الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقري الشافعي في مؤلفه في تحريم القات، وذكر من مضارها أن آكلها يرتاح ويطرب، وتطيب نفسه ويذهب حزنه، ثم يعتريه بعد ساعتين من أكله هموم متراكمة، وغموم متزاحمة وسوء أخلاق، وذكر الشيخ المقري أنه جرب ذلك في نفسه أيام شبابه وكان يعتقد أولا حلها، وذكر المقري من مضار هذه الشجرة أنها تذهب بشهوة الطعام، وتطرد النوم ونعمته، وأنه يخرج من أكلها شيء بعد البول كالودي ولا ينقطع إلا بعد حين، وإنه طالما كان يتوضأ يحس بشيء منه فيعيد الوضوء وهكذا، وتارة كان يحس به في الصلاة فيعيدها بعد إعادة الوضوء، وإنه سأل كثيرا ممن كان يأكلها فقرروا ذلك، ثم نقل عن العلامة يونس المقري أنه كان يقول: ظهر القات في زمن قوم لا يجسرون على تحريم ولا تحليل، ولو ظهر في زمن الفقهاء المتقدمين لحرموه. . اهـ - بتصرف.
ثانيا: الفقه الشافعي:
يختلف الشافعية في الحكم في هذا الموضوع؛ لأنه مجال للاجتهاد، فمنهم من يحكم بأن المخدر كله حرام قليله وكثيره، ولا حد فيه بل فيه التعزير فقط، لا فرق بين مخدر وآخر، ويصور ذلك الخطيب الشربيني من أعيان الشافعية في القرن العاشر، له شرح على كتاب النووي (المنهاج) يقول فيه تعليقا على قول النووي في بيان الأشربة وأحكامها:(1).
قال النووي: " كل شراب أسكر كثيره حرم قليله وحد شاربه " فقال الشربيني: المراد الشارب المتعاطي شرابا. وخرج بالشراب النبات، قال الدميري: كالحشيشة التي تأكلها الحرافيش، ونقل الشيخان في باب الأطعمة عن الروياني أن أكلها حرام ولا حد فيه، وقال الغزالي في القواعد:
(1) ج 4 ص 187 طبع الحلبي.
يجب على آكلها التعزير والزجر دون الحد، ثم ذكر ابن تيمية السابق، وقريب من هذا ما جاء في كتاب فتح الجواد بشرح الإرشاد (1) لابن حجر الهيثمي تعليقا على حكم المؤلف صاحب الإرشاد بحد من شرب مسكرا قال الهيثمي:
خرج بالمسكر مزيل العقل من غير الأشربة كالبنج والحشيشة والأفيون وجوزة الطيب، فإنه وإن حرم لكن فيه التعزير فقط إذ ليس فيه شدة مطربة، فلا يدعو قليله إلى كثيره، وله تناوله حتى لا يحس بألم قطع عضو متآكل ونحوه). اهـ.
وعبارته في التحريم مطلقة ولكن قوله: إن قليله لا يدعو إلى كثيره غير مسلم، وفي هذه العبارة ما يفيد أنه يستعمل للتداوي، وهي محل بحث كذلك.
ومما يدخل في هذا المسلك ما نجده في شرح الشيخ زكريا على متن البهجة لابن الوردي (ج5 ص404) تعليقا على قول المصنف: إن الحد لما يسكر جنسا. قال الشيخ زكريا: خرج به ما يسكر من غير جنسه كالبنج والدواء المجنن والحشيشة فلا حد؛ لأنه لا يلذ ولا يطرب ولا يدعو قليله إلى كثيره بل يعزر، ثم قال: وإذا احتيج في قطع اليد المتآكلة إلى نحو البنج هل يجوز؟ أخرجه الرافعي على الخلاف في التداوي بالخمر وصحح النووي الجواز، ولعل قول النووي في هذا المقام أصح، وهو المعمول به اليوم في دائرة أمر الطبيب مع الضرورة بما يرفع الحرج، ومنهم من يتجه إلى تحريم كثير من هذه المخدرات إطلاقا بلا تخصيص لصنف دون صنف، ويذهب إلى أن القليل منها مكروه إذا لم يقصد المداومة، وإنه يباح للتداوي على خلاف في ذلك، وإليك ما في كتاب إغاثة الطالبين في حل ألفاظ فتح المعين في فقه الشافعية، قال صاحب فتح المعين الشيخ المليباري الفقيه الشافعي (ج4 ص156): كل
(1) الإرشاد كتاب في الفقه الشافعي لشرف الدين إسماعيل بن أبي بكر الشهير المقرئ المدني المتوفى سنة 873.
