الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كنائسهم، سيبقى انتماؤهم العقدي يربطهم بالطريقة التي كانوا عليها هم وآباؤهم. ولن يرضوا التخلي عنه، أو المناقشة من أجل الوصول للحقيقة المجردة من الهوى بل يسعون جاهدين في تثبيت معتقداتهم في الأمم الأخرى، وصرف المستنيرين منهم عن المنافذ المؤدية لإدراك الحقيقة، لأن انصرافهم لدراسة الإسلام والقناعة بتعاليمه أشد عليهم من دفاع المسلمين.
فهم يتبنون أفكارا وآراء تستحوذ على أذهان البسطاء، وتموه على الباحثين عن الحق، وذلك بأهمية قادتهم - أحبارا ورهبانا - في الريادة الفكرية والدينية، مستغلين تأثر كثير من المسلمين ظاهريا، ببهرج حضارة الغرب علميا وعسكريا وصناعيا، وغير ذلك، حسبما فعلته وسائلهم الإعلامية في نفوس كثير من الناس.
فكانت الفرصة مواتية لإبراز
نماذج من دعواتهم في استقطاب البارزين في العالم
، بعد أن اطمأنوا إلى توفر أسماء من رضعوا من لبانهم وتشبعوا بفكرهم؛ تثقيفا وقراءة وتعليما وولاء؛ لاعتقادهم بأن مثل هؤلاء من خيرة من يذيع وجهات نظرهم، ويدافع عن مقاصدهم بدراية أو تقليد.
وقد قيل: الجهل داء قاتل، ثم ينساق خلفهم المقلدون، ونستطيع أن نضع نماذج لتلك الدعوات بما جد في الآونة الأخيرة من عصرنا الحاضر، حتى يستعد المسلمون لمجابهتها، وإعداد العدة المناسبة لمثيلاتها؛ ليكون ذلك مهيئا للنفوس في تخطي ما يهدف إليه أعداء الإسلام، من أمور بعيدة المرمى، نحو ديننا وسلامة عقيدتنا، وتنقية فكرنا مما يخالفه، والمداخل إلى ذلك:
1 -
اللقاء الإبراهيمي الذي تبناه المسلم الفرنسي جارودي حيث عقد بقرطبة ما بين 12 - 15/ 12 / 1987م، وقد سبق هذا عدة لقاءات وتلاه وسيتلوه اجتماعات أخرى، والمفهوم عن هذا اللقاء حسب إطاره الأصلي بأنه مجرد حوار إسلامي مسيحي، لكن الظاهرة التي أدركها بعض الحضور
والمهتمين أنه قد دعي إليه بعض اليهود، وهذا مكسب عظيم لهم ليستغلوا الموقف، ويقولوا: إن خلافنا مع العرب خلاف سياسي لا ديني عقدي، والله جل ثناؤه قد أبان في كتابه الكريم بأنهم أشد أعداء للمسلمين من المشركين عبدة الأوثان فقال جل وعلا:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} (1).
والذي يجب معرفته أن هذا اللقاء لم يكن جديدا، كما دعا إليه الجارودي، ولكنه قديم دعا إليه مفكرو اليهود والنصارى، يلمس هذا في مثل آراء كثير من الفرنسيين وغيرهم ممن تحمسوا لهذا اللقاء؛ ليدسوا من خلاله ما يعن لهم من فكر مثل: -
- لويس سينيون الذي دعا إلى ربط الأديان التوحيدية الثلاثة بنفس الشبكة، وذلك من خلال وصلها بالإيمان الإبراهيمي.
- ميشال حايك في كتاباته العديدة، وضمن ثلاثة كتب له نشرت باللغة الفرنسية عام 1964م - 1972م - 1978م.
- مكسيم رودنسون أستاذ العلوم التاريخية والسلالات في جامعة باريس في كتابه العرب المنشور في باريس عام 1979م الموافق لعام 1400هـ حيث أكد على هذه النظرية.
يقدس اليهود نظرية الإسماعيلية وإدخالها في كتبهم، إذ صارت كلمة إسماعيلي مرادفة لكلمة عربي؛ لأن العرب ينحدرون من إسماعيل بن إبراهيم وأمه هاجر المطرودة من سارة أم إسحاق جد اليهود - حسب عبارتهم.
