المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ عقوبات غير مقدرة من الشارع، وإنما يعرض الأمر فيها إلى ولي الأمر - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٢٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌أولا: الفرق بين حقيقة كل من الخمر والمخدر والمفتر

- ‌ثانيا: بدء ظهور المخدرات وانتشارها بين المسلمين

- ‌ثالثا: مهمة التشريع الإسلامي في جانب الرحمة وفي جانب المصلحة

- ‌الأدلة الشرعية على منع المخدرات

- ‌ تمهيد:

- ‌ علاقة المخدرات بالخمر:

- ‌أقوال الفقهاء في الخمر والمخدرات

- ‌أولا: الفقه الحنبلي:

- ‌ثانيا: الفقه الشافعي:

- ‌ثالثا: الفقه المالكي

- ‌رابعا: الفقه الحنفي:

- ‌فقه السنة

- ‌دراسات حديثة تؤيد وجهة نظر فقهاء الإسلام

- ‌الدخان

- ‌الفتاوى

- ‌ حكم النقاب في الإسلام

- ‌ شك المتوضي في الحدث من بول أو غائط أو ريح

- ‌ رفع الصوت بالتهليل الجماعي أثناء الخروج بالجنازة

- ‌ أوصت ابنها قبل وفاتها أن يذبح ذبيحة بعد وفاتها

- ‌ اقتطاع مساحة من المسجد ليقام عليها بيت للإمام أو المؤذن

- ‌ أوصاني والدي بأن في هذه التركة سبع حجج، وقال والدي: إنه لا يعلم من هم أصحاب الحجج

- ‌ثانيا: حكم شرب الدخان وإمامة من يتجاهر به

- ‌الملاحظة الثانية:أدق وصف للبحث أنه خليط مشوش من اقتباسات أخذت من كتابة سابقة

- ‌مبحث وجيزعن أضرار فاحشة الزنا

- ‌مقدمة:

- ‌أدلة السنة على تحريم الزنا:

- ‌دليل الإجماع:

- ‌ أضرار الزنا الدنيوية والأخروية بأدلتها

- ‌ أضرار الزنا الصحية

- ‌خاتمة وذكرى:

- ‌موضوع الكتاب:

- ‌المؤلف:

- ‌الأصل المخطوط:

- ‌التوثيق:

- ‌منهج التحقيق:

- ‌نص الكتاب

- ‌التدابير الزجرية والوقايةفي التشريع الإسلاميوتطبيقها

- ‌ سد باب الوسائل والذرائع المفضية إلى ارتكاب تلك المحرمات بتحريم تلك الوسائل والنهي عنها

- ‌ إيجاب الكفارة على مرتكب ما يوجبها

- ‌ عقوبات مقدرة من الشارع على بعض الجرائم

- ‌ما شرع من الأحكام للسياسة والزجر

- ‌ الصنف الأول شرع لصيانة الوجود

- ‌ الصنف الثاني من الأحكام شرع لحفظ الأنساب

- ‌ الصنف الثالث من الأحكام شرع لصيانة الأعراض

- ‌ الصنف الرابع من الأحكام شرع لصيانة الأموال

- ‌ الصنف الخامس من الأحكام شرع لحفظ العقل

- ‌ الصنف السادس من الأحكام شرع للردع والتعزير

- ‌ عقوبات غير مقدرة من الشارع، وإنما يعرض الأمر فيها إلى ولي الأمر

- ‌من فوائد إقامة العقوبات الشرعية

- ‌ولن ترضى عنكاليهود ولا النصارى

- ‌ دولة اليهود في قلب العالم الإسلامي بوعد بلفور في فلسطين

- ‌ نماذج من دعواتهم في استقطاب البارزين في العالم

- ‌الإعجاز البياني للقرآن الكريمأركانه ومظاهره

- ‌المقدمة:

- ‌أركان الإعجاز البياني للقرآن الكريم

- ‌الأول: التحدي:

