الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن معين قد وثقا شهرا وهما إماما الجرح والتعديل وهما ما اجتمعا على توثيق رجل إلا كان ثقة، فأقل أحوال هذا الحديث أن يكون حسنا، وقد رأيت احتجاج الحافظ شيخ الإسلام ابن تيمية به على تحريم الحشيشة على فرض أنها غير مسكرة، والله ولي التوفيق.
دراسات حديثة تؤيد وجهة نظر فقهاء الإسلام
بعد أن انتهينا من عرض موجز من المعلومات الإسلامية والأحكام الفقهية في موضوع المخدرات فإنه يجدر بنا أن نبين أن هذه المخدرات منكر يأباه العقل والذوق والمجتمع الصالح كما يأباه الشرع، وإذا كنا بصدد البحث عن وجهة نظر فقهاء الشريعة الإسلامية إلى المخدرات، فإن جانب المصلحة هو المطلوب المشترك والقدر الذي لا يختلف، وكلما تأكد وجه النظر في أمر منكر زادت بشاعته، وتجلت حكمة الشارع الحكيم في حظره على ما قرره الفقهاء من حكمه، وكم انتفع الفقهاء السابقون بأنظار الأطباء في عصورهم ورجعوا إليهم قبل البت في أحكامهم؛ لأنهم يجلون لهم وجه المصلحة أو المفسدة التي هي أساس التشريع الإسلامي، ولقد نقل الفقهاء كثيرا من أحكام الطب ووجوه الحكمة في الأمور، فكانت لهم نبراسا يضيء أمامهم طريق الحياة. وهذه الخبائث طالما قاومها المصلحون ورجال القانون وغيرهم ممن يعنيهم شأن الأمم فمن الخير أن ننتفع في بحثنا بما يؤكد لنا الأحكام الشرعية ويجعلها معقولة المعنى.
وأمامنا الآن كتاب يسمى ظاهرة تعاطي الحشيش للدكتور سعيد المغربي ممن كان لهم قدم صدق في التعرف على ما يتصل بهذه الشجرة الخبيثة على أنه يتعرض لما يشبهها في مفاسدها ويخصها بمزيد عناية لشيوع أمرها، ونرى أن نقتبس منه ما يأتي: -
1 -
جاء في مقدمة الكتاب أن الحشيش مما خلفه الاستعمار وأوضاعه بما تركه من آثار سيئة، وأن الحاجة الآن ملحة لإعادة المجتمع وتصفيته من تلك المشكلات الحادة المزمنة، ثم أشار إلى أن القانون المصري مهتم بهذه الجريمة اهتماما بالغا، وقد تدرج في تشديد العقوبة، وهذا دليل ظاهر على ظهور خطر هذه السموم وعلى أنها مشكلة صحية وسيكيلوجية، وأن بعض الباحثين يرى أنه يؤدي إلى حالة من الاضطراب العقلي، ثم قال إن متعاطي هذه الجريمة قواه معطلة عن العمل والانتاج؛ لأنها تستلزم السهر الذي يستنفذ جهدا وطاقة، وأنها توجد طبقة من المجرمين شأنهم الاعتداء والعدوان؛ لأنهم فارغون ومحتاجون ومتحيلون.
2 -
يبين أنه له آثارا ضارة طبيعية فيه كالدوار في أوله، والشعور بالاسترخاء والنوم العميق، والهبوط العام للجهاز المركزي، وحرمان الجهاز الهضمي من الكميات المطلوبة للجسم نفسه كاللعاب والعصارات الهضمية، ثم التصلب في الشرايين، ويصحب ذلك الضعف الجسمي، وقلة الرغبة في إرضاء الطرف الآخر.
3 -
تناول بعض الأمراض النفسية والاجتماعية، ومنها أنه إذا اقترب موعد التعاطي تنتاب المدمن أعراض تشتد تدريجيا، وهي توتر وشعور بقلق شديد وانقباض وهبوط عصبي لا يستقر المدمن معه، ثم بين أن معظم المدمنين على وعي تام بآثار مدمرة لهم صحيا ونفسيا لدرجة أن بعضهم يحاول العلاج تلقائيا أو بمعونة الطبيب، وأنهم أحيانا يكونون في حالة بكاء تشل الجسد عن الحركة حين تجيء النوبة إلى أن يتعاطى الحشيش.
