه: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم (4)».
لكن اختلف العلماء رحمهم الله هل تصح إمامة العاصي والصلاة خلفه، فقال بعضهم: لا تصح الصلاة خلفه؛ لضعف دينه ونقص إيمانه. وقال آخرون من أهل العلم: تصح إمامته والصلاة خلفه؛ لأنه مسلم قد صحت صلاته في نفسه فتصح صلاة من خلفه، ولأن كثيرا من الصحابة صلوا خلف بعض الأمراء المعروفين بالظلم والفسق، ومنهم ابن عمر رضي الله عنهما قد صلى خلف الحجاج وهم أظلم الناس، وهذا هو القول الراجح وهو صحة
(1) سورة الأنعام الآية 116
(2)
سورة الفرقان الآية 44
(3)
صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (673)، سنن الترمذي الصلاة (235)، سنن النسائي الإمامة (780)، سنن أبو داود الصلاة (582)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (980).
(4)
صحيح البخاري الأذان (628)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (674)، سنن النسائي الأذان (635)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 53)، سنن الدارمي الصلاة (1253).
إمامته والصلاة خلفه، لكن لا ينبغي أن يتخذ إماما مع القدرة على إمامة غيره من أهل الخير والصلاح، وهذا جواب مختصر أردنا منه التنبيه على أصل الحكم في هاتين المسألتين، وبيان بعض الأدلة على ذلك، وقد أوضح العلماء حكم هاتين المسألتين فمن أراد بسط ذلك وجده، والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين ويوفقهم جميعا للاستقامة على دينه والحذر مما يخالف شرعه إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
صفحة فارغة
رد الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين
على الدكتور إبراهيم الناصر
حول بحثه: موقف
الشريعة الإسلامية من المصارف
كان الدكتور إبراهيم الناصر قد دفع البحث الذي كتبه بعنوان " موقف الشريعة الإسلامية من المصارف " إلى صالح الحصين، وطلب منه أنه يكتب ملاحظاته على البحث بكل صراحة وبدون مجاملة، فكتب له رسالة مطولة نقتطف منها ما يأتي مع ملاحظة أنا حافظنا على عبارات الأصل عدا حالات نادرة اقتضى حسن السياق تغيير اللفظ مع بقاء المعنى.
الملاحظة الأولى:
ليست مناقشة بل هي بالأحرى عتب، إذ كان الانطباع لدي عند قراءتي للبحث لأول وهلة أنه لم يكتب بجدية تتناسب مع موضوعه، بل أخشى أن يكون كتب بطريقة أقرب إلى العبث وعدم الاحتفال.
لا أقصد، وقد انتصبتم للاجتهاد في الإفتاء في مسألة ترونها جديدة وخطيرة. (ص 11) أنه كان يجب أن تطلعوا على النصوص الشرعية المتصلة بالموضوع وأن تعملوا القواعد الفقهية في الاستنباط منها، وأن تستخدموا المقاييس والموازين الشرعية للترجيح بين الأدلة، فأنتم معذورون في التقصير في هذا؛ لأنه ليس لديكم الإمكانيات اللازمة لذلك.
أقول لا أقصد هذا وإنما أقصد أنه كان يتوقع منكم وقد تصديتم للكتابة في مثل هذا الموضوع أن تتقيدوا بمنهج البحث العلمي تفكيرا وتعبيرا، الأمر الذي حرم منه هذا البحث كما يتضح من الملاحظة الثانية.