الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وموجه للوعي إلى كل خير ورشاد، فهل يعود الإنسان إلى دينه الذي بعث الله به النبيين هدى ورحمة، اللهم حقق ذلك لعبادك الضالين، واهدنا الصراط المستقيم يا رب العالمين.
الدخان
إنه لا يسع العاقل المنصف إلا أن يلحق الدخان بالمخدرات ويجعله في عدادها؛ لأن فيه من التفتير ما فيه، وقد يكون في بعض الظروف أشد منها ضررا وفتكا، وفي الحق أننا ما رأينا شيئا اضطربت فيه آراء الناس واختلفت أقوالهم مثل هذا الدخان الخداع، الجاني على العقل والبدن والمال، ولولا استهانة الناس بأمره لقالوا فيه قولا صارما يرد الناس إلى الحق، ويردعهم عن التمادي في الشر، ومهما يكن فإننا ننقل بعض ما في الكتب الفقهية من آراء العلماء قديما وحديثا.
(1)
مذهب الحنفية: قال أبو السعود في فتح المعين (1) عبارات تمثل الاختلاف بين العلماء في أمره ولا تروي غليلا في شأنه قال: إنه مما ظهر أخيرا وإن صاحب الدر الشيخ الحصكفي الحنفي حكى عن شيخه الغزي الشافعي أنه حرام؛ لأنه مفتر، «وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر (2)» ، وليس من الكبائر شربه المرة والمرتين، ومع نهي ولي الأمر عنه حرام قطعا. اهـ.
وفي الأشباه والنظائر (لابن نجيم الفقيه الحنفي) أن حكمه الإباحة بناء على قاعدة " الأصل في الأشياء الإباحة " وقد قال في الدر إلى أنه
(1) ج 3 ص 425.
(2)
سنن أبو داود الأشربة (3686)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 309).
مباح بدليل قوله، وقد كرهه شيخنا العمادي إلحاقا له بالثوم والبصل. اهـ.
ونلاحظ أن الاستدلال ضعيف؛ لأن كون الأصل في الأشياء الإباحة الذي استدل به ابن نجيم إنما يصح إذا لم نجد دليلا غيرها، وقد وجد الدليل الذي استدل به الشيخ الغزي وغيره، وهو حديث أحمد وأبي داود «نهى صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر (1)» ، ولا خلاف في أن الدخان مفتر كما يعلم بالمشاهدة إن لم نقل إنه مسكر كما ذهب إليه بعض المعاصرين، وأما استدلال أبي السعود بقول صاحب الدر وكرهه شيخنا إلحاقا له بالثوم والبصل فإنه ضعيف؛ لأن الملحق بالمكروه ليس مباحا، وإنما يكون مكروها مثله، والله سبحانه طيب لا يقبل إلا طيبا، ومع ذلك فقياسه على الثوم والبصل قياس مع الفارق المؤثر؛ لأنه مضر بالبدن ورائحته كريهة، والثوم والبصل لا يضران بالبدن وإنما كرها لرائحتهما فقط، فاكتفى فيهما بالأمر بالعزلة عن المساجد ونحوها.
(2)
مذهب المالكية: يقول مفتي المالكية في عصره الشيخ محمد بن علي بن حسين في كتابه (تهذيب الفروق) المطبوع بهامش الفروق: أول ما ظهرت العشبة المعروفة بالتنباك والتتن والدخان ودخان طابه في أوائل القرن الحادي عشر كما في ابن حمدون، ثم نقل عن حاشية ابن حمدون على مختصر ميارة على ابن عاشر: إن استعمال القدر المؤثر في العقل منه حرام اتفاقا كما في شرح الإرشاد وغيره، وأما القدر غير المؤثر فأطبق المغاربة وأكثر المشارقة كالشيخ سالم السنهوري وتلميذه الشيخ اللقاني وغيرهما على تحريمه، وألف في ذلك الشيخ محمد بن عبد الكريم تأليفا في عدة كراريس مشتملا على أجوبة وسماه (محدود السنان في نحور إخوان الدخان)، ثم قال وفي العمليات القاسية: -
وحرموا طابا للاستعمال وللتجارة على المنوال
(1) سنن أبو داود الأشربة (3686)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 309).