شراب أسكر كثيره فقليله حرام بخبر الصحيحين، ثم قال:
وخرج بالشراب ما حرم من الجامدات، فلا حد فيها، وإن حرمت وأسكرت بل التعزير بكثير البنج والحشيشة والأفيون وكره أكل كثير منها من غير قصد المداومة ويباح لحاجة التداوي، فعلق السيد البكري على ذلك بقوله: إن العلماء قد ذكروا في مضار الحشيشة نحو مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية، وأورد ما قاله ابن حجر الهيثمي في الزواجر - وسنشير إليه - وقد علق على قوله: وكره أكل يسير منها، فقال: إن المراد باليسير ألا يؤثر في العقل ولو تخديرا أو فتورا، وبالكثير ما يؤثر فيه كذلك، فيجوز تعاطي القليل مع الكراهة، ولكنه يجب كتمه عن العوام؛ لئلا يتعاطوا الكثير ويعتقدوا أنه قليل، وقوله: من غير قصد المداومة، مفهومه أنه إذا تعاطاه مع قصد المداومة حرم) اهـ.
ثم نقل عن الروضة وشرحها (فرع: مزيل للعقل من غير الأشربة كالبنج والحشيشة حرام؛ لإزالته العقل، ولا حد فيه؛ لأنه لا يلذ ولا يطرب ولا يدعو قليله إلى كثيره بل فيه التعزير، ولو تناوله ليزيل عقله لقطع عضو متآكل) اهـ.
ثم إن هذا الذي نقله عن الروضة يخالف ما في فتح المعين الذي شرحه صاحب إغاثة الطالبين، ويعلق عليه بعد خلاف له أكثر من ذكر ما يخالفه بالنص على حرمة هذه المخدرات بإطلاق، فكأنه يقول إن ما ذكرناه مخالف لما في الروضة وشرحه حيث أطلق التحريم ونحن قيدناه بالكثير مع كراهة القليل من غير قصد المداومة، فإذا قصد المداومة حرم، ثم إن هذا خاص بمن يؤمن اضطرابه بتجاوز الحد وعدم ضبط النفس بالحاجة وعدم الإدمان. ومع كل هذه القيود يضيق الفارق جدا فلا يظهر أثره، والحق في هذا مسلك ابن تيمية ومن نهج نهجه سدا للذارئع وإغلاقا لباب الفساد.
كتاب الزواجر لابن حجر الهيثمي الفقيه الشافعي
هذا الكتاب مرجع خصيب تناول فيه ابن حجر كبائر الذنوب، واستوعب منها ما أدى إليه اجتهاده وتتبعه، وسلك في ترتيبه مسلك أبواب
الفقه الشافعي في القسم الثاني منه، وهو الكبائر الظاهرة مع التسلل في تعدادها مع الكبائر الباطنة أول الكتاب، وكان موضوع المخدرات بعنوان كتاب الأطعمة وترتيب هذه الكبيرة (السبعون بعد المائة) وسماها أكل المسكر الطاهر كالحشيشة والأفيون والشيكران ونحوه كما سبق الإشارة إلى ذلك في علاقة المخدر بالخمر، ومسلكه حديثي فقهي عام، فهو وإن كان من أئمة الشافعية ألا أنه تناول المذاهب الأربعة بما يدل على إجماع فقهائها على التحريم، وهي كتابة ينفعل فيها ويتأثر بمعارفه ويؤثر في قارئه ويتجه في أمرها إلى ما يشبه اتجاه ابن تيمية مع بعض اختلاف تبين لك من دراستها. وقد بدأ الحديث بأن الحشيشة والأفيون والشيكران - بفتح الشين المعجمة - وهو البنج والعنبر والزعفران وجوزة الطيب مسكره أو مخدره، فاستعمالها كبيرة وفسق كالخمر، فكل ما جاء في وعيد شاربها يأتي في مستعمل شيء من هذه المسكرات لاشتراكها في إزالة العقل المقصود للشارع بقائه؛ لأنه الآلة للفهم عند الله تعالى وعند رسوله والمتميز به الإنسان عن الحيوان والوسيلة إلى إيثار الكمالات على النقائص، فكان في تعاطي ما يزيله وعيد الخمر الآتي في بابها، ولكنه لم يوفق كل التوفيق في إيراد الزعفران بينها؛ لأن الزعفران لا يخدر، ثم قال:
إن الأصل في تحريم كل ذلك ما رواه أحمد في مسنده وأبي داود في سننه «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر (1)» وهذه المذكورات كلها تسكر وتخدر وتفتر وحكى العراقي (2). وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيشة (3). وقال من استحلها فقد كفر، قال: وإنما لم يتكلم فيها الأئمة؛ لأنها لم تكن في زمنهم، وذكر الماوردي قولا أن النبات الذي فيه شدة مطربة يجب فيه الحد (4) ثم قال (5) ابن حجر: إن
(1) سنن أبو داود الأشربة (3686)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 309).
