الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب رئيس اللجنة
…
الرئيس
عبد الله بن منيع
…
عبد الله الغديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
فتوى برقم 1650 وتاريخ 14/ 8 / 1397 هـ
السؤال: شخص يقول: ورثت تركة من والدي ورثها عن جدي، وكان جدي قد أوصى والدي بأن هذه التركة فيها سبع حجج، ثم
أوصاني والدي بأن في هذه التركة سبع حجج، وقال والدي: إنه لا يعلم من هم أصحاب الحجج
وما أسماؤهم، هل هم ذكور أو إناث، والتركة الآن لا تساوي حجة واحدة، فأرجو إفادتي عنها كيف مخارجها؟ وهل يلزمني شرعا إخراج هذه الحجج من حقي إذا لم تف هذه التركة بالحجج؟ وكيف أحج عن أشخاص لا أعرفهم بأسمائهم سوى أن في هذه التركة سبع حجج؟
الجواب: نرى أن تجمع الغلة التي يستحقها صاحب الأرض، ويحج منها كلما اجتمع منها ما يؤدي به حجة عن واحد من السبعة حتى يحج من غلتها سبع حجج، وبعد ذلك تكون الأرض حرة لورثة جدك وأبيك على حسب الميراث الشرعي، ويكون ذلك بالنية عن الأشخاص الذين أرادهم جدك، وليس عليك أن تخرج عنهم بنفسك ولا بمالك، وإنما ذلك واجب في غلة الأرض، فإن حججت عنهم تبرعا منك فجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب رئيس اللجنة
…
الرئيس
عبد الله بن قعود
…
عبد الله الغديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
صفحة فارغة
من فتاوى
سماحة الشيخ
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
أولا: مقابلة أجرتها صحيفة الجزيرة مع سماحته
أسئلة تقدم بها مندوب الجزيرة في الطائف لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز بتاريخ 24/ 9 / 1407 هـ فأجاب عليها سماحته بما يلي:
س1: يقدم المسلمون هذه الأيام زكواتهم. . فما هو توجيه سماحتكم حول ذلك؟ وماذا عن زكاة عيد الفطر؟ وهل يجوز دفعها نقدا؟ وهل يجوز دفعها للمجاهدين الأفغان؟
ج: قد فرض الله سبحانه على عباده زكاة أموالهم، وأمرهم بأدائها وجعلها من أركان الإسلام الخمسة، قال الله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (1) وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (2).
والآيات في هذا كثيرة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت (3)» متفق على صحته.
(1) سورة البينة الآية 5
(2)
سورة النور الآية 56
(3)
صحيح البخاري الإيمان (8)، صحيح مسلم الإيمان (16)، سنن الترمذي الإيمان (2609)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5001)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 93).
فالواجب على جميع المسلمين أن يؤدوا زكاة أموالهم إلى مستحقيها في قوله عز وجل في سورة التوبة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (1). وأخبر سبحانه في سورة التوبة أيضا أن الزكاة طهرة لأهلها فقال سبحانه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (2). الآية وتوعد من بخل بها بالعذاب الأليم، حيث قال سبحانه:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3){يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (4). وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه.
كما صح عنه صلى الله عليه وسلم «أن كل صاحب إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي زكاتها فإنه يعذب بها يوم القيامة (5)» .
وفرض الله على المسلمين أيضا زكاة أبدانهم كل سنة وقت عيد الفطر كما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على الذكر والأنثى والحر والمملوك والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس للصلاة (6)» . وهذا لفظ البخاري.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: «كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من زبيب، أو صاعا من أقط (7)» . ويلحق بهذه الأنواع في أصح أقوال العلماء كل ما يتقوت به الناس في بلادهم كالأرز والذرة والدخن ونحوها.