- اهتمام اليهود ودعوتهم للتقارب العرقي مع العرب؛ لأنهم أبناء عم فإبراهيم يجمعهم نسبا، ويقولون: كلنا نؤمن بإبراهيم مع ما في هذا من مغالطة بتكذيبهم أنبياء الله بعده وعداوتهم معهم حتى بلغ بهم الأمر إلى إيذائهم، أو قتلهم كما قصه القرآن الكريم علينا.
(1) سورة المائدة الآية 82
2 -
دعا البابا قبل عشر سنوات إلى اجتماع عقد في روما للتقارب بين الأديان وانبثق عن ذلك مؤتمرات للمناظرة بين المسلمين والنصارى، حيث عقد المؤتمر الثاني في قرطبة عام 1979م الموافق لعام 1400 هـ.
وقد نتج عن ذلك حوار بين المسلمين والنصارى في كل مكان من أوروبا، وبدأ في السنوات الأخيرة يدب إلى أمريكا وفي الجامعات بالذات إلا أن الملاحظ في ذلك الحوار تعدي حرية الفكر التي يؤمن بها بعض القوم بعد ضعف الكنيسة، حيث تسرب رجال الدين المتعصبون في الديانة النصرانية لفرض معتقدهم.
وقد استغل اليهود هذا المدخل الفكري لبث سمومهم، مما يعارض المصلحة الإسلامية في الحوار المقنع؛ لأن هؤلاء وهؤلاء ينطلقون مما أبانته الآية الكريمة بطمس العقيدة الإسلامية، والنظرة الشمولية في الفكر والعبادات وحماية الفرد والجماعة، والتعتيم على العدالة الإسلامية التي تتوق إليها النفوس البشرية بعدما استشرى الظلم عندهم وصار الحق لا يأخذه إلا القوي.
3 -
وفي العام الماضي 1407هـ تأسست جماعة عالمية للمؤمنين بالله، من منطلق مفهوم النصارى في شهر مارس سنة 1987م، وأعطت نفسها شعارا هو:" المؤمنون متحدون " وقد كان هذا الشعار ثمرة لدعوة البابا عندما دعا في قرية أسيس في 27/ 10 / 1986م إلى صلاة مشتركة، قدم نفسه فيها للعالم بأنه القائد الروحي للأديان جميعا، وأنه حامل رسالة السلام للبشرية جمعاء. . وقد كان له ما أراد، فقد لبى حضورها عدد من المسلمين واليهود والبوذيين وغيرهم، وقد توسع شعارهم هذا، فنشأ عن هذه الدعوة ضمن ذلك اللقاء: -
- نادي الشباب المتدين الذي أنشئ صيف عام 1987م 1407 هـ.
- الناس متحدون تكونت بعد ذلك بمدة قصيرة في أبريل عام 1987م الموافق رمضان سنة 1407هـ.
- المؤمنون متحدون: الجماعة العالمية للمؤمنين بالله في 21 مارس سنة 1987م الموافق شعبان سنة 1407هـ.
- إلى جانب نداوت ولقاءات في الحوار بين الديانات، ويكسب بحمد الله جواد الإسلام الرهان في الجولة، وتعلو حجته كما في اللقاء مع القساوسة في السودان في محرم سنة 1401 هـ، وحوار أحمد ديدات مع القس المتعصب سويجارت، ففي الأولى أسلم 15 قسا وبإسلامهم أسلم 500 نصراني، وبالثاني ظهرت مكانة الإسلام وقوة حجته.
- الدعوة لإقامة معبد للأديان في سيناء.
- الدعوة لاجتماع المجمع المسكوني القادم في بيت لحم بالأرض المحتلة عام 2000م.
- إقامة الصلاة في مسجد قرطبة في عام 1394هـ ودعي لاحتفال بذلك لتأكيد علاقات الأخوة والمحبة بين أبناء الديانتين: الإسلام والمسيحية.
وقد رد على هذا سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز بمقال نشر في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في تلك السنة تحت عنوان: لا أخوة بين المسلمين والكافرين، ولا دين حق غير دين الإسلام.
وقد سبق هذا كما سيتلوه دعوات أخرى تنطلق من نظرتهم في الاستعلاء، وأن الهيمنة يجب أن تتحرك مما بعثوه هم، وحسب تفسيرهم أيضا؛ لكسب الرأي العام في السمعة والمكانة، ويأبون الوصول للحقيقة التي وضحها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل قوله:«نحن معاشر الأنبياء ديننا واحد» رواه البخاري في صحيحه، ذلك أن دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم شريعة لأمته، هو دين الإسلام الذي جاءت به جميع الأنبياء،
وعلى جميع الثقلين الانصياع لشريعته الكاملة الناسخة لما قبلها والعامة فيما ينفع الناس بمعاشهم ومصادرهم، كما قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (1).