(2)
في المطبوعة القرافي وهو غير صحيح لخلافه للواقع، ولأن المذكور في شرح السلك أنه العراقي.
(3)
الذي رأيناه في الفتاوى أن المسكر منها حرام باتفاق العلماء كما قدمنا من ج 34 ص 204.
(4)
وهذا الذي جرى عليه الشيخ ابن تيمية كما رأيت.
(5)
الزواجر ج1 ص180.
ما ذكره في الجوزة من حرمة تعاطيها هو ما أفتى به قديما في سؤال ورد عليه، وخلاصته أن تحريم جوزة الطيب هو ما أفتى به الإمام المجتهد شيخ الإسلام ابن دقيق العيد أن الجوزة مسكرة، ونقله عنه المتأخرون من المالكية والشافعية واعتمدوه وناهيك بذلك. بل بالغ ابن العميد فجعل الحشيشة مقيسة على الجوزة، وذلك في سياق كلام يرد به على القرافي في التفرقة بين الحشيشة الخضراء والمحمصة، فجعل المحمصة هي المسكرة فقط، وأطال في ذلك بما ليس في الصميم، والمقصود بأنه انتهى إلى تأييد ما ذهب إليه من كون الجوزة مسكرة ومخدرة ومحرمة ثم قال:
وقد وافق المالكية والشافعية على إسكارها (جوزة الطيب) الحنابلة فنص إمام متأخريهم ابن تيمية وتبعوه على أنها مسكرة، ثم قال: وهو اقتضاء كلام بعض أئمة الحنفية، ففي فتاوى المرغيناني منهم:
المسكر من البنج ولبن الرماك أي أتان الخيل حرام ولا يحد شاربه، قال الفقيه أبو حفص: ونص عليه شمس الأئمة السرخسي. انتهى.
