الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الرحمن بن جابر فوجب تركه لاضطرابه، وقول ابن المنذر يرجع إلى ما ذكره الأصيلي من الاضطراب؛ فإن رجال إسناده ثقات، والاضطراب الذي أشار إليه هو أنه روي عن عبد الرحمن بن جابر وأبيه جميعا، عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه الطرق كلها مخرجة في الصحيحين على الاتفاق والانفراد.
وروي أيضا عن عبد الرحمن بن جابر، عن رجل من الأنصار، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الاختلاف لم يؤثر عند البخاري ومسلم؛ لأنه يجوز أن يكون سمعه من أبيه عن أبي بردة فحدث به مرة عن هذا ومرة عن هذا. وقوله:" عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم " يريد به أبا بردة. وقوله: " عن رجل من الأنصار " يريد به أيضا أبا بردة؛ فإنه وإن كان قضاعيا بلويا فإنه حليف للأنصار فنسبه إليهم، وهو مشهور بالنسبة إليهم، وقد ذكر أبو الحسن الدارقطني أن حديث عمر بن الحارث المصري الذي قال فيه:" عن أبيه " صحيح؛ لأنه ثقة وقد زاد رجلا وتابعه أسامة بن زيد. فهذا الدارقطني قد صحح الحديث بعد وقوفه على الاختلاف، وجنح إلى ما جنح إليه صاحبا الحديث رضي الله عنهما والله عز وجل أعلم " أهـ كلام الحافظ المنذري في الحديث، وتتضح به مسالك العلماء في الحديث التي أشار إليها الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى.
و
من فوائد إقامة العقوبات الشرعية
رفع العقوبات القدرية أو تخفيفها كما أوضحه الإمام ابن القيم في " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " حيث قال ص 10: " عقوبات الذنوب نوعان شرعية وقدرية، فإذا أقيمت الشرعية رفعت العقوبات القدرية أو خففتها، ولا يكاد الرب تعالى يجمع على عبده بين العقوبتين إلا إذا لم تف إحداهما برفع موجب الذنب، ولم يكن فيه زوال دائه، وإذا عطلت العقوبات الشرعية استحالت قدرية، وربما كانت أشد من الشرعية وربما كانت دونها، ولكنها تعم والشرعية تمضي؛ فإن الرب تبارك وتعالى لا يعاقب شرعا إلا من باشر الجناية أو تسبب إليها، وأما العقوبة القدرية فإنها تقع عامة وخاصة؛ فإن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها،
وإذا أعلنت ضرت الخاصة والعامة، وإن رأى الناس المنكر فاشتركوا في ترك إنكاره أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه ".
وقد أجاد ابن القيم في كتابه المذكور الكلام على العقوبات القدرية، وعلى العقوبات الشرعية، وعلى الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة، وأتى في ذلك بما لا يستغنى عنه لولا الإطالة.
هذا وفي نهاية هذا المقال لا يفوتنا إيراد كلمة قيمة للتاج ابن السبكي في كتابه " معيد النعم ومبيد النقم " في إيجاب العمل بالشرع على من يفصل في القضايا لأهميتها فنقول: قال التاج ص 40 - 42 " عليه - أي على على من يفصل في القضايا - رفع الأمور إلى الشرع، وأن يعتقد أن السياسة - أي غير الشرعية - لا تنفع شيئا بل تضر البلاد والرعايا وتوجب الهرج والمرج، ومصلحة الخلق فيما شرعه الخالق الذي هو أعلم بمصالحهم ومفاسدهم، وشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم متكفلة بجميع مصالح الخلق في معاشهم ومعادهم، ولا يأتي الفساد إلا من الخروج عنها، ومن لزمها صلحت أيامه واطمأنت، ولم يقضي رسول الله صلى الله عليه وسلم نحبه حتى أكمل الله لنا ديننا ".
قال التاج: " وقد اعتبرت - ولاينبئك مثل خبير - فما وجدت ولا رأيت ولا سمعت بسلطان ولا نائب سلطان ولا أمير ولا حاجب ولا صاحب شرطة يلقي الأمور إلى الشرع إلا وينجو بنفسه من مصائب هذه الدنيا، وتكون مصيبته أبدا أخف من مصيبة غيره، وأيامه أصلح وأكثر أمنا وطمأنينة وأقل مفاسد، وأنت إذا شئت فانظر تواريخ الملوك والآمراء العادلين والظالمين، وانظر أي الدولتين أكثر طمأنينة وأطول أياما، وكذلك اعتبرت فلم أر ولم أجد من يظن أنه يعلم الدنيا بعقله ويدبر البلاد برأيه وسياسته، ويتعدى حدود الله وزواجره إلا كانت عاقبته وخيمة، وأيامه منغصة منكدة وعيشه قلقا، وتفتح عليه أبواب الشرور ويتسع الخرق على الراقع، فلا يسد ثلمة إلا وتنفتح ثلامات، ولا يرقع فتنة إلا وينشأ بعدها فتن كثيرة وعلى مثله يصدق قول الشاعر:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا
…
فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
وبهذا ينتهي البحث والله ولي التوفيق
إسماعيل الأنصاري