- ‌الثاني: وجود المقتضي عند المتحدى لمواجهة التحدي

- ‌الثالث: انتفاء المانع عند المتحدى من قبول التحدي

- ‌ثانيا:مظاهر الإعجاز البياني للقرآن الكريم

- ‌الأول: الخصائص العامة للأسلوب القرآني

- ‌الثانيضرب الأمثال في القرآن الكريم

- ‌الثالثالإيجاز في القرآن الكريم

- ‌الرابعالتكرار في القرآن الكريم

- ‌الخامسالكلمة القرآنية

- ‌السادسالجملة القرآنية

- ‌السابعالفاصلة القرآنية

- ‌مصادر ومراجع البحث

- ‌ وظيفة الاحتساب وأثره في البناء الاجتماعي:

- ‌ أنواع الاحتساب ودرجاته:

- ‌الأولى: الطريقة التعليمية:

- ‌الثانية: الطريقة الوعظية التذكيرية:

- ‌الثالثة: طريقة التعنيف والتقريع:

- ‌الرابعة: طريقة التهديد بإنزال العقوبة البدنية أو المادية:

- ‌الخامسة: طريقة المنع بالقوة

- ‌مقتطفات من أقوال العلماء:

- ‌نسب الخضر:

- ‌سبب تسميته الخضر:

- ‌نبوة الخضر:

- ‌الأدلة على نبوة الخضر:

- ‌قول ابن حجر العسقلاني في نبوة الخضر:

- ‌أقوال العلماء في رسالة الخضر:

- ‌أقوال المتصوفة في الخضر:

- ‌تعقيب ابن كثير على قول من قال بأن الخضر ملك أو ولي:

- ‌حياة الخضر والأدلة على ذلك:

- ‌الأدلة على حياة الخضر:

- ‌ حديث التعزية:

- ‌ اجتماع الخضر وإلياس في موسم الحج:

- ‌ اجتماع الخضر وجبريل في عرفات:

- ‌تعقيب ابن كثير:

- ‌موت الخضر والأدلة على ذلك:

- ‌سؤال وجواب:

- ‌الأدلة على موت الخضر:

- ‌حكايات في رؤية الخضر والرد عليها:

- ‌وظيفة الخضر:

- ‌بطلان دعوى حياة الخضر:

- ‌كلام البخاري في الخضر:

- ‌كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في أمر الخضر

- ‌كلام ابن الجوزي في موضوع الخضر:

- ‌ الدليل من المعقول

- ‌خلاصة القول:

- ‌مولده ونسبه:

- ‌الرؤيا الصادقة:

- ‌بوادر الرؤيا:

- ‌رجوع عمر إلى المدينة:

- ‌علم عمر:

- ‌زواج عمر:

- ‌إمرة المدينة بعد خناصرة:

- ‌مجلس الشورى:

- ‌المعدن الأصيل:

- ‌توسعة المسجد النبوي:

- ‌الوليد في المدينة:

- ‌خوف الحجاج من عمر:

- ‌كلمة حق عند سلطان جائر:

- ‌موت الحجاج

- ‌عمر يتولى الخلافة:

- ‌الانقلاب الكبير

- ‌العدالة والتنفيذ:

- ‌عمر ونشر الدعوة الإسلامية:

- ‌عمر وأهل الذمة:

- ‌عمر والخوارج:

- ‌عمر وبدعة سب علي رضي الله عنه:

- ‌عمر والتكافل الاجتماعي:

- ‌عمر والشعراء:

- ‌موت عمر

- ‌المراجع والمصادر

- ‌مشروعية قول(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير)بعد صلاة الفجر والمغرب

- ‌‌‌تعريف البدعةأنواعها وأحكامها

- ‌تعريف البدعة

- ‌ أنواع البدع:

- ‌ حكم البدعة في الدين بجميع أنواعها:

- ‌الفصل الثاني‌‌ظهور البدع في حياة المسلمينوالأسباب التي أدت إلى ذلك

- ‌ظهور البدع في حياة المسلمين

- ‌ الأسباب التي أدت إلى ظهور البدع:

- ‌الفصل الثالثموقف الأمة الإسلامية من المبتدعةومنهج أهل السنة والجماعة في الرد عليهم

