الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعقيب ابن كثير على قول من قال بأن الخضر ملك أو ولي:
وقد عقب ابن كثير ونعى قول من قال بأنه ملك من الملائكة وقول من قال بأنه ولي من الأولياء كان عنده علم الباطن.
فقد جاء في البداية والنهاية ص 328 ج1 قال ابن كثير: وأما كونه ملكا من الملائكة فغريب جدا وإذا ثبتت نبوته كما ذكرناه لم يبق لمن قال بولايته وأن الولي قد يطلع على حقيقة الأمور دون أرباب الشرع الظاهر مستند يستندون إليه ولا معتمد يعتمدون عليه.
بمعنى ليس للصوفية دليل صحيح يرتكزون عليه ولا مستند يعتمدون عليه بأن الخضر كان وليا وإنما ثبتت نبوته بالأدلة الصحيحة كما تقدم.
حياة الخضر والأدلة على ذلك:
هناك من يرى أن الخضر لا يزال حيا وأنه باق إلى أن يقتله الدجال ثم يحييه وتزعم الروايات أنه دفن آدم عليه السلام بعد خروجهم من طوفان نوح وكل ذلك حكايات غير صحيحة لا تقوم بها حجة ولا تثبت بمثلها الأمور الغيبية وقد ردها علماء الإسلام وأبطلها أئمة الحديث وسيأتي ذلك في موضعه.
الأدلة على حياة الخضر:
ذكر ابن حجر العسقلاني في الإصابة أحاديث وحكايات تدل على وجود الخضر إلى يومنا هذا وقد أشار إلى ضعفها ونكارتها ومنها: -
(1)
قال ابن حجر العسقلاني في الإصابة ص 431 ج 1: روى الدارقطني عن ابن عباس قال.
(نسئ للخضر في أجله حتى يكذب الدجال).
وقال ابن حجر: وذكر ابن إسحاق في المبتدأ قال حدثنا أصحابنا أن آدم لما حضره الموت جمع بنيه وقال: إن الله منزل على أهل الأرض عذابا فليكن جسدي معكم في المغارة حتى تدفنوني بأرض الشام فلما وقع الطوفان قال نوح لبنيه إن آدم دعا الله أن يطيل عمر الذي يدفنه إلى يوم القيامة فلم يزل جسد آدم حتى كان الخضر هو الذي تولى دفنه وأنجز الله وعده فهو يحيا إلى ما شاء الله أن يحيا.
أقول: ومما يدل على بطلان هذه الحكاية الخيالية فقد وردت آثار صحيحة على أن الذي تولى دفن آدم عليه السلام حين موته هم الملائكة كما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية ص 98 ج 1 قال رحمه الله:
ولما توفي آدم عليه السلام وكان يوم الجمعة جاءته الملائكة بحنوط وكفن من عند الله عز وجل من الجنة، وعزوا فيه ابنه شيثا عليه السلام إلى أن قال: وقد قال عبد الله بن الإمام أحمد حدثنا هدبة بن خالد حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن يحيى بن ضمرة السعدي قال: رأيت شيخا بالمدينة تكلم فسألت عنه فقالوا: هذا أبي بن كعب فقال: إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه أي بني إني أشتهي من ثمار الجنة قال فذهبوا يطلبون له فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه ومعهم الفئوس والمساحي والمكاتل فقالوا لهم: يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون؟ قالوا: أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة، فقالوا: لهم ارجعوا فقد قضى أبوكم فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم فقال إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك فخلي بيني وبين ملائكة ربي عز وجل فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضعوه في قبره ثم حثوا عليه ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم" إسناد صحيح إليه.
وقال ابن حجر في الإصابة ص 432 ج1 قال الحارث بن أبي
أسامة في مسنده حدثنا عبد الرحيم بن واقد حدثني محمد بن بهران حدثنا أباه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الخضر في البحر واليسع في البر يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج ويحجان ويعتمران كل عام ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل» ).
قال ابن حجر: عبد الرحيم وأبان متروكان.
وقال ابن حجر في الإصابة ص 432 ج1 وقال عبد الله بن المغيرة عن ثور عن خالد بن معدان عن كعب قال الخضر على منبر من نور بين البحر الأعلى والبحر الأسفل وقد أمرت دواب البحر أن تسمع له وتطيع وتعرض عليه الأرواح غدوة وعشية ذكره العقيلي وقال: عبد الله بن المغيرة يحدث بما لا أصل له. وقال ابن يونس: إنه منكر الحديث.
وقال ابن حجر في الإصابة: وقال النووي في تهذيبه قال الأكثرون من العلماء هو حي (يعني الخضر) موجود بين أظهرنا وذلك متفق عليه من الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر. وقال أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة منهم. قال وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين.
وقال ابن حجر في الإصابة ص 433 ج1 معقبا على كلام النووي وابن الصلاح: قال رحمه الله:
(اعتنى بعض المتأخرين بجمع الحكايات المأثورة عن الصالحين وغيرهم ممن بعد الثلاثمائة والعشرين مع ما في أسانيدها بعضها ممن
يضعف لكثرة أغلاطه واتهامه بالكذب كأبي عبد الرحمن السلمي وأبي الحسن بن جهضم).
وقد أورد ابن كثير في البداية والنهاية أحاديث وروايات عن الصالحين وغيرهم تدل على حياة الخضر إلى آخر الزمان وقد عقب عليها وبين عيبها وعللها وعدم صحتها ومنها ما يلي:
جاء في البداية والنهاية ص 331 ج 1 قال ابن كثير وقد روى ابن عساكر عن أبي داود الأعمى نفيع وهو كذاب وضاع عن أنس بن مالك: أن الخضر جاء ليلة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو ويقول: " اللهم أعني على من ينجيني مما خوفتني وارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه فبعث إليه أنس بن مالك فسلم عليه فرد عليه السلام وقال له: إن الله فضلك على الأنبياء كما فضل شهر رمضان على سائر الشهور وفضل أمتك على الأمم كما فضل يوم الجمعة على غيره " الحديث.
قال ابن كثير: وهو مكذوب لا يصح سندا ولا متنا. كيف لا يتمثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجيء بنفسه مسلما ومتعلما. وهم يذكرون في حكاياتهم وما يسندونه عن بعض مشايخهم أن الخضر يأتي ويسلم عليهم ويعرف أسماءهم ومنازلهم ومحالهم وهو مع هذا لا يعرف موسى بن عمران كليم الله الذي اصطفاه الله في ذلك الزمان على من سواه حتى يتعرف إليه بأن موسى بني إسرائيل.
وقال ابن كثير: وقد قال الحافظ أبو الحسين بن المنادي بعد إيراده حديث أنس هذا وأهل الحديث متفقون على أنه حديث منكر الإسناد سقيم المتن يتبين فيه أثر الصنعة.