وعلة التحريم أنها تورث خدرا فتشارك أولية الخمر في نشوته، قال الشيخ القادري في أجوبته: وكفى حديث أم سلمة حجة على حرمته. وقيل: إنها تسكر في ابتداء تعاطيها إسكارا سريعا، ثم لا يزال ينقص حتى لا يحس شاربه لكنه يحدث نشوة أحسن من السكر (كذا)، وعلى هذا فهي نجسة ويحرم منها القليل كالكثير خشية الوقوع في التأثير أو أنه لا سكر ولا تفتير إلا إنها سرف وضرر ونجاسة؛ لكونها مثل الخمر، وأفتى جمع بالإباحة منهم الشيخ عبد الغني النابلسي وحجته أنه مما سكت عنه المولى في كتابه فهو عفو. اهـ.
وذكر حديث الترمذي وفيه: «وما سكت عنه من غير نسيان رحمة بكم فهو مما عفي عنه (1)» ، وهذا واضح الضعف كما ترى؛ فإن كثيرا مما سكت عنه بعينه ظهر بعد عصر النبوة بل بعد قرون طويلة، وعرف حكمه من قواعد الشرع العامة، والاستدلال بذلك كاستدلال ابن نجيم بالأصل في الأشياء وكأنه مأخوذ منه.
ثم قال مفتي المالكية: وقد ألف الشيخ الأجهوري تأليفا أسماه (البيان بحل ما لا يغيب العقل من الدخان) ما حاصله أن الفتور الذي يحصل لمبتدى شربه ليس من تغيب العقل، فليس من المسكر مطلقا؛ لأن السكر مع نشوة وطرب حينئذ فيجوز استعمالها لمن لا تغيب عقله، وهذا يختلف باختلاف الأمزجة والقلة والكثرة.
ثم قال ابن حمدون تعقيبا: وهذا الكلام مبني على أن المفتر يحرم، والتحقيق أنه حرام كما دل عليه حديث أم سلمة. انتهى كلام ابن حمدون باختصار. وحاصله أنه اختلف في كون هذه العشبة من المسكرات مطلقا فيكون نجسا موجبا للحد مع حرمة قليله وكثيره، أو هو من المفترات كالحشيشة بحيث يشارك أولية الخمر في نشوته فيحرم استعمال القدر المؤثر في العقل، وفي حرمة استعمال ما لا يؤثر في العقل خشية الوقوع في التأثير للغالب وقوعه بأدنى شيء منها قال بعضهم بذلك، وإن حفظ العقول من
(1) سنن الترمذي اللباس (1726)، سنن ابن ماجه الأطعمة (3367).
الكليات الخمس المجمع عليها عند أهل الملل، وقال: بعضهم بإباحة القليل؛ لأن العلة تدور مع المعلول وقيل: إنه ليس من المخدرات ولا من المسكرات مطلقا. واختار ابن حمدون من هذه الأقوال أنه من المفترات مطلقا، وأنه يحرم استعمال قليلها وكثيرها لحديث أم سلمة، ثم اختار مفتي المالكية ما في حاشية المجموع للأمير من أن هذه العشبة في ذاتها مباحة يعرض لها حكم ما يترتب عليها وكثرتها لهو.
ثم نقل عن اللكنوي أن هناك اختلافين أحدهما في الحرمة والإباحة، والثاني في الكراهة وعدمها، ثم قال اللكنوي: إن الحق في جانب الذاهبين إلى الكراهة؛ لوجود الشبه بأهل النار والأشرار، ولأنه يحدث الرائحة الكريهة، ونقل ذلك عن اللقاني صاحب الجوهرة وقال: إنه لا يقاس على القهوة كما ذهب إليه بعضهم لشبهة أهل الغواية، ثم نقل عن اللكنوي أنه وجد في تنقيح الفتاوى الحامدية لابن عابدين ما نصه:
(مسألة): أفتى أئمة أعلام بتحريم شرب الدخان المشهور. وذكر كلاما طويلا يتعلق بالأصول انتهى منه إلى أنه إن ثبت في هذا الدخان أضرار وصرف عن المنافع فيجوز الإفتاء بتحريمه، وإلا فالأصل الحل مع أن الإفتاء به دفع لحرج عن المسلمين. إلى أن قال: فإثبات حرمته أمر عسير لا يكاد يوجد له نظير، نعم لو أضر ببعض الطبائع فهو عليه حرام أو نفع ببعض وقصد للتداوي فهو مرغوب، ثم نقل مفتي المالكية في تهذيب الفروق نقلا عن اللكنوي: ولا يبعد أن يقال: يمنع من يعتاد كثرة شرب الدخان كما يمنع آكل البصل والثوم من دخول المسجد؛ لوجود الرائحة الكريهة التي تتأذى بها الملائكة، ثم قال في شأن من يمنع شرب الدخان: إن من شروط إنكار المنكر أن يكون مجمعا على تحريمه، ولا يخلو من سفسطة؛ لأن ذلك يغلق باب التوجيه أو النصيحة، ولا سيما إذا كان الحق واضحا في جانب أحد المختلفين.