- ‌ موقف أهل السنة والجماعة من المبتدعة:

- ‌ منهج أهل السنة والجماعة في الرد على أهل البدع:

- ‌الفصل الرابعفي بيان نماذج من البدع المعاصرة

- ‌ الاحتفال بالمولد النبوي

- ‌ التبرك بالأماكن والآثار والأشخاص أحياء وأمواتا:

- ‌ البدع في مجال العبادات والتقرب إلى الله:

- ‌رحلته لطلب العلم:

- ‌لقاؤه مع أكبر قسيس وملازمته إياه:

- ‌بعض الوظائف التي تولاها بعد إسلامه:

- ‌قصة ابتلائه في إيمانه:

- ‌وفاته:

- ‌كتابه: تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب:

- ‌قرار هيئة كبار العلماءرقم 146

- ‌النهيعن عضل البنات

- ‌التحذير من إيداع الأموال في البنوك أو غيرهالغرض الحصول على الربا

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ عقوبات غير مقدرة من الشارع، وإنما يعرض الأمر فيها إلى ولي الأمر

يا مزني، بكم أريدت منك ناقتك؟ قال: بأربعمائة. قال عمر: اذهب فأعطه ثمانمائة).

وذهب أحمد إلى موافقة عمر في الفعلين جميعا. ففي مسائل إسماعيل بن سعيد الشالنجي التي شرحها السعدي بكتاب سماه المترجم، قال: سألت أحمد بن حنبل عن الرجل يحمل الثمر من أكمامه، فقال: فيه الثمن مرتين وضرب نكالا. وقال: وكل من درأنا عنه الحد والقود أضعفنا عليه الغرم. وقد وافق أحمد على سقوط القطع في المجاعة الأوزاعي، وهذا محض القياس ومقتضى قواعد الشرع؛ فإن السنة إذا كانت سنة مجاعة وشدة غلب على الناس الحاجة والضرورة، فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسد رمقه، ويجب على صاحب المال بذل ذلك له إما بالثمن أو مجانا، على خلاف في ذلك، والصحيح وجوب بذله مجانا لوجوب المواساة وإحياء النفوس مع القدرة على ذلك، والإيثار بالفضل مع ضرورة المحتاج، وهذه شبهة قوية تدرأ القطع عن المحتاج، وهي أقوى من كثير من الشبه التي يذكرها كثير من الفقهاء بل إذا وازنت بين هذه الشبهة وبين ما يذكرونه ظهر لك التفاوت، فأين شبهة كون المسروق مما يسرع إليه الفساد، وكون أصله على الإباحة كالماء وشبهة القطع به مرة وشبهة دعوى ملكه بلا بينة وشبهة إتلافه في الحرز بأكل أو احتلاب من الضرع، وشبهة نقصان ماليته في الحرز بذبح أو تحريق ثم إخراجه، وغير ذلك من الشبه الضعيفة جدا إلى هذه الشبهة القوية؟ لا سيما وهو مأذون في مغالبة صاحب المال على أخذ ما يسد رمقه، وعام المجاعة يكثر فيه المحاويج والمضطرون، ولا يتميز المستغني منهم والسارق لغير حاجة من غيره، فاشتبه من يجب عليه الحد بمن لا يجب عليه فدرئ، نعم إذا بان أن السارق لا حاجة به وهو مستغن عن السرقة قطع ". كلام ابن القيم في (إعلام الموقعين عن رب العالمين ج 3 ص 10 - 12 مكتبة الكليات الأزهرية).

ص: 190

3 -

‌ عقوبات غير مقدرة من الشارع، وإنما يعرض الأمر فيها إلى ولي الأمر

، وتعرف هذه العقوبات باسم التعزير، وهو مشروع في كل معصية ليس فيها

ص: 190

حد ولا كفارة باتفاق العلماء، قال الإمام ابن القيم في (الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص 106 مطبعة الإتحاد الشرقي) وهي: " أي تلك المعصية نوعان: -

ترك واجب، أو فعل محرم، فمن ترك الواجب مع القدرة عليه كقضاء الديون وأداء الأمانات من الوكالات والودائع وأموال اليتامى، والوقوف والأموال السلطانية، ورد المغصوب والمظالم، فإنه يعاقب حتى يؤديها.

