الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يديه، فقال: انطلقت أنا فانتسخت كتابا من أهل الكتاب، ثم جئت به في أديم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا في يدك يا عمر، قال: قلت: يا رسول الله، كتاب انتسخته لنزداد به علما إلى علمنا، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه، ثم نودي بالصلاة جامعة، فقالت الأنصار: أغضب نبيكم صلى الله عليه وسلم، السلاح السلاح، فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إني أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي اختصارا، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية، فلا تتهوكوا، ولا يقربكم المتهوكون، قال عمر: فقمت فقلت: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبك رسولا، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم».
ولقد مال بعض التابعين وأتباعهم أيضا إلى عدم كتابة الحديث، ولقد جمع الدارمي أقوالهم في ذلك ومنها ما يلي:" عن الأوزاعي قال: كان قتادة يكره الكتاب. فإذا سمع وقع الكتاب أنكره والتمسه بيده. . . عن ابن عون قال: رأيت حمادا يكتب عن إبراهيم، فقال له إبراهيم: ألم أنهك؟ قال: إنما هي أطراف. . . عن إبراهيم قال: قال لي عبيدة: لا تخلدن عني كتابا. . . وإنه كان يكره أن يكتب الحديث في الكراريس ويقول: يشبه بالمصاحف. . . وإن عبيدة دعا بكتبه فمحاها عند الموت، وقال إني أخاف أن يليها قوم فلا يضعونها مواضعها "(1).
(1) أخرجه الدارمي في كتاب العلم، باب من لم ير كتابة الحديث 1/ 99، 100.
ثانيا: بعض الأحاديث والآثار الواردة في كتابة السنة:
لقد رأينا أعلاه بعض الأحاديث الصحيحة التي تنهى عن كتابة الحديث، ولكن كتب السنة قد أوردت أيضا أحاديث أخرى صريحة في جواز كتابة الحديث النبوي الشريف منها ما يلي:
أخرج الترمذي بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: " ليس أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب ".
كما أخرج الإمام أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: «كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا: أتكتب كل شيء؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال: اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق (1)» .
ولقد أورد الخطيب البغدادي في شأن صحيفة عبد الله بن عمرو ما يلي: " وكان عبد الله بن عمرو يسمي صحيفته التي كتبها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادقة. وكان يقول: " هذه الصادقة هذه ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بيني وبينه أحد، إذا سلمت لي هذه، وكتاب الله تبارك وتعالى والوهط - أرض تصدق بها عمرو بن العاص كان يقوم عليها - فما أبالي ما كانت عليه الدنيا " (2).
ولقد أخرج الإمام البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء فقال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس فقال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا: هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه، وأوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت
(1) أخرجه أبو داود في كتاب العلم، باب رواية حديث أهل الكتاب 5/ 246 حديث رقم 3499 أخرجه الحاكم بلفظه في كتاب العلم، باب الأمر بكتابة الحديث 1/ 104 وصححه وأقره الذهبي على تصحيحه.
(2)
تقييد العلم: 84.
أجيزهم، ونسيت الثالثة (1)».
كما أخرج الحاكم بسنده من حديث أنس رضي الله عنه أنه كان يقول: " قيدوا العلم بالكتاب ".
ولقد جمع الدارمي في سننه أقوال من رخص في كتابة العلم من السلف الصالح فيما يلي: " كتب عن عمر بن عبد العزيز إلى أهل المدينة أن انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه فإني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله. . . عن أبي المليح قال: يعيبون علينا الكتاب وقد قال تعالى: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} (2) حدثنا سوادة بن حيان قال سمعت معاوية بن قرة أبا إياس يقول: كان يقال من لم يكتب علمه لم يعد علمه علما. . . وسئل أبو أمامة الباهلي عن كتاب العلم، فقال: لا بأس بذلك. . . عن سعيد بن جبير قال: كنت أسمع من ابن عمر وابن عباس الحديث بالليل، فاكتبه في واسطة الرحل. . . . وقال: كنت أسير مع ابن عباس في طريق مكة ليلا، وكان يحدثني بالحديث فأكتبه في واسطة الرحل حتى أصبح فأكتبه. . . وكنت أكتب عند ابن عباس في صحيفة، واكتبه في نعلي. . . وعن عبد الله بن حنش قال: رأيتهم يكتبون عند البراء بأطراف القصب على أكفهم. . . . وعن سليمان بن موسى: أنه رأى نافعا مولى ابن عمر يملي علمه ويكتبه بين يديه. . . . قال أبو قلابة: خرج علينا عمر بن عبد العزيز لصلاة الظهر ومعه قرطاس، ثم خرج علينا لصلاة العصر ومعه، فقلت له: يا أمير المؤمنين ما هذا الكتاب؟ قال: حديث حدثني به عون بن عبد الله فأعجبني فكتبته. . . دعا الحسن بنيه وبني أخيه فقال: يا بني وبني أخي، إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين، فتعلموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يرويه، أو قال يحفظه فليكتبه وليضعه
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، باب هل يستشفع إلى أهل الذمة؟ ومعاملتهم 6/ 170 (من صحيح البخاري بشرحه فتح الباري).
(2)
سورة طه الآية 52
في بيته (1).
ولقد جمع الخطيب البغدادي أيضا بعض أقوال السلف الصالح ممن رخص في كتابة العلم منها ما يلي: " أن حمادا قال: أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتابا، زعم أن أبا بكر كتبه لأنس وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه مصدقا وكتبه له، وإذا فيه: هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، التي أمر الله تعالى بها نبيه صلى الله عليه وسلم، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها. . . وعن عمر بن الخطاب قال: قيدوا العلم بالكتاب. . . وعن الأعمش عن إبراهيم عن أبيه قال: خطبنا علي بن أبي طالب فقال: من زعم أن عندنا شيئا نقرأه، ليس في كتاب الله تعالى وهذه الصحيفة، قال: صحيفة معلقة في سيفه، فيها أسنان الإبل وشيئا من الجراحات - فقد كذب، وفيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا، أو أوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، من أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا (2)» . . . وكان ابن عباس يأتي أبا رافع فيقول: ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كذا؟ ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كذا؟ ومع ابن عباس ألواح يكتب فيها. . . وكان الشعبي يقول: الكتاب قيد العلم. . . إذا سمعتم مني شيئا فاكتبوه ولو في حائط. . . وعن الحسن قال: إنما نكتبه - يعني الحديث - لنتعاهده. . قالوا لقتادة نكتب ما نسمع منك؟ قال: وما يمنعك أن تكتب وقد أخبرك اللطيف الخبير أنه يكتب قال: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} (3). . . وعن أبي قلابة قال: الكتاب أحب إلي من النسيان. . . عن صالح بن كيسان قال: اجتمعت أنا والزهري ونحن نطلب العلم، فقلنا نكتب السنن، فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال نكتب ما جاء عن أصحابه فإنه سنة، فقلت أنا: ليس بسنة فلا نكتبه، قال: فكتب، ولم أكتب، فأنجح
(1) سنن الدارمي كتاب العلم، باب من رخص في كتابة العلم 1/ 104 - 107.
(2)
صحيح البخاري كتاب الفرائض (6755)، صحيح مسلم الحج (1370)، سنن الترمذي الولاء والهبة (2127)، سنن أبو داود المناسك (2034)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 81).
(3)
سورة طه الآية 52