المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ بعض النتائج التي ترتبت على عناية المحدثين بمتون الحديث - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الوصية الخامسة: حج بيت الله الحرام

- ‌ حكم تولية كل منهم القضاء

- ‌ المذهب الحنفي:

- ‌ المذهب المالكي:

- ‌ المذهب الشافعي:

- ‌ المذهب الحنبلي:

- ‌ أقوال فقهاء الإسلام فيما يحكم به كل منهم إذا تولى القضاء مجتهدا كان أم مقلدا

- ‌ المذهب الحنفي:

- ‌ المذهب المالكي:

- ‌ المذهب الشافعي:

- ‌ المذهب الحنبلي:

- ‌الخلاصة

- ‌ الدواعي إلى تدوين الراجح من أقوال الفقهاء وإلزام القضاة الحكم به

- ‌الثالث: بدء هذه الفكرة ووجودها قديما وحديثا:

- ‌التصرف في الكون

- ‌كيفية خلق الإنسان

- ‌أنتم خلفاء الله في أرضه

- ‌هل يقال عن الهواء ونحوه أنه طبيعي

- ‌شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌حكم من يسب الدين والسلام عليه

- ‌حكم الإسلام في بعض الأقوال

- ‌حكم ذبيحة من يسب الدين والأكل معه

- ‌حكم بعض الكلمات التي فيها سب الدين

- ‌حكم سب الذات الإلهية

- ‌حكم تمزيق المصحف

- ‌المكفرات التي تخرج من الإسلام

- ‌من كان أتقى لله فهو أفضل

- ‌أخذ الأجرة على تعليم القرآن

- ‌لا يكفي إطعام مسكين عشر مرات عن إطعام عشرة مساكين

- ‌يجب على المرأة التستر سواء كانت بدوية أو حضرية

- ‌حكم الاستماع للغناء

- ‌شرح حديث «استوصوا بالنساء خيرا

- ‌الحشرات التي يجوز قتلها

- ‌على المسلم أن يبلغ عن ربه وأن يؤدي الأمانة

- ‌لا يجوز للمسلم أن يخلو بالمرأة الأجنبيةسواء كانت خادمة أو غيرها

- ‌الزواج بنية الطلاق والفرق بينه وبين زواج المتعة

- ‌يجب منع المجلات التي عليها صور النساء

- ‌هل الذنوب تسبب محق البركة

- ‌الخاتمة

- ‌من منافع الحج وآدابه

- ‌الدعوة إلى اللهمكانتها وكيفيتها وثمراتها

- ‌تعريف الدعوة إلى الله

- ‌ أهمية الدعوة ومكانتها في الإسلام

- ‌ كيفية الدعوة ومجالاتها

- ‌الصفات التي يجب أن يتحلى بها الداعية إلى الإسلام

- ‌ثمرة الدعوة إلى الله ونتائجها

- ‌مخطوطة "حجة التحذير فيالمنع من لبس الحرير

- ‌مقدمة

- ‌موضوع الرسالة

- ‌المؤلف

- ‌وصف النسخ:

- ‌التوثيق

- ‌منهج التحقيق:

- ‌الفقيه المفتيزيد بن ثابترضي الله عنه من مفتي الصحابة

- ‌ زيد بن ثابت:

- ‌ إسلامه:

- ‌ ذكاؤه:

- ‌ فكاهته:

- ‌ جهاده:

- ‌ علمه:

- ‌ الكتابة والخط:

- ‌ لغة العرب وشعرها:

- ‌ اللغات الأجنبية:

- ‌ القرآن الكريم:

- ‌ الحديث النبوي الشريف:

- ‌ القيافة:

- ‌ الفقه والفرائض:

- ‌ أحد الفقهاء الستة:

- ‌ إتقانه الفرائض مع الفقه:

- ‌ إتقانه القضاء مع الفقه:

- ‌ عمل أهل المدينة بقوله:

- ‌ سؤال الخلفاء إياه وعملهم بقوله:

- ‌ شواذه:

- ‌ إمتناعه عن الفتوى فيما لم يقع:

- ‌ منعه عن كتابة فتاواه:

- ‌ تأثره بفقه عمر بن الخطاب:

- ‌ حامل فقه زيد بن ثابت:

- ‌ الحساب:

- ‌ ثناء العلماء عليه:

- ‌ سيرته مع الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء:

- ‌ زيد مع الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ زيد مع أبي بكر:

- ‌ زيد مع عمر بن الخطاب:

- ‌ زيد مع عثمان بن عفان:

- ‌ زيد مع علي بن أبي طالب:

- ‌ زيد مع مروان بن الحكم (أمير المدينة المنورة):

- ‌ وفاة زيد بن ثابت:

- ‌حياة ابن الجوزي

- ‌أسرته:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌مذهبه:

- ‌أعماله:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌مصادره في التفسير:

- ‌مصادره في أسباب النزول:

- ‌مصادره النحوية واللغوية:

- ‌مصادره الفقهية:

- ‌أبرز سمات تفسير ابن الجوزي:

- ‌مواقفه من القراءات:

- ‌تفسير القرآن بالقرآن أو بالسنة:

- ‌أسباب النزول:

- ‌الأحكام الفقهية:

- ‌اللغة والنحو:

- ‌موقفه من الإسرائيليات:

- ‌ترجيحه بعض الآراء على بعض:

- ‌وفاة ابن الجوزي:

- ‌تأويل الصفاتفيكتب غريب الحديث

- ‌ قدم الله ورجله:

- ‌ أصابع الرحمن:

- ‌ ضحك الله تعالى:

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌ استعراض بعض افتراءات المستشرقين حولأساليب المحدثين في العناية بمتون الأحاديث

- ‌أولا: الادعاء أن النهي عن كتابة السنة أدى إلى ضياعها:

- ‌ثانيا: الادعاء أن المحدثين لم يعتنوا بمتون الأحاديث:

- ‌ثالثا: الادعاء أن الأحاديث الشريفة مليئة بالمتون المتعارضة:

- ‌ اختلاف الروايات حول تدوين الأحاديث وكيفية الجمع بينها

- ‌أولا: بعض الأحاديث والآثار الواردة في النهي عن كتابة السنة:

- ‌ثانيا: بعض الأحاديث والآثار الواردة في كتابة السنة:

- ‌ثالثا: توفيق العلماء بين اختلاف الروايات في شأن تدوين السنة:

- ‌ بعض الأسباب التي دفعت المحدثين للعناية بمتون الحديث

- ‌ بعض المناهج التي اتبعها المحدثون للعناية بمتون الأحاديث

- ‌ بعض النتائج التي ترتبت على عناية المحدثين بمتون الحديث

- ‌ أساليب المحدثين في تمحيص المتون المتعارضةوالمتون التي ظاهرها التعارض

- ‌أولا: المتون المتعارضة:

- ‌ تعريف الشاذ ومثاله وحكمه

- ‌ تعريف المنكر ومثاله وحكمه:

- ‌ تعريف المضطرب ومثاله وحكمه:

- ‌ تعريف المنسوخ ومثاله وحكمه:

- ‌ثانيا: المتون المتعارضة ظاهريا:

- ‌ الرد على افتراءات المستشرقين حول أساليب المحدثين في العناية بمتون الأحاديث

- ‌الخاتمة ونتائج البحث

- ‌الشهادة بالحق فيمهرجان الجهاد

- ‌من قرارات المجمع الفقهيالإسلامي بمكة المكرمة

- ‌القرار الثالثحول أوقات الصلوات والصيامفي البلاد ذات خطوط العرضالعالية الدرجات

- ‌القرار السادسحول العملة الورقية

- ‌من قرارات هيئة كبار العلماء

- ‌قرار رقم 10 بشأن الأوراق النقدية

- ‌وجهة نظر

- ‌بيان خطأ من جعل جدةميقاتا لحجاج الجو والبحر

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ بعض النتائج التي ترتبت على عناية المحدثين بمتون الحديث

ومن هنا دقق المحدثون في استعمال العبارات عند الأداء بما يوضح صور التحمل، وتكلموا عن الإجازة وأنواعها وأحكامها وحكم العمل بها، وغيرها من ضروب المعارف (1) القيمة التي يشتمل عليها علم المصطلح بما يطول ذكره، ويعسر حصره في هذا البحث الموجز.