وكذلك من وجب عليه إحضار نفس لاستيفاء حق وجب عليها مثل من يقطع الطريق ويلتجئ إلى من يمنعه ويذب عنه، فهذا يعاقب حتى يحضره، فما وجب إحضاره من النفوس أو الأموال استحق الممتنع من إحضاره العقوبة، أما إذا كان إحضاره إلى من يظلمه أو إحضار المال إلى من يأخذه بغير حق فهذا لا يجب بل لا يجوز؛ فإن الإعانة على الظلم ظلم ".

وعد ابن القيم في موضع آخر من (الطرق الحكمية في السياسة الشرعية) سرقة ما لا قطع فيه والنظر إلى الأجنبية من المعاصي التي يستحق صاحبها التعزير، كما ذكر أن اليمين الغموس منها عند أحمد وداود كما مثل في (إعلام الموقعين عن رب العالمين ج 2 ص 118 مكتبة الكليات الأزهرية) " بوطء الأمة المشتركة بينه وبين غيره وقبلة الأجنبية والخلوة بها ودخول الحمام بغير مئزر وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير " وأفاد شيخ الإسلام ابن تيمية في (إقامة الدليل على بطلان التحليل) ص 144 ج 3 من الفتاوى المصرية) أن في ارتكاب ما لا تتقاضاه الطباع من المعاصي التعزير ونصه:" لم تشرع الحدود إلا في معصية تتقاضاها الطباع كالزنا والشرب والسرقة والقذف دون أكل الميتة والرمي بالكفر ونحو ذلك فإنه اكتفى فيه بالتعزير " اهـ.

هذا وهناك أمران يتطلب موضوع التعزير البحث فيهما، أحدهما: هل هو كالحد لا يجوز للإمام تركه؟ أم هو راجع إلى اجتهاد الإمام في إقامته وتركه؟

الثاني: هل مقدار التعزير بحسب المصلحة وعلى قدر الجريمة؟ وهل يبلغ بالتعزير في المعصية قدر الحد فيها.

وكيف الجواب لمن يرى الزيادة على عشرة

ص: 191

أسواط في التعزير عن حديث: «لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله (1)» .

وقد تناول الإمام ابن القيم جميع ذلك بالبحث، وأجاد فقال في الأمر الأول في كتابه (إعلام الموقعين عن رب العالميين ج 2 ص 118 ط مكتبة الكليات الأزهرية) قال في ارتكاب المعصية التي لا حد فيها ولا كفارة:" فيه التعزير قولا واحدا، لكن هل هو كالحد فلا يجوز للإمام تركه؟ أم هو راجع إلى اجتهاد الإمام في إقامته وتركه؟ كما يرجع إلى اجتهاده في قدره على قولين للعلماء: الثاني قول الشافعي، والأول قول الجمهور ".

وقال في الأمر الثاني المتعلق بمقدار التعزير قال في (الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص 107 طبعة مطبعة الاتحاد الشرقي): " وقد اختلف الفقهاء في مقدار التعزير على أقوال: -

أحدهما: أنه بحسب المصلحة وعلى قدر الجريمة فيجتهد فيه ولي الأمر.

الثاني: وهو أحسنها أنه لا يبلغ في التعزير في معصية قدر الحد فيها فلا يبلغ في التعزير على النظر والمباشرة حد الزنا، ولا على السرقة من غير حرز حد القطع، ولا على الشتم بدون القذف حد القذف. وهذا قول طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد.

والقول الثالث: أنه يبلغ بالتعزير أدنى الحدود إما أربعين أو ثمانين، وهذا قول كثير من أصحاب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة.

والقول الرابع: أنه لا يزاد في التعزيز على عشرة أسواط وهو أحد الأقوال في مذهب أحمد وغيره.