أما الإمام المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه رحمهم الله فإنهم ينكرون بشدة على متعاطيه، ويرون أنه مسكر داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم:«كل مسكر حرام (1)» ، وأنه يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم:«ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام (2)» .
يوضح ذلك ما أفتى به سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله في رسالته التي كتبها في تحريم التتن " التنباك "، واستدل على ذلك بعموم النصوص من الكتاب والسنة، وبما ثبت عن أهل الخبرة والتجربة من مضاره، كما يوضحه ما نقله عن الفقهاء في تحريمه. ونجتزي من ذلك بما يلي:
قال رحمه الله: لا ريب في خبث الدخان ونتنه، وإسكاره أحيانا وتفتيره، وتحريمه بالنقل الصحيح والعقل الصريح، وكلام الأطباء المعتبرين.
أما النقل الصحيح فقول الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (3)
وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«كل مسكر خمر، وكل خمر حرام (4)» ، ولمسلم:«وكل مسكر حرام (5)» ، وروى أبو داود والترمذي وحسنه عن عائشة مرفوعا:«كل مسكر حرام، وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام (6)» ، وكل من الآية الكريمة والأحاديث الصحيحة دال على تحريمه؛ فإنه خبيث مسكر تارة ومفتر أخرى لا يماري في ذلك إلا مكابر للحس والواقع.
ولا ريب أيضا في إفادتها تحريم ما عداه من المسكرات والمفترات، وروى الإمام أحمد وأبو داود، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر (7)» . قال: الحافظ الزين العراقي: إسناده صحيح وصححه السيوطي في الجامع الصغير. وفيه من إضاعة المال واستهلاك
(1) صحيح البخاري المغازي (4343)، صحيح مسلم الأشربة (1733)، سنن ابن ماجه الأشربة (3391)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 417)، سنن الدارمي الأشربة (2098).
(2)
سنن الترمذي الأشربة (1866)، سنن أبو داود الأشربة (3687).
(3)
سورة الأعراف الآية 157
(4)
صحيح مسلم الأشربة (2003)، سنن الترمذي الأشربة (1861)، سنن أبو داود الأشربة (3679)، سنن ابن ماجه الأشربة (3390)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 98).
(5)
صحيح البخاري المغازي (4343)، صحيح مسلم الأشربة (1733)، سنن ابن ماجه الأشربة (3391)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 417)، سنن الدارمي الأشربة (2098).
(6)
سنن الترمذي الأشربة (1866)، سنن أبو داود الأشربة (3687).
(7)
سنن أبو داود الأشربة (3686)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 309).
المبالغ الطائلة المسببة لضلع الدين الحامل على بيع كثير من ضروريات الحياة في هذا السبيل ما لا يسع أحدا إنكاره، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعا وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال (1)» .
يوضحه ما سنذكره من كلام العلماء من أرباب المذاهب الأربعة فممن ذكر تحريمه من فقهاء الحنفية الشيخ محمد العيني، ذكر في رسالته تحريم التدخين من أربعة أوجه:
أحدها: كونه مضرا للصحة بإخبار الأطباء المعتبرين، وكل ما كان كذلك يحرم استعماله اتفاقا.
ثانيا: كونه من المخدرات المتفق عليها عندهم، المنهي عن استعمالها شرعا؛ لحديث أحمد عن أم سلمة:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر (2)» ، وهو مفتر باتفاق الأطباء، وكلامهم حجة في ذلك وأمثاله باتفاق الفقهاء سلفا وخلفا.
ثالثا: كون رائحته الكريهة تؤذي الناس الذين لا يستعملونه، وعلى الخصوص في مجامع الصلاة ونحوها، بل وتؤذي الملائكة المكرمين، وقد روى الشيخان في صحيحيهما عن جابر مرفوعا:«من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا وليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته (3)» ، وفي الصحيحين أيضا عن جابر رضي الله عنه «أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس (4)» ، وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:«من آذى مسلما فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله (5)» رواه الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه بإسناد حسن.