فاليهود يريدون خلف هذه الدعوات كسر الطوق الذي فرض عزلتهم في العقيدة؛ لكي يجتمعوا مع المسلمين وقادة المؤسسات الإسلامية بهدف هدم جدار العقيدة، الذي يتحصن المسلمون وراءه شعوبا وجماعات في جهادهم ضد أعدائهم، ذلك أن عزتهم ونصرهم لا يكونان إلا بتوفيق الله، ثم باسم الإسلام عقيدة وعملا، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (40 ق هـ - 23هـ):" نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومتى ابتغينا العز بغيره أذلنا الله ".
ومن هذا تدرك محاولة أعداء دين الله في كل زمان بما يناسبه، وضع الشراك للمسلمين لتصيد عثرات منهم، في محاولة لصرفهم عن غايتهم التي خلقوا من أجلها، وللمباعدة بينهم وبين عقيدتهم التي رفعهم الله بها؛ ليكونوا خير أمة أخرجت للناس، ذلك أن الخيرية التي قال الله عنها:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (2)،. لم تكن خاصة لشعب بذاته ولا لطائفة بعينها، ولكن هذا لمن رضي بشريعة الله دينا، واتبع هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأدى حق ذلك، حسب الوصف لهذه الخيرية، كما توضحه باقي الآية الكريمة:{تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (3)، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إبانة أهداف اليهود والنصارى ونواياهم ضد الإسلام، وفضح أساليبهم ودعاواهم، وألا يشترك معهم في حوارهم
(1) سورة المائدة الآية 48
(2)
سورة آل عمران الآية 110
(3)
سورة آل عمران الآية 110
وندواتهم، إلا من يؤمن عليه من التأثر والانحراف، ويرجى نفعه وتأثيره في الآخرين، وذلك بالمجادلة الحسنة، والبحوث الوافية الغامضة، والدعوة برفق في توضيح حقائق الإسلام، المقرونة بالوقائع، والمعالجة للأوضاع، وبالأسلوب المقنع المريح، حتى يدركوا حقيقة العقيدة المرتبطة بالله، والتي هي محور العمل الإسلامي.
ذلك أن الآية التي أوضحت خيرية هذه الأمة خاطبت عقول أهل الكتاب بما ينفعهم، عندما تتحرك جذوة الخير في نفوسهم، وتنصاع لأمر الله استجابة ورضا بما شرع لعباده على وجه الأرض، حيث يقول جل وعلا:{وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (1){لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} (2).
(1) سورة آل عمران الآية 110
(2)
سورة آل عمران الآية 111
ودين الإسلام لم ينه عن دعوة هؤلاء، ولا عن إبانة الحقيقة لهم، ولا عن مجادلتهم مع أنهم متحمسون لعقائدهم، متشددون في باطلهم.
بل إن منهج هذا الدين الحرص على الدعوة والتوضيح لكل ذي لب، حتى تقوم الحجة، وتبرأ الذمة، ونعى بالذات على أهل الكتاب في مواضع كثيرة بالرفق واللين وحسن المجادلة، ثم المباهلة عندما يشتدون في باطلهم، ويتجاهلون ما لديهم من حقائق يحاولون طمسها مغالطة، كما قال سبحانه:
لأن الجدال المتشدد في دين الله مما يورث الهزيمة، ويوقع النفوس في أشد
(1) سورة العنكبوت الآية 46
ما نهيت عنه، إذ يوردها المهالك، كما قال سبحانه وتعالى:{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ} (1)، وأداء لحق العهد المأخوذ على من عرف شرع الله بتوضيحه للناس حتى لا يقع فيما وقع فيه أهل الكتاب من قبل من كتمان الحق، كما قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (2). واستجابة لأمر الله وخوفا من وعيده في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} (3)؛ فإن من واجب من يشارك في أمثال هذه اللقاءات، عليه أن يكون متصفا بأمور منها: -
1 -
العلم فيما يتحدث عنه، والإحاطة بجوانبه حتى لا تنزلق قدمه بعثرة في لسانه، فتحسب غلطة على الأمة الإسلامية، أو تلصق بالدين نفسه، خاصة عند أمثال هؤلاء الذين يعتبرون ما يصدر عن الأشخاص تعبيرا عن شعور الأمة، وانعكاسا للعقيدة.