وعلى القول الأول: هل يجوز أن يبلغ بالتعزير القتل؟ في قولان أحدهما: يجوز كقتل الجاسوس المسلم إذا اقتضت المصلحة قتله، وهذا قول مالك وبعض أصحاب أحمد واختاره ابن عقيل. وقد ذكر بعض

(1) صحيح البخاري الحدود (6850)، صحيح مسلم الحدود (1708)، سنن الترمذي الحدود (1463)، سنن أبو داود الحدود (4491)، سنن ابن ماجه الحدود (2601)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 45)، سنن الدارمي الحدود (2314).

ص: 192

أصحاب الشافعي وأحمد نحو ذلك في قتل الداعية إلى البدعة كالتجهم والرفض وإنكار القدر، وقد قتل عمر بن عبد العزيز غيلان القدري؛ لأنه كان داعية إلى بدعته وهذا مذهب مالك رحمه الله، وكذلك قتل من لا يزول إفساده إلا بقتله، وصرح به أصحاب أبي حنيفة في قتل اللوطي، إذا أكثر من ذلك تعزيرا، وكذلك قالوا إذا قتل بالمثقل فللإمام أن يقتله تعزيرا، وإن كان أبو حنيفة لا يوجب الحد في هذا ولا القصاص في هذا، وصاحباه يخالفانه في المسألتين، وهما مع جمهور الأمة.

هكذا استعرض الإمام ابن القيم هذه الأقوال في مقدار التعزير، ثم قال: " والمنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه رضي الله عنهم يوافق القول الأول؛ «فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بجلد الذي وطئ جارية امرأته وقد أحلتها له مائة (1)» ، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما أمرا بجلد من وجد مع امرأة أجنبية في فراش مائة جلدة. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب الذي زور عليه خاتمه فأخذ من بيت المال مائة ثم في اليوم الثاني مائة ثم في اليوم الثالث مائة.

قال ابن القيم: " وعلى هذا يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد في الثالثة أو في الرابعة فاقتلوه (2)» فأمر بقتله إذا أكثر منه، ولو كان ذلك حدا لأمر به في المرة الأولى ".

وقد أجاد ابن القيم في زاد المعاد الكلام على حديث قتل شارب الخمر في الرابعة أو الخامسة حيث قال: " وصح عنه - أي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتله في الرابعة أو الخامسة، واختلف الناس في ذلك فقيل: هو منسوخ وناسخه حديث: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث (3)» . وقيل: هو محكم، ولا تعارض بين الخاص والعام، ولا سيما إذا لم يعلم تأخر العام. وقيل: ناسخه حديث عبد الله بن حمار فإنه أتي به مرارا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلده ولم يقتله. وقيل: قتله تعزيرا حسب المصلحة، فإذا أكثر منه ولم ينهه الحد واستهان به فللإمام قتله تعزيرا لا حدا، وقد صح عن عبد الله بن

(1) سنن الترمذي كتاب الحدود (1451)، سنن النسائي النكاح (3361)، سنن أبو داود الحدود (4458)، سنن ابن ماجه الحدود (2551)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 276)، سنن الدارمي الحدود (2329).

(2)

سنن أبو داود الحدود (4485).

(3)

صحيح البخاري الديات (6878)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1676)، سنن الترمذي الديات (1402)، سنن النسائي تحريم الدم (4016)، سنن أبو داود الحدود (4352)، سنن ابن ماجه الحدود (2534)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 382)، سنن الدارمي الحدود (2298).

ص: 193

عمر رضي الله عنهما أنه قال: " إيتوني به في الرابعة فعلي أن أقتله لكم) وهو أحد رواة الأمر بالقتل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم معاوية وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو، وقبيصة بن ذؤيب رضي الله عنهم، وحديث قبيصة فيه دلالة على أن القتل ليس بحد وأنه منسوخ، فإنه قال فيه:«فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ورفع القتل وكانت رخصة (1)» رواه أبو داود.