رابعا: كونه سرفا، إذ ليس فيه نفع مباح خال عن الضرر بل فيه الضرر المحقق بإخبار أهل الخبرة، ومنهم أبو الحسن المصري الحنفي، قال ما نصه: الآثار النقلية الصحيحة والدلائل العقلية الصريحة تعلن بتحريم الدخان، وكان حدوثه في حدود الألف، وأول خروجه بأرض اليهود والنصارى والمجوس، وأتى به رجل يهودي يزعم أنه حكيم إلى أرض المغرب ودعا الناس إليه، وأول من جلبه إلى البر الرومي رجل اسمه الاتكلين من النصارى، وأول من أخرجه ببلاد
(1) صحيح البخاري الأدب (5975)، صحيح مسلم الأقضية (593)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 246)، سنن الدارمي الرقاق (2751).
(2)
سنن أبو داود الأشربة (3686)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 309).
(3)
صحيح البخاري الأذان (855)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (564)، سنن الترمذي الأطعمة (1806)، سنن النسائي المساجد (707)، سنن أبو داود الأطعمة (3822)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 400).
(4)
صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (564)، سنن النسائي المساجد (707)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 387).
(5)
سنن الترمذي المناقب (3862)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 87).
السودان المجوس، ثم جلب إلى مصر والحجاز وسائر الأقطار، وقد نهى الله عن كل مسكر، وإن قيل: إنه لا يسكر فهو يخدر ويفتر أعضاء شاربه الباطنة والظاهرة، والمراد بالإسكار مطلق تغطية العقل، وإن لم تكن معه الشدة المطربة، ولا ريب أنها حاصلة لمن يتعاطاه أول مرة، وإن لم يسلم أنه يسكر فهو يخدر ويفتر.
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود، عن أم سلمة، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر ومفتر (1)» ، قال العلماء: المفتر ما يورث الفتور والخدر في الأطراف. وحسبك بهذا الحديث دليلا على تحريمه، وأنه يضر بالبدن والروح ويفسد القلب، ويضعف القلب، ويغير اللون بالصفرة، والأطباء مجمعون على أنه يضر بالبدن، والمروءة والعرض والمال؛ لأن فيه التشبه بالفسقة؛ لأنه لا يشربه غالبا إلا الفساق والأنذال، ورائحة فم شاربه خبيثة. اهـ.
(1) سنن أبو داود الأشربة (3686)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 309).
ومن فقهاء الحنابلة الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قدس الله أرواحهم، قال في أثناء جوابه على التنباك بعد ما سرد نصوص تحريم المسكر، وذكر كلام أهل العلم في تعريف الإسكار ما نصه: وبما ذكرنا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام أهل العلم يتبين لك تحريم التتن الذي كثر في هذا الزمان استعماله، وصح بالتواتر عندنا والمشاهدة إسكاره في بعض الأوقات، خصوصا إذا أكثر منه أو أقام يوما أو يومين لا يشربه، ثم شربه فإنه يسكر ويزيل العقل حتى إن صاحبه يحدث عند الناس ولا يشعر بذلك، نعوذ بالله من الخزي وسوء البأس، فلا ينبغي لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلتفت إلى قول أحد من الناس إذا تبين له كلام الله وكلام رسوله في مثله من المسائل، وذلك لأن الشهادة بأنه رسول الله تقتضي طاعته فيما أمر، والانتهاء عما عنه نهى وزجر، وتصديقه فيما أخبر.
وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله عن التنباك بقوله: الذي نرى فيه التحريم لعلتين:
إحداهما: حصول الإسكار فيما إذا فقده شاربه مدة ثم شربه أو أكثر، وإن لم يحصل إسكاره حصل تخدير وتفتير، وروى الإمام أحمد حديثا مرفوعا، «أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر ومفتر (1)» .
والعلة الثانية: أنه منتن مستخبث عند من لم يعتده، واحتج العلماء بقوله تعالى:{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (2)(الأعراف، 157).
وأما من ألفه واعتاده فلا يرى خبثه، كالجعل لا يستخبث العذرة.