2 -
الإدراك لما قصدوه في ندواتهم هذه، وما قدموه للملأ من موضوعات؛ لإبانة نظرة الإسلام وتوضيحه للأمور من منطلق المفهوم الإسلامي، حسبما وضح من مصدري التشريع فيه، وفهمه الصفوة الأولى من هذه الأمة، لا من زاوية ادعاءاتهم هم.
3 -
الحلم وضبط النفس: فالمناظرات والمداولات تستدعي الإثارة، ومن يغضب يسيء من حيث أراد الإحسان، أما الحليم فإنه يستجر من يناظره برفق ولين حتى يدرك خفايا نفسه، ثم يسيطر على الموقف لاقتران حلمه بالإدراك والعلم.
(1) سورة غافر الآية 4
(2)
سورة آل عمران الآية 187
(3)
سورة الزخرف الآية 44
4 -
التواضع ولين الجانب من غير ضعف، وذلك مما يعلي مكانة العلماء، ويحببهم لنفوس الآخرين، مهما كانت الخصومة، ويدعوهم هذا للاستجابة والأخذ عنهم، فقد جاء في الحديث الشريف:«من تواضع لله رفعه (1)» رواه أحمد وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري (2)، فالكبر يغلف النفس برداء الاحتقار والازدراء.
5 -
المثالية في التطبيق؛ لأن ثمرة العلم العمل، وعلم بلا عمل كما قال العلماء: كشجر بلا ثمر. والمثالي يكون قدوة صالحة في نفسه، ونموذجا حيا للاقتداء، ولقد جاء الوعيد الشديد لمن يعمل بخلاف ما يقول، من ذلك قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} (3){كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (4).
على أن يسبق فكرة المشاركة في أي لقاء دراسة جدوى المشاركة، وما يترتب عليها من مصالح، ونوايا المشاركين والداعين والخلفية الفكرية والعقدية عن كل فهم، مع أخذ ذلك بعمق وحيطة، استرشادا بما جاء في كتاب الله عز وجل من كشف نوايا أهل الكتاب - اليهود والنصارى - في مثل هذه الآيات الكريمات، التي تخاطبهم وتدعوهم إلى الحق، وتبين لهم ما وقعوا فيه من العيوب والأخطاء، وتدعوهم إلى كلمة سواء:{وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (5){يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} (6){يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (7){وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (8){وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (9).
(1) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2588)، سنن الترمذي البر والصلة (2029)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 386)، موطأ مالك الجامع (1885)، سنن الدارمي الزكاة (1676).
(2)
انظر كشف الخفاء ومزيل الإلباس 2: 242.
(3)
سورة الصف الآية 2
(4)
سورة الصف الآية 3
(5)
سورة آل عمران الآية 69
(6)
سورة آل عمران الآية 70
(7)
سورة آل عمران الآية 71
(8)
سورة آل عمران الآية 72
(9)
سورة آل عمران الآية 73
إذ مهمة من يتحدث باسم الإسلام في لقاء خطير كهذا، أن ينطلق من عقيدة الإسلام فكرا وعملا واعتقادا، حتى يحقق الثمرة المرجوة منه.
ولعلنا لو رجعنا إلى دقائق التقارير، والأخبار المرصودة عن تلك الدعوات الموجهة عنوة للمسلمين، وتابعها الغيورون من المسلمين، فإننا سوف نراها تسير في خط مغاير للإسلام هدفا وتشريعا وفكرا للأسباب التالية: -
1 -
يعتبرون هنري دومونث مؤسس الصليب الأحمر رمز الإحسان، ودارون صاحب نظرية التطور والارتقاء، والذي يرى أن الإنسان أصله قرد، رمزا للتطور، وكارل ماركس مؤسس الاشتراكية الشيوعية رمز المساواة.
وهؤلاء كلهم يهود الانتماء، ومعلومة أفكارهم ومبادئهم، فهم يعتبرونهم من رموز الإنسانية.
2 -
يرون أن كل الأديان بمستوى واحد ويعدون منها اليهودية والنصرانية والإسلام وكذلك البوذية وأيضا الماسونية والمؤمنون الأحرار بإله واحد في النصارى.