(1) سورة التوبة الآية 60
(2)
سورة التوبة الآية 103
(3)
سورة التوبة الآية 34
(4)
سورة التوبة الآية 35
(5)
صحيح البخاري الزكاة (1460)، صحيح مسلم الزكاة (990)، سنن الترمذي الزكاة (617)، سنن النسائي الزكاة (2456)، سنن ابن ماجه الزكاة (1785)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 152).
(6)
صحيح البخاري الزكاة (1503)، صحيح مسلم الزكاة (984)، سنن الترمذي الزكاة (676)، سنن النسائي الزكاة (2504)، سنن ابن ماجه الزكاة (1826)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 66)، موطأ مالك الزكاة (627)، سنن الدارمي الزكاة (1661).
(7)
صحيح البخاري الزكاة (1508)، صحيح مسلم الزكاة (985)، سنن الترمذي الزكاة (673)، سنن النسائي الزكاة (2513)، سنن أبو داود الزكاة (1616)، سنن ابن ماجه الزكاة (1829)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 98)، موطأ مالك الزكاة (628)، سنن الدارمي الزكاة (1664).
وهي طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، خرجه أبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم.
فيجب على المسلمين أن يخرجوا هذه الزكاة قبل العيد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإخراجها قبلها، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون ذلك، وبذلك يعلم أنه لا مانع من إخراجها في اليوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين والثلاثين وليلة العيد وصباح العيد قبل الصلاة؛ لأن الشهر يكون ثلاثين ويكون تسعة وعشرين، كما صحت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يجوز إخراج القيمة في قول أكثر أهل العلم؛ لكونها خلاف ما نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم. وقد قال الله عز وجل: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (1). وقال سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2).
ولا مانع من دفعها للمجاهدين الأفغان طعاما لا نقودا؛ لما ذكرنا من الأدلة على منع إخراج القيمة. . والله ولي التوفيق.
س2: بمناسبة ليلة القدر نود من سماحتكم التحدث لعامة المسلمين بهذه المناسبة الكريمة.
ج: ليلة القدر هي أفضل الليالي وقد أنزل الله فيها القرآن، وأخبر سبحانه أنها خير من ألف شهر وأنها مباركة، وإنه يفرق فيها كل أمر حكيم.
(1) سورة النور الآية 54
(2)
سورة النور الآية 63
كما قال سبحانه في أول سورة الدخان: {حم} (1){وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} (2){إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} (3){فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (4){أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} (5){رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (6). وقوله سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (7){وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} (8){لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (9){تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} (10){سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (11).
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم له من ذنبه (12)» . متفق على صحته. وقيامها يكون بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن وغير ذلك من وجوه الخير.
وقد دلت هذه السورة العظيمة أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر مما سواها، وهذا فضل عظيم ورحمة من الله لعباده، فجدير بالمسلمين أن يعظموها وأن يحيوها بالعبادة، «وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر من رمضان (13)» ، وأن أوتار العشرة أرجى من غيرها: فقال عليه الصلاة والسلام: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في كل وتر (14)» ، وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن هذه الليلة متنقلة في العشر. وليست في ليلة معينة منها دائما، فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين، وقد تكون في ليلة خمس وعشرين، وقد تكون في ليلة سبع وعشرين وهي أحرى الليالي، وقد تكون في تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع: فمن قام ليالي العشر كلها إيمانا واحتسابا أدرك هذه الليلة بلا شك، وفاز بما وعد الله به أهلها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه الليالي بمزيد اجتهاد لا يفعله في العشرين الأول. قالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان
(1) سورة الدخان الآية 1
(2)
سورة الدخان الآية 2
(3)
سورة الدخان الآية 3
(4)
سورة الدخان الآية 4
(5)
سورة الدخان الآية 5
(6)
سورة الدخان الآية 6
(7)
سورة القدر الآية 1
(8)
سورة القدر الآية 2
(9)
سورة القدر الآية 3
(10)
سورة القدر الآية 4
(11)
سورة القدر الآية 5
(12)
صحيح البخاري الصوم (1901)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (760)، سنن الترمذي الصوم (683)، سنن النسائي الصيام (2202)، سنن أبو داود الصلاة (1372)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 241)، سنن الدارمي الصوم (1776).
