المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوصية الخامسة: حج بيت الله الحرام - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الوصية الخامسة: حج بيت الله الحرام

- ‌ حكم تولية كل منهم القضاء

- ‌ المذهب الحنفي:

- ‌ المذهب المالكي:

- ‌ المذهب الشافعي:

- ‌ المذهب الحنبلي:

- ‌ أقوال فقهاء الإسلام فيما يحكم به كل منهم إذا تولى القضاء مجتهدا كان أم مقلدا

- ‌ المذهب الحنفي:

- ‌ المذهب المالكي:

- ‌ المذهب الشافعي:

- ‌ المذهب الحنبلي:

- ‌الخلاصة

- ‌ الدواعي إلى تدوين الراجح من أقوال الفقهاء وإلزام القضاة الحكم به

- ‌الثالث: بدء هذه الفكرة ووجودها قديما وحديثا:

- ‌التصرف في الكون

- ‌كيفية خلق الإنسان

- ‌أنتم خلفاء الله في أرضه

- ‌هل يقال عن الهواء ونحوه أنه طبيعي

- ‌شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌حكم من يسب الدين والسلام عليه

- ‌حكم الإسلام في بعض الأقوال

- ‌حكم ذبيحة من يسب الدين والأكل معه

- ‌حكم بعض الكلمات التي فيها سب الدين

- ‌حكم سب الذات الإلهية

- ‌حكم تمزيق المصحف

- ‌المكفرات التي تخرج من الإسلام

- ‌من كان أتقى لله فهو أفضل

- ‌أخذ الأجرة على تعليم القرآن

- ‌لا يكفي إطعام مسكين عشر مرات عن إطعام عشرة مساكين

- ‌يجب على المرأة التستر سواء كانت بدوية أو حضرية

- ‌حكم الاستماع للغناء

- ‌شرح حديث «استوصوا بالنساء خيرا

- ‌الحشرات التي يجوز قتلها

- ‌على المسلم أن يبلغ عن ربه وأن يؤدي الأمانة

- ‌لا يجوز للمسلم أن يخلو بالمرأة الأجنبيةسواء كانت خادمة أو غيرها

- ‌الزواج بنية الطلاق والفرق بينه وبين زواج المتعة

- ‌يجب منع المجلات التي عليها صور النساء

- ‌هل الذنوب تسبب محق البركة

- ‌الخاتمة

- ‌من منافع الحج وآدابه

- ‌الدعوة إلى اللهمكانتها وكيفيتها وثمراتها

- ‌تعريف الدعوة إلى الله

- ‌ أهمية الدعوة ومكانتها في الإسلام

- ‌ كيفية الدعوة ومجالاتها

- ‌الصفات التي يجب أن يتحلى بها الداعية إلى الإسلام

- ‌ثمرة الدعوة إلى الله ونتائجها

- ‌مخطوطة "حجة التحذير فيالمنع من لبس الحرير

- ‌مقدمة

- ‌موضوع الرسالة

- ‌المؤلف

- ‌وصف النسخ:

- ‌التوثيق

- ‌منهج التحقيق:

- ‌الفقيه المفتيزيد بن ثابترضي الله عنه من مفتي الصحابة

- ‌ زيد بن ثابت:

- ‌ إسلامه:

- ‌ ذكاؤه:

- ‌ فكاهته:

- ‌ جهاده:

- ‌ علمه:

- ‌ الكتابة والخط:

- ‌ لغة العرب وشعرها:

- ‌ اللغات الأجنبية:

- ‌ القرآن الكريم:

- ‌ الحديث النبوي الشريف:

- ‌ القيافة:

- ‌ الفقه والفرائض:

- ‌ أحد الفقهاء الستة:

- ‌ إتقانه الفرائض مع الفقه:

- ‌ إتقانه القضاء مع الفقه:

- ‌ عمل أهل المدينة بقوله:

- ‌ سؤال الخلفاء إياه وعملهم بقوله:

- ‌ شواذه:

- ‌ إمتناعه عن الفتوى فيما لم يقع:

- ‌ منعه عن كتابة فتاواه:

- ‌ تأثره بفقه عمر بن الخطاب:

- ‌ حامل فقه زيد بن ثابت:

- ‌ الحساب:

- ‌ ثناء العلماء عليه:

- ‌ سيرته مع الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء:

- ‌ زيد مع الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ زيد مع أبي بكر:

- ‌ زيد مع عمر بن الخطاب:

- ‌ زيد مع عثمان بن عفان:

- ‌ زيد مع علي بن أبي طالب:

- ‌ زيد مع مروان بن الحكم (أمير المدينة المنورة):

- ‌ وفاة زيد بن ثابت:

- ‌حياة ابن الجوزي

- ‌أسرته:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌مذهبه:

- ‌أعماله:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌مصادره في التفسير:

- ‌مصادره في أسباب النزول:

- ‌مصادره النحوية واللغوية:

- ‌مصادره الفقهية:

- ‌أبرز سمات تفسير ابن الجوزي:

- ‌مواقفه من القراءات:

- ‌تفسير القرآن بالقرآن أو بالسنة:

- ‌أسباب النزول:

- ‌الأحكام الفقهية:

- ‌اللغة والنحو:

- ‌موقفه من الإسرائيليات:

- ‌ترجيحه بعض الآراء على بعض:

- ‌وفاة ابن الجوزي:

- ‌تأويل الصفاتفيكتب غريب الحديث

- ‌ قدم الله ورجله:

- ‌ أصابع الرحمن:

- ‌ ضحك الله تعالى:

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌ استعراض بعض افتراءات المستشرقين حولأساليب المحدثين في العناية بمتون الأحاديث

- ‌أولا: الادعاء أن النهي عن كتابة السنة أدى إلى ضياعها:

- ‌ثانيا: الادعاء أن المحدثين لم يعتنوا بمتون الأحاديث:

- ‌ثالثا: الادعاء أن الأحاديث الشريفة مليئة بالمتون المتعارضة:

- ‌ اختلاف الروايات حول تدوين الأحاديث وكيفية الجمع بينها

- ‌أولا: بعض الأحاديث والآثار الواردة في النهي عن كتابة السنة:

- ‌ثانيا: بعض الأحاديث والآثار الواردة في كتابة السنة:

- ‌ثالثا: توفيق العلماء بين اختلاف الروايات في شأن تدوين السنة:

- ‌ بعض الأسباب التي دفعت المحدثين للعناية بمتون الحديث

- ‌ بعض المناهج التي اتبعها المحدثون للعناية بمتون الأحاديث

- ‌ بعض النتائج التي ترتبت على عناية المحدثين بمتون الحديث

- ‌ أساليب المحدثين في تمحيص المتون المتعارضةوالمتون التي ظاهرها التعارض

- ‌أولا: المتون المتعارضة:

- ‌ تعريف الشاذ ومثاله وحكمه

- ‌ تعريف المنكر ومثاله وحكمه:

- ‌ تعريف المضطرب ومثاله وحكمه:

- ‌ تعريف المنسوخ ومثاله وحكمه:

- ‌ثانيا: المتون المتعارضة ظاهريا:

- ‌ الرد على افتراءات المستشرقين حول أساليب المحدثين في العناية بمتون الأحاديث

- ‌الخاتمة ونتائج البحث

- ‌الشهادة بالحق فيمهرجان الجهاد

- ‌من قرارات المجمع الفقهيالإسلامي بمكة المكرمة

- ‌القرار الثالثحول أوقات الصلوات والصيامفي البلاد ذات خطوط العرضالعالية الدرجات

- ‌القرار السادسحول العملة الورقية

- ‌من قرارات هيئة كبار العلماء

- ‌قرار رقم 10 بشأن الأوراق النقدية

- ‌وجهة نظر

- ‌بيان خطأ من جعل جدةميقاتا لحجاج الجو والبحر

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌الوصية الخامسة: حج بيت الله الحرام

الله أن يجمعهم على الحق ويوفقهم للتوبة النصوح، وأن يهديهم للعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويوفق حكامهم للحكم بشريعته والتحاكم إليها، وإلزام شعوبهم بما أوجب الله، ومنعهم عن محارم الله، حتى يمكن لهم في الأرض كما مكن لأسلافهم، ويعينهم على عدوهم إنه سميع قريب.

ص: 15

‌الوصية الخامسة: حج بيت الله الحرام

وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، كما تقدم في الحديث الصحيح، وهو فرض على كل مسلم ومسلمة يستطيع السبيل إليه في العمر مرة واحدة كما قال الله سبحانه:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (2)» . وقال عليه الصلاة والسلام: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (3)» . فالواجب على حجاج بيت الله الحرام أن يصونوا حجهم عما حرم الله عليهم من الرفث والفسوق، وأن يستقيموا على طاعة الله ويتعاونوا على البر والتقوى حتى يكون حجهم مبرورا وسعيهم مشكورا، والحج المبرور هو الذي سلم من الرفث والفسوق والجدال بغير حق. كما قال الله سبحان:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (4). ويدل على ذلك أيضا قوله: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (5)» . والرفث هو الجماع في حال الإحرام، ويدخل فيه النطق بالفحش ورديء الكلام، والفسوق يشمل المعاصي كلها، فنسأل الله أن يوفق حجاج بيت الله الحرام للاستقامة على دينهم وحفظ حجهم مما يبطله أو ينقص أجره، وأن يمن علينا وعليهم بالفقه في دينه والتواصي بحقه والصبر عليه، وأن يعيذ الجميع من مضلات الفتن ونزغات الشيطان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان. .!

(1) سورة آل عمران الآية 97

(2)

صحيح البخاري الحج (1773)، صحيح مسلم الحج (1349)، سنن الترمذي الحج (933)، سنن النسائي مناسك الحج (2629)، سنن ابن ماجه المناسك (2888)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 246)، موطأ مالك الحج (776)، سنن الدارمي المناسك (1795).

(3)

صحيح البخاري الحج (1521)، صحيح مسلم الحج (1350)، سنن النسائي مناسك الحج (2627)، سنن ابن ماجه المناسك (2889)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 248)، سنن الدارمي المناسك (1796).

(4)

سورة البقرة الآية 197

(5)

صحيح البخاري الحج (1521)، صحيح مسلم الحج (1350)، سنن النسائي مناسك الحج (2627)، سنن ابن ماجه المناسك (2889)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 248)، سنن الدارمي المناسك (1796).

ص: 15

صفحة فارغة

ص: 16

تدوين الراجح من أقوال الفقهاء في المعاملات وإلزام القضاة بالحكم به

إعداد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فبناء على ما نقله سماحة رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد عن جلالة الملك فيصل رحمه الله بموجب خطاب سماحته رقم 11471/ 1 / ط وتاريخ 29/ 6 / 1392 هـ الموجه إلى فضيلة الأمين العام لهيئة كبار العلماء، وبناء على القرار رقم 5 وتاريخ 13/ 8 / 1392 هـ الصادر عن الهيئة. . أعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثا في تدوين الراجح من أقوال الفقهاء في المعاملات وإلزام القضاة بالحكم به، وضمنته الكلام على ما يأتي على الترتيب:

1 -

تمهيد:

أ - الفرق بين المجتهد المطلق، ومجتهد المذهب، ومجتهد الفتوى، والمقلد المحض.

ب - حكم تولية كل منهم القضاء.

جـ - أقوال فقهاء الإسلام فيما يحكم به كل منهم إذا تولى القضاء مجتهدا كان أم مقلدا.

ص: 17

2 -

الدواعي التي دعت إلى تأليف كتاب بعبارة سهلة يقتصر فيه على القول الراجح من أقوال الفقهاء على هيئة مواد، وإلزام القضاة العمل بما فيه.

3 -

بدء هذه الفكرة ووجودها قديما وحديثا.

4 -

أقوال فقهاء الإسلام قديما وحديثا في إلزام ولاة الأمور القضاة أن يحكموا بمذهب معين أو رأي معين فيما يرفع إليهم من الخصومات مع الأدلة.

5 -

الآثار التي تترتب على البقاء مع الأصل، والتي تترتب على العدول عنه للدواعي الطارئة لما يظن أنه المصلحة.

6 -

هل يمكن إيجاد حل لهذه المشكلة القائمة سوى إلزام القضاة أن يحكموا بما يراد تدوينه من الأقوال الراجحة، أو يتعين إلزامهم بذلك طريقا لعلاج الموقف وحل المشكلة.

7 -

مدى تصرف إمام المسلمين في الإلزام مع أمثلة في مجال إلزامه توضح ذلك.

والله الموفق، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.

الأول: التمهيد وفيه ثلاثة أمور:

أ - الفرق بين المجتهد المطلق، ومجتهد المذهب، ومجتهد الفتوى، والمقلد المحض.

ب - حكم تولية كل منهم القضاء.

جـ - أقوال فقهاء الإسلام فيما يحكم به كل منهم إذا تولى القضاء مجتهدا كان أم مقلدا.

1) الفرق بين المجتهد المطلق، ومجتهد المذهب، ومجتهد الفتوى، والمقلد المحض.

1 -

قال (1) ابن عابدين نقلا عن ابن كمال باشا، الفقهاء على سبع طبقات:

(1) مجموعة رسائل ابن عابدين - رسالة رسم المغني 11/ 12.

ص: 18

الأولى: طبقة المجتهدين في الشرع كالأئمة الأربعة ومن سلك مسلكهم في تأسيس قواعد الأصول واستنباط أحكام الفروع عن الأدلة الأربعة من غير تقليد لأحد، لا في الفروع ولا في الأصول.

الثانية: طبقات المجتهدين في المذهب كأبي يوسف ومحمد، وسائر أصحاب أبي حنيفة القادرين على استخراج الأحكام عن الأدلة المذكورة على حسب القواعد التي قررها أستاذهم، فإنهم وإن خالفوه في بعض أحكام الفروع لكنهم يقلدونه في قواعد الأصول.

الثالثة: طبقة المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب، كالخصاف وأبي جعفر الطحاوي - إلى أن قال - فإنهم لا يقدرون على مخالفة الإمام لا في الأصول ولا في الفروع، لكنهم يستنبطون الأحكام من المسائل التي لا نص فيها عنه على حسب أصول قررها ومقتضى قواعد بسطها.

الرابعة: طبقة أصحاب التخريج من المقلدين كالرازي وأضرابه فإنهم لا يقدرون على الاجتهاد أصلا، لكنهم لإحاطتهم بالأصول وضبطهم المأخذ يقدرون على تفصيل قول مجمل ذي وجهين، وحكم محتمل لأمرين منقول عن صاحب المذهب وعن أحد من أصحابه المجتهدين برأيهم ونظرهم في الأصول، والمقاييس على أمثاله ونظائره من الفروع، وما وقع في بعض المواضع من الهداية من قوله كذا في تخريج الكرخي وتخريج الرازي من هذا القبيل.

الخامسة: طبقة أصحاب التخريج من المقلدين كأبي الحسن القدوري وصاحب الهداية وأمثالهما، وشأنهم تفضيل بعض الروايات على بعض آخر بقولهم هذا أولى وهذا أصح رواية، وهذا أوضح وهذا أوفق للقياس وهذا أرفق للناس.

ص: 19

السادسة: طبقة المقلدين القادرين على التمييز بين الأقوال، والقوي والضعيف، وظاهر الرواية وظاهر المذهب، والرواية النادرة كأصحاب المتون المعتبرة كصاحب الكنز، وصاحب المختار، وصاحب الوقاية وصاحب المجمع وشأنهم ألا ينقلوا في كتبهم الأقوال المردودة والروايات الضعيفة.

السابعة: طبقة المقلدين الذين لا يقدرون على ما ذكر، ولا يفرقون بين الغث والسمين ولا يميزون الشمال من اليمين، بل يجمعون ما يجدون كحاطب ليل فالويل لمن قلدهم كل الويل.

2) قال (1) الآمدي: أما الاجتهاد فهو في اللغة عبارة عن استفراغ الوسع في تحقيق أمر من الأمور مستلزم للكلفة والمشقة. . ثم قال: وأما في اصطلاح الأصوليين فمخصوص باستفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحسن من النفس العجز عن المزيد عليه - وبعد أن شرح التعريف قال - وأما المجتهد فهو من اتصف بصفة الاجتهاد - وبعد أن ذكر الشرط الأول من شرطي المجتهد المطلق قال - الشرط الثاني أن يكون عالما عارفا بمدارك الأحكام الشرعية وأقسامها وطرق إثباتها، ووجوه دلالاتها على مدلولاتها، واختلاف مراتبها المعتبرة فيها على ما بيناه، وأن يعرف جهات ترجيحها عند تعارضها، وكيفية استثمار الأحكام منها، قادرا على تحريرها وتقريرها، والانفصال من الاعتراضات الواردة عليها - إلى أن قال - هذا كله يشترط في حق المجتهد المطلق المتصدي للحكم والفتوى في جميع مسائل الفقه، وأما الاجتهاد في حكم بعض المسائل فيكفي فيه أن يكون عارفا بما يتعلق بتلك المسألة وما لا بد منه فيها، ولا يضره جهله في ذلك بما لا تعلق له به مما يتعلق بباقي المسائل الفقهية. كما أن المجتهد المطلق قد يكون مجتهدا

(1) الأحكام للآمدي 4/ 162.

ص: 20

في المسائل المستكثرة بالغا رتبة الاجتهاد فيها، وإن كان جاهلا ببعض المسائل الخارجة عنها، فإنه ليس من شرط المفتي أي يكون عالما بجميع أحكام المسائل ومداركها؛ فإن ذلك مما لا يدخل تحت وسع البشر.

3) قال (1) محمد الأمين الجكني الشنقيطي ما حاصلة: المجتهد المطلق الناظر في الأدلة الشرعية من غير التزام مذهب إمام معين مذهبه سواء كالأئمة الأربعة، أما مجتهد المذهب فهو مجتهد أصوله أصول إمام مذهبه، سواء كانت منصوصة للإمام المقلد أم مستنبطة من كلامه، فكثيرا ما يستخرج أهل المذهب الأصول، أي القواعد، وفاقية أو خلافية من كلام إمامهم، وشرطه المحقق له أن يكون له قدرة على استنباط الأحكام من نصوص ذلك الإمام الملتزم هو له، كأن يقيس ما سكت عنه على ما نص عليه لوجود معنى ما نص عليه فيه، سواء نص إمامه على ذلك المعنى أو استنبطه هو من كلامه، أو كان يستخرج حكم المسكوت عنه من عموم ذلك، أو قاعدة ذكرها، وأما مجتهد الفتيا فهو المتبحر في مذهب إمامه المتمكن من أن يرجح قولا على قول آخر لم ينص ذلك الإمام على ترجيح واحد منهما، والمجتهد في المذهب أعلى رتبة من مجتهد الفتوى، والمقلد هو القائم بحفظ المذهب وفهمه في الواضح والمشكل، العارف بعامه وخاصه ومطلقه ومقيده، المستوفي لحفظ ما فيه من الروايات والأقوال وعلم خاصها وعامها ومطلقها ومقيدها. قال: نحو هذا نقله الخطاب، وقال: العلم بذلك متعذر، والظاهر أنه يكفي في ذلك غلبة الظن بأن وجد المسألة في التوضيح، وفي ابن عبد السلام انتهى كلامه، وهذا له أن يفتي في حدود ما نقل مستوفى، وفيما لا يجده منقولا إن وجد في المنقول معناه، بحيث يدرك بغير كبير فكر أنه لا فرق، وكذا ما يعلم اندراجه تحت قاعدة من مذهبه، وما ليس كذلك يجب إمساكه عن الفتوى به، ولا بد أيضا من شدة الفهم وكونه ذا حظ كبير من الفقه.

(1) مراقي السعود وشرحها، طبعة المدني.

ص: 21

4) قال (1) شيخ الإسلام نقلا عن ابن الصلاح، وذلك بعد أن ذكر كلاما في المجتهد المطلق يتفق مع ما ذكره الآمدي، قال: وللمفتي المنتسب أحوال أربع:

أحدها: ألا يكون مقلدا لإمامه لا في المذهب ولا في دليله، وإنما انتسب إليه لسلوك طريقه في الاجتهاد. . إلخ، وفتوى المنتسبين في هذه الحال في حكم فتوى المجتهد المستقل المطلق يعمل ويعتبر بها في الإجماع والخلاف.

الحال الثانية: أن يكون مجتهدا مقيدا في مذهب إمامه، يستقل بتقرير مذهبه بالدليل غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه وقواعده، ولا بد أن يكون عالما بأصول الفقه، لكنه قد أخل ببعض الأدوات كالحديث واللغة، فإذا استدل بدليل إمامه لا يبحث عن معارض له، ولا يستوفي النظر في شروطه، وقد اتخذ أصول إمامه أصولا يستنبط منها كما يفعل المجتهد المستقل بنصوص الشارع والعامل بفتيا هذا مقلد لإمامه. قال: والذي رأيته من كلام الأئمة يشعر بأن فرض الكفاية لا يتأدى بمثل هذا قال: وأقول يتأدى به فرض الكفاية في الفتوى ولا يتأدى به إحياء العلوم التي منها استمداد الفتوى؛ لأنه قائم مقام المطلق والتفريغ، على جواز تقليد الميت وهو الصحيح، وقد يوجد منه الاستقلال في مسألة خاصة أو باب خاص، ويجوز له أن يفتي فيما لم يجده من أحكام الوقائع منصوصا لإمامه بما يخرجه على مذهبه، هذا هو الصحيح الذي عليه العمل وإليه مفزع المفتين من مدد مديدة، وهو في مذهب إمامه بمنزلة المجتهد في الشريعة، وهو أقدر والمستفتى فيما يفتيه من تخريجه مقلد لإمامه لا له، قطع به أبو المعالي قال: وأنا أقول ينبغي أن يخرج هذا على خلاف حكاه أبو إسحاق الشيرازي (في أن ما يخرجه أصحاب الشافعي على مذهبيه هل يجوز أن ينسب إليه أم لا؟)

(1) المسودة 546، ويرجع أيضا إلى المجموع شرح المهذب 1/ 70 وما بعدها.

ص: 22

والذي اختاره أبو إسحاق أنه لا ينسب إليه، قال: وتخريجه تارة من نص معين، وتارة تخريجه على وفق أصوله بأن يجد دليلا من جنس ما يحتج به إمامه، والأولى إذا وجد نص بخلافه يسمى ما خرجه قولا مخرجا، وإن وقع الثاني في مسألة قد قال فيها بعض الأصحاب غير ذلك يسمى وجها، وشرط التخريج أن لا يجد بين المسألتين فارقا، وإن لم يعلم العلة الجامعة كالأمة مع العبد في السراية، ومهما أمكن الفرق بين المسألتين لم يجز له على الأصح التخريج، ولزمه تقرير النصين على ظاهرهما، وكثيرا ما يختلفون في القول بالتخريج في مثل ذلك لاختلافهم في إمكان الفرق.

الحال الثالثة: أن يكون حافظا للمذهب عارفا بأدلته لكنه قصر عن درجة المجتهدين في المذهب؛ لقصور في حفظه أو تصرفه أو معرفته بأصول الفقه، وهي مرتبة المصنفين إلى أواخر المائة الخامسة، قصروا عن الأولين في تمهيد المذهب، وأما في الفتوى فبسطوا بسط أولئك وقاسوا على المنقول والسطور غير مقتصرين على القياس الجلي وإلغاء الفارق.

الحال الرابعة: أن يحفظ المذهب ويفهمه في واضحات المسائل ومشكلاتها، غير أنه مقتصر في تقرير أدلته، فهذا يعتمد نقله وفتواه في نصوص الإمام وتفريعات أصحابه المجتهدين في مذهبه، وما لم يجده منقولا فإن وجد في المنقول ما يعلم أنه مثله من غير فصل يمكن كالأمة بالنسبة للعبد في سراية العتق، أو علم اندراجه تحت ضابط منقول ممهد في المذهب جاز له إلحاقه والفتوى به، وإلا فلا، قال: ويندر عدم ذلك، كما قال أبو المعالي بعد أن تقع واقعة لم ينص على حكمها في المذهب، ولا هو في معنى شيء من المنصوص عليه فيه من غير فرق، ولا هي مندرجة تحت شيء من ضوابطه، ولا بد في هذا أن يكون فقيه النفس يصور المسائل على وجهها، وينقل أحكامها بعد استتمام تصويرها جليها وخفيها، قال: ولا تجوز الفتوى لغير هؤلاء الأصناف الخمسة، كما قطع به أبو المعالي في الأصولي الماهر المتصرف في الفقه أنه يجب عليه الاستفتاء. انتهى.

ص: 23

5 -

قال (1) علي بن سليمان المرداوي ما ملخصه: المجتهد ينقسم إلى أربعة أقسام:

مجتهد مطلق، ومجتهد في مذهب إمامه أو في مذهب إمام غيره، ومجتهد في نوع من العلم، ومجتهد في مسألة أو مسائل.

القسم الأول: المجتهد المطلق، وهو الذي اجتمعت فيه شروط الاجتهاد التي ذكرها المصنف في آخر كتاب القضاء على ما تقدم هناك، إذا استقل بإدراك الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية العامة والخاصة، وأحكام الحوادث منها ولا يتقيد بمذهب أحد، وقيل: يشترط أن يعرف أكثر الفقه. . وكذا ما يتعلق بالاجتهاد من الآيات والآثار وأصول الفقه والعربية وغير ذلك. وقيل: المفتي من تمكن من معرفة أحكام الوقائع على يسر من غير تعلم آخر.

القسم الثاني: مجتهد في مذهب إمامه أو إمام غيره وأحواله أربعة:

الحالة الأولى: أن يكون غير مقلد لإمامه في الحكم والدليل، لكن سلك طريقه في الاجتهاد والفتوى، ودعا إلى مذهبه وقرأ كثيرا منه على أهله فوجده صوابا، وأولى من غيره وأشد موافقة فيه وفي طريقه. . . وفتوى المجتهد المذكور كفتوى المجتهد المطلق في العمل بها والاعتداد بها في الإجماع والخلاف.

الحالة الثانية: أن يكون مجتهدا في مذهب إمامه مستقلا بتقريره بالدليل، ومضى في الكلام إلى أن قال: والحاصل أن المجتهد في مذهب إمامه هو الذي يتمكن من التفريع على أقواله كما يتمكن المجتهد المطلق من التفريع على كل ما انعقد عليه الإجماع ودل عليه الكتاب والسنة والاستنباط، فهذه صفة المجتهدين أرباب الأوجه والتخاريج والطرق.

الحالة الثالثة: ألا يبلغ به رتبة أئمة المذهب أصحاب الوجوه والطرق، غير أنه فقيه النفس حافظ لمذهب إمامه عارف بأدلته قائم بتقريره

(1) الإنصاف 12/ 258 وما بعدها.

ص: 24

ونصرته يصور ويحرر ويمهد ويقوي ويزيف ويرجح، لكنه قصر عن درجة أولئك، إما لكونه لم يبلغ، في حفظ المذهب مبلغهم، وإما لكونه غير متبحر في أصول الفقه ونحوه، على أنه لا يخلو مثله في ضمن ما يحفظه من الفقه ويعرفه من أدلته عن طرف من قواعد أصول الفقه ونحوه. وإما لكونه مقصرا في غير ذلك من العلوم التي هي أدوات الاجتهاد الحاصل لأصحاب الوجوه والطرق.

وهذه صفة كثير من المتأخرين الذين رتبوا المذاهب وحرروها وصنفوا فيها تصانيف، بها يشتغل الناس اليوم غالبا، ولم يلحقوا من يخرج الوجوه ويمهد الطرق في المذاهب.

وأما فتاويهم فقد كانوا يستنبطون فيها استنباط أولئك أو نحوه، ويقيسون غير المنقول على المنقول والمسطور. . ولا تبلغ فتاويهم فتاوى أصحاب الوجوه. وربما تطرق بعضهم إلى تخريج قول، واستنباط وجه، أو احتمال، وفتاويهم مقبولة.

الحالة الرابعة: أن يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه، فهذا يعتمد نقله وفتواه به فيما يحكيه مسطورات مذهبه، من منصوصات إمامه، وتفريعات أصحابه المجتهدين في مذهبه وتخريجاتهم. . . ثم إن هذا الفقيه لا يكون إلا فقيه النفس. . . ويكفي استحضاره أكثر المذاهب مع قدرته على مطالعة بقيته.

القسم الثالث: المجتهد في نوع العلم، فمن عرف القياس وشروطه فله أن يفتي في مسائل منه قياسية لا تتعلق بالحديث، ومن عرف الفرائض فله أن يفتي فيها وإن جهل أحاديث النكاح وغيره وعليه الأصحاب.

القسم الرابع: المجتهد في مسائل أو مسألة وليس له الفتوى في غيرها.

6 -

قال ابن القيم (1) المفتون الذين نصبوا أنفسهم للفتوى - أربعة

(1) إعلام الموقعين 4/ 184.

ص: 25