الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مولده ونسبه:
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعس ليلا في المدينة يتحسس أحوال الرعية، فتلك هي مسئولية الحاكم المؤمن الذي يخاف عقاب الله ويرجو ثوابه وكثيرا ما رأى في ظلمات الليل من باك مسح له دمعته، ومن حزين خفف عنه حزنه وألمه، ومن مكروب فرج عنه كربته، وفي إحدى الليالي كان يسير ومعه مولاه أسلم، فاستراح إلى ظل حائط، فسمع امرأة تقول لفتاة لها، وقد ظنت ألا يسمعها أحد:
قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء.
فقالت الفتاة:
أو ما علمت أن أمير المؤمنين عمر نهى عن مذق اللبن بالماء.
قالت المرأة:
- قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء فإنك بموضع لا يراك عمر.
قالت الفتاة:
- إن كان عمر لا يراني فإن رب عمر يراني.
وهنا عجب عمر من قولها وقوة إيمانها ومخالفتها أمها التي أرادتها على المعصية مع فقرها وحاجتها إلى المال.
فقال عمر لمولاه أسلم بصوت ضعيف حتى لا يسمعه أحد.
علم الباب يا أسلم واعرف المكان.
وفي الصباح أرسل أسلم ليعرف له القائلة والمقول لها، فأخبره بأنها فتاة من بني هلال تعيش هي وأمها في ذلك البيت وليس لهما من عائل.
فجمع عمر أولاده على الفور وقال لهم:
هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه؟ ولو كان بأبيكم معل ما سبقه أحد منكم إلى هذه الجارية:
فقال له عاصم:
- يا أبت، إنه لا زوجة لي فزوجني.
فقال له عمر:
اذهب يا بني فتزو جها فما أحراها أن تأتي بفارس يسود العرب (1) فتزوجها عاصم فولدت له أنثى أم عاصم، فتربت في بيت الزهد والتقشف فنشأت كما نشأوا وتعلمت رواية الحديث من أبيها وجدها حتى ساقت المقادير عبد العزيز بن مروان للزواج منها، وكان واليا على مصر من قبل أخيه عبد الملك بن مروان فولدت له أربعة أبناء منهم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
إذن فقد ولد عمر بمصر بحلوان قرية بمصر وأبوه أمير عليها سنة إحدى وقيل ثلاث وستين وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (2).
ونشأ في نعمة أبيه وفي ترفه فقد كان أبوه أخا للخليفة عبد الملك وله ولاية العهد من بعده، وقد اختار لنفسه مدينة هواؤها عليل ونسيمها بليل بعيدة عن العمران تمتاز بالصفاء والهدوء وبعيون مائها المعدنية التي يستشفى بها من كثير من الأمراض وسكن فيها هو وأهله تسمى مدينة حلوان.
تربى عمر بن عبد العزيز في عز من الملك وبحبوحة من العيش وظل من النعيم، ثم ذهب عمر إلى المدينة المنورة مع أمه لزيارة أخواله ومكث ما شاء الله أن يمكث بها، فأرسل عبد العزيز بن مروان إلى زوجته بالقدوم عليه ومعها ابنها إلا أنها استشارت عمها عبد الله بن عمر في ذلك فأشار عليها بالذهاب وحدها وترك عمر في المدينة ليتعلم العلم ويتأدب بأدبها.
(1) شذرات الذهب ص 1 ص 119.
(2)
تاريخ الخلفاء ص 212.