4 -
من بين نتائج الدراسة أن الحشيش يسبب حالة من المرح والتهيج مع اعتقاد متعاطيه أنه قادر على كل شيء فضلا عن اتجاهه إلى
اختراع أفكار وهمية، وأنه يؤدي إلى ارتكاب الجريمة؛ لأن شخصيته غير مستقرة، ويصير ذلك به إلى التشرد والسرقة والخوف والجبن، ثم يكون الهجوم والعدوان، وقد كانت له ضحايا كثيرة من مرضى العقول والمجانين.
5 -
يقول الدكتور (وولف) وهو عضو في لجنة المخدرات بهيئة الصحة العالمية: إن الحشيش يعمل على تجسيم المشاعر والانفعالات، وأن أكثر المتعاطين تتأثر تخيلاتهم وتتضخم إلى أقصى درجة، وهنا يكون العدوان. ويقول باحث يوناني: إنه تأكد لديه الدور الواضح الذي يلعبه الحشيش كباعث للجريمة حتى أصبحت كلمة حشاش في اليونان ترادف كلمة (مجرم).
6 -
جاء في بعض مواضع البحث أن أخطر ما فيه حوادث السيارات؛ لأنه يقرب البعيد في النظر ويبعد القريب أحيانا فتقع الحادثة ولا يشعر السائق.
7 -
وفي بعض فقراته إجابة من موظف صغير عن سؤال وجه إليه بشأن الأفيون يقوله فيها: إن الأفيون داء فظيع إذا تملك من صاحبه كان في عداد الأموات، فهو يرخي الأعصاب، ولا يتمكن صاحبه من أداء أي عمل إلا إذا تعاطاه، ويكون دائما ذليلا في تهيج وتذلل حتى في شرائه للمخدر، ويتألم إذا لم يتعاطاه حتى يشعر بارتخاء في أعصابه ودمع في عينيه واضطراب في نظره والتهاب في أنفه.
8 -
أورد في بعض الملاحظات بالنسبة للأعراض البدنية لمتعاطي الحشيش أمرين:
(1)
انخفاض في مستوى الصحة ويتبعه الانخفاض بمستوى الكفاءة البدنية والنفسية والعقلية مما يؤثر على حياته في جوانبه المختلفة.
(2)
اختلال التوازن واضطراب الحواس ثم الكسل والتراخي، ثم ينقل عن
بيزل أن الفحوص الطبية دلت على أن المدمنين يصابون بهبوط في جميع وظائف الأعضاء البدنية والعصبية مع فقدان الشهية، ويقول (كوبروكوبر): إنهم يصابون بوضوح بالتهاب الملتحمة، ولا يفارقهم ذلك حتى بعد الإقلاع، ويجمع الباحثون على ذلك.
9 -
يقول في فقرات أخرى: إنه يؤدي إلى اضطراب وأمراض بالجهاز التنفسي ومسالكه، وأهمها الربو والتهاب الشعب وأطال في تعليل ذلك.
10 -
ثم يقول: إن الرأي القائل بأن الحشيش يثير الرغبة الجنسية ويطيل أمد المتعة على جانب كبير من الخطورة؛ لأنه يعتمد على الأوهام والشائعات ويدعو إلى انتشاره دون جدوى، والدراسات العملية تكاد تجمع على ذلك، ومن ادعى ذلك من الباحثين لا يفرق بين الرغبة الجنسية وبين الحيوية.
وما أكثر الفوائد القيمة في هذا الكتاب التي تستقى منه الاحصاءات المطردة المتواصلة، ولا سبيل لنا هنا إلى الاستقصاء، وإنما سبيلنا أن نربط بين العلم والدين بالرباط الحكيم المبين، وما أعظم قول الله عز وجل في هذه المناسبة {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (1)
وفي نهاية هذه الدراسة القيمة للدكتور سعيد المغربي يقول: تبين من هذا كله أن القانون لم يحل المشكلة، وليس هو بالناحية الأساسية، فالاعتماد عليه خطر، فالحق أن علاجها من وجهة النظر النفسية والاجتماعية بالرجوع إلى حالة سلوك واقعية، ثم يجيء القانون من بين الحواجز المثبطة، وتلخيص الحل في التغيير الجوهري للعناصر التي يعيش فيها الفرد بحيث تهيئ له الفرص التي تشبع فيه حاجاته في ظل التكامل الصادق الذي يشعر الشخص بالتفاؤل والنجاح، ويا حبذا لو قال الباحث: إن الدين أكبر مصلح ومهذب
(1) سورة فصلت الآية 53