المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ قدم الله ورجله: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الوصية الخامسة: حج بيت الله الحرام

- ‌ حكم تولية كل منهم القضاء

- ‌ المذهب الحنفي:

- ‌ المذهب المالكي:

- ‌ المذهب الشافعي:

- ‌ المذهب الحنبلي:

- ‌ أقوال فقهاء الإسلام فيما يحكم به كل منهم إذا تولى القضاء مجتهدا كان أم مقلدا

- ‌ المذهب الحنفي:

- ‌ المذهب المالكي:

- ‌ المذهب الشافعي:

- ‌ المذهب الحنبلي:

- ‌الخلاصة

- ‌ الدواعي إلى تدوين الراجح من أقوال الفقهاء وإلزام القضاة الحكم به

- ‌الثالث: بدء هذه الفكرة ووجودها قديما وحديثا:

- ‌التصرف في الكون

- ‌كيفية خلق الإنسان

- ‌أنتم خلفاء الله في أرضه

- ‌هل يقال عن الهواء ونحوه أنه طبيعي

- ‌شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌حكم من يسب الدين والسلام عليه

- ‌حكم الإسلام في بعض الأقوال

- ‌حكم ذبيحة من يسب الدين والأكل معه

- ‌حكم بعض الكلمات التي فيها سب الدين

- ‌حكم سب الذات الإلهية

- ‌حكم تمزيق المصحف

- ‌المكفرات التي تخرج من الإسلام

- ‌من كان أتقى لله فهو أفضل

- ‌أخذ الأجرة على تعليم القرآن

- ‌لا يكفي إطعام مسكين عشر مرات عن إطعام عشرة مساكين

- ‌يجب على المرأة التستر سواء كانت بدوية أو حضرية

- ‌حكم الاستماع للغناء

- ‌شرح حديث «استوصوا بالنساء خيرا

- ‌الحشرات التي يجوز قتلها

- ‌على المسلم أن يبلغ عن ربه وأن يؤدي الأمانة

- ‌لا يجوز للمسلم أن يخلو بالمرأة الأجنبيةسواء كانت خادمة أو غيرها

- ‌الزواج بنية الطلاق والفرق بينه وبين زواج المتعة

- ‌يجب منع المجلات التي عليها صور النساء

- ‌هل الذنوب تسبب محق البركة

- ‌الخاتمة

- ‌من منافع الحج وآدابه

- ‌الدعوة إلى اللهمكانتها وكيفيتها وثمراتها

- ‌تعريف الدعوة إلى الله

- ‌ أهمية الدعوة ومكانتها في الإسلام

- ‌ كيفية الدعوة ومجالاتها

- ‌الصفات التي يجب أن يتحلى بها الداعية إلى الإسلام

- ‌ثمرة الدعوة إلى الله ونتائجها

- ‌مخطوطة "حجة التحذير فيالمنع من لبس الحرير

- ‌مقدمة

- ‌موضوع الرسالة

- ‌المؤلف

- ‌وصف النسخ:

- ‌التوثيق

- ‌منهج التحقيق:

- ‌الفقيه المفتيزيد بن ثابترضي الله عنه من مفتي الصحابة

- ‌ زيد بن ثابت:

- ‌ إسلامه:

- ‌ ذكاؤه:

- ‌ فكاهته:

- ‌ جهاده:

- ‌ علمه:

- ‌ الكتابة والخط:

- ‌ لغة العرب وشعرها:

- ‌ اللغات الأجنبية:

- ‌ القرآن الكريم:

- ‌ الحديث النبوي الشريف:

- ‌ القيافة:

- ‌ الفقه والفرائض:

- ‌ أحد الفقهاء الستة:

- ‌ إتقانه الفرائض مع الفقه:

- ‌ إتقانه القضاء مع الفقه:

- ‌ عمل أهل المدينة بقوله:

- ‌ سؤال الخلفاء إياه وعملهم بقوله:

- ‌ شواذه:

- ‌ إمتناعه عن الفتوى فيما لم يقع:

- ‌ منعه عن كتابة فتاواه:

- ‌ تأثره بفقه عمر بن الخطاب:

- ‌ حامل فقه زيد بن ثابت:

- ‌ الحساب:

- ‌ ثناء العلماء عليه:

- ‌ سيرته مع الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء:

- ‌ زيد مع الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ زيد مع أبي بكر:

- ‌ زيد مع عمر بن الخطاب:

- ‌ زيد مع عثمان بن عفان:

- ‌ زيد مع علي بن أبي طالب:

- ‌ زيد مع مروان بن الحكم (أمير المدينة المنورة):

- ‌ وفاة زيد بن ثابت:

- ‌حياة ابن الجوزي

- ‌أسرته:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌مذهبه:

- ‌أعماله:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌مصادره في التفسير:

- ‌مصادره في أسباب النزول:

- ‌مصادره النحوية واللغوية:

- ‌مصادره الفقهية:

- ‌أبرز سمات تفسير ابن الجوزي:

- ‌مواقفه من القراءات:

- ‌تفسير القرآن بالقرآن أو بالسنة:

- ‌أسباب النزول:

- ‌الأحكام الفقهية:

- ‌اللغة والنحو:

- ‌موقفه من الإسرائيليات:

- ‌ترجيحه بعض الآراء على بعض:

- ‌وفاة ابن الجوزي:

- ‌تأويل الصفاتفيكتب غريب الحديث

- ‌ قدم الله ورجله:

- ‌ أصابع الرحمن:

- ‌ ضحك الله تعالى:

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌ استعراض بعض افتراءات المستشرقين حولأساليب المحدثين في العناية بمتون الأحاديث

- ‌أولا: الادعاء أن النهي عن كتابة السنة أدى إلى ضياعها:

- ‌ثانيا: الادعاء أن المحدثين لم يعتنوا بمتون الأحاديث:

- ‌ثالثا: الادعاء أن الأحاديث الشريفة مليئة بالمتون المتعارضة:

- ‌ اختلاف الروايات حول تدوين الأحاديث وكيفية الجمع بينها

- ‌أولا: بعض الأحاديث والآثار الواردة في النهي عن كتابة السنة:

- ‌ثانيا: بعض الأحاديث والآثار الواردة في كتابة السنة:

- ‌ثالثا: توفيق العلماء بين اختلاف الروايات في شأن تدوين السنة:

- ‌ بعض الأسباب التي دفعت المحدثين للعناية بمتون الحديث

- ‌ بعض المناهج التي اتبعها المحدثون للعناية بمتون الأحاديث

- ‌ بعض النتائج التي ترتبت على عناية المحدثين بمتون الحديث

- ‌ أساليب المحدثين في تمحيص المتون المتعارضةوالمتون التي ظاهرها التعارض

- ‌أولا: المتون المتعارضة:

- ‌ تعريف الشاذ ومثاله وحكمه

- ‌ تعريف المنكر ومثاله وحكمه:

- ‌ تعريف المضطرب ومثاله وحكمه:

- ‌ تعريف المنسوخ ومثاله وحكمه:

- ‌ثانيا: المتون المتعارضة ظاهريا:

- ‌ الرد على افتراءات المستشرقين حول أساليب المحدثين في العناية بمتون الأحاديث

- ‌الخاتمة ونتائج البحث

- ‌الشهادة بالحق فيمهرجان الجهاد

- ‌من قرارات المجمع الفقهيالإسلامي بمكة المكرمة

- ‌القرار الثالثحول أوقات الصلوات والصيامفي البلاد ذات خطوط العرضالعالية الدرجات

- ‌القرار السادسحول العملة الورقية

- ‌من قرارات هيئة كبار العلماء

- ‌قرار رقم 10 بشأن الأوراق النقدية

- ‌وجهة نظر

- ‌بيان خطأ من جعل جدةميقاتا لحجاج الجو والبحر

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ قدم الله ورجله:

معرفة معناها في لسان العرب من غير أن تشبه بصفات الخلوق، أو تعتقد لها كيفية.

وأما التأويل الذي نراه في كتب غريب الحديث في أبواب العقائد عامة وباب الصفات خاصة فالحق أنه تعطيل لصفات الله تعالى، ولم يدخل في كتب الغريب إلا من جهة تأثر اللغويين بكلام الجهمية والمعطلة، فليحذر الذين يستفيدون منها أن تصيبهم فتنة، فيعتقدوا بما جاء عندهم من تأويل الصفات، فيزيغوا عن الحق.