3 -
يضعون صلاة مشتركة اخترعوها من أنفسهم بصفتها ووقتها يمارسها من ينتمي إلى دعواتهم، أسموها صلاة روح القدس، وكذلك نشيدا يردده الجميع أسموه نشيد الإله الواحد: رب وأب.
4 -
اللوائح التي وضعوها داخلية، تسعى لإذابة الفوارق الدينية، ومسخ الشخصية، ويهدفون من ذلك بالدرجة الأولى الشخصية الإسلامية.
5 -
يعتبرون يوم صلاة البابا في أسيس 27 أكتوبر عيدا لكل الأديان، ويوم أول يناير هو يوم التآخي.
6 -
أما شعارهم فيتثمل في راية عليها شعار الأمم المتحدة وقوس قزح وإشارة (7) رمز النصر، وهو اسم أول سفينة اكتشفت القارة الأمريكية، وحملت رسالة النصرانية إلى تلك البلاد.
وكل هذه تختلف شكلا ومضمونا عن المعتقد الإسلامي، وتعمق جذورا ينهى عنها الإسلام، وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التشبه بأعمال وأفعال المناوئين لشرع الله. . وهذا مما يجب أن يدركه المشارك لهم في اللقاء؛ ليرفضه أو يطلب استبداله في مدخله معهم للحوار كشرط أولي؛ لإشعارهم بفهم المشارك واعتزازه بدينه.
أما غير المعلن من النوايا، فهو ما يهدف دعاة هذه المبادئ من ورائه إلى زعزعة الإسلام من النفوس، ومحاولة تقويض دعائمه لتثبيط الهمم عنه خوفا وحسدا:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (1) خاصة بعد أن أحسوا بعودة جديدة من المسلمين ولا سيما الشباب لدينهم، ورغبة من بعض المفكرين الغربيين الانتماء للإسلام عقيدة أو فكرا أو دراسة.
إن وحدة الأديان التي يدعون إليها ليست جديدة، وإن تغيرت مسمياتها بما يحاول به دعاتها الخداع والمراوغة، ولعل هذا مما يتضح لنا من استقراء الحوار الفكري في القرآن، ومجادلة أهل الكتاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أخذت التسمية الجديدة نمطا خاصا فهي في جوهرها تلتقي مع الأصل في الهدف والغاية، كما مر في الآيات السابقة قولهم:{وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} (2) إن مشاركة المسلمين في أمثال هذه اللقاءات يجب أن ينطلق من العقيدة الإيمانية والحجة الداحضة، والفهم العميق لما يراد
(1) سورة الأنفال الآية 30
(2)
سورة آل عمران الآية 73
الدخول فيه، مع النية الصادقة. . وأن تكون الدعوة إلى كلمة سواء، أبانها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في دعوة أهل الكتاب للحق بقوله جل وعلا:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (1).
- وأن نربطهم بعقيدة التوحيد بالله ربا واحدا لا شريك له وأن محمدا عبد الله ورسوله، فلا تفريق في شرع الله، ولا تفريق بين رسل الله، إذ الإيمان كل لا يتجزأ: بالله، وبملائكته، وبرسله، وبكتبه، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، فندعوهم إلى حقيقة الإيمان، وإلى البراءة مما يخالف أمر الله، وشرعه الذي شرع.
- نشعرهم أن منطلقنا اليوم هو منطلقنا بالأمس حيث اقتفى أسلافنا أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعوا ما جاءهم به، وعندما دخل أهل الكتاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خمسة عشر قرنا من الباب الذي فتحوه اليوم على نطاق أوسع، وبأساليب أخبث؛ لاحتواء الديانات كلها ومنها الإسلام، ومحاولة جعل الهيمنة لهم قياديا وفكريا وعقديا، في تشريع استبدلوه بشرع الله.
- فمهمتنا في أي لقاء أن ندعوهم إلى هدف أسمى، وغاية كبيرة لم تكن من وضع البشر أو مغلفة بمطامع شخصية ونوايا مبيتة نريد أن ندعوهم إلى شيء أراده الله للإنسانية جمعاء، وأرسل به رسله وأنزل به كتبه، وفيه سعادة من اتبعه في الدنيا والآخرة، وشقاوة من عاند وابتعد عنه الأبدية.
إنها دعوة لاتفاق المقصد في العقيدة والعمل، وتحكيم شرع الله
(1) سورة آل عمران الآية 64
الذي شرع لعباده، وفق ما أمر الله، وحسبما بلغ به رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، وجاء على لسان جميع الأنبياء قبله.