قال ابن القيم: فإن قيل فما تصنعون بالحديث المتفق عليه، عن علي كرم الله وجهه أنه قال:«ما كنت لأرى من أقمت عليه الحد إلا شارب الخمر؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسن فيه شيئا إنما هو شيء قلناه نحن (2)» لفظ أبي داود، ولفظهما:«فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ولم يسنه (3)» قيل: المراد بذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقدر فيه بقوله تقديرا لا يزاد عليه ولا ينقص كسائر الحدود، وإلا فعلي رضي الله عنه قد شهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب فيها أربعين، وقوله: إنما هو شيء قلناه نحن يعني: التقدير بثمانين؛ فإن عمر رضي الله عنه جمع الصحابة رضي الله عنهم واستشارهم فأشاروا بثمانين فأمضاها، ثم جلد علي كرم الله وجهه في خلافته أربعين، وقال: هذا أحب إلي.

ومن تأمل الأحاديث رآها تدل على أن الأربعين حد، والأربعون الزائدة عليها تعزير اتفق عليه الصحابة رضي الله عنهم، والقتل إما منسوخ وإما أنه إلى رأي الإمام بحسب تهالك الناس فيها واستهانتهم بحدها، فإذا رأى قتل واحد؛ لينزجر الباقون فله ذلك، وقد حلق فيها عمر رضي الله عنه وغرب، وهذا من الأحكام المتعلقة بالأئمة وبالله التوفيق ". اهـ. كلام ابن القيم في (زاد المعاد ج 3 ص 210 ط المؤسسة العربية للطباعة والنشر ببيروت).

ومما يتعلق بالتعزير ما اختاره الإمام العلامة شمس الدين ابن القيم في الجزء الثاني من (إعلام الموقعين عن رب العالمين ص 48) أن التعزير لا يتقدر بقدر معلوم قال: " بل هو يحسب الجريمة في صفتها وكبرها وصغرها، وعمر بن الخطاب قد تنوع تعزيره في الخمر فتارة بحلق الرأس،

(1) سنن أبو داود الحدود (4485).

(2)

صحيح البخاري الحدود (6778)، سنن أبو داود الحدود (4486)، سنن ابن ماجه الحدود (2569).

(3)

صحيح البخاري الحدود (6778)، صحيح مسلم الحدود (1707)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 130).

ص: 194

وتارة بالنفي، وتارة بزيادة أربعين سوطا على الحد الذي ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وتارة بتحريق حانوت الخمار، وكذلك تعزير الغال، وقد جاءت السنة بتحريق متاعه، وتعزير مانع الصدقة بأخذها وأخذ شطر ماله معها، وتعزير كاتم الضالة الملتقطة بإضعاف الغرم عليه، وكذلك عقوبة سارق ما لا قطع فيه يضعف عليه الغرم، وكذلك قاتل الذمي عمدا، أضعف عليه عمر وعثمان ديته، وذهب إليه أحمد وغيره " اهـ.

وسلك ذلك المسلك في التعزير أيضا العلامة القاضي برهان الدين إبراهيم بن علي بن أبي القاسم بن محمد بن فرحون المالكي، قال في كتابه (تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام ج 2 / ص 260 - 262) " والتعزير لا يختص

ص: 195

بفعل معين، ولا قول معين، فقد «عزر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجر، وذلك في قضية الثلاثة الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم، فهجروا خمسين يوما لا يكلمهم أحد» ، وقضيتهم مشهورة في الصحاح. وعزر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنفي فأمر بإخراج المخنثين من المدينة ونفيهم، وكذلك الصحابة من بعده، ونذكر من ذلك بعض ما وردت به السنة مما قال ببعضه أصحابنا، وبعضه خارج المذهب، فمنها أمر عمر بن الخطاب بهجر صبيغ الذي كان يسأل عن الذاريات وغيرها، ويسأل الناس عن مشكلات القرآن، فضربه ضربا وجيعا ونفاه إلى البصرة أو الكوفة، وأمر بهجره، فكان لا يكلمه أحد حتى تاب، وكتب عامل البلد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخبره بتوبته، فأذن للناس في كلامه، ومنها أن عمر رضي الله عنه حلق رأس نصر بن حجاج ونفاه من المدينة لما شبب النساء به في الأشعار وخشي الفتنة به.