ثم قال: فثبت بما تقرر أنها حرام عند الأئمة الثلاثة بالنص وعند الحنفية بالاقتضاء (لأن الجوزة كالبنج في الإسكار)، وقد نصوا على حرمة البنج لإسكاره. وأطال في تأييد قوله بتحريم الجوزة، ثم في الفرق بين الإسكار والتخدير من جهة النشوة وعدمها. ثم انتهى إلى أنه لا اختلاف بين من عبر في نحو الحشيشة بالإسكار، ومن عبر بالتخدير والإفساد، لكن الواقع أن هناك فرقا جوهريا يظهر من تأمل ما سبق لابن تيمية - ويأتي مثله النووي وابن حجر - ثم قال: وعجبت ممن خاطر باستعمال الجوزة مع ما فيها من المفاسد والإثم لأغراضه الفاسدة؛ فإن تلك الأغراض تحصل جميعها بغيرها، فقد صرح رئيس الأطباء ابن سيناء في قانونه بأنه يقوم مقامها وزنها ونصف وزنها من السنبل، وشكر الله له نضجه وإخلاصه، ثم نقل عن بعض شروح الحاوي في الفقه الشافعي أن الحشيشة نجسة إن ثبت أنها مسكرة، وإن أنكر ابن حجر هذا النقل بناء على أن الشافعية لا يحكمون بنجاستها، قال: ونقل عن ابن دقيق العيد أنه لا ضمان على متلفها كالخمر. وتطرق إلى ذكر مضار عديدة، ثم جمعها فيما نقله عن بعض العلماء، أن في أكلها مائة وعشرين مضرة
دينية ودنيوية، من أنها تورث الفكرة الرديئة وتجفف الرطوبات الغريزية، وتعرض البدن لحدوث الأمراض وتورث النسيان وتصدع الرأس، وتقطع النسل وتجفف المني، وتورث موت الفجأة واختلال العقل وفساد الذوق والسل والاستقاء، وفساد الفكر ونسيان الذكر وإفشاء السر، وإنشاء الشر وذهاب الحياء، وكثرة المراء وعدم المروءة ونقص المودة، وكشف العورة وعدم الغيرة وإتلاف الكيس ومجالسة إبليس، وترك الصلوات والوقوع في المحرمات والبرص والجذام والرعشة، وتعب الكبد واحتراق الدم، والبخر ونتن الفم وفساد الأسنان وسقوط شعر الأجفان، واستمر في ذلك ولعل في مراجع الطب الحديث ما يهيمن على تحقيقه دائما شأن الفقيه إذا تعرض لمثل ذلك أن يحذر الناس من الشر، وأن يبين وجهة نظر الشرع فيما حكم به من التحريم أو الخطر من حماية العباد من الضرر، ثم أورد في نهاية هذا الموضع تنبيها، قال فيه: إن عد هذه المخدرات من الكبائر ظاهر، وبه صرح أبو زرعة وغيره كالخمر، بل بالغ الذهبي فجعلها كالخمر في النجاسة والحد والمال في ذلك إلى ما قدمناه عن الحنابلة وغيرهم، وقال: إنها أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج حتى يصير في متعاطيها تخنث أي أبنة ونحوها ودياثة وقوادة وغير ذلك من المفاسد، والخمر أخبث منها من جهة أنها تفضي إلى المنازعة والمقاتله وكلاهما يصد عن ذكر الله، وعن الصلاة قال الذهبي: وتوقف بعض المتأخرين عن الحد فيها ورأى أن فيها التعزير؛ لأنها تغير العقل من غير طرب كالبنج، وأنه لم يجد للعلماء المتقدمين كلاما فيها، قال الذهبي: وليس كذلك بل آكلوها يحصل لهم نشوة واشتهاء كشراب الخمر أو أكثر حتى أنهم لا يصبرون عنها، ولكونها جامدة مطعومة اختلف العلماء في نجاستها على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره، فقيل: هي نجسة كالخمر المشروبة، وهذا هو الاعتبار الصحيح، وقيل: لا؛ لجمودها. وقيل: يفرق بين جامدها ومائعها. ثم قال الذهبي: وبكل حال فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله من الخمر المسكر لفظا ومعنى «قال أبو موسى:
يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن؛ البتع وهو من العسل نبذ حتى يشتد، والمزر وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم بخواتيمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أسكر كثيره فقليله حرام (1)». ولم يفرق صلى الله عليه وسلم بين نوع ونوع ككونه مأكولا أو مشروبا على أن الخمر قد تؤكل بالخبز كالحشيشة؛ لأنه يزينها للأنفس الخسيسة فاستحلوها واسترخصوها. انتهى المراد من كلام الذهبي.
ثم قال ابن حجر: إن ما ذكره الذهبي من النجاسة والحد ضعيف. اهـ. ولا يضرنا هذا الاختلاف بعد الاتفاق على أنها محرمة ومن الكبائر، ونسأل الله العافية.
