الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا كان الشخص المخاطب يصلح معه أن يخاطب على انفراد وبعيدا عن الآخرين فيستحسن أن يلجأ معه إلى أسلوب وعظي تذكيري، كأن يقول: يا أخي اتق الله في نفسك. ولا أحب لك إلا ما أحب لنفسي، فإنه حدث منك كذا وكذا ويسوق له الأدلة على الوجوب أو الحرمة أو السنة أو الكراهة، ويذكره بالثواب أو العقاب الأخروي وعاقبة الاستقامة في الدنيا والآخرة. وإن كان من ذوي الحسب ذكره بأن هذا لا يليق من أمثاله. . الخ. ولا يتحول المحتسب عن هذه الطريقة إلى طريقة أخرى إلا إذا علم أن المخاطب لا يفيده هذا الأسلوب.
الثالثة: طريقة التعنيف والتقريع:
وهذه الطريقة تصلح لبعض الناس دون سواهم. إن طبائع الناس فيها اختلاف كبير فبعضهم يميل إلى البهيمية إذ فيه من طبع الحيوان قدر غير قليل. . وبعضهم يميل إلى التصابي وإن فرقت السنين أو العقود بينه وبين عهد الطفولة والصبا، وبعضهم يميل إلى الكبرياء والتعالي أو الغفلة والغرور فهذا أو ذاك لا يصلح معهما إلا شيء من الخطاب الزاجر، أو التوجيه الناهي الآمر، أو التعنيف المباشر.
وإذا اقتضى الحال من ذي المروءة والمكانة من المحتسبين أن يوجه التقريع أو اللوم أو شيئا من عنيف القول فلا بأس. مثل أن يقول اتق الله أو يا عدو نفسه. أو ألا تخاف الله. .؟ ولكن لا بد من الحذر الشديد في اختيار هذا الأسلوب مع الغرباء، أو الحمقى ويحسن أن يكون في دائرة الأقربين أو الأولاد أو نحوهم إذ أن الغريب والأحمق قد تأخذهما العزة بالإثم فيحدث ما لا تحمد عقباه.
والقاعدة الفقهية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وإذا استخدم هذا الأسلوب مع الولاة أو الحكام فينبغي أن يرجح صدق إيمانهم
وخوفهم من الله وأن يكون في منتهى القوة والقناعة والزهد معهم. فيكون كشأن عالم أهل مكة المشهور عطاء بن أبي رباح مع الخليفة الأموي عبد الملك:
" عن الأصمعي قال: دخل عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه على عبد الملك بن مروان وهو جالس على سريره، وحواليه الأشراف من كل بطن - أي قبيلة - وذلك بمكة في وقت حجه في خلافته، فلما بصر به قام إليه، وأجلسه معه على السرير وقعد بين يديه، وقال له: يا أبا محمد. ما حاجتك؟ فقال: يا أمير المؤمنين اتق الله في حرم الله وحرم رسوله، فتعاهده بالعمارة، واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار، فإنك بهم جلست هذا المجلس. واتق الله في أهل الثغور، فإنهم حصن المسلمين، وتفقد أمور المسلمين، فإنك وحدك المسئول عنهم، واتق الله فيمن على بابك فلا تغفل عنهم، ولا تغلق بابك دونهم.
فقال له: أجل، أفعل.
ثم نهض عطاء وقام فقبض عليه عبد الملك - أي على يده - وقال يا أبا محمد، إنما سألتنا حاجة لغيرك، وقد قضيناها، فما حاجتك أنت؟ قال: ما لي إلى مخلوق حاجة. ثم خرج.
فقال عبد الملك: هذا وأبيك الشرف" (1).
وإذا أجدت هذه الطريقة مع بعض الناس ولم تجد مع آخرين فإنه يغير الأسلوب ويلجأ إلى طريقة أخرى من الطرق المناسبة.
(1) كلمة تجري على الألسن ولا يقصد بها الحلف كقوله صلى الله عليه وسلم (أفلح وأبيه إن صدق).