ومنها ما فعله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين، ومنها «أمره صلى الله عليه وسلم للمرأة التي لعنت ناقتها أن تخلي سبيلها» . ومنها أن أبا بكر رضي الله عنه استشار الصحابة في رجل ينكح كما تنكح المرأة، فأشاروا بحرقه في النار، فكتب أبو بكر رضي الله عنه بذلك إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه، ثم حرقهم عبد الله بن الزبير في خلافته، ثم حرقهم هشام بن عبد الملك، وهو رأي ابن حبيب من أصحابنا، ذكره في مختصر الواضحة.

ومنها أن أبا بكر رضي الله عنه حرق جماعة من أهل الردة، ومنها إباحته صلى الله عليه وسلم سلب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن وجده، ومنها أمره صلى الله عليه وسلم بكسر دنان الخمر وشق ظروفها، ومنها أمره لعبد الله بن عمر رضي الله عنه بتحريق الثوبين المعصفرين ومنها «أمره صلى الله عليه وسلم يوم خيبر بكسر القدور التي طبخ فيها لحوم الحمر الأهلية ثم استأذنوه في غسلها فأذن لهم (1)» ، فدل على جواز الأمرين؛ لأن العقوبة بالكسر لم تكن واجبة، ومنها هدمه صلى الله عليه وسلم لمسجد الضرار «ومنها أمره صلى الله عليه وسلم بتحريق متاع الذي غل من الغنيمة» ، ومنها إضعاف الغرم على سارق ما لا قطع فيه من الثمر والكثر.

ومنها إضعاف الغرم على كاتم الضالة، ومنها أخذه شطر مال مانع الزكاة

(1) صحيح البخاري فرض الخمس (3155)، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1937)، سنن النسائي الصيد والذبائح (4339)، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2976)، سنن ابن ماجه الذبائح (3192).

ص: 196

عزمة من عزمات الرب تبارك وتعالى، ومنها أمره صلى الله عليه وسلم لابس خاتم الذهب بطرحه فلم يعرض له أحد، ومنها أمره صلى الله عليه وسلم بقطع نخيل اليهود إغاظة لهم.

ومنها تحريق عمر رضي الله عنه المكان الذي يباع فيه الخمر، ومنها تحريق عمر رضي الله عنه قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب فيه عن الرعية وصار يحكم في داره، ومنها مشاطرة عمر بن الخطاب عماله بأخذ شطر أموالهم فقسمها بينهم وبين المسلمين، ومنها أنه رضي الله عنه ضرب الذي زور على نقش خاتمه وأخذ شيئا من بيت المال مائة ثم ضربه في اليوم الثاني مائة ثم ضربه في اليوم الثالث مائة، ومنها أن عمر رضي الله عنه لما وجد مع السائل من الطعام فوق كفايته وهو يسأل أخذ ما معه وأطعمه إبل الصدقة، ومنها أنه رضي الله عنه أراق اللبن المغشوش وغير ذلك مما يكثر تعداده، قال ابن فرحون بعد عرض هذه القضايا الدالة على أن التعزير لا يختص بفعل معين ولا قول معين، قال: " وهذه قضايا صحيحة معروفة، قال ابن قيم الجوزية: وأكثر هذه المسائل شائعة في مذهب أحمد رضي الله عنه، وبعضها شائع في مذهب مالك رضي الله عنه.

ومن قال أن العقوبة المالية منسوخة فقد غلط على مذهب الأئمة نقلا واستدلالا وليس يسهل دعوى نسخها، وفعل الخلفاء الراشدين وأكابر الصحابة لها بعد موته صلى الله عليه وسلم مبطل لدعوى نسخها والمدعون للنسخ ليس معهم كتاب ولا سنة ولا إجماع يصحح دعواهم إلا أن يقول أحدهم: مذهب أصحابنا لا يجوز فمذهب أصحابه عنده عيار على القبول والرد " انتهى.

