الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والكلاب، قال تعالى:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (1) وقال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (2).
وقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} (3){وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (4).
ومن هنا كانت حاجتهم ماسة وحرصهم شديدا على أن يأتوا ولو بسورة من مثله؛ ليبطلوا حجة محمد صلى الله عليه وسلم بأن القرآن من عند الله ويثبتوا أن مسلكهم في العبادات وفي كل حياتهم صحيح، وأن ما وصفهم به القرآن بأنهم كالأنعام والدواب والكلاب وغير ذلك إنما هو باطل، لكن شيئا من ذلك لم يحدث.
يقول الرافعي في وقفة له عند قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} (5)" تأمل نظم الآية تجد عجبا، فقد بالغ في اهتياجهم واستفزازهم؛ ليثبت أن القدرة فيهم على المعارضة كقدرة الميت على أعمال الحياة لن تكون ولن تقع، فقال لهم: " ولن تفعلوا " أي هذا منكم فوق القدرة وفوق الحيلة وفوق الاستعانة وفوق الزمن، ثم جعلهم وقودا ثم قرنهم إلى الحجارة ثم سماهم كافرين، فلو أن فيهم قوة بعد لك لانفجرت ولكن الرماد غير النار "(6)
(1) سورة الأعراف الآية 179
(2)
سورة الأنفال الآية 55
(3)
سورة الأعراف الآية 175
(4)
سورة الأعراف الآية 176
(5)
سورة البقرة الآية 23
(6)
الرافعي، إعجاز القرآن ص 192 (هامش).
الثالث: انتفاء المانع عند المتحدى من قبول التحدي
وذلك من ثلاثة وجوه (1).
(1) عبد الوهاب خلاف: علم أصول الفقه (مصر، مكتبة الدعوة الإسلامية) ص 26.
الأول: من الناحية اللفظية.
الثاني: من الناحية المعنوية.
الثالث: من الناحية الزمنية.
أما من الناحية اللفظية، فإن العرب كانوا أهل فصاحة وبيان شهد لهم بذلك أشعارهم وخطبهم وأمثالهم ومقدرتهم على النقد وتمييز الغث من السمين، وكانوا قد برعوا في اللغة ووصلوا إلى مستوى رفيع، وقد وصفهم الرافعي بقوله:" كالعرب أصحاب الفطرة اللغوية والحسن البياني الذين صرفوا اللغة وشققوا أبنيتها وهذبوا حواشيها وجمعوا أطرافها واستنبطوا محاسنها ".
وقد كان العرب على مستوى رفيع من البلاغة والنقد والذوق البياني، خذ مثلا على ذلك، أنه عرض على الخنساء بيتان من الشعر لحسان بن ثابت في سوق عكاظ وهي قوله:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى
…
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
ولدنا بني العنقاء وابني محرق
…
فأكرم بنا خال وأكرم بنا ابنما
1 -
فقالت الخنساء: " ضعفت افتخارك وأنزرته في ثمانية مواضع. قال: وكيف؟ قالت: قلت: " لنا الجفنات " والجفنات ما دون العشر، فقللت العدد، ولو قلت الجفان لكان أكثر. وقلت: "الغر " والغرة الباقي في الجبهة، ولو قلت البيض لكان أكثر اتساعا. وقلت: " يلمعن " واللمع شيء يأتي بعد الشيء ولو قلت: يشرقن لكان أكثر؛ لأن الإشراق أدوم من اللمعان. وقلت: " بالضحى " ولو قلت بالعشية لكان أبلغ في المديح؛ لأن الضيف بالليل أكثر طروقا. وقلت: " أسيافنا " والأسياف دون العشر. ولو قلت سيوفنا كان أكثر. وقلت: " يقطرن " فدللت على قلة القتل، ولو قلت يجرين لكان أكثر لانصباب الدم، وقلت دما والدماء أكثر من الدم، وفخرت بمن ولدت ولم تفتخر بمن ولدوك ".