الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحتويات
الافتتاحية:
إلى حجاج بيت الله الحرام سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 7
موضوع العدد:
تدوين الراجح من أقوال الفقهاء في المعاملات وإلزام القضاة بالحكم به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 17
الفتاوى:
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 67
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 109
البحوث:
تعليق على التفريق بين الفائدة البنكية والربا الشيخ / صالح بن عبد الرحمن الحصين 123
من منافع الحج وآدابه الدكتور / صالح بن فوزان الفوزان 141
الدعوة إلى الله .. مكانتها وكيفيتها وثمراتها الدكتور / صالح بن فوزان الفوزان 151
مخطوطة "حجة التحذير في المنع من لبس الحرير" تحقيق الشيخ: الوليد بن عبد الرحمن الفريان 167
الفقيه المفتي زيد بن ثابت رضي الله عه مفتي الصحابة بقلم / د. محمد رواس قلعه جي 193
ابن الجوزي ومنهجه في التفسير بقلم: أحمد فهيم مطر 229
تأويل الصفات في كتب غريب الحديث الشيخ / بدر الزمان محمد شفيع النيبالي 259
من افتراءات المستشرقين على أساليب المحدثين في العناية بمتون الأحاديث بقلم / د. عزية علي طه 279
الشهادة بالحق في مهرجان الجهاد 353
من قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي
القرار الثالث حول أوقات الصلوات والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية الدرجات 369
القرار السادس حول العملة الورقية 373
قرار هيئة كبار العلماء رقم (10) بشأن الأوراق النقدية 376
بيان خطأ من جعل جدة ميقاتا لحجاج الجو والبحر لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 383
صفحة فارغة
الافتتاحية
إلى حجاج بيت الله الحرام
سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. .
أما بعد. . فإلى حجاج بيت الله الحرام أقدم هذه الوصايا عملا بقول الله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة. قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (2)» .
الأولى: الوصية بتقوى الله تعالى في جميع الأحوال، والتقوى هي جماع الخير وهي وصية الله سبحانه ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (3) وقال سبحانه: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} (4).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي في خطبه كثيرا بتقوى الله، وحقيقة التقوى أداء ما افترض الله على العبد وترك ما حرم الله عليه عن إخلاص لله، ومحبة له، ورغبة في ثوابه، وحذر من عقابه، على الوجه الذي شرعه الله لعباده على لسان رسوله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو أحد علماء
(1) سورة المائدة الآية 2
(2)
صحيح مسلم الإيمان (55)، سنن النسائي البيعة (4197)، سنن أبو داود الأدب (4944)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 102).
(3)
سورة النساء الآية 1
(4)
سورة النساء الآية 131
أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي عنهم: " تقوى الله حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر ". وقال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله: " ليست تقوى الله بصيام النهار ولا قيام الليل والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله أداء ما افترض الله، وترك ما حرمه الله، فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير ". وقال: طلق بن حبيب التابعي الجليل رحمه الله: " تقوى الله سبحانه: هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله ". وهذا كلام جيد، ومعناه أن الواجب على المسلم أن يتفقه في دين الله، وأن يتعلم ما لا يسعه جهله حتى يعمل بطاعة الله على بصيرة ويدع محارم الله على بصيرة، وهذا هو تحقيق العمل بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن الشهادة الأولى: تقتضي الإيمان بالله وحده وتخصيصه بالعبادة دون كل ما سواه، وإخلاص جميع الأعمال لوجهه الكريم رجاء رحمته وخشية عقابه.
والشهادة الثانية: تقتضي الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله إلى جميع الجن والإنس وتصديق أخباره واتباع شريعته والحذر مما خالفها، وهاتان الشهادتان هما أصل الدين، وأساس الملة، كما قال الله تعالى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (1) وقال سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (2) وقال عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (3) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
(1) سورة آل عمران الآية 18
(2)
سورة البقرة الآية 163
(3)
سورة الأعراف الآية 158
الثانية: أوصي جميع الحجاج وكل مسلم يطلع على هذه الكلمة، بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها والعناية بها وتعظيم شأنها والطمأنينة فيها؛ لأنها الركن الأعظم بعد الشهادتين ولأنها عمود الإسلام، ولأنها أول شيء يحاسب عنه المسلم من عمله يوم القيامة، ولأن من تركها فقد كفر، قال الله سبحانه وتعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (1) وقال عز وجل: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (2) وقال جل شأنه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (3){الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (4) إلى أن قال سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (5){أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} (6){الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (7) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (8)» أخرجه مسلم في صحيحه. وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (9)» . خرجه أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، وخرج الإمام أحمد بإسناد حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من حافظ على الصلاة كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف (10)» . قال بعض أهل العلم في شرح هذا الحديث: وإنما حشر من ضيع الصلاة مع هؤلاء الكفرة؛ لأنه إما أن يضيعها تشاغلا بالرئاسة والملك والزعامة فيكون شبيها بفرعون، وإما أن يضيعها من أجل الوزارة والوظيفة، فيكون شبيها بهامان وزير فرعون، وإما أن يضيعها تشاغلا بالشهوات وحب المال والتكبر على الفقراء فيكون شبيها بقارون الذي خسف الله به وبداره الأرض، وإما أن يضيعها تشاغلا بالتجارة
(1) سورة النور الآية 56
(2)
سورة البقرة الآية 238
(3)
سورة المؤمنون الآية 1
(4)
سورة المؤمنون الآية 2
(5)
سورة المؤمنون الآية 9
(6)
سورة المؤمنون الآية 10
(7)
سورة المؤمنون الآية 11
(8)
صحيح مسلم الإيمان (82)، سنن الترمذي الإيمان (2620)، سنن أبو داود السنة (4678)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 389)، سنن الدارمي الصلاة (1233).