وأما حديث: «لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله (1)» . فيقول فيه الإمام ابن القيم في (إعلام الموقعين عن رب العالمين ج2 ص48) نتلقاه بالقبول والسمع والطاعة، ولا منافاة بينه وبين شيء مما ذكرنا - أي مما يدل على الزيادة في التعزير على عشرة أسواط - فإن الحد في لسان

(1) صحيح البخاري الحدود (6850)، صحيح مسلم الحدود (1708)، سنن الترمذي الحدود (1463)، سنن أبو داود الحدود (4491)، سنن ابن ماجه الحدود (2601)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 45)، سنن الدارمي الحدود (2314).

ص: 197

الشارع أعم منه في اصطلاح الفقهاء؛ فإنهم يريدون بالحدود عقوبات الجنايات المقدرة بالشرع خاصة، والحد في لسان الشارع أعم من ذلك؛ فإنه يراد به هذه العقوبة تارة، ويراد به نفس الجناية تارة كقوله تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} (1) وقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} (2) فالأول حدود الحرام، والثاني حدود الحلال، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله حد حدودا فلا تعتدوها» وفي حديث النواس بن سمعان الذي تقدم في أول الكتاب: «والسوران حدود الله (3)» ، ويراد به تارة جنس العقوبة وإن لم تكن مقدرة، فقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله (4)» يريد به الجناية التي هي حق الله.

قال - أي ابن القيم - فإن قيل: فأين تكون العشرة فما دونها إذا كان المراد بالحد الجناية؟ قيل: في ضرب الرجل امرأته وعبده، وولده وأجيره للتأديب ونحوه؛ فإنه لا يجوز أن يزيد على عشرة أسواط. فهذا أحسن ما خرج عليه الحديث وبالله التوفيق. اهـ. كلام ابن القيم، وحيث إنه قد أشار فيه إلى هناك تخريجات لحديث:«لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله عز وجل (5)» فقد استحسنا إيرادها، فنقول وبالله التوفيق: قال الحافظ المنذري في (مختصر سنن أبي داود ج6 ص 294 طبعة السنة المحمدية) قال: " تأوله بعض أصحاب الشافعي رحمه الله على أن الزيادة على الجلدات العشر إلى ما دون الأربعين لا يكون بالأسواط لكن بالأيدي والنعال والثياب ونحوها على ما يراه الإمام.

وتأوله غيرهم على أنه مقصور على زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يكفي الجاني منهم هذا القدر، وقيل: المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: «في حد من حدود الله (6)» أي: حق من حقوقه، وإن لم يكن من المعاصي المقدر حدودها؛ لأن المحرمات كلها من حدود الله.

وقال بظاهر الحديث أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأشهب في بعض الروايات عنه أنه لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط، ومذاهب العلماء في تقدير التعزير كثيرة. قال: وذكر ابن المنذر أن في إسناد الحديث مقالا، وقال أبو محمد الأصيلي: اضطرب إسناد حديث

(1) سورة البقرة الآية 187

(2)

سورة البقرة الآية 229

(3)

مسند أحمد بن حنبل (4/ 183).

(4)

صحيح البخاري الحدود (6850)، صحيح مسلم الحدود (1708)، سنن الترمذي الحدود (1463)، سنن أبو داود الحدود (4491)، سنن ابن ماجه الحدود (2601)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 45)، سنن الدارمي الحدود (2314).

(5)

صحيح البخاري الحدود (6848)، صحيح مسلم الحدود (1708)، سنن الترمذي الحدود (1463)، سنن أبو داود الحدود (4491)، سنن ابن ماجه الحدود (2601)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 45)، سنن الدارمي الحدود (2314).

(6)

صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3475)، صحيح مسلم الحدود (1688)، سنن الترمذي الحدود (1430)، سنن النسائي قطع السارق (4898)، سنن أبو داود الحدود (4373)، سنن ابن ماجه الحدود (2547)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 162)، سنن الدارمي الحدود (2302).

ص: 198