الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتراويح قد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ليالي، وتخلف عنهم في الأخير خشية أن تفرض عليهم، واستمر الصحابة رضي الله عنهم يصلونها أوزاعا متفرقين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته إلى أن جمعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلف إمام واحد، كما كانوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هذا بدعة في الدين، وكتابة الحديث أيضا لها أصل في الشرع، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة بعض الأحاديث لبعض أصحابه لما طلب منه ذلك، وكان المحذور من كتابته بصفة عامة في عهده صلى الله عليه وسلم خشية أن يختلط بالقرآن ما ليس منه، فلما توفي صلى الله عليه وسلم انتفى هذا المحذور؛ لأن القرآن قد تكامل وضبط قبل وفاته صلى الله عليه وسلم، فدون المسلمون السنة بعد ذلك حفظا لها من الضياع، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا حيث حفظوا كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم من الضياع وعبث العابثين.
الفصل الثاني
ظهور البدع في حياة المسلمين
والأسباب التي أدت إلى ذلك
1 -
ظهور البدع في حياة المسلمين وتحته مسألتان:
المسألة الأولى: وقت ظهور البدع:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: واعلم أن عامة البدع المتعلقة بالعلوم والعبادات إنما وقع في الأمة في أواخر خلافة الخلفاء الراشدين، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من
بعدي (1)» (2).
وأول بدعة ظهرت بدعة القدر وبدعة الإرجاء وبدعة التشيع والخوارج. هذه البدع ظهرت في القرن الثاني، والصحابة موجودون وقد أنكروا على أهلها، ثم ظهرت بدعة الاعتزال وحدثت الفتن بين المسلمين، وظهر اختلاف الآراء والميل إلى البدع والأهواء، وظهرت بدعة التصوف وبدعة البناء على القبور بعد القرون المفضلة، وهكذا كلما تأخر الوقت زادت البدع وتنوعت.
المسألة الثانية: مكان ظهور البدع:
تختلف البلدان الإسلامية في ظهور البدع فيها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن الأمصار الكبار التي سكنها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج منها العلم والإيمان خمسة: الحرمان والعراقان. والشام. منها خرج القرآن والحديث والفقه والعبادة وما يتبع ذلك من أمور الإسلام.
وخرج من هذه الأمصار بدع أصولية غير المدينة النبوية. فالكوفة خرج منها التشيع والإرجاء، وانتشر بعد ذلك في غيرها، والبصرة خرج منها القدر والاعتزال والنسك الفاسد، وانتشر بعد ذلك في غيرها، والشام كان بها النصب والقدر، أما التجهم فإنما ظهر في ناحية خراسان وهو شر البدع، وكان ظهور البدع بحسب البعد عن الدار النبوية، فلما حدثت الفرقة بعد مقتل عثمان ظهرت بدعة الحرورية، وأما المدينة النبوية فكانت سليمة من ظهور هذه البدع، وإن كان بها من هو مضمر لذلك فكان عندهم مهانا مذموما إذ كان بها قوم من القدرية وغيرهم، ولكن كانوا مقهورين ذليلين بخلاف التشيع والإرجاء بالكوفة، والاعتزال وبدع النساك بالبصرة، والنصب بالشام فإنه كان ظاهرا، وقد ثبت
(1) سنن أبو داود السنة (4607)، سنن الدارمي المقدمة (95).
(2)
مجموع الفتاوى (10/ 354).