الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنا أقدم خوفي عليك على خوفي منك (1).
وفي آخر حياته وشى به حساده عند الخليفة فأرسل من أهانه وشتمه وختم على داره، وشتت عياله، وأخذ في سفينة إلى واسط فحبس في دار هناك، ومكث على ذلك الحال خمس سنين وهو يقوم بشئون نفسه من غسل وطبخ، حتى استطاع ابنه يوسف أن يجتهد وباجتهاده توصل إلى أم الخليفة فشفعت للشيخ فأطلق سراحه.
(1) الذيل على طبقات الحنابلة جـ 1 ص 409.
طلبه للعلم:
نشأ ابن الجوزي منذ نعومة أظفاره يحب العلم ويختلف إلى العلماء (ولم يكن يفعل مثل الصبيان يلعبون ويلهون ويضيعون أوقاتهم في اللعب والجري، ولكنه أوقف نفسه على الحفظ والتوغل في العلم، وقد كان لا يخرج من بيته إلا للجمعة ولا يلعب مع الصبيان).
ولقد وجد ابن الجوزي المناخ مهيأ له والأمور تسير رخاء بريح طيبة، فأهله كانوا يشجعونه على العلم، وشيوخه كذلك عندما لمسوا فيه حب العلم والتعلق به، وكان أولهم خاله ابن ناصر، وكذلك وجد بغداد تعج بالعلماء والمفكرين، فقد كانت حاضرة العالم الإسلامي كله تزدهر بالعلوم وتشرق بالمعارف وتتيه بالعلماء.
وقد وصل ابن الجوزي قمة النضج العلمي حتى أطلق عليه لقب الحافظ دلالة على مكانته العلمية الكبيرة، وقد تحدث عن نفسه فقال: أنا كتبت الحديث ولي إحدى عشرة سنة، وسمعت قبل ذلك " (1).
ولقد برع وتفوق في كل علم من العلوم وفن من الفنون، فكان في الفقه إماما يحضر مجلسه جماعة من الفقهاء الحنابلة.
أما في التفسير فكان لا يجارى ولا يبارى حتى أنه قد فسر القرآن الكريم
(1) المنتظم جـ 7 ص 182.
على منبر وعظه، وكان يقول:" ما عرفت واعظا فسر القرآن كله في مجلس الوعظ منذ نزل القرآن، فالحمد لله المنعم "(1).
ولقد بلغت مؤلفاته وتصانيفه في القرآن وعلومه سبعة وعشرين كتابا كان من أبرزها كتابه الشهير " زاد المسير في علم التفسير "(2).
وكان من المبرزين في التاريخ المتوسعين فيه، فكتب وترجم لكبار الصحابة والفقهاء، أما في الوعظ فكان وحيد عصره ونابغة قرنه، بدليل تسابق العامة والخاصة والأمراء والخلفاء على مجالس وعظه، وكان الناس يقصدونه للتوبة على يديه، ولقد حضر بعض هذه المجالس الرحالة العربي ابن جبير عند زيارته لبغداد عام خمسمائة وثمانين من الهجرة، وقد أطنب في وصفها وتأثيرها العام في المجتمع حتى قال:" تساقطوا عليه تساقط الفراش على المصباح "(3) وقال ابن رجب: " إذا وعظ اختلس القلوب وتشققت النفوس دون الجيوب "(4)، وكان ابن الجوزي كذلك أديبا ومحدثا، ويرتجل ما يريد ارتجاله، وقد حفظت لنا المصادر بعض أشعار ابن الجوزي ووصفتها بأنها حسنة أو فائقة أو لطيفة (5).
وكان له مؤلفات وتصانيف كثيرة، وقد ذكرت بعض المصادر أن الكراريس التي كتبها ابن الجوزي لو جمعت وقسمت على أيام حياته لكان له في كل يوم تسع كراريس (6).
وقد اختلف المؤرخون في عدد تصانيف ابن الجوزي ما بين الثلثمائة والأربعمائة مصنف (7).
ولهذا فقد وصل ابن الجوزي إلى مكانة علمية لم يتوصل إليها أحد قبله وبلغ منزلة لم يرق إليها عالم قط.
(1) المنتظم جـ 10 ص 251.
(2)
مؤلفات ابن الجوزي للعلوجي ص 222، 223.
(3)
ابن جبير: الرحلة ص 208، 209.
(4)
الذيل على طبقات الحنابلة جـ 1 ص 413.
(5)
تذكرة الخواص: سبط ابن الجوزي ص 46.
(6)
وفيات الأعيان جـ 3 ص 141.
(7)
شذرات الذهب جـ 4، ص 331.