(1) فيما يختص بهذا الموضوع يمكن الرجوع إلى الباعث الحثيث: 102 - 106، وأيضا فتح المغيث 24 - 135.

ص: 313

4 -

‌ بعض النتائج التي ترتبت على عناية المحدثين بمتون الحديث

باستعراضنا للمناهج التي اتبعها المحدثون في العناية بمتون الأحاديث اتضح لنا أنهم اتبعوا مناهج في غاية الإحكام والدقة والموضوعية، مما مكنهم من بلوغ نتائج هامة تتصل بموضوع جمع الحديث النبوي الشريف وتوثيقه، نذكر منها ما يلي:

1 -

تقسيم الحديث إلى قسمين: مقبول، ومردود.

والمقبول يتراوح حسب تفاوت تمكنه من صفات القبول إلى الآتي: صحيح لذاته، صحيح لغيره، حسن لذاته، وحسن لغيره.

أما الحديث المردود فهو الحديث الضعيف لفقدانه بعض شروط القبول التي اشترطها المحدثون لسلامة الحديث، وهو أيضا يتراوح في ضعفه إلى درجات حتى يصل إلى الواهي المتروك.

وهناك أيضا الأحاديث الموضوعة، ولا اعتبار لها؛ لأنها الأحاديث المكذوبة المنسوبة زورا وبهتانا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفرق بين الضعيف والموضوع هو أن الضعيف لم يترجح صدق المخبر به؛ لعدم وجود دليل على ذلك لدى الجامع، أما الموضوع فهو محض افتراء وتقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 313

وهذا أدى بدوره إلى الاطمئنان إلى الأحاديث الصحيحة، وتجميعها في مصنفات سهلت الوصول إليها، والتمكن من معرفتها دون مشقة.

2 -

ظهور المصنفات (1) العديدة في مختلف أنواع الحديث كالمصنفات في الصحيح المجرد وفي الصحيح والحسن والضعيف، وفي الأحاديث الضعيفة فقط، وفي الأحاديث الموضوعة وغيرها، وظهور المستدركات التي تضيف أحاديث أخرى للمصنفات المعروفة مع مراعاة نفس شروط صاحب المصنف، والمستخرجات التي تكثر طرق الحديث وتزيده قوة، وقد تضيف إلى متون الأحاديث بعض الزيادات المفيدة.

3 -

توضيح الفروق والاختلافات بين الأحاديث المحفوظة والشاذة، والأحاديث المعروفة والمنكرة باعتبار أن الأحاديث المحفوظة والمعروفة تعد من ضمن الأحاديث المقبولة، أما الشاذة والمنكرة فتعد من الأحاديث المردودة. ولقد عرف جمال الدين القاسمي الشاذ والمنكر فيما يلي: " الشاذ هو ما رواه المقبول مخالفا لرواية من هو أولى منه، لا أن يروي ما لا يروي غيره، فمطلق التفرد لا يجعل المروي شاذا كما قيل، بل مع المخالفة المذكورة. . . والمنكر هو الحديث الفرد الذي لا يعرف متنه من غير راويه، وكان راويه بعيدا عن درجة الضابط. اعلم أن الشاذ والمنكر يجتمعان في اشتراط المخالفة لما يرويه الناس، ويفترقان في أن الشاذ رواية ثقة أو صدوق، والمنكر رواية ضعيف (2) أما المحفوظ والمعروف فهما عكس الشاذ والمنكر كما يظهر ذلك من كلام جمال الدين القاسمي.

(1) لمعرفة أسماء بعض مصنفات الحديث ومؤلفيها يمكن اللجوء إلى الرسالة المستطرفة للكتاني.

(2)

قواعد التحديث: 130، 131.