وفي الكلام على الكبيرة شرب الخمر وما يتعلق بها، لم يترك ابن حجر هناك الاستطراد إلى الحشيشة، فنقل عن بعض الصالحين أنه قال: إن الحشيشة المعروفة حرام كالخمر يحد آكلها كما يحد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج حتى يصير في متعاطيها تخنث ودياثة عجيبة وغير ذلك من المفاسد فلا يصير له من المروءة شيء البتة وشاهد في أقواله خنوثة الطبع وفساده وانقلابه إلى شر من طبع النساء، ومن الدياثة على زوجته وأهله فضلا من الأجانب ما يقضي العاقل فيه العجب العجاب، وكذا متعاطي نحو البنج والأفيون وغيرهما مما مر، ثم قال ابن حجر وما يقوي القول بأن آكلها يحد أن آكلها ينتشي ويشتهيها كالخمر وأكثر حتى لا يصبر عنها، وهذا يخالف ما قاله في دراسة المخدرات في الجزء الأول وأشرنا إليه فيما سبق.
وفي فتاوى ابن حجر أيضا حكم القات (جـ 4 ص 223) توسع ابن حجر في فتاواه في موضوع القات وتعرض لاختلاف العلماء في حكمه وتضارب أقوالهم في أمره فقال إنهم في الحقيقة متفقون في الرأي، وإنما يختلفون في الطريق التي استند إليها كل في رأيه، وأطال في فلسفة الاستدلال بالعقل أو النقل أو الدليل المركب منهما، ثم قال: إنه سأل بعض الأطباء فقال: إنه يورث مضار عديدة ومنها تصفير الوجه وتقليل شهوة الطعام وتفتير الباه،
(1) صحيح مسلم الأشربة (1733).
وإدامة نزول الودي عقب البول (1).
وقال: إن مستنده في الأخير إخبار المستعملين له فقال له الشيخ ابن حجر: لا يكفي ذلك ما لم يستند إلى التجربة ولا بد للتجربة من زمان ومكان ومزاج معتدل وعدالة المخبر. ثم انتهى إلى أنه لا علم لنا إلا من الخبر المتواتر من متعاطيه، ولم يتم ذلك لاختلاف المتعاطين مما أدى إلى اختلاف المفتين، وقد أوقعه ذلك في الاستطراد بموضوع الحشيشة والفرق بينهما وبين القات، فقال: إن العلماء منذ قرون لما حدثت الحشيشة في زمانهم بالغوا في اختبار أحوال آكلها حتى اتفقت أقوالهم على أنها مسكرة أو مخدرة، فكان في ذلك الزمان العارفون بعلم الطب والنباتات، فحكموا فيها بما اقتضته القواعد الطبية والتجريبية، فلذا ساغ لهم الجزم فيها بالتحريم، ثم عاد إلى ذكر ما أورده في الزواجر عن جوزة الطيب إذ يقول: إنه لا مرية في تحريم الجوزة وإسكارها أو تخديرها، واتفاق المذاهب على ذلك. ثم انتهى إلى أن ذلك الكلام يدل دلالة ظاهرة على تحريم القات؛ لأن الأئمة حرموا الجوزة مع اختلاف آكلها. وهذه هي النتيجة التي جزم فيها بتحريم القات وكأنه رجح صدق من أخبر بإسكارها أو تخديرها، ولعل فتوى مفتي المملكة العربية السعودية أقرب وأنفع وربما كان ذلك راجعا إلى أنه كان بعد ظهور الضرر البين في تعاطيها، والله ولي التوفيق.
وما دمنا بصدد الكلام في الفقه الشافعي فإننا نشير إلى ما تقدم في مناسبة من حكم الإمام النووي ومن تبعه وشيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني بإسكار الحشيشة للنشوة والطرب، فيشملها تحريم المسكر، ويقول ابن حجر العسقلاني: وعلى فرض أنها مخدرة فإنه يشملها معنى التفتير في الحديث «نهى صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر (2)» . وعبارة الحافظ في فتح الباري (جـ 10 ص 45): واستدل بمطلق قوله صلى الله عليه وسلم «كل مسكر حرام (3)» على تحريم ما يسكر، ولو لم يكن شرابا فدخل في ذلك الحشيشة وغيرها. وقد جزم
(1) تقدم مثله في فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.
(2)
سنن أبو داود الأشربة (3686)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 309).
(3)
صحيح البخاري المغازي (4343)، صحيح مسلم الأشربة (1733)، سنن ابن ماجه الأشربة (3391)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 417)، سنن الدارمي الأشربة (2098).