(13)
سنن الترمذي كتاب الصوم (792)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 50).
(14)
صحيح البخاري الاعتكاف (2027)، صحيح مسلم الصيام (1167)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 74).
ما لا يجتهد في غيرها (1)»، وقالت:«كان إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وجد وشد المئزر (2)» . وكان يعتكف فيها عليه الصلاة والسلام غالبا وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (3) الآية.
«وسألته عائشة رضي الله عنها فقالت: يا رسول الله، إذا وافقت ليلة القدر فما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني (4)» ، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، وكان السلف بعدهم يعظمون هذه العشر ويجتهدون فيها بأنواع الخير.
فالمشروع للمسلمين في كل مكان أن يتأسوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الكرام رضي الله عنهم وبسلف هذه الأمة الأخيار، فيحيوا هذه الليالي بالصلاة وقراءة القرآن وأنواع الذكر والعبادة إيمانا واحتسابا، حتى يفوزوا بمغفرة الذنوب، وحط الأوزار والعتق من النار فضلا منه سبحانه وجودا وكرما. وقد دل الكتاب والسنة أن هذا الوعد العظيم إنما يحصل باجتناب الكبائر، كما قال سبحانه:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (5) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما لم تغش الكبائر (6)» . خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
ومما يجب التنبيه عليه أن بعض المسلمين قد يجتهد في رمضان ويتوب إلى الله سبحانه مما سلف من ذنوبه، ثم بعد خروج رمضان يعود إلى أعماله السيئة وفي ذلك خطر عظيم، فالواجب على المسلم أن يحذر ذلك، وأن يعزم عزما صادقا على الاستمرار في طاعة الله وترك المعاصي كما قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (7) وقال تعالى:
(1) سنن الترمذي الصوم (796).
(2)
صحيح البخاري صلاة التراويح (2024)، صحيح مسلم الاعتكاف (1174)، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1639)، سنن أبو داود الصلاة (1376)، سنن ابن ماجه الصيام (1768)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 41).
(3)
سورة الأحزاب الآية 21
(4)
سنن الترمذي الدعوات (3513)، سنن ابن ماجه الدعاء (3850).
(5)
سورة النساء الآية 31
(6)
صحيح مسلم الطهارة (233)، سنن الترمذي الصلاة (214)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1086)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 400).
(7)
سورة الحجر الآية 99
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (1)، وقال سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (2){نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} (3){نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} (4).
ومعنى الآية أن الذين اعترفوا بأن ربهم الله وآمنوا به، وأخلصوا له العبادة واستقاموا على ذلك تبشرهم الملائكة عند الموت بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن مصيرهم الجنة من أجل إيمانهم به سبحانه واستقامتهم على طاعته وترك معصيته، وإخلاص العبادة له سبحانه، والآيات في هذا المعنى كثيرة، كلها تدل على وجوب الثبات على الحق والاستقامة عليه، والحذر من الإصرار على معاصي الله عز وجل، ومن ذلك قوله تبارك وتعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (5){الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (6){وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (7){أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (8).
فنسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين في هذه الليالي وغيرها لما يحبه ويرضاه وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه جواد كريم.
(1) سورة آل عمران الآية 102
(2)
سورة فصلت الآية 30
(3)
سورة فصلت الآية 31
(4)
سورة فصلت الآية 32
(5)
سورة آل عمران الآية 133
(6)
سورة آل عمران الآية 134
(7)
سورة آل عمران الآية 135
(8)
سورة آل عمران الآية 136
س3: فضيلة الشيخ: ماذا ترون حول من أخذ عمرة بشهر رمضان المبارك وأراد الحج بنفس العام، فهل يلزمه الفدي، وما هي أفضل أنواع النسك؟
ج: من أخذ عمرة في رمضان ثم أحرم بالحج مفردا في ذلك العام فإنه لا فدية عليه؛ لأن الفدية إنما تلزم من تمتع بالعمرة إلى الحج؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (1).