(9)
سنن الترمذي الإيمان (2621)، سنن النسائي الصلاة (463)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 346).
(10)
مسند أحمد بن حنبل (2/ 169)، سنن الدارمي الرقاق (2721).
والمعاملات الدنيوية فيكون شبيها بأبي بن خلف تاجر كفار مكة. فنسأل الله العافية من مشابهة أعدائه.
ومن أهم أركان الصلاة التي يجب على المسلم رعايتها والعناية بها الطمأنينة في ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها، وكثير من الناس يصلي صلاة لا يعقلها ولا يطمئن فيها.
ولا شك أن الطمأنينة من أهم أركان الصلاة فمن لم يطمئن في صلاته فهي باطلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع استوى في ركوعه، وأمكن يديه من ركبتيه، وهصر ظهره وجعل رأسه حياله، ولم يرفع رأسه حتى يعود كل فقار إلى مكانه، وإذا رفع رأسه من الركوع اعتدل حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وإذا سجد اطمأن في سجوده حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وإذا جلس بين السجدتين اعتدل حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، لما رأى صلى الله عليه وسلم بعض الناس لا يطمئن في صلاته أمره بالإعادة، وقال له:«إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها (1)» . أخرجه الشيخان في الصحيحين.
فهذا الحديث الصحيح يدل على أن الواجب على المسلم أن يعظم هذه الصلاة ويعتني بها ويطمئن فيها حتى يؤديها على الوجه الذي شرعه الله ورسوله، وينبغي أن تكون الصلاة للمؤمن راحة قلب ونعيم روح وقرة عين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«جعلت قرة عيني في الصلاة (2)» . ومن أهم واجبات الصلاة في حق الرجال أداؤها في الجماعة في مساجد الله لأن ذلك من أعظم شعائر الإسلام، وقد أمر الله بذلك ورسوله صلى الله عليه وسلم كما قال عز وجل:
{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (3) وقال سبحانه في صلاة
(1) صحيح البخاري الاستئذان (6251)، صحيح مسلم الصلاة (397)، سنن الترمذي الصلاة (303)، سنن النسائي الافتتاح (884)، سنن أبو داود الصلاة (856)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1060)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 437).
(2)
سنن النسائي عشرة النساء (3939)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 285).
(3)
سورة البقرة الآية 43
الخوف: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} (1) الآية. فأوجب الله سبحانه على المسلمين أداء الصلاة في الجماعة في حال الخوف، فيكون وجوبها عليها في حال الأمن أشد وآكد، وتدل الآية المذكورة على وجوب الإعداد للعدو والحذر من مكائده حتى في حال الصلاة كما قال سبحانه:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (2) الآية، فالإسلام دين العزة والكرامة والقوة والحذر والجهاد الصادق، كما أنه دين الرحمة والإحسان والأخلاق الكريمة والصفات الحميدة، ولما جمع سلفنا الصالح بين هذه الأمور مكن الله له في الأرض ورفع شأنهم، وملكهم رقاب أعدائهم، وجعل لهم السيادة والقيادة فلما غير من بعدهم غير عليهم كما قال عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (3) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار (4)» . وقال عليه الصلاة والسلام: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر (5)» . وعن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رجلا أعمى قال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يلازمني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب (6)» . خرجه مسلم في صحيحه.
أما النساء فصلاتهن في بيوتهن خير لهن كما جاءت بذلك الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ذاك إلا لأنهن عورة وفتنة، ولكن لا يمنعن من المساجد إذا طلبن ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تمنعوا إماء الله مساجد الله (7)» . وقد دلت الآيات
(1) سورة النساء الآية 102
(2)
سورة الأنفال الآية 60
(3)
سورة الرعد الآية 11
(4)
صحيح البخاري الأذان (644)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (651)، سنن الترمذي الصلاة (217)، سنن النسائي الإمامة (848)، سنن أبو داود الصلاة (548)، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (791)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 537)، موطأ مالك النداء للصلاة (292)، سنن الدارمي الصلاة (1212).
(5)
سنن أبو داود الصلاة (551)، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793).
(6)
صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653)، سنن النسائي الإمامة (850).
(7)
صحيح البخاري الجمعة (900)، صحيح مسلم الصلاة (442)، سنن الترمذي الجمعة (570)، سنن النسائي المساجد (706)، سنن أبو داود الصلاة (568)، سنن ابن ماجه المقدمة (16)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 16)، سنن الدارمي المقدمة (442).
والأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه يجب عليهن التستر والتحجب من الرجال وترك إظهار الزينة، والحذر من التعطر حين خروجهم، لأن ذلك يسبب الفتنة بهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات (1)» ومعنى تفلات: أي لا رائحة لهن تفتن الناس، وقال صلى الله عليه وسلم:«أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء (2)» . وقالت عائشة رضي الله عنها: لو علم النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء اليوم لمنعهن من الخروج. فالواجب على النساء أن يتقين الله، وأن يحذرن أسباب الفتنة من الزينة والطيب وإبراز بعض المحاسن كالوجه واليدين والقدمين حين اجتماعهن بالرجال، وخروجهم إلى الأسواق وهكذا في وقت الطواف والسعي، وأشد من ذلك وأعظم في المنكر كشفهن الرءوس ولبس الثياب القصيرة التي تقصر عن الذراع والساق لأن ذلك من أعظم أسباب الفتنة بهن، ولهذا قال عز وجل:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (3). والتبرج إظهار بعض محاسنهن.
قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (4) الآية. والجلباب هو الثوب الذي تغطي به المرأة رأسها ووجهها وصدرها وسائر بدنها. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (5) الآية.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: «نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، ورجال بأيديهم سياط مثل أذناب البقر يضربون بها الناس (6)» .
(1) سنن أبو داود الصلاة (565)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 438)، سنن الدارمي الصلاة (1279).
(2)
صحيح مسلم الصلاة (444)، سنن النسائي الزينة (5128)، سنن أبو داود الترجل (4175)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 304).
(3)
سورة الأحزاب الآية 33
(4)
سورة الأحزاب الآية 59
(5)
سورة الأحزاب الآية 53
(6)
صحيح مسلم اللباس والزينة (2128)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 440)، موطأ مالك الجامع (1694).
خرجه مسلم في صحيحه. ومعنى كاسيات عاريات فسر بأنهن كاسيات من نعم الله عاريات في الحقيقة. ولا ريب أن هذا الحديث الصحيح يوجب على النساء العناية بالتستر والتحجب والحذر من أسباب غضب الله وعقابه والله المستعان.
الوصية الثالثة: أوصي جميع الحجاج وكل مسلم بإخراج زكاة ماله إذا كان لديه مال تجب الزكاة فيه، لأن الزكاة من أعظم فرائض الدين وهي الركن الثالث من أركان الإسلام، فالله سبحانه وتعالى شرعها طهرة للمسلم، وزكاة له ولماله وإحسانا للفقراء وغيرهم من أصناف أهل الزكاة.
كما قال عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ} (1).
هي من شكر الله على نعمة المال والشاكر موعود بالأجر والزيادة كما قال سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (2). وقال عز وجل: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} (3). وقد توعد الله من لم يؤد الزكاة بالعذاب الأليم كما توعده سبحانه بأنه يعذبه بماله يوم القيامة. قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (4){يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (5).
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية الكريمة أن كل مال لا يؤدى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. فالواجب على كل مسلم له مال تجب فيه الزكاة أن يتقي الله ويبادر بإخراج زكاته في وقتها في أهلها
(1) سورة التوبة الآية 103
(2)
سورة إبراهيم الآية 7
(3)
سورة البقرة الآية 152
(4)
سورة التوبة الآية 34
(5)
سورة التوبة الآية 35
المستحقين لها طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وحذرا من غضب الله وعقابه والله سبحانه وعد المنفقين بالخلف والأجر الكبير قال سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (1) قال تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} (2)
(1) سورة سبأ الآية 39
(2)
سورة الحديد الآية 7
الوصية الرابعة: صيام رمضان: هو من أعظم الفرائض على جميع المكلفين من الرجال والنساء، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام قال سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1){أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} (2). ثم فسر هذه الأيام المعدودات بعد ذلك بقوله سبحانه وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت (4)» . فهذا الحديث الصحيح يدل على جميع الوصايا المتقدمة، وهي الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم، وأنها كلها من أركان الإسلام التي لا يقوم بناؤه إلا عليها، فالواجب على كل مسلم ومسلمة تعظيم هذه الأركان والمحافظة عليها والحذر من كل ما يبطلها أو ينقص أجرها، والله سبحانه إنما خلق الثقلين ليعبدوه سبحانه، وأرسل الرسل وأنزل الكتب من أجل ذلك، وعبادته هي طاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم عن إخلاص لله سبحانه محبة له وإيمان به وبرسله، ورغبة في ثواب الله وحذر من عقابه، وبذلك يفوز العبد بالسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، وإنما أصيب المسلمون في هذه العصور الأخيرة بالذل والتفرق وتسليط الأعداء بسبب تفريطهم في أمر الله وعدم تعاونهم على البر والتقوى. كما قال عز وجل:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (5). فنسأل
(1) سورة البقرة الآية 183
(2)
سورة البقرة الآية 184
(3)
سورة البقرة الآية 185
(4)
صحيح البخاري الإيمان (8)، صحيح مسلم كتاب الإيمان (16)، سنن الترمذي الإيمان (2609)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5001)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 26).
(5)
سورة الشورى الآية 30