وقد أكثر اللغويون بالتأليف في غريب الحديث، ومع هذا ما وجدت - حسب علمي - أحدا منهم أهتم بالتنبيه على هذه الظاهرة الزائغة عن الحق، وأبان الصواب، في كتاب مفرد أو شبه مفرد، فذلك الذي حملني على أن أشر إلى بعض ما تسرب إلى كتب غريب الحديث من هنات في باب العقيدة سهوا من مؤلفيها - ونستغفر الله لنا ولهم - ونصوبها بالأدلة الصريحة الواضحة إن شاء الله، وهي كما يلي:

ص: 262

(1)

‌ قدم الله ورجله:

نقل ابن الأثير عن الهروي (1)". حديثا في صفة النار: " وحتى يضع الجبار فيها قدمه " (2) وعند الزمخشري جاء ذكر الرب أولا ثم أورده بلفظ: " فيضع قدمه عليها " (3).

وقال الهروي بعد ذكر الحديث: " روي عن الحسن: يجعل الله تعالى فيها الذين قدمهم من شرار خلقه، فهم قدم الله تعالى للنار كما أن المسلمين قدم للجنة "(4). .

(1) وعنده بدون لفظ " الجبار

(2)

انظر النهاية (4/ 25)

(3)

انظر الفائق (3/ 165).

(4)

كتاب الغريبين (3/ 17)

ص: 262

ومثله رواه عنه الأزهري، وابن سيده كما نقله عنه ابن منظور (1).

وروى القرطبي عن النضر بن شميل في معنى الحديث: " أي من سبق في علمه أنه من أهل النار "(2). .

وقال الزمخشري: " وضع القدم على الشيء مثل للردع والقمع، فكأنه قال: يأتيها أمر الله عز وجل فيكفها عن طلب المزيد فترتدع "(3). وقال القاضي عياض في مادة " جبر ": " قيل: هو أحد الجبابرة الذين خلقهم الله لها، فكانت تنتظره، وقيل: الجبار هنا الله تعالى، وقدمه: قوم قدمهم الله تعالى لها، أو تقدم في سابق علمه أنه سيخلقهم لها، وهذا تأويل الحسن البصري، كما جاء في كتاب التوحيد من البخاري هو أن الله ينشئ للنار من يشاء فيلقون فيها "(4). وقيل معناه يقهرها بقدرته حتى تسكن. . وعند أبي ذر في تفسير سورة (ق): حتى يضع رجله. . وإذا أضفنا ذلك إلى أحد الجبابرة كان على وجهه، وإلا كان بمعنى الجماعة التي خلقهم الله لها، والرجل: الجماعة من الجراد، أو يتأول فيه كما يتأول في القدم " (5). .

ونقل ابن الجوزي عن الحسن - كما سبق عند الهروي - وعن الخطابي - ولم أجده في غريبه - قوله: إنما أريد بذلك الزجر لها والتسكين من غربها كما يقال للأمر تريد إبطاله: وضعته تحت قدمي " ثم حسنه ابن الجوزي بقوله: " وهذا وجه حسن " (6) وذكر ابن الأثير ما عند الهروي، وأضاف إليه قول الزمخشري، والخطابي من غير عزو (7).

(1) انظر تهذيب اللغة (9/ 45) واللسان (قدم).

(2)

تفسير القرطبي (17/ 19)

(3)

الفائق (3/ 165)

(4)

البخاري (ومعه الفتح)(13/ 434)

(5)

المشارق (1/ 138)

(6)

غريب ابن الجوزي (2/ 225). .

(7)

انظر النهاية (4/ 25).

ص: 263

ويتلخص مما سبق عدة أقوال للمؤلفين:

(1)

القدم: الذين قدمهم الله من شرار خلقه.

(2)

القدم: هم الذين سبق في علم الله أنهم من أهل النار.

(3)

وضع القدم: يراد به الزجر والتوبيخ عن طلب المزيد، والقهر على النار بالقدرة، وإبطال طلبها.

(4)

الجبار: هو أحد الجبابرة الذين خلقهم الله للنار.

(5)

الرجل: رجل أحد الجبابرة.

(6)

الرجل: الجماعة الذين خلقهم الله للنار.

هذه هي بعض أقوال العلماء في تأويل هذا الحديث، وقد عرض بعضها الآخر الحافظ ابن حجر (1).

وقد وردت أحاديث عديدة في إثبات هذه الصفة لله تعالى فذكر بعضها:

" عن أبي هريرة رفعه - وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان - «يقال لجهنم: هل امتلأت؟ وتقول: هل من مزيد؟ فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول: قط قط (2)»

" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فأما النار فلا تمتلئ، حتى يضع رجله، فتقول: قط قط قط فهنالك تمتلئ، ويزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا، وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا (3)» عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويبقى أهل النار فيطرح منهم فيها فوج، ثم يقال: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟ ثم يطرح فيها فوج آخر فيقول: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟

(1) انظر فتح الباري (8/ 596).