- نوضح لهم أننا أقرب إلى إبراهيم الخليل منهم؛ لأنه كان حنيفا مسلما، وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم هي الإسلام الحنيف، وإبراهيم هو سمى محمدا وأصحابه من قبل بالمسلمين، كما قال تعالى:{هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} (1).
وإبراهيم عليه السلام الذي يدعون الانتماء إليه نسبا هم مخالفون له عقيدة وعملا كما قال تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} (2).
وقد أبان الله عن تعلقهم الواهي بإبراهيم، مع مخالفتهم له فيما سار عليه هو والأنبياء من بعده بقوله عز وجل:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (3).
ومع ادعاءاتهم قديما وحديثا بأحقيتهم في إبراهيم فهم بعيدون عنه، مباينون لمنهجه، وهذه الأمة الإسلامية هي أولى منهم بإبراهيم كما قال جل وعلا:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (4){إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (5).
(1) سورة الحج الآية 78
(2)
سورة البقرة الآية 140
(3)
سورة آل عمران الآية 65
(4)
سورة آل عمران الآية 67
(5)
سورة آل عمران الآية 68
ونعرفهم بالحنيفية الصحيحة التي نعتقدها، وهي ملة إبراهيم، فهو لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، وحقيقتها الاتجاه إلى الله بالقلب، وتصديق ذلك بالعمل، فهو واحد أحد فرد صمد لا شريك له، ولا مثيل له ولا نظير كما قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1).
فمهمة من يشارك تبيين الحقائق، وتوضيح العقيدة الصحيحة، في مواطن الخلاف برفق ولين وأسلوب مقنع ومباهلتهم بالإذعان للحق، إذا استبان طريق الرشد، وعدم المعاندة، والتعصب الأعمى، كما باهل رسول الله صلى الله عليه وسلم نصارى نجران، فرفضوا خوفا من أن يحيق بهم عملهم، ويمحقهم عنادهم، حيث أوضحت ذلك الآية الكريمة في سورة آل عمران:
وأوضح ما دار في الموقف ابن كثير في تفسيره والطبري وغيرهما.
- أما إذا رفضوا الانصياع للحق بعد عرضه، واستمروا في دعاواهم وعصبياتهم الباطلة، وتراءى من كل ذلك الإصرار على جذب المسلمين لمصائدهم، وأن خلف هذه الدعاوى أمر مبيت كما يتضح من ظواهر التقارير والأخبار المرصودة، وكما سوف يبرز من مجريات اللقاءات، فيجب عدم الاستمرار في المشاركة ضمن هذه اللقاءات؛ لعدم صدق النوايا لأن المقاطعة رد عملي على جميع ادعاءاتهم الظاهرة والخفية، ويجب أن نشهدهم على تمسكنا بديننا، والتبرؤ مما يدعون إليه؛ لأنها دعوة باللسان، موجهة إعلاميا، سيئة النوايا نحو
(1) سورة الشورى الآية 11
(2)
سورة آل عمران الآية 61
الإسلام وأهله، ونبتعد عن دعواتهم هذه، ونقول كما أمر الله ورسوله الكريم من قبل:{لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} (1){وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} (2){وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} (3){وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} (4){لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (5).
ثم يبقى دور المسلمين كتابا ومفكرين في توضيح تلك النوايا للناس، عبر الصحافة الإسلامية والإعلام الهادئ الرصين، وتفنيد الفكرة والهدف، وتكريس الغاية لذلك؛ لأن هذا العمل يجب أن يكون حمية لله، ودفاعا عن دينه الحق، حتى لا يغتر بذلك الأسلوب من لا قدرة لديه على التمييز، وحتى يعرف الباحثون عن الحقيقة عندهم بيقظتهم الفكرية، ما تحت الدعوة المغلفة فيبحثون لهم عن طرق تعينهم على فهم الحقيقة وتباعدهم عن هذه الدعوات، إنها لأمانة يجب أن تراعى، وغاية يجب أن تدرك، وسموم يجب التحذير من أخطارها. . . . والله الهادي سواء السبيل.
د / محمد بن سعد الشويعر
(1) سورة الكافرون الآية 2
(2)
سورة الكافرون الآية 3
(3)
سورة الكافرون الآية 4
(4)
سورة الكافرون الآية 5
(5)
سورة الكافرون الآية 6