الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثاني: أن أبا هريرة لما مات زيد بن ثابت قال: مات اليوم حبر الأمة، وعسى الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفا (1).
والثالث: أن سعيد بن المسيب قال: إن زيد بن ثابت أعلم الناس بما تقدم من قضاء، وأبصرهم بما ورد عليه مما لم يسمع فيه شيء. . لا أعلم لزيد قولا لا يعمل به، مجمع عليه في الشرق والغرب، أو يعمل به أهل مصر، وإنه ليأتينا عن غيره أحاديث وعلم ما رأيت أحدا من الناس يعمل بها ولا من هو بين ظهرانيهم (2). .
والرابع: أن الإمام مالكا قال: إمام الناس عندنا بعد عمر بن الخطاب زيد بن ثابت، وكان إمام الناس بعده عندنا عبد الله بن عمر (3).، ولولا خوف الإطالة لعقدنا مقارنة بين فقه زيد بن ثابت رضي الله عنه وفقه الإمام مالك؛ لنرى مدى أخذ الإمام مالك بفقه زيد.
(1) تهذيب التهذيب 3/ 399 صفة الصفوة 1/ 707.
(2)
طبقات ابن سعد 2/ 360
(3)
الاستيعاب 1/ 189
7 -
سيرته مع الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء:
(أ)
زيد مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
(1)
قلنا إن زيد بن ثابت رضي الله عنه كان يجيد القراءة والكتابة عندما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا إلى المدينة من مكة، وأن رسول الله قد أمر زيد بن ثابت بتعلم لغة أو لغات أخرى غير العربية، كان رسول الله يحتاج إليها في مراسلاته كرئيس دولة، فتعلمها زيد، ولذلك فقد اتخذه الرسول كاتبا له، يكتب الوحي النازل من السماء ويكتب له كتبه إلى القوم وإلى ملوك الأرض (1). وأراد رسول الله أن يحسن مستوى زيد بالكتابة فجعله في عداد الذين نالهم تعليم من لا يملك فداء من أسرى بدر (2). .
(1) تاريخ الطبري 6/ 179
(2)
طبقات ابن سعد 2/ 22
ولازم زيد رسول الله. ككاتب له، لا يفارقه، وكثيرا ما يكون إلى جنبه، قال زيد: " كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيته السكينة، فوقعت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فما وجدت ثقل شيء أثقل من فخذ رسول الله، ثم سري عنه، فقال لي: اكتب، فكتبت في كتف {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (1) فقام عمرو بن أم مكتوم - وكان رجلا أعمى - لما سمع فضيلة الجهاد فقال: يا رسول الله فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين؟ فلما قضى كلامه غشيت رسول الله السكينة، فوقعت فخذه على فخذي، ووجدت من ثقلها في المرة الثانية كما وجدت في المرة الأولى، ثم سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ يا زيد، فقرأت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (2) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} (3) الآية كلها. قال زيد: أنزلها الله وحدها، فألحقها، والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف. وكان زيد كثيرا ما يجلس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤلف القرآن من الرقاع عنده (4). .
(2)
وخص رسول الله زيد بن ثابت بشيء من الرعاية والتوجيه، وعلمه بعض الأدعية ليدعو بها، ويتعاهد به نفسه وأكله كل يوم فقال له: «يا زيد قل كل يوم حين تصبح: لبيك اللهم لبيك وسعديك، والخير في يديك، ومنك وبك وإليك، اللهم ما قلت من قول أو من نذر، أو حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه، ما شئت كان، وما لم تشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بك، إنك على كل شيء قدير، اللهم ما صليت من صلاة فعلى من صليت وما لعنت من لعن فعلى من لعنت، إنك أنت وليي في الدنيا والآخرة، توفني مسلما وألحقني بالصالحين، أسألك اللهم الرضى بعد القضاء وبرد العيش بعد
(1) سورة النساء الآية 95
(2)
سورة النساء الآية 95
(3)
سورة النساء الآية 95
(4)
فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل برقم 1728
الممات، ولذة النظر إلى وجهك، وشوقا إلى لقائك من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، أعوذ بك اللهم أن أظلم أو أظلم، أو أعتدي أو يعتدى علي، أو أكسب خطيئة محبطة، أو ذنبا لا يغفر، اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، ذا الجلال والإكرام، فإني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا، وأشهدك وكفى بك شهيدا، أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد وأنت على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك، وأشهد أن وعدك حق، ولقاءك حق، والجنة حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأنت تبعث من في القبور، وأشهد أنك إن تكلني إلي نفسي تكلني إلى ضيعة وعورة وذنب وخطيئة، وأني لا أثق إلا برحمتك، فاغفر لي ذنبي كله، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وتب علي إنك أنت التواب الرحيم (1)». .
(3)
ولما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيد إجادة الحساب عهد إليه بإحصاء الناس يوم خيبر وحساب الغنائم لهم. فأحصاهم ألفا وأربعمائة، وأحصى الخيل مائتي فرس، وكان السهمان على ثمانية عشر سهما لكل مائة فرس، وللخيل أربعمائة سهم (2). .
كما أوكل إليه يوم الجعرانة إحصاء الناس والغنائم - بعد أن أعطى منها عليه الصلاة والسلام ما أعطى - ثم قسم الغنائم على الناس، فكانت سهامهم لكل رجل أربع من الإبل وأربعون شاة، فإن كان فارسا أخذ اثني عشر من الإبل وعشرين ومائة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس لم يسهم له (3). - على ما ذكره ابن سعد -.
(1) مسند الإمام أحمد 5/ 191
(2)
طبقات ابن سعد 2/ 107
(3)
طبقات ابن سعد 2/ 153