(2)

صحيح البخاري تفسير القرآن (4849)، صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2847).

(3)

الحديثان في البخاري (8/ 595) حديث رقم (4849 - 4850). .

ص: 264

حتى إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن قدمه فيها فانزوى بعضها إلى بعض، ثم قال: قط؟ قالت: قط قط (1)».

" عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فيدلي فيها رب العالمين قدمه (2)» .

" سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يلقى في النار أهلها، وتقول: هل من مزيد؟ ويلقى في النار، وتقول: هل من مزيد؟ حتى يأتيها تبارك وتعالى فيضع قدمه عليها (3)» .

" عن ابن عباس. . .: إن الله الملك تبارك وتعالى قد سبقت كلمته: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (4) فلما بعث الناس وأحضروا، وسيق أعداء الله إلى النار زمرا، جعلوا يقتحمون في جهنم فوجا فوجا، لا يلقى في جهنم شيء إلا ذهب فيها، ولا يملؤها شيء قالت: ألست قد أقسمت لتملأني من الجنة والناس أجمعين، فوضع قدمه، فقالت: حين وضع قدمه فيها: قد قد، فإني قد امتلأت، فليس لي مزيد، ولم يكن يملؤها شيء حتى وجدت مس ما وضع عليها، فتضايقت حين جعل عليها ما جعل، فامتلأت فما فيها موضع إبرة "(5).

وفي رواية عنه: ". . . حتى إذا لم يبق من أهلها أحد إلا دخلها وهي لا يملؤها شيء أتاها الرب فوضع قدمه عليها. . . ولم يكن يملؤها شيء حتى وجدت مس قدم الله تعالى ذكره. . . "(6).

فهذه الأحاديث الصحيحة صريحة في إثبات صفة القدم لله تعالى، ويظهر ذلك فيما يلي:

(1) سنن الترمذي كتاب صفة الجنة (2557).

(2)

صحيح البخاري تفسير القرآن (4848)، صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2848)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3272)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 134).

(3)

الأحاديث الثلاثة في التوحيد لابن خزيمة (96 - 98).

(4)

سورة هود الآية 119

(5)

تفسير الطبري (26/ 169).

(6)

تفسير الطبري (26/ 169 - 170).

ص: 265

(1)

إتيان الرب تبارك وتعالى، يشير إلى أن القدم صفه له، لأنه إن كان إسما لمن قدمهم للنار من شرار خلقه، كان تقديم إدخالهم في النار أولى من تأخيرهم إلى آخر الدخول، وما كان لإتيان الرب معنى إلا إذ أوله المأول بإتيان أمر الرب على حذف المضاف، بالرأي ودون دليل، فلم تظهر لهذا الأمر فائدة أيضا، لأن من دخل النار لم يدخل إلا بأمره.

(2)

تفسير القدم بالرجل في الرواية الثانية يظهر أن اللفظين يثبتان صفة حقيقية واحدة لله تعالى.

(3)

قول ابن عباس: " حتى وجدت (أي النار) مس ما وضع عليها " و " حتى وجدت مس قدم الله تعالى ذكره " صريح في إثبات القدم حيث ذكر له أن النار وجدت منه مسا حينما وضع عليها، ذلك بعدما نفد من كان عليه دخول النار.

(4)

جاء في الحديث بعد ذكر وضع الرجل والقدم، وامتلاء النار وانزواء بعضها إلى بعض: ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا، قال الحافظ ابن حجر:" فإن فيه إشارة إلى أن الجنة يقع امتلاؤها بمن ينشئهم الله لأجل ملئها، وأما النار فلا ينشئ لها خلقا بل يفعل فيها شيئا عبر عنه بما ذكر يقتضي لها أن ينضم بعضها إلى بعض "(1).

وفيما سبق ذكرنا ما أثبت الله لنفسه على لسان نبيه من صفة القدم إجراء للفظ على ظاهره ولا نتخيل فيها مشابهة المخلوقين فنئولها، ولا ندرك حقيقتها فنكيفها، ولا يحملنا عدم معرفة كنهها أن ننكرها.

وبعد هذا ينبغي أن ننظر إلى تأويل المئولين لنعرف مدى معارضة نصوص الأحاديث فنقول:

أما التأويل الأول والثاني - وهما أن يراد بالقدم: الذين قدمهم الله من شرار خلقه، وهم الذين سبق في علم الله أنهم من أهل النار - فيندفعان بسياق

(1) فتح الباري (8/ 597).

ص: 266

الأحاديث، فسياقها أن النار تذكر الله تعالى رعده بملئها فتطب المزيد فيدخل فيها أهل النار أفواجا، ثم حينما لم يبق من أهل النار أحد وهي لا تزال تطلب المزيد أتاها الرب تعالى فوضع قدمه عليها، وحينما وجدت مس قدم الله تعالى تضايقت وامتلأت.

ووجه الرد على التأويلين أنه حينما لم يبق من أهل النار أحد إلا دخلها، والنار لا زالت تطلب المزيد، من يكون الذين قدمهم الله من شرار خلقه، ومن سبقوا في علمه تعالى أنهم من أهل النار؟ وألفاظ الأحاديث لبيان نفادهم هكذا:" حتى إذا أوعبوا فيها "" حتى إذا لم يبق من أهلها أحد إلا دخلها، وهي لا يملؤها شيء "، فحينئذ " أتاها الرب فوضع قدمه عليها ". فهل يعقل أن يقال: لم يبق من أهل النار أحد إلا دخلها في جملة، ثم يقال في جملة بعدها: ثم يلقى في النار من قدمهم الله من شرار الخلق، أو يسوغ أن يقال: ثم يلقى فيها الذين سبق في علم الله أنهم من أهلها؟ فالحق أن المراد من القدم صفة من صفات الله تعالى.

وأما التأويل الثالث وهو ما أشبه فيه قول الزمخشري والخطابي، فصار وضع القدم عندهما مثلا للزجر والردع عن طلب المزيد، وعند غيرهما رمزا للقهر على النار بالقدرة، فهذا التأويل - كما يبدر لي - يضمر في طيه أربعة تأويلات، فإن قول الزمخشري: فكأنه قال: " يأتيها أمر الله عز وجل فيكفها عن طلب المزيد فترتدع " مشتمل على تأويل في ثلاثة أشياء:

الأول: أنه قدر المحذوف، فأول إتيان الرب بإتيان أمره.

الثاني: أنه أول وضع القدم بالزجر والتوبيخ والكف عن طلب المزيد.

الثالث: أنه أول انزواء النار بعضها إلى بعض وقولها قط قط بارتداعها.

والرابع: هو التأويل الذي أوله بعضهم بأن وضع القدم رمز للقهر على النار وإبطال طلبها المزيد.

فهذه التأويلات وما أشبهها مما أوله المئولون باطلة لأنهم لم يأتوا لها ببرهان،

ص: 267

ولم يبينوا سبب إخراج هذه الكلمات عن ظواهرها، وكل هذا ظن منهم أن ظواهر هذه الكلمات إذا أثبتت صفات للرب مثلا كان عيبا فيه، ولا تليق هذه بجلاله تعالى فينزه عنه، فبدأوا يئولون كل كلمة ثابتة أثبتت ما يخالف رأيهم، فجاعوا بالطامات حيث شحنوا الكتب بالتأويلات، أما ترى أن هذه الجملة الواضحة:" حتى يأتيها ربنا، فيضع قدمه عليها فتنزوي " اشتملت على قطعات ثلاث، وترى التأويل لكل قطعة.

ومن هنا يظهر أنه لا يبقى كلام على مراد القائل لم يسلم من التأويل.

ومع هذا يمكن الرد على كل تأويل بصريح النص فيرد التأويل الأول بقوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (1). .

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " يعني لفصل القضاء بين خلقه. . فيجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا "(2).

ويرد التأويل الثاني والثالث بما ثبت عن ابن عباس وغيره، وقد سبق تفصيل ذلك قريبا في هذا المقال.

وإجمال القول فيه أن تأويل وضع القدم بالزجر والقهر، ينتفي بقول ابن عباس:" حتى وجدت (أي النار) مس قدم الله تعالى ذكره " بعدما ذكر وضع قدمه عليها.

ويرد التأويل الثالث - أعني تأويل انزواء النار بارتداعها عن طلب المزيد - ما جاء في حديث ابن عباس السابق بلفظ: " فتضايقت حين جعل عليها ما جعل "، وفي حديث أبي هريرة عند ابن خزيمة بلفظ:" هناك تمتلئ ويدنو بعضها إلى بعض "(3).

(1) سورة الفجر الآية 22

(2)

تفسير ابن كثير (4/ 511).

(3)

التوحيد (92). .

ص: 268

وأما التأويل الرابع - وهو تأويل الجبار - في قوله صلى الله عليه وسلم: (حتى يضع الجبار فيها قدمه)(1). بأنه أحد الجبابرة أو أنه إبليس لأنه أول من تكبر (2). فتأويل بعيد لما سبق من ألفاظ الأحاديث وهي: " فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها " و " وضع الرحمن قدمه فيها " و " حتى وجدت مس قدم الله تعالى ذكره " بدل لفظ الجبار.

وأما التأويل الخامس - وهو كون الرجل لأحد الجبابرة - ففرع عن ثبوت التأويل الرابع، فإذا بطل الأصل بطل الفرع.

وأما التأويل السادس - وهو إرادة الجماعة الذين خلقوا للنار بالرجل - فيبطل بما بطل به التأويل الأول والثاني.

وأما ما استدل به القاضي عياض - على تأييد ما نقل عن الحسن البصري من التأويل - من حديث أخرجه البخاري في كتاب التوحيد ولفظه: «وأن الله ينشئ للنار من يشاء ويلقون فيها، فتقول: هل من مزيد ثلاثا، حتى يضع فيها قدمه فتمتلئ (3)» فلا يؤيد التأويل المذكور لوجوه:

الأول: قال الحافظ بن حجر: " وقد قال جماعة من الأئمة، إن هذا الموضع مقلوب، وجزم ابن القيم بأنه غلط، واحتج بأن الله تعالى أخبر بأن جهنم تمتلئ من إبليس وأتباعه، وكذا أنكر الرواية شيخنا البلقيني واحتج بقوله {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (4) ثم قال: " وحمله على أحجار تلقى في النار أقرب من حمله على ذي روح يعذب بغير ذنب ".

الثاني: وأضاف الحافظ فقال: " ويحتمل أن يراد بالإنشاء ابتداء إدخال الكفار النار، وعبر عن ابتداء الإدخال بالإنشاء، فهو إنشاء الإدخال، لا الإنشاء

(1) التوحيد لابن خزيمة (92).

(2)

انظر فتح الباري (8/ 596)

(3)

البخاري مع الفتح (13/ 343) حديث رقم (7449).

(4)

سورة الكهف الآية 49

ص: 269

بمعنى ابتداء الخلق، بدليل قوله:" فيلقون فيها وتقول: هل من مزيد، وأعادها ثلاث مرات، ثم قال: حتى يضع فيها قدمه، فحينئذ تمتلئ، فالذي يملؤها حتى تقول: حسبي هو القدم كما هو صريح الخبر "(1).

الثالث: وهناك وجه آخر وهو أن وضع القدم ذكر بعد الإنشاء والإلقاء، فينبغي أن يكون الإنشاء ووضع القدم متغايرين، لأن الإنشاء لا يخلو من ثلاثة أوجه:

الأول: أن يكون الإنشاء بمعنى ابتداء الخلق، وهو لا يراد لما سبق نقله عن ابن حجر.

الثاني: أن يكون الإنشاء الإدخال، فلا يفيد في تأييد التأويل المنقول عن الحسن.

الثالث: أن يكون الإنشاء بمعنى إنشائهم بما عملوا في الدنيا من موجبات النار، فلا يفيد أيضا للتأييد المذكور، فيستقل القدم بمعنى مغاير للإنشاء وهو أن يكون صفة لله تعالى.

وأخيرا أذكر طريق السلف في الصفات فقد قال ابن حجر: " هو أن تمر كما جاءت، ولا يتعرض لتأويله، بل نعتقد استحالة ما يوهم النقص على الله "(2) وهذا اختيار جماعة من اللغويين الأوائل الكبار أمثال أبي عبيد ومشايخه، والأزهري وغيرهم، فقد نقل الأزهري بعد ذكر حديث وضع القدم تأويل الحسن ثم علق عليه فقال:" وأخبرني محمد بن إسحاق السعدي عن العباس الدوري أنه سأل أبا عبيد عن تفسيره وتفسير غيره من حديث النزول والرؤية، فقال: " هذه أحاديث رواها لنا الثقات عن الثقات حتى رفعوها إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وما رأينا أحدا يفسرها، فنحن نؤمن بها على ما جاءت

(1) فتح الباري (13/ 437).

(2)

فتح الباري (13/ 436). .

ص: 270