والذي أتى بعمرة في رمضان ثم أحرم بالحج في أشهره لا يسمى متمتعا، وإنما المتمتع من أحرم بالعمرة في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة. ثم أحرم بالحج من عامه، أو قرن بين الحج والعمرة، فهذا هو المتمتع وهو الذي عليه الفدية.
والأفضل لمن أراد الحج أن يأتي بعمرة مع حجته ويطوف لها ويسعى ويقصر ويحل، ثم يحرم بالحج في عامه، والأفضل أن يكون إحرامه بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك في حجة الوداع.
وعلى المتمتع أن يطوف ويسعى لحجه كما طاف وسعى للعمرة.
ولا يجزئه سعي العمرة عن سعي الحج عند أكثر أهل العلم. وهو الصواب لدلالة الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك.
س4: تحدث إمام الأزهر في بداية شهر رمضان المبارك عن أهمية توحيد رؤية الهلال في العالم الإسلامي وطلب اجتماع علماء المسلمين لتقرير ذلك. ماذا يرى سماحتكم حول هذا وإمكانيته؟
ج: لا شك أن اجتماع المسلمين في الصوم والفطر أمر طيب ومحبوب للنفوس ومطلوب شرعا حيث أمكن ولكن لا سبيل إلى ذلك إلا بأمرين: -
أحدهما: أن يلغي جميع علماء المسلمين الاعتماد على الحساب كما ألغاه
(1) سورة البقرة الآية 196
رسول الله صلى الله عليه وسلم وألغاه سلف الأمة، وأن يعملوا بالرؤية أو بإكمال العدة، كما بين ذلك رسول الله في الأحاديث الصحيحة. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى جـ 25 ص32 - 33 اتفاق العلماء على أنه لا يجوز الاعتماد على الحساب في إثبات الصوم والفطر ونحوهما.
ونقل الحافظ في الفتح جـ 4 ص 127 عن البادي: إجماع السلف على عدم الاعتداد بالحساب، وأن إجماعهم حجة على من بعدهم.
الأمر الثاني: أن يلتزموا بالاعتماد على إثبات الرؤية في أي دولة إسلامية تعمل بشرع الله وتلتزم بأحكامه، فمتى ثبت عندها رؤية الهلال بالبينة الشرعية دخولا أو خروجا تبعوها في ذلك عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة (1)» ، وقوله صلى الله عليه وسلم:«إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا، وأشار بيديه ثلاث مرات وعقد إبهامه في الثالثة، والشهر هكذا وهكذا وهكذا وأشار بأصابعه كلها (2)» . يعني بذلك عليه الصلاة والسلام أن الشهر يكون تسعة وعشرين ويكون ثلاثين، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة من حديث ابن عمر وأبي هريرة وحذيفة بن اليمان وغيرهم رضي الله عنهم، ومعلوم أن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس خاصا بأهل المدينة بل هو خطاب للأمة جمعاء في جميع أعصارها وأمصارها إلى يوم القيامة.
فمتى توافر هذان الأمران أمكن أن تجتمع الدول الإسلامية على الصوم جميعا والفطر جميعا، فنسأل الله أن يوفقهم لذلك، وأن يعينهم على تحكيم الشريعة الإسلامية ورفض ما خالفها، ولا ريب أن ذلك واجب عليهم؛ لقوله سبحانه {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3) وما جاء في معناها من الآيات.
ولا ريب أيضا أن في تحكيمها في جميع شئونهم: صلاحهم ونجاتهم
(1) سنن الترمذي الصوم (688)، سنن النسائي الصيام (2124)، سنن أبو داود الصوم (2327)، موطأ مالك الصيام (635)، سنن الدارمي الصوم (1686).
(2)
صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن النسائي الصيام (2141)، سنن أبو داود الصوم (2319).
(3)
سورة النساء الآية 65
واجتماع شملهم ونصرهم على عدوهم، وفوزهم بالسعادة العاجلة والآجلة، فنسأل الله أن يشرح صدورهم لذلك ويعينهم عليه، إنه سميع قريب.
س5: من المشروعات الخيرية التي تتولونها إعانة المتزوجين. . . ماذا عن هذا المشروع من حيث الدعم المادي الذي يتلقاه؟ وعدد المستفيدين منه والمتقدمين؟ وإمكانية زيادة المبلغ للمتزوجين؟
ج5: هذا المشروع أنشأناه في عام 1401 هـ لمسيس حاجة الشباب إليه، وقد نفع الله به كثيرا وأول من أسهم فيه سمو أمير منطقة الرياض الأمير المكرم سلمان بن عبد العزيز، ساهم بمبلغ ميلون ريال ثم تتابع أهل الخير في المساهمة فيه، وساهم فيه خادم الحرمين الشريفين بمبلغ خمسة ملايين ريال كل سنة، ضاعف الله مثوبته ومثوبة جميع المساهمين في ذلك.
ولا تزال المساهمات جارية في هذا المشروع، ولا يزال المشروع قائما والاستفادة منه مستمرة، وقد استفاد منه أكثر من أربعة آلاف ما بين رجل وامرأة.
ومقدار المساعدة 25 خمسة وعشرون ألفا ولم تر اللجنة المكونة لهذا المشروع زيادتها ولا النقص منها.
واللجنة التي أسند إليها هذا المشروع مكونة من أصحاب الفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل عضو المجلس الأعلى للقضاء سابقا، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، والشيخ راشد بن صالح بن خنين عضو هيئة كبار العلماء والمستشارين بالديوان الملكي، والشيخ عبد اللطيف بن محمد بن شديد القاضي بمحكمة التمييز بمنطقة الرياض، وقد انضم إليهم أخيرا فضيلة الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن فنتوخ مدير عام إدارة الدعوة والإرشاد بالداخل ودول الجزيرة العربية، وذلك برئاستي واشتراكي.
وللحصول على هذه المساعدة شروط خمسة: -
أولها: أن يكون الزوج والزوجة يحملان الرعوية السعودية.
ثانيها: أن يكون الزوج عاجزا عن تكاليف الزواج بإثبات من المحكمة.
الثالث: أن يكون قد تم العقد ولم يدخل بالمرأة، فإن استدان ودخل بها وثبت ذلك بصك شرعي أعطي الأقل من المساعدة أو الدين.
الرابع: أن يكون أول زواج أو قد تزوج وماتت زوجته، أو أصيبت بمرض يجعلها في حكم الميتة.
الخامس: أن يثبت عند المحكمة أنه معروف بالمحافظة على الصلاة جماعة في مسجد الحي الذي يسكنه، ولا يزال الجم الغفير ينتظرون هذه المساعدة لكثرتهم وقلة المال، فنسأل الله أن يسهل أمرهم، وأن يوفق المسلمين جميعا للتعاون على البر والتقوى، وإني بهذه المناسبة أهيب بجميع إخواني من الأمراء والأثرياء وغيرهم أن يرعوا هذا المشروع وأن يساهموا فيه بكل سخاء وعناية من الزكاة وغيرها حتى يحصل للمنتظرين نصيبهم، وحتى يعفوا جما غفيرا من شباب هذه البلاد ويعينوهم على غض أبصارهم وإحصان فروجهم، والله المسئول أن يوفق المسلمين لكل خير، وأن يجزل مثوبة كل من ساهم في هذا المشروع ويعظم لهم الخلف، إنه ولي ذلك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.