ومن الفقهاء الشافعية الشيخ الشهير بالنجم الغزي الشافعي قال ما نصه: والتوتون الذي حدث وكان حدوثه بدمشق سنة خمس عشرة بعد الألف يدعي شاربه أنه لا يسكر، وإن سلم له فإنه مفتر وهو حرام؛ لحديث أحمد بسنده، عن أم سلمة قالت:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر (3)» ، قال: وليس من الكبائر تناوله المرة أو المرتين، أي: بل الإصرار عليه يكون كبيرة كسائر الصغائر. وقد ذكر بعض العلماء أن الصغيرة تعطى حكم الكبيرة بواحدة من خمسة أشياء.
إحداها: الإصرار عليها، الثانية: التهاون بها، وهو الاستخفاف وعدم المبالاة بفعلها.
والثالثة: الفرح والسرور بها. الرابعة: التفاخر بها بين الناس.
والخامسة: صدورها من عالم أو ممن يقتدى به.
وأجاب الشيخ خالد بن أحمد من فقهاء المالكية بقوله: لا تجوز إمامة من يشرب التنباك، ولا يجوز الاتجار به ولا بما يسكر. اهـ.
وممن حرم الدخان ونهى عنه من علماء مصر الشيخ أحمد السنهوري البهوتي الحنبلي، هذا وبعد أن ذكر نقولا أخرى عن الفقهاء في تحريمه ذكر طرق استعماله مضغا للفم، واستنشاقا لمسحوقه مع مواد أخرى، وتدخينا
(1) سنن أبو داود الأشربة (3686)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 309).
(2)
سورة الأعراف الآية 157
(3)
سنن أبو داود الأشربة (3686)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 309).
عن طريق ما يسمى بالسيجارة أو النارجيلة أو الغليون أو غير ذلك، ثم ذكر عن الأطباء القدماء والمتأخرين كثيرا من مضاره، وقد تقدم ذكر الكثير منها فلا نعيده خشية الإطالة.
وقال سماحة الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي في حكم شرب الدخان جوابا على سؤال ورد إليه بشأنه، يقول فيها ما خلاصته: إن شرب الدخان والاتجار به والإعانة على ذلك حرام؛ لأنه داخل في عموم النصوص الدالة على التحريم لمضاره الدينية والدنيوية.
أما الدينية ودلالة النصوص على تحريمه فمن وجوه كثيرة: منها قول الله سبحانه: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (1).
وقوله سبحانه: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (2)، وما أشبههما من النصوص التي حرم الله سبحانه بها كل خبيث وضار، وأهل الدخان من أعرف الناس بأضراره ولكن إرادتهم ضعيفة.
ومن مضاره الدينية: أنه يثقل على العبد العبادات والقيام بالمأمورات خصوصا الصيام، ويدعو إلى مخالطة الأراذل ومجانبة الأخيار.
وأضراره البدنية كثيرة جدا لأنه يوهن القوى، ويضعف البصر، ويمنع الانتفاع بالغذاء، ويوجب ضعف القلب واضطراب الأعصاب، ويعرض للسعال والنزلات الشديدة، وقد قرر الأطباء أن له أكبر الأثر في النزلات الصدرية، وكم تضاعفت الأمراض بسببه حتى عز على الأطباء علاجها.
ومن مضاره المالية أنه إضاعة للمال وقد صح نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وكثيرا ما يترك المدخنون كثيرا من واجبات النفقة إيثارا لشربه، ثم قال: إن الواجب على من نصح لنفسه أن يتوب إلى الله من شربه، وأن يعلم أن من ترك شيئا لله أبدله الله خيرا منه، ومن علم الله سبحانه منه صدق النية في طلب
(1) سورة الأعراف الآية 157
(2)
سورة البقرة الآية 195
ما عنده يسره لليسرى، وجنبه العسرى، وسهل له طرق الخير.
وبالجملة فالدخان إن ثبت أنه مسكر كان حكمه حكم الخمر، وإلا فأقل درجاته أنه مفتر من الخبائث، وأنه مفسدة للمال والبدن والأعصاب والعقل، وكل ذلك محرم بالنصوص الثابتة وقواعد الإسلام الواضحة، ولا مجال للقول بحله مع ثبوت هذه المضار والمفاسد فيه، وما الحاجة إلى شيء لا تدعو إليه حاجة لا في الدين ولا في الدنيا إلا في نظر بعض المتأثرين بالأوهام الذين يجادلون في الحق بعد ما تبين بغير سلطان أتاهم، والله ولي الهداية والتوفيق.