الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تأويل الصفات
في
كتب غريب الحديث
الشيخ / بدر الزمان محمد شفيع النيبالي.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم، ودعا بدعوتهم، وسلك سبيلهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد، فإن من واجب المسلم أن تكون عنايته بعقيدته أكثر من عنايته بالأعمال المفروضة عليه من الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وغير ذلك، لأن الأعمال لا تؤتى جناها إلا إذا وجدت مع العقيدة الصحيحة الثابتة، السالمة من الشوائب.
ومن الأمور المهمة في العقيدة صفات الله جل وعلا. فإثباتها كما وردت، وإجراء اللفظ على ظاهر معناه بدون خوض في إدراك حقيقته، ومعرفة كيفيته هو الأصل. وأما حمل اللفظ على معنى بعيد، غير متبادر، وإجراء المجاز فيه فهو تعطيل الله تعالى عما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد هذا التعطيل في معظم كتب غريب الحديث عند بيان معاني الكلمات المتعلقة بالصفات.
وكنت قد سجلت بعض ملاحظتي حول هذه الظاهرة الزائغة أثناء مطالعتي لكتاب النهاية لابن الأثير (606 هـ)، فأحببت أن أصوغها في مقالة، وألفت بها أنظار المستفيدين من كتاب النهاية، ومصادره (1) ليكونوا على حذر من هذه التأويلات الفاسدة التي دخلت في كتب الغريب من جهة المعتزلة، والأشاعرة، وغيرها وكادت أن تقع موقعا حسنا في قلوب المستفيدين منها. ومن هنا يجدر بي أن أذكر ملخص أقوال أئمة أهل السنة في باب الصفات، ثم أناقش ما ورد في كتب غريب الحديث من تأويلها، فأقول:
قال الترمذي " وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم روايات كثيرة مثل هذا ما يذكر فيه أمر الرؤية أن الناس يرون ربهم، وذكر القدم وما أشبه هذه الأشياء. والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وابن المبارك، ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء وقالوا: تروى هذه الأحاديث، ونؤمن بها، ولا يقال: كيف؟ وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن يرووا هذه الأشياء كما جاءت، ويؤمن بها، ولا تفسر، ولا يتوهم، ولا يقال: كيف؟، وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه "(2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية نقلا عن الوليد بن مسلم أنه قال: " سألت مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي عن الأخبار التي جاءت في الصفات فقالوا: أمروها كما جاءت - وفي رواية - قالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف "(3).
ونقل عن مالك أنه قال: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة "(4).
(1) وهي كتاب الغريبين للهروي، والمجموع المغيث لأبي موسى، والفائق للزمخشري وغير ذلك.
(2)
الترمذي مع التحفة (3/ 336).
(3)
الفتوى الحموية الكبرى (24).
(4)
الفتوى الحموية الكبرى (24).
وقال في الذين يئولون الكلمات عن معناها الظاهر لتنزيه الله تعالى عن النقص والعيب إلى معنى آخر: " أما المعطلون فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات، فقد جمعوا بين التعطيل والتمثيل: مثلوا أولا، وعطلوا آخرا "(1).
وقال في بيان المذهب الحق نقلا عن الخطابي: " فإن فذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله "(2).
وجعله أصلا للباب: " فالأصل في هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسله نفيا وإثباتا، فيثبت لله ما أثبته لنفسه وينفي عنه ما نفاه عن نفسه "(3).
قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (4).
وقال سليمان بن عبد الله بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: " وكل من جحد شيئا مما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم فقد ألحد في ذلك فليقل أو ليستكثر ".
وذكر السلف فقال: " فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه، ولم يجحدوا صفاته، ولم يشبهوها بصفات خلقه، ولم يعدلوا بها عما أنزلت عليه لفظا ولا معنى "(5).
فهذه النصوص تدل على إثبات الصفة كما وردت، والاعتقاد بها حسب
(1) الفتوى الحموية الكبرى (17).
(2)
الفتوى الحموية الكبرى (34).
(3)
الرسالة التدمرية (4).
(4)
سورة الأعراف الآية 180
(5)
تيسير العزيز الحميد (646).