ص: 314

4 -

معرفة العلل الغامضة الخفية التي تقدح في سلامة المتن والسند، وقد عرف علماء المصطلح العلة بما يلي:" هي سبب غامض خفي يقدح في سلامة الحديث مع أن الظاهر السلامة منه "(1)، ويتوصل المحدثون عادة إلى معرفة العلة في المتن بوسائل مختلفة، كجمع طرق الحديث ومقارنة متونه بعضها ببعض، والبحث في رواته، والموازنة بينهم من حيث الضبط والإتقان.

5 -

اكتشاف الأحاديث المدرجة سندا ومتنا، والذي يهمنا هنا الإدراج في المتن وهو في الاصطلاح:" ما أدخل في (2) متنه ما ليس منه بلا فصل "، وقد يكون الإدراج في أول الحديث أو في وسطه أو في آخره. ومما أدرج في الحديث من كلام الصحابة قول أبي هريرة رضي الله عنه:«أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار (3)» فصدر الحديث أي (أسبغوا الوضوء) من كلام أبي هريرة أما «ويل للأعقاب من النار (4)» فهو الجزء المرفوع من الحديث. ولقد أدرك المحدثون ذلك بتتبع طرق الحديث والنظر في المتون.

6 -

اكتشاف الأحاديث المقلوبة (5) والقلب في اصطلاح المحدثين هو: إبدال لفظ بآخر في سند الحديث أو متنه بتقديم أو تأخير. ومن صور القلب في المتن تحويل بعض الأحاديث إلى أسانيد غيرها عن قصد أو لوهم، ومن صور القلب في المتن أيضا تقديم أو تأخير كلمة أو جملة في متن الحديث، ومثاله:" ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله "(6).

(1) لمزيد من المعلومات عن الحديث المعلل يمكن الرجوع إلى الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث: 63.

(2)

تدريب الراوي 1/ 268.

(3)

متن الحديث أخرجه أحمد بن حنبل 2/ 228 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يأتي على الناس وهم يتوضؤن ويقول لهم: اسبغوا الوضوء فإني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: ويل للأعقاب من النار وأخرجه البخاري في كتاب العلم، باب إعادة الحديث ثلاثا ليفهم من حديث عبد الله بن عمرو، وفي آخره قول النبي صلى الله عليه وسلم: ويل للأعقاب من النار 1/ 233 " من صحيح البخاري بشرحه فتح الباري ".

(4)

صحيح البخاري العلم (60)، صحيح مسلم الطهارة (241)، سنن النسائي الطهارة (111)، سنن أبو داود الطهارة (97)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 226).

(5)

فيما يختص بالحديث المقلوب. انظر تدريب الراوي 1/ 291 - 294.

(6)

تدريب الراوي 1/ 292.

ص: 315

والصحيح ما أخرجه مسلم بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه (1)» .

7 -

اكتشاف الأحاديث المكذوبة (2) المنسوبة زورا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقد تم للمحدثين اكتشاف كثير من الأحاديث الموضوعة بتتبع أسانيدها ومتونها والبحث في علل ذلك، كأن يكون الحديث ركيك اللفظ مخالفا لصريح القرآن أو السنة الصحيحة، أو مخالفا للحس أو العقل. وقد يعرف الحديث الموضوع أيضا بتتبع سلوك الراوي وسيرته، وقد يعرف كذلك بإقرار الواضع نفسه أو ما يتنزل منزلة إقراره.

8 -

معرفة الزيادات في متون الأحاديث ما يقبل منها وما يرد. ولقد جاء في تدريب الراوي حول هذا الموضوع ما يلي:

مذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين قبولها - أي زيادة الثقة - مطلقا، وقيل: لا تقبل مطلقا، وقيل: تقبل إن زادها غير من رواه ناقصا، ولا يقبل ممن رواه مرة ناقصا، وقسمه الشيخ أقساما. أحدها: زيادة تخالف الثقات فترد. . . الثاني: ما لا مخالفة فيه كتفرد ثقة بجملة حديث فيقبل، قال الخطيب باتفاق العلماء. الثالث: زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر رواته كحديث: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا (3)» ، انفرد أبو مالك الأشجعي فقال:«وتربتها طهورا (4)» .

والصحيح قبول هذا. اهـ.

(1) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة باب فضل إخفاء الصدقة 3/ 120 - 122. " من صحيح مسلم بشرح النووي ".

(2)

فيما يختص بذلك يمكن الرجوع إلى الباعث الحثيث: 78. تدريب الراوي: 1/ 274 - 290.

(3)

سنن الترمذي الصلاة (317)، سنن أبو داود الصلاة (492)، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (745).

(4)

تدريب الراوي 1/ 245 - 247. الحديث أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة 5/ 4 " من صحيح مسلم بشرح النووي ".

ص: 316

9 -

تمييز الأحاديث المضطربة من غيرها. والحديث المضطرب في اصطلاح المحدثين هو: " الذي يروى على أوجه مختلفة - متساوية في القوة متقاربة، فإن رجحت إحدى الروايتين بحفظ راويها أو كثرة صحبته المروي عنه أو غير ذلك فالحكم للراجحة، ولا يكون مضطربا، والاضطراب يوجب ضعف الحديث لإشعاره بعدم الضبط، ويقع في الإسناد تارة وفي المتن أخرى وفيهما من راو أو جماعة "(1).

ولقد مثل السيوطي للاضطراب في المتن بما يلي:

" حديث فاطمة بنت قيس قالت: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزكاة فقال: إن في المال لحقا سوى الزكاة (2)» أخرجه الترمذي هكذا من رواية شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس. ورواه ابن ماجه من هذا الوجه بلفظ: «ليس في المال حق سوى الزكاة (3)» . . . فهذا اضطراب لا يحتمل التأويل. اهـ (4).

10 -

معرفة الأحاديث المصحفة مما أدى إلى تصويبها وبيان خطأ من أوردها، والتصحيف في اصطلاح (5) المحدثين هو: تغيير الكلمة في الحديث إلى غير ما رواها الثقات لفظا أو معنى، وهو يقع في المتن والسند. ولقد أورد المحدثون أمثلة كثيرة لذلك نورد هنا بعض ما وقع في المتن مما أورده الحاكم في مؤلفه " معرفة علوم الحديث " ومنها ما يلي: عن معمش قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا عمير ما فعل البعير، ويقصد النغير وهو طائر يشبه العصفور.

(1) تدريب الراوي 1/ 262.

(2)

أخرجه الترمذي في أبواب الزكاة، باب ما جاء أن في المال حقا سوى الزكاة 3/ 162.

(3)

أخرجه ابن ماجه في كتاب الزكاة، باب من أدى زكاته ليس يكنز من الأموال 1/ 571 حديث رقم 1787.

(4)

تدريب الراوي 1/ 266.

(5)

تدريب الراوي 2/ 193 - 195 انظر أيضا توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار 2/ 419 - 422.

ص: 317

ومنها حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تصحب الملائكة رفقة فيها خرس " والأصل جرس.

ومنها أن أحد الرواة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى نصب بين يديه شاة - فلما أنكر عليه الحاضرون ذلك أتى بجزء فيه. نصب بين يديه عنزة. اهـ (1).

وهذا يدل على أن المعنى التبس عليه؛ لأن العنزة هي العصا أو الحربة تنصب بين يدي المصلي. ويدلنا على ذلك الحديث الذي أخرجه البخاري بسنده من حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه وفيه: «ثم رأيت بلالا أخذ عنزة فركزها وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء صلى إلى العنزة بالناس ركعتين (2)» .

11 -

ظهور آداب كتابة الحديث وضبط كل ما يكتب سندا ومتنا، وقد وضح لنا ذلك ابن دقيق العيد في مؤلفه " الاقتراح في بيان الاصطلاح " حيث يقول الآتي:

" ينبغي الإتقان والضبط فيما يكتب مطلقا لا سيما هذا الفن؛ لأنه بين إسناد ومتن، والمتن لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتغيره يؤدي إلى أن يقال عنه ما لم يقل أو يثبت حكم من الأحكام الشرعية بغير طريقه. وقد اختلف الناس: هل الأولى ضبط كل ما يكتب أو يخص الضبط بما يشكل؟ فقيل: يضبط الكل؛ لأن الإشكال يختلف باختلاف الناس، فقد يكون الشيء غير مشكل عند الكاتب، ويكون مشكلا عند من يقف عليه ممن ليس له معرفة. ومن عادة المتقنين أن يبالغوا في إيضاح المشكل فيفرقوا حروف الكلمة في الحاشية ويضبطوها حرفا حرفا. ومن أشد ما ينبغي أن يعتنى به أسماء البلاد الأعجمية والقبائل العربية وقالوا: ينبغي أن يجعل بين كل حديثين دارة تفصل بينهما. وإذا

(1) معرفة علوم الحديث: 146.

(2)

أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة في الثوب الأحمر 2/ 31. (من صحيح البخاري بشرحه فتح الباري).

ص: 318

كتب فلان بن فلان وكان الأول من الأسماء المعبدة، فالأدب ألا يجعل اسم الله تعالى في أول سطر والتعبد في آخر ما قبله. وكذلك الحكم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجعل رسول في آخر سطر واسم الله مع الصلاة في أول الثاني. . . وإذا وقع سقط فالمختار من الإصلاح أن يخرج له من بين الأسطر تخريجا لا يمد كثيرا، ثم يكون في قبالة ذلك الساقط مكتوبا على جهة اليمين من الناحية العليا، فإن وقع شيء في السطر بعينه كتبه من الجهة اليسرى ".

12 -

التمكن من معرفة الحديث الغريب متنا وسندا. والحديث الغريب متنا هو ما تفرد برواية متنه راو واحد في طبقة من طبقات السند أو في جميع طبقات السند. ومثاله ما أخرجه البخاري من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه (1)» .

وهذا حديث فرد مطلق (2)؛ لأنه انفرد به الصحابي عمر في أصل سنده.

13 -

معرفة مختلف الحديث من محكمه. والمختلف في اصطلاح المحدثين هو: " أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهرا، فيوفق بينهما، أو يرجح أحدهما، وإنما يكمل له الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه، والأصوليون الغواصون على المعاني. . والمختلف قسمان أحدهما يمكن الجمع بينهما فيتعين ويمكن العمل بهما، والثاني: لا يمكن بوجه، فإن علمنا أحدهما ناسخا قدمناه

(1) صحيح البخاري بدء الوحي (1)، صحيح مسلم الإمارة (1907)، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647)، سنن النسائي الطهارة (75)، سنن أبو داود الطلاق (2201)، سنن ابن ماجه الزهد (4227)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 43).

(2)

انظر تدريب الراوي 2/ 182، 183.

ص: 319

وإلا عملنا بالراجح كالترجيح بصفات الرواة وكثرتهم في خمسين وجها (1).

14 -

معرفة ناسخ الحديث من منسوخه. وفيما يتعلق بتعريف النسخ وحكم كل من الناسخ والمنسوخ جاء في تدريب الراوي ما يلي: المختار أن النسخ: رفع الشارع حكما منه متقدما بحكم منه متأخر، فمنه ما عرف بتصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها (2)» ، ومنه ما عرف بقول صحابي:«كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار (3)» ، ومنه ما عرف بالتاريخ ومنه ما عرف بدلالة الإجماع كحديث قتل شارب الخمر في الرابعة، والإجماع لا ينسخ ولا ينسخ ولكن يدل على ناسخ. اهـ (4).

(1) تدريب الراوي 2/ 196 - 198.

(2)

صحيح مسلم الأضاحي (1977)، سنن النسائي الجنائز (2033)، سنن أبو داود الأشربة (3698)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 350).

(3)

أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في ترك الوضوء مما مست النار 1/ 141 حديث رقم 180 (مختصر سنن أبي داود).

(4)

تدريب الراوي 2/ 189 - 192، انظر أيضا فتح المغيث 3/ 64